البيان سلاحٌ خفي، قوةٌ ناعمة تخترق العقول وتُبدّل المفاهيم، وما الإعلام إلا مسرحٌ يُعرض فيه السحر على الملأ

كما يُسحر الساحر أعين الناس ويُريهم ما لا يُرى، يقوم الإعلام بترتيب الكلمات وبناء الصور، ليخلق واقعًا وهميًا يُسلّم له الجميع دون مقاومة

"لمن البيان لسحر" هي الحقيقة التي تُدرك حين ترى كيف تُدار الأمم بالكلمة، لا بالسيف
الإعلام، بأدواته الخفية والمعلنة، لا يُخبرنا بما يجب أن نعرف، بل يُعلّمنا كيف يجب أن نفكر.

إن تأملنا قليلاً في الآيات التي ذكر فيها الله تعالى أنبياء كانوا في محيطهم القريب من الكفر، نجد أنها رسائل تتجاوز الشخصيات إلى جوهر الفطرة البشرية. إبراهيم عليه السلام كان أبوه كافراً، نوح عليه السلام كان ابنه من المغرقين، لوط عليه السلام كانت زوجته في صف القوم الضالين، وحتى رسول الله ﷺ عمه كان من أشد المعادين. فما الدرس الذي يستوجب أن نتدبره هنا؟

الدرس الأعظم هو أن الهداية ليست بيد البشر، ولا حتى بيد الأنبياء. يقول الله: "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ". هذه الحرية الفطرية التي منحها الله للإنسان تجعل إرادته مستقلة، فلا يُجبر أحد على الحق ولا يُسلب حقه في الاختيار، حتى لو كان الأنبياء أنفسهم. فالأنبياء جاؤوا رسلاً لا جبارين، حاملين رسالة، لا سيوفاً على الرقاب.

الحرية هي قانون كوني أساسي في هذا الوجود، والله لا يسلب هذه الحرية حتى من أقرب المقربين للأنبياء. هذه الحرية هي التي تختبر الصدق والإيمان، وتكشف الخفايا. أما الدرس الأعظم فهو أن الإنسان، بقراره واختياره، هو الذي يحدد مصيره، لا سلطان لأحد عليه إلا الله. وهنا تتجلى حكمة الله العميقة في ترك الباب مفتوحاً للجميع، من دون إكراه أو إجبار.

قد تقتل ثائرًا، لكنك لا تقدر على قتل ثورة، فكيف لو كانت الثورة عقيدة؟ عقيدة تتجذر في الروح، تنمو كلما سقط شهيد.

كما قال المثل الإنجليزي "Use it or lose it"، إن لم تستخدم عقلك، ستخسره

نحن اليوم في عصر يجعل الإنسان يبتعد عن التفكير العميق ويغرق في دوامة الملهيات السطحية

مع مرور الوقت، تضعف قدراتك العقلية دون أن تدرك. العقل مثل العضلة، يحتاج إلى تمرين دائم وإلا سيضمر. اقرأ الكتب، فكر، اكتب، واحط نفسك بأشخاص ومصادر تلهمك وتبعدك عن التشتيت. ضع لنفسك أهدافًا بسيطة مثل قراءة 30 صفحة يوميًا. ستجد نفسك بمرور الأيام تلتهم المجلدات وكأنها كانت مجرد صفحات. استخدم عقلك واجعله في قمة لياقته دائمًا، فالعقل الواعي هو سلاحك الوحيد في هذا العالم المتغير.

الإنسان بطبيعته لا يميل إلى الكذب، ولكنه عندما يُقصف بالأكاذيب مرارًا وتكرارًا، يبدأ عقله في التكيف مع هذه الأكاذيب، مُحوِّلًا إياها إلى حقائق مزيفة. تمامًا كما قال جوزيف جوبلز: اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس. هذه ليست مجرد مقولة، بل هي استراتيجية عالمية. إذا تم تكرار الكذبة بما يكفي، تصبح البديهيات التي لا يشك فيها أحد. لهذا، تجد أن:

الطب مُقام على الأكاذيب
السياسة مؤسسة على الخداع
الاقتصاد نفسه قائم على تزييف الحقائق

هذه هي الاستراتيجية التي يستخدمونها منذ العصور القديمة؛ يعيدون تدوير الأكاذيب حتى تصبح جزءًا من وعي الجماهير. ولذلك، علينا ألا نأخذ أي شيء كمسلمات، بل يجب أن نفحص كل شيء بعمق. حتى ما نظنه بديهيات، قد يكون مجرد أكاذيب تم زرعها بمهارة.

قرأت مقولة عجيبة تشرح واقعنا الآن من كتاب "المراقبة والعقاب" للفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو تقول:

"إن المدينة المنكوبة التي يصيبها وباء الطاعون هي النموذج الأمثل الذي تحلم به السلطة لتوسيع هيمنتها. وإذا كان أهل الحقوق والقانون يحلمون بالحالة الطبيعية والمنطقية لاحترام القانون، فإن أهل السلطة يحلمون بقدوم وباء الطاعون لفرض السيطرة التامة على الناس"

الحقيقة تظهر عندما نتوقف عن اتباع الآخرين.

إذا لم يفز ترامب في الانتخابات، فهل سنرى حربًا أهلية؟
وهل ستكون الحرب الأهلية في أمريكا شماعة لانهيار الدولار؟