مهما بلغ الإنسان من اليقين بأخبار الحقائق ( عن طريق الوحي قرءانا وسنة) فلن يدركها على وجه كأنه يراها حتى يسلك إليها مسالك الروح تخليةً وتحليةً وعدم غفلة، فعندئذ سيقول ما قال الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم {هَٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱلله وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ ٱلله وَرَسُولُهُۥ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّآ إِيمَٰنًا وَتَسْلِيمًا} فيفتح له بعد ذلك باب الترقي في مدارج القرب، فما عليه إلا المحافظة على شهود الفضل والتزام الأدب، ليكون بذلك كاملا في مقام العبودية متعرضا بفضل الله تعالى لما ينفع خاصا وعاما مما يظهر من أسرار لطائف شؤون الربوبية.

على المسلم في هذا الزمان الغريب العجيب المليئ بالتقلبات أن يوطّن نفسه على الثبات على نور الله جل وعلا، فلا يكون مستجيبا بقصد أو بغير قصد لهؤلاء الذين يسعون بالليل والنهار لإطفاء ذلك النور، ولا يتم للعبد هذا حتى يضمن لنفسه علما يكشف له حقيقة هؤلاء الذين يسعون لإطفاء نور الله تعالى، ويكشف له أسباب إتمام نوره سبحانه.
فلا بد أن يضمن لنفسه هذا العلم، ويضمن لنفسه قوة الإرادة التي تمكنه من الثبات على عدم قبول ما يطفئ نور الله تعالى، والثبات على الأسباب التي تأخذه إلى مقام إتمام نور الله جل وعلا.

إن انحراف أمة الإسلام أخطر من انحراف سائر الأمم لجمعها بين انحراف في المعاصي والأخلاق التي عليها سائر الأمم وانحرافها انحرافا خاصا بها لتركها السعي للإصلاح نيابة لنبيها، وربما سعت للإصلاح على غير منهج نبيها تركت من جهة وبدلت وعوضت من جهة أخرى، فصارت أمة الإسلام تطلب الإصلاح بغير منهج نبيها، بغير المنهج الرباني الذي جاء من الله تعالى مع أن المنهج ليس خفيا، بل هو من أظهر الأمور وهو مصرح به في القرآن وهو منقول عن النبيء صلى الله عليه وسلم في الآثار، ولكن إذا نزل الحجاب بين الناظر والمنظور، بين الرائي والمرئي فالعيب في قبول الحجاب.

من أراد أن يُرحم في الدنيا والآخرة فليس له خيار إلا أن يصحح برسول الله صلى الله عليه وسلم التصديق والاعتقاد، وأن يحسن له عليه الصلاة والسلام الاتباع والانقياد.