كان أبان بن عثمان يروي هذا الحديث عن أبيه عثمان رضي الله عنه راوي الحديث، وهو يُحدّث الناس بما سمع من أبيه عثمان رضي الله عنه.

فرجل نظر إلى أبان متعجبًا لأن أبان كان به طرف فالج (مثل الجلطة، سبّبت له شللًا، انسداد مفاجئ يصيب الشرايين فتتعطل منفعتها) ومع ذلك يقول هذا الحديث الذي فيه: لم تُصبه فاجئة بلاء!
والجلطة بلاء مفاجئ! فكيف تقول شيئ وفيك شيئ من البلاء المفاجئ وأنت تحافظ على هذا الذِّكر؟!

ففهم أبان من نظراته، وقال له: أما إني ما كذبت على عثمان ولا كذب عثمان على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكني كنت غضبانًا حينئذ فنسيتها، ليمضي الله عليّ قدَره.

ففي ذلك اليوم غضب أبان فنسي أن يقول هذه الكلمات فوقع قدَر الله وأصيب أبان بالجلطة!

#السميع
#العليم

من أذكار الصباح والمساء:
" بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيئ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم "
من قالها ثلاثًا لم يضره شيئ، ولم تُصبه فجأة بلاء.

لاحظوا بداية الدعاء بكلمة (بسم الله)
لتعلم أن سبيلك للوصول إلى مراداتك، معرفتك أسماء الله الحسنى وصفاته.

﴿۞ وَقَالَ ٱرۡكَبُوا۟ فِیهَا بِسۡمِ ٱللَّهِ مَجۡرٜىٰهَا وَمُرۡسَىٰهَاۤۚ إِنَّ رَبِّی لَغَفُورࣱ رَّحِیمࣱ﴾ [هود ٤١]

(بِسۡمِ ٱللَّهِ مَجۡرٜىٰهَا وَمُرۡسَىٰهَاۤۚ)
فأنت تصل لمراداتك بأسماء الله، يعني بستره وبرزقه وبهداه وبحوله وبقوّته وبكرمه وبمغفرته وبعزته،،، الخ ما تعرف من أسماء الله الحسنى وصفاته ..

بسم الله: واسم الجلالة الله هو الجامع لمعاني أسماء الله الحسنى، وأمسك الله عز وجل الألسنة عن أن يتسمّوا به، وهو الاسم الذي إذا ذُكر على شيئ باركه، وإذا ذُكر على داء أذهبه الله، وإذا نزل على قلب خائف أمّنه ..

وقيل الباء في (بسم) للاستعانة، والتبرك بأسماء الله الحسنى.

﴿وَیَبۡقَىٰ وَجۡهُ رَبِّكَ ذُو ٱلۡجَلَـٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ﴾ [الرحمن ٢٧]
﴿تَبَـٰرَكَ ٱسۡمُ رَبِّكَ ذِی ٱلۡجَلَـٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ﴾ [الرحمن ٧٨]

يعني هذه الأسماء باقية ببقاء وجه الله عز وجل، ومتمددة ومباركة.

فتجد البركة في حياتك إذا لزمت أسماء الله عز وجل، ولايزال الله عز وجل يزيدك من الخير والقبول والنعم ويزيدك من ملاحظة آثارها حتى تسري في شعورك وتراها في الكون المنظور فتعبده كأنك تراه سبحانه وتعالى.

فإذا رأيت الجمال ذكرت اسم الله الجميل، إذا رأيت الجبال ذكرت اسم الله العظيم، إذا رأيت البحار ذكرت اسم الله الواسع، الخ ما تعرف من أسماء الله، وفي كل شيئ آيات تدل على أنه واحد.

كل شيئ يفنى ويهلك إلا وجه الله جل جلاله، وما أريدَ به وجهه الكريم يبقى ببركة الصدق والإخلاص ولزوم الأسماء المباركة، فهذه الأسماء بوابتك للتعرف على الله عز وجل.

فكيف تعبد الله وأنت لا تعرف أسماءه!
أين أنت عن اسم الله القدوس؟ أين أنت عن اسم الله المقيت؟ أين أنت من اسم الله الحق؟

كل اسم له رحلة خاصة يجب أن تخوضها بنفسك، فإذا دخلت الاختبار وفسّرت أفعال الله بصورة صحيحة بما تعرفه من أسماء الله، نجحت ترقيت في الدرجات،

وهناك أسماء ربما تأخذ منك مائة عام لتنجح فيها كما حصل مع الرجل الذي أماته الله مائة عام.!

إبليس كان يعرف أنه لن يصل إلى مراداته إلا بأسماء الله وصفاته، ولذلك قال :
{فَبِعِزَّتِكَ لَأُغۡوِیَنَّهُمۡ أَجۡمَعِینَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنۡهُمُ ٱلۡمُخۡلَصِینَ}

فتوسل الخبيث بعزة الله لأجل أن يغوي بني آدم! ثم استثنى الذين لزموا الأسماء الحسنى وأخلصوا لله لأنه لن يستطيعهم!

والنبي صلى الله عليه وسلم توسل بالعزة لأجل أن يثبت على الحق فقال:
أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحيّ الذي لا يموت، والإنس والجن يموتون.

إذن تقديم الجار والمجرور يفيد الحصر (بسم الله) فالأصل لما أسمّي الله كأن المعنى: أجلس على الكرسي بسم الله، أأكل بسم الله، وهكذا، لكن تقدّمت الباء للحصر.

مثل في الركوع نقول (لك ركعت) ولا نقول اللهم ركعت لك ، بل لك ركعت يعني لا أنحني إلا لك .

" وهو السميع العليم "

السميع الذي لا تخفى عليه خافية، لا تختلط عليه الأصوات ولا يتبرم بكثرة إلحاح المُلحّين في الدعاء، سميع يجيبك يسمعك ويعطيك.

العليم : الذي وسع علمه كل شيئ ..

فأحيانًا الأذى يكون داخلي، ويكون خارجي ،،

فالسميع للأذى الخارجي، فيحفظك من الشرور النازلة من السماء أو الموجودة بالأرض ،، يسمع الكيد والمكر والحسد والخطط والشر الذي أريدَ بك ،،

والعليم بالأذى الداخلي كالوساوس التي يقذفك بها الشيطان ليوهن بها قلبك، فيحفظك الله من شرّه ويدفع عنك تلك الخواطر السيئة ويُلقي في قلبك ما يزيد إيمانك.

فالاسمين للعصمة من الشرور الخارجية بالسميع، والعصمة من الشرور الداخلية بالعليم.

ولاحظوا ذلك في القرآن الكريم:

{فَسَیَكۡفِیكَهُمُ ٱللَّهُۚ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ} [سورة البقرة ١٣٧]

﴿ذُرِّیَّةَۢ بَعۡضُهَا مِنۢ بَعۡضࣲۗ وَٱللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ﴾ [آل عمران ٣٤]

﴿وَإِمَّا یَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ نَزۡغࣱ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ سَمِیعٌ عَلِیمٌ﴾ [الأعراف ٢٠٠]

﴿فَٱسۡتَجَابَ لَهُۥ رَبُّهُۥ فَصَرَفَ عَنۡهُ كَیۡدَهُنَّۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ﴾ [يوسف ٣٤]

﴿وَكَأَیِّن مِّن دَاۤبَّةࣲ لَّا تَحۡمِلُ رِزۡقَهَا ٱللَّهُ یَرۡزُقُهَا وَإِیَّاكُمۡۚ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ﴾ [العنكبوت ٦٠]

#القادر
#القدير

في قوله تعالى:
﴿أَوۡ كَٱلَّذِی مَرَّ عَلَىٰ قَرۡیَةࣲ وَهِیَ خَاوِیَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ یُحۡیِۦ هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۖ فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِا۟ئَةَ عَامࣲ ثُمَّ بَعَثَهُۥۖ قَالَ كَمۡ لَبِثۡتَۖ قَالَ لَبِثۡتُ یَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ یَوۡمࣲۖ قَالَ بَل لَّبِثۡتَ مِا۟ئَةَ عَامࣲ فَٱنظُرۡ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمۡ یَتَسَنَّهۡۖ وَٱنظُرۡ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجۡعَلَكَ ءَایَةࣰ لِّلنَّاسِۖ وَٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡعِظَامِ كَیۡفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكۡسُوهَا لَحۡمࣰاۚ فَلَمَّا تَبَیَّنَ لَهُۥ قَالَ أَعۡلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ﴾ [البقرة ٢٥٩]

هذا الرجل الذي مرّ على قرية خربانة محطمة لا حياة فيها، يعني ما فيه أسباب يراها بعينيه تقول يمكن إعادة الحياة إليها أبدًا أبدًا ،،

وهو رجل مؤمن لكنه ليس في درجة أولياء الله الصالحين، لأن أولياء الله عندهم يقين تام ولا يمكن أبدًا يخرج منهم هذا التفكير ،، وإنما هنا هو شخص مؤمن إيمان عادي، ولأنه مؤمن فالله عز وجل من رحمته به تولاه فربّاه على كلمة قالها أدخلته تربية لمدة مائة عام!

أماته الله مائة عام ،، والموت في هذه القصة يُمثّل أي شدة يدخلها الناس عمومًا ..

فلأن الخاطرة التي مرت على قلبه كانت خطيرة، والأمر في العقيدة، فكانت التربية مدتها طويلة ليستوعب الدرس ..

أهله فقدوه! بحثوا عنه في كل مكان وما وجدوه! فأكيد حزنوا عليه وظنوا أنه مات!

وهذه رسالة للآباء والأمهات، أو أي أحد له عزيز على قلبه، أنه أحيانًا يكون الذي تحبه ما يستوعب كلامك عن الله ولا قلبه ملتفت لنصائحك، وهو مشغول بالأسباب والدنيا والجري فيها!

وأنت قلبك يتقطع عليه وتودّ لو أن يملأ الله قلبه بالإيمان واليقين ،،

فمن ولاية الله سبحانه وتعالى له أنه سبحانه يتولى إدخال الإيمان لقلبه من خلال تلك الشدائد التي يمر بها فتجعله في الأخير يقول أعلم أن الله على كل شيئ قدير ..

ويكون زمن الشدة على حسب درجة الضعف في العقيدة الحاصل في القلب ،،
حتى إذا حصل المقصد رُفع البلاء فزالت الشدة ..

فهذا الرجل في القصة أدرك أن الله أماته مائة عام لمّا رأى حماره قد تحلل! والقرية تغيّرت تمامًا، ولكن العجيب أن الطعام الذي هو أسرع في الفساد بقي محفوظًا بحفظ الله لمدة مائة عام!

فلذلك خرج من التربية لديه يقين بالله وقال أعلم أن الله على كل شيئ قدير ،،

فكل شدة تدخلها صورتها الموت لهذا الرجل مائة عام، ومقصدها أن تخرج من التربية وقد شهدت بنفسك آثار كمال قدرة الله عز وجل المطلقة، وكيف أنه سبحانه فوق الأسباب، وكيف ألطافه لك داخل البلاء، وكيف إخراجه لك من هذا البلاء، وكيف كفايته بدون أسباب! وكيف وكيف ... فما تقول بعدها أبدًا كلمة هذا مستحيل يحصل لأن ما فيه أسباب! ولا تقول كيف وما معي أموال، ولا تقول كيف وليس معي واسطات! ولا تقول كيف يُرخص الله لي أنا الأسعار في هذا الغلاء! ..
وإنما ستبقى طول عمرك تقول أعلم أن الله على كل شيئ قدير ..

#المتكبر

?

المتكبر

ورد الاسم في أواخر سورة الحشر، ولابد نلحظ ترتيب الأسماء الحسنى في الآية، فإنّ لذلك حكمة!

{ هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِی لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡقُدُّوسُ ٱلسَّلَـٰمُ ٱلۡمُؤۡمِنُ ٱلۡمُهَیۡمِنُ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡجَبَّارُ ٱلۡمُتَكَبِّرُۚ سُبۡحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا یُشۡرِكُونَ } [سُورَةُ الحَشۡرِ: ٢٣]

فاسم المتكبر جاء في نهاية الأسماء بعد الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار .

فالمتكبر سبحانه هو المَلك الذي يملك حاجتك، فما فيه حاجة لك إلا وهي في مُلكه سبحانه، والمتكبر سبحانه قدّوس تنزّه عن صفات المخلوقين فما فيه واسطة بين الله وبين خلقه وإنما في أي وقت احتاجوا شيئًا من الملك سبحانه دخلوا عليه بالصلاة والدعاء وسؤاله مباشرة،
فالمتكبر ستجد عنده السلام من كل بلاء ومن كل شر ومن كل داء ومن كل مخاطر، حتى أنه يسلّم عباداتك من أن تضيع، فيكمل لك نقصها، وهو المؤمن الذي يؤمّن مخاوفك ويُصدّق عباده المؤمنين فيما أخبروه عنه عز وجل، وهو صادق في وعده،
أيضًا المتكبر مهيمن على كل حياتك وحياة كل الخلق، يعلم حتى ما في قلبك ولم ينطق به لسانك، فمع المهيمن تشعر بالأمن والحنان،
والمتكبر عزيز لا يمتنع عليه شيئ، قوي لا يغالبه مغالب، يعزّ أولياءه ويذل أعداءه، وهو الجبار الذي يجبر قلوب المنكسرين ويقصم ظهور المتجبرين!

فهل وجدت كمالًا مثل هذا عند أحد من المخلوقين؟!!
سبحانه وتعالى عما يشركون.

لذلك أنت الذي تحتاج إليه سبحانه، وهو لا يحتاج إليك!

فلا تظن أن الله سيُلاحقك، بل أنت من تذهب إليه وتسعى في رضاه وتتفطر قدماك للقياه والوقوف بين يديه والتضرع والخشوع والانكسار والتذلل إليه سبحانه وتعالى عما يشركون.

لذلك الانسان المتكبر هذا انسان ناقص، يظن في نفسه الكمال وأن الناس يحتاجون إليه وهو لا يحتاج إليهم!! لذا فقد توعده الله بجهنم {فبئس مثوى المتكبرين} والله تعالى لا يحب المستكبرين، فما من متكبر إلا ويقصمه الله في الدنيا قبل الآخرة.

لذا في الحديث القدسي "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما عذّبته"

وانظر لأحد منا هل يرضى أن يأتي أحد وينازعه في إزاره أو ردائه ؟
لا يرضى طبعًا.
الإزار هو الجزء الذي يُلبس من تحت فيُلف على منطقة الجسم من تحت، والرداء هو الذي يوضع على الكتفين، وكان هذا لباس العرب وقتها .

ولله المثل الأعلى ..
فبقدر ما يكون في القلب الإيمان بكبرياء الله وتعظيمه، يكون التواضع لله عز وجل وأكثر انقيادًا لأوامر الله تعالى ومباشرة يكون منك سمعنا وأطعنا.
وكلما كنت أيضًا أكثر تواضعًا للخلق وكنت بعيدًا عن الحسد للناس.

أ. سارة السيف (بتصرُّف بسيط)

?

قال يزيد بن أبي حبيب:

بلغني أنّ مِن حملة العرش من يسيل من عينيه أمثال الأنهار من البكاء، فإذا رفع رأسه قال: سبحانك ما تُخشى حق خشيتك! سبحانك ما تُخشى حق خشيتك!
فيقول الله تعالى : لكن الذين يحلفون بـ اسمي كاذبين لا يعلمون ذلك!

وقد ورد التشديد العظيم في الحلف الكاذب، ولا يصدر كثرة الحلف بالله، والحلف به كاذبًا إلا من الجهل بالله وقلة هيبته سبحانه في الصدور .

أ. أناهيد السميري

#الحفيظ

?

يقول تعالى

{ هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِیظࣲ (٣٢) مَّنۡ خَشِیَ ٱلرَّحۡمَـٰنَ بِٱلۡغَیۡبِ وَجَاۤءَ بِقَلۡبࣲ مُّنِیبٍ (٣٣) }
[سُورَةُ قَ]

الحفيظ بمعنى الحافظ لذنوبه حتى يرجع منها، يعني متذكرها،
وهذا التذكر نعمة من الله عز وجل لأن تذكُّر الذنوب يسبب أنه كل مرة يتذكر في خاطره الذنب، يجدد التوبة فيتوب ويرجع، يعود مرة أخرى ويتذكر تلك الذنوب فيرجع بنفس الحرارة يتوب عنها...!

فلما يرجع يتوب عن تلك الذنوب بنفس الحرارة، يُرجى لمثل هذا أن يكون ممن بُدِّلت سيئاته حسنات لأن فيه حرارة فيه إحساس بالألم الشديد أنه أنا عصيتك يارب وأذنبت!

حتى لو تاب يعود ويتوب ويعود مرة أخرى ويتوب، فيبقى حافظًا لذنوبه ويتوب منها باستمرار متأملًا أن هذا الألم الذى يشعر به في الدنيا سيكون سببًا لئلا تُعرض عليه مرة أخرى في الآخرة ولا تكون موجودة في صحائفه وأن يمحوها الله عز وجل محوًا .. يا رب هذا رجاؤنا فيك يا رب العالمين.

أ. أناهيد السميري

#الوهاب

يهب العطاء في الدنيا على سبيل الابتلاء، ويهب العطاء في الآخرة على سبيل الأجر والجزاء.

فعطاؤه في الدنيا علَّقه بمشيئته، وابتلاء الناس بحكمته؛ ليتعلق العبد بربه عند الدعاء والرجاء، ويسعد بتوحيده وإيمانه بين الدعاء والقضاء.

وهذه أعظم الهبات والعطاء، إذا أدرك العبد حقيقة الابتلاء.

وإذا علم العبد ذلك، أورث هذا الاسم محبة العبد لربه، والقيام بحمده وشكره، والتعلق به على الدوام.

انتظار الفرج من أعظم الأعمال، واعتقاد أن اختيار الله أفضل من اختيارك وأن النتائج ستكون أعظم مما كنت ترجو.
وللآخرة خير لك من الأولى، إن استعملت حسن الظن بالله وبقيت منتظرًا الفرج داعيًا راجيًا متوكلًا مستعيذًا من الشيطان الرجيم.

فهذه هي الأعمال المطلوب منا العمل بها.
فالقرآن يغيّر تفكيرك.

النموذج الأخير: وهو يحتاج تركيز، سورة من السور المشهورة والتي تُقرأ في الصلاة، سورة البروج.
أين العمل؟
سيظهر العمل لما تفهموا الإقسامات، لازم فيه علاقة بين قسم الله وبين ما أقسم عليه.

الأمر الأول {والسماء ذات البروج} فهذه الآية فيها عمل خفي، يقسم تعالى بالبروج التي هي مواطن الكواكب والنجوم، الشمس والقمر وغيرها.
هذه الكواكب لها أبراج.
فمن أين لنا أن السنة اثنا عشر شهرًا؟
بسبب هذه الآية، الله جعل للشمس بروجًا يعني مثل القصور في السماء، اثنا عشر برجًا، الشمس تستدير في هذه البروج شهرًا وراء شهر، ثم لما تنتهي تبدأ من جديد، وهذا هو الفَلَك الذي تسبح فيه الشمس.
الشمس من أن خلقها الله إلى قيام الساعة لن تخرج عن هذه البروج.

الآن فيه مطبوعات بمواقيت شروق الشمس وغروبها، حُسبت بناءًا على هذه البروج.
لو اليوم الشمس تغيب في هذه المنطقة الساعة ٥:١٦ ، فالسنة القادمة في هذا اليوم في هذه المنطقة ستغيب الشمس الساعة ٥:١٦ ولا يمكن أن ينفلت أبدًا هذا النظام.

ومثلها القمر، ينتقل في بروجه إلى أن يبتدر إلى أن يعود، وهو يتردد بين أن يكون الشهر ٢٩ أو ٣٠ وهذه لحكمة يبغى لها تفصيل.

قلنا أن هذه الآية فيها عمل المفروض نقوم به،
فملاحظة حركة الشمس في بروجها طوال العام من إيمانك بالله.

أقسم الله بها ليقول لنا أن كل شيئ موضوع في مكانه، ونموذج هذا أن هذه الشمس موضوعة في مكانها وهذا القمر وهذه الكواكب كل في بروجه لا يخرج عنه،
فإذا كل شيئ موضوع في مكانه فمن الذي لازال ليس موضوعًا في مكانه وأن الدنيا مكان اختباره ليوضَع بعد ذلك في مكانه؟
الانسان.
والانسان ليوضع في مكانه سيكون هذا في اليوم الموعود.

فالله تعالى أبقى للناس الحرية التي تجعلهم يختارون مكانهم في اليوم الموعود.
سينتظم شأن الناس في اليوم الموعود، فالله يحكم عليهم ويعلم أعمالهم، لكن من باب زيادة التأكيد عليك يقال لك أن كل شيئ سيتحول إلى شاهد ومشهود، فما يستطيعون وقتها كذبًا ولا تلاعبًا.

وقد ذكر أهل العلم ربما ٢١ قول في شاهد ومشهود حتى ذكر بعضهم يوم الجمعة شاهد ويوم عرفة شاهد، كل شيئ حولك سيتحول لشاهد ومشهود.

فعمل الناس في الدنيا في مساحة الاختيار والاختبار، والدنيا ليست دار جزاء للأولياء ولا عقاب للأعداء.
ونحن نقول رضينا بالله ربًّا أن جعل الدنيا مكانًا للاختبار وجعل الآخرة مكانًا للجزاء.

فأتت قصة أصحاب الأخدود تقول لنا هؤلاء الطاغون وهؤلاء الأولياء، هل يمكن أن ينصر الله أعداءه على أوليائه؟
نقول أن الدنيا موضع اختبار وليست دار جزاء، لكن الآخرة هي دار الجزاء، والدنيا بالنسبة للآخرة لا شيئ لا زمنًا ولا نعيمًا ولا بؤسًا.
فالناس في الدنيا ليس شرطًا أن يوضعوا في أماكنهم، أولياؤه يمكن أن يلقوا بهم أعداءه في النار وهم أحياء ولكن هذا سبب أن تحملهم الملائكة على النُّجب إلى الجنة ويتمنى وقتها أهل العافية لو أنهم نُشروا بالمناشير في الدنيا لما رأوا جزاء أهل البلاء.

الله عزيز قادر على عزهم، لكنه أراد عزهم في الجنة، وهو حميد سبحانه محمود على كل فعله، وأنه لو سلّط أعداءه على أوليائه فإنما هذا التسليط باب للرفعة والمغفرة.

{وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد} 

الناس في الدنيا يقعون في نار الفتن، نار تسليط الأعداء، وهم يصبرون ويتوكلون على الله، ثم إذا هم من هذه النار ينفذون إلى جنات النعيم.

لا تظن أن الله غافل عما يحصل في أي بقعة في الأرض، بل الله على كل شيئ شهيد، فهذا الذي نعتقده في الله وأن الله على كل شيئ قدير.

الله يُجري البلاء على يد أعدائه لرفعة أوليائه ولإسقاط أعدائه في الجحيم.

والحمد لله رب العالمين

أ. أناهيد السميري

هؤلاء قوم تجبروا وتكبروا ويريدون أن يعتدوا على الكعبة لأنها رمز عظمة الله ودين الله، فكانوا مغتاظين منها، وهذا من الطغيان.
ماذا فعلوا؟ كيف كادوا؟
خرجوا من ديارهم بجيش عظيم وساروا الطريق العظيم بين اليمن ومكة، وتركهم الله يسيرون فما منعهم وهو قادر على أن يمنعهم وقادر أن يخسف بهم الأرض، لكن تركهم يسيرون حتى وصلوا للطائف وما خسف بهم الأرض، تركهم يكيدون يكيدون إلى أن أصبحوا هم ومرادهم أمام بعض!

الناظر من بعيد يقول هلكت الكعبة! وانتهى الموضوع!
فرب العالمين يقول تأملوا كيف ربنا يوصل الطاغين إلى مرحلة يشعرون فيها أنهم في غاية التمكن من مقصودهم! يُوصل الكائدين إلى حال كأنهم أطبقوا على المكيدين! وما بينهم وبين الطرف الثاني إلا أمتار!

وهذا تأمليه في كل زوايا الحياة، فمن وقع عليه الكيد يدعو يدعو يدعو، والأمر يزداد يزداد يزداد والأمر يكاد يكون منطبق عليه خلاص! بينه وبين كيدهم لحظة واحدة.

فربنا يقول لك استعمل هذا الظن معي، ألم يصل أصحاب الفيل إلى أن رأوا الكعبة؟ وفاوضوا قريشًا وكأن الموضوع انتهى!
فلما اطمأن الكائد ووصل من وقع عليه الكيد إلى غاية الاضطرار، جاء أمر الله فجعل كيدهم في تضليل.

انتهينا من وقت الفرج، فالآن غيّر مفهومك واعمل وانكسر وتذلل وأحسن الظن حتى لو رأيت البلاء نازلًا عليك.

نأتي للأمر الثاني: ما عندي أسباب لدفع كيدهم! وما عندي أي شيئ يردّ كيدهم عنا! ونحن متصورون أن الأسباب لازم تكون ضخمة على قدر كيد الكائدين!
فيقال لك أحسن الظن بالله وثق بالله وتأكد أن لله جنود السماوات والأرض وكن متأكدًا أن الكائدين أيًّا كان حالهم إنما هم عبيد لا يحتاجون في إهلاكهم الشيئ الكبير.

فماذا فعل الله في إهلاكهم؟ ولماذا هذه الصورة؟
طير حمل حجارة!
يعني هؤلاء أصحاب الفيل، أكبر ما يكون وأضخم ما يكون والعرب ما تعرفه، فأكيد هذا بسببه دب الرعب فيهم، فيذهبون ليس بطير وإنما بحجارة صغيرة تلقى عليهم فتهلكهم.

يعني أنت تتصور أن ربنا ليبطل كيد الكائدين لازم يكون فيه حلول ضخمة؟! لا والله، بل لله جنود السماوات والأرض.
وكم من أناس كِيدَ لهم حتى ظنوا أنهم هالكون، ثم يأتيهم الفرج من أيسر باب لم يعتقدوا أنه له قيمة أصلًا.

ماذا فعلت بهم هذه الحجارة؟
جعلتهم كعصف مأكول، وانتهى أمرهم.
فهذه الحجارة جند من جنود الله.

إذن أحسنوا الظن بالله، وكما يقول ابن عباس: لو انطبقت السماوات على الأرض لجعل الله للمتقين مخرجًا.

إذن تعلّم أن ربك على كل شيئ قدير، واعمل بألا تقف إلا على بابه ولا تثق إلا به ولا تتوكل إلا عليه.

ولماذا ربنا ما أهلكهم من البداية؟
لأن الدنيا اختبارات، فأنت تثق أن الله لا يضيّع دعاؤك، فانتظارك للفرج هذه عبادة.
والحياة مليئة بمثل هذه المواقف عليك وعلى الأمّة.

فرب العالمين الذي وصفه أنه على كل شيئ قدير وبكل شيئ عليم، علم بهؤلاء السائرين من اليمن لكنه أخّرهم من باب اختبار الخلق وأن الله يمد لأهل الباطل إلى أن يأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
فلا تخاف من الكائدين، وثق بالله ثقة من يرى أن فرج الله أقرب من كيد الكائدين وعداء الأعداء.

فعلّم من تعلّمهم أن علينا حسن الظن بالله.

النموذج الثاني سورة الضحى، سنختار آية واحدة للنقاش وهذه الآية نافعة لنا في أسلوب حياتنا وفي تفكيرنا.
{وللآخرة خير لك من الأولى}
هذه قاعدة تخبرنا عن سُنة ربانية، الله يخبرنا بها ونحن سنعمل بها.

الآخرة هي التي عند الله والتي تقابل الأولى وهي الدنيا.
لكن معنى آخر ذكره أهل العلم وهو أن الآخرة آخر كل أمر خير لك من أوّله.

أنت أم تزوجين بنتك، تقولين لها أن الله من سُنته جعل آخر كل أمر خير من أوله، ففي أول الحياة الزوجية ليست كما تتصورين أنها هي الأفضل، بل بعدما تنطفئ الأيام الأولى تبدأ المشاكل وتبدأ تشعر أن هذا الرجل ما ينفعني!
تقولين لها اسمعي، أنت تدخلين على هذا الزوج ويصير فيه مشكلة في مسألة الرزق أو مسألة أهله أو مسألة كذا، متى نجتمع؟ نذهب عند أهله أم عند أهلي؟
في أول الأمر اعطي نفسك فرصة واعملي بحسن الظن بالله وبدعاء الله ورجاء الله، فإذا عملت بهذا فآخر هذا الأمر سيكون خيرًا لك من أوله.

بهذا ستصبر على تجارتك، على حفظ القرآن، على عملك، فالأمور لا تؤخذ بالعجلة، فآخر كل شأن خير من أوله، فلتكن مليئًا بحسن الظن بالله ولتعمل بظنك في الله.

فمثلًا في حادثة الإفك، أول معرفتها بهذا الأمر كان الضيق أشد ما يمكن لمرأة عفيفة تشعر به، ثم آخره آيات تتلى فيها إلى قيام الساعة، هذا لو أنت فعلت ما يجب عليك من حسن الظن ومن الصبر ومن الرجاء ومن الدعاء والتوكل على رب العالمين، وتدعو دعاء من يثق أن الله على كل شيئ قدير وبكل شيئ عليم.

لكن ما حصل للشباب اليوم من العجلة والضجر فهذا لأن قاعدة من قواعد القرآن لم يُعمَل بها.

انظروا لمريم عليها السلام والضيق الذي مرت به لدرجة قالت يا ليتني مت قبل هذا، وفي الآخر أحيا الله ذكرها وصار عيسى ابن مريم في كتاب الله.

#الخلاق

?

﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلۡخَلَّـٰقُ ٱلۡعَلِیمُ﴾ [الحجر ٨٦]

ذِكر اسميّ الله الخلّاق العليم
كأنه يقال أن ربك الذي يُربّيك بأقداره وبرحمته، عليك أن تعبده بكل قَدَر خلَقَه لك، لأنه هو عليم بما ينفعك .. وقادر أن يخلق لك الفرَج بـ كُن فيكون ..

لكنه سبحانه حكيم، عليم بالوقت المناسب الذي يأذن فيه بالفرَج ..

فاجعل ثقتك في الخلّاق العليم قوية، ففي لحظة يخلق لك الفرَج من حيث لا تحتسب، وكم خلَق أنواعًا عجيبة من الفرَج للصالحين!
لأنه خلّاق عليم يُحب الصادقين في دعائهم وفي عباداتهم وفي كل أحوالهم ..

ومن لُطفه أنه يخلق لهم بصيرة يرون بها الحق من الباطل، يرون بها حقائق الأمور، فيُعينهم ذلك على الصبر والرضا والتسليم لله رب العالمين ..

فمَن فقِه معاني هذين الاسمين الخلّاق العليم، وتوسّل لله سبحانه بهما متيقّنًا أنه سبحانه قادر في لحظة يخلق له الفرَج ،، فليُبشر بكل خير.

كيف يعني أتوسل لله بهذين الاسمين؟

يعني أجمع في قلبي وأتذكر المواقف التي خلَق الله لي فيها الفرَج وجاءني من حيث لا أحتسب فأشكره عليها وأحمده، وأدعوه يارب أنت الخلّاق العليم، عليم بحالي وبما ينفعني، فاخلق لي من أسباب الفرَج ما تُيسّر به الوصول لمقصودي ..

لاحظوا أن بعد ذِكر هذين الاسمين لله تعالى في سورة يس، ماذا قال الله عز وجل بعدها في آية ٨٢؟

{ أَوَلَیۡسَ ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضَ بِقَـٰدِرٍ عَلَىٰۤ أَن یَخۡلُقَ مِثۡلَهُمۚ بَلَىٰ وَهُوَ ٱلۡخَلَّـٰقُ ٱلۡعَلِیمُ (٨١) إِنَّمَاۤ أَمۡرُهُۥۤ إِذَاۤ أَرَادَ شَیۡـًٔا أَن یَقُولَ لَهُۥ كُن فَیَكُونُ (٨٢) }
[سُورَةُ يسٓ]

هذا ليطمئن قلبك للخلاق العليم، إذا أراد أن يخلق لك أسباب الفرَج، قال لها كن فتكون ..

﴿وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَـٰكَ سَبۡعࣰا مِّنَ ٱلۡمَثَانِی وَٱلۡقُرۡءَانَ ٱلۡعَظِیمَ﴾ [الحجر ٨٧]

ما الحكمة من تذكير الله سبحانه لنبيّه بنعمة السبع المثاني والقرآن العظيم ؟

لأن وقت المصاب الشديد، التذكير بالنعم من أقوى طُرق العلاج والإعانة على الصبر والرضا وحُسن الظن بالله، فكلما تذكّرت المواقف التي أنعم الله عليك فيها وفرّج عنك وكفاك فيها، زاد شُكرك على الماضي، وزاد حُسن ظنك بالله في هذه الأزمة، فشكَر الله لك وعاملك بألطف ما يكون وكفاك كفاية أعجب مما فات في حياتك ..

وأي نعمة أعظم من نعمة القرآن ومعرفة الرحمٰن!

كون أن الله فتَح لك باب معرفته ومناجاته بأسمائه الحسنى فقد أراد بك خيرًا عظيمًا، وسيخلق لك من الهبات والعطايا الكريمة ما لا يتصوره عقلك ..

أ. مها الرفاعي