“لن يفيدك المعطف،
عندما يأتي البرد من الداخل“.

بحثتُ عن شخصٍ أُحدّثه هذه الأثناء لأقول له:أنا خائفة هكذا،بلا سبب ولا مبرر، فقدت طمأنينتي تجاه الأشخاص والأشياء من حولي،وأرغب بالبكاء فحسب.
كوابيسٌ ليلية تطرد راحتي كل يوم؛لأصحو بقلب طفلةٍ لم تجد حنو محبٍ بجانبها.
كتبت لصديقتي التي افترقت معها:خائفة،هي تعرف الخوف الذي أشعر به فجأة لكنها رحلت لتكون خوفي الجديد،تساءلت بعد الرسالة كتوبيخٍ غبيّ:كيف أكتب الخوف لخوفي؟فمسحت رسالتي التي لن تقرأها ولن تعرف مُرسلها من الأساس.
ازرقاقٌ جديد حول جلدي،هذا مؤشر لحتفٍ جديد.

_آمنة محمد

"عزيزتي جنى"
قُلت لنفسي بعد بكاءٍ طويل:عليكِ أن تكتبي لها دون خوف،الكتابة هي الشيء الوحيد الذي تبقى منكِ يا امرأة،اكتبي كيلا تكبر مقبرة الحزن في صدرك.
اليوم كنتُ حزينة وباردة، هربتُ من الأصدقاء ومشيت لمسافاتٍ طويلة مع عقلي الذي لم يهدأ،كان عليّ التوقف عن السير؛لأنني مريضة ومتعبة،لكنني لم أجد وجهةً أستريح بها من خيبتي،اعطتني الطبيبة أقراص المُسكن لتخفف عليّ مشقّتي فرميتها على الكرسي الذي ذكرني بوحدتي ورحلت.
كنتُ أرغب بالحديث عن نفسي دون أن أسمع كلومي،رغبت بعناقٍ حنون فلم أجد غير الهواء البارد مع ضباب السماء الذي يذكرني بكِ، أخبرتني امرأة بأنني محاطة بالكثير من الأشخاص الذين يحبونني وأنني محظوظة بذلك،انا الوحيدة التي تعرف بأن هذا الحب يثقل كاهلي؛لأنني أخاف مبادلته ولأنّك صديقتي الوحيدة ولأنّكِ نسيتِني،أتساءل:كيف ينسى المشرط شكل الجرح الذي أحدثه؟صباح اليوم لاحظت ظهور حبّةٍ على وجهي فأطلقت عليها "حبّة الحتف"لسببٍ لا أعرفه.
يلاحظ الناس تغيري بصمتٍ مخيف،لم يتجرأ أحدٌ على أحزاني،الكل يقول بأنني بلا مشاعر في الواقع"وهذا يسعدني لأنني نجحت في إخفاء ندوبي"
ملحوظة:
اشتقتك،زوريني في المنام لأُخبركِ بالأشياء التي حدثت صباح اليوم ونضحك عليها،سيبهجني ذلك حتى إن استيقظت على كدمة فراقك.
_المخلصة لكِ:آمنة محمد

عشتُ أيامًا كئيبة، لا شيء يملؤها سوى النوم وأغراضي الرثة،كانت ترائبي خاليةٌ لدرجة أنني لم أُحاول الهرب من الهواء الباخع حتّى.
غيرتُ أثاث غرفتي ورميت دفتر مذكراتي وكتبي وحتى معاطفي،استبدلتُ سريري الذي بكيتُ عليه حد الثمالة بسريرٍ حجري يدفعني للصمت البارد،هجرتُ أحبتي وتركت لغضبي حريته في التحكم بكلماتي الجارحة ثم بكيت منها،عشتُ مع الأحلام البائسة حتى أُصِبت باختناقٍ حاد أنساني نفسي،شاهدتُ فيلمًا حزينًا فشعرتُ بالاشمئزاز من اعتلاله،جلستُ مع البحر وتخيلتُ أن أغرق فيه كما غرقتُ في تعبي فأهداني سمكةً ميتة-أظنها إشارة لأتذكر أنني قد مُت منذ أول مرة جُرحت فيها-اهملت حياتي كثيرًا،حتى أنني نسيتُ كيف كنتُ أعيشها سابقًا"أي قبل أن ألقى حتفي فيها"
بالمناسبة،اليوم شربتُ عشر اكوابٍ من القهوة الحارة بعد انقطاعٍ عنها؛لأنني لا أذكر شيئًا سمع اعتلالي بحب غيرها.
_آمنة محمد

"عزيزتي جنى"
كان عليّ التوقف عن الكتابة لكِ،لكنني بطريقةٍ ما "لا أجد قلبي إلا بوجهةٍ أقصدكِ فيها"أشعُر بالوحدة والخوف والشوق والغربة منذ غيابكِ عني،يسألُني الناس عن سبب اختياري لأدب الرسائل وانغماسي فيه هذه الأيام فأُجيب"لأن الرسائل صادقة،إنني أقرأ ترائب الكُتاب خلالها"ولكن مالم يكُن واضحًا بالنسبة لهم:لمَ أبحث عن الحقيقة بين الكُتب؟الجواب ببساطة هو أن الواقع بات مبنيًا على الوهم والبخع وأنا امرأةٌ لا تنتمي إلّا للصدق الملموس الذي لم يعُد موجودًا، قد قرأتُ بعضي في الكُتب، كنتُ أُشبه كلمات الوداع الحنونة وقصص الحب الناقصة،كنتُ أُشبه كل شيء عدا القسوة التي تظهر على ملامحي إثر الخيبة،اشتقتكِ كما لو أنّكِ صديقتي الوحيدة،فراقكِ هو الشيء الوحيد الذي قتلني وأفقدني روحي،اليوم قالت لي صديقة باستغراب:كيف تكتبين لشمس وجيا وجنى بنفس الصدق؟فأجبتها:كلّهنّ جنى.
ملحوظة:
إنني أُعاني صداعًا حادًا برأسي،كما أُعاني من المرض والحزن والكتمان هذه الأيام، ولا أحد هنا لأشعُر بأمانٍ معه ،ربما سيرافقني سري هذا إلى قبري ،اعتني بنفسك؛لأنني أشعُر بتعبك من بعيد.
_المخلصة لكِ:آمنة محمد

كان من الممكن أن أكون أقلّ حزنًا لو أنّ هناك شخص يبحث عني ويحاول مداواة جرحي بلا خيط _كما لو أنّ جذلي مهمّته الوحيدة والصادقة_ لو أن الأصدقاء كانوا حقيقيين،لو أنهم لم يقسوا بالدرجة التي حنوت بها. إنني على موعدٍ دائم مع الخيبة أفتح لها قلبي،فترمي مشرط البخع…

اللهم إني أعوذ بك من فتن الدنيا🩶

نحن بحاجة لمن يمكننا البكاء في حضرتهم
ثم لا يمنعهم ذلك عن رؤيتنا كمحاربين!

- أدريان ريتش.

يصبح الأمل لغمًا مؤجلًا،
حين يُزرع في أرض أناس خاطئة.

سأقضي بقية حياتي
مُحاولًا نسيانكِ
وتبوءُ محاولاتي بالفشل
كفلاحٍ بليد
يُحاول قتل نبتةٍ
وهو يسقيها من ماءِ قلبه!
_آمنة محمد
٢٠٢٢