اغضض من صوتك ما دمت في غمار إنجازك، ولا تُجلِب بصوتك ليرى الناس سيرَك، ففي الجلَبة العثْرة.
ومن أكثر الحديث عن نيته انقطعت به، ومن سكت عن غراسه تكلمت عنه ثماره.
وما استعان أحد على الإتقان بخيرٍ من الكتمان.
قال أكثم لقومه: إياكم وكثرة الصياح في الحرب فإن كثرة الصياح من الفشل.
.
.
.
- أيوب الجهني.

تأتيني أسئلة كثيرة عن إجبار الوالدين الولد للزواج بمعين رغما عنه.
أقول اختصارا إن طاعة الوالدين في مثل هذا ليست واجبة، والتجارب مليئة بهدم البيوت التي كانت حصيلة الإجبار والإرغام، فالبيوت ينبغي أن تكون سكينة، ولا يتأتى ذلك مع المُكرَه والمرغَم، ومن جرب عرف، وعليه فلا أرى أن يطاع الوالدان في مثل هذا مع الإحسان والبر لهما أكثر من قبل.

نعم، أحيانا تُجبر الفتاة لمجرد أنها جاهلة في الاختيار، وليس لها سبب للرفض، فقد يرى الوالدان أن هذا الزواج خير لها لمصالحها الشخصية والدينية، ومثل هذا يجب أن تُعلّم الفتاة ويُبين لها الأسباب والدواعي، ويبذل معها أهلها الأسباب لنضجها لتكون قادرة على تمييز ما يصلح وما لا يصلح.
وعلى كل حال، فلا أنصح مطلقا أن يتزوج أحد أحدا وهو كاره له.
والله المستعان وعليه التكلان...

الرأيُ ليس هو ما يُقال، وإنما هو ما يُبنَى بناءً مُحكَمًا على دِقَّةٍ وتدبيرٍ ومُراقَبة، وأما القولُ فسَهلٌ على باغِيه، دانٍ لمُلتمسِه، وليس في ظواهرِ الأشياءِ في الحياةِ ما يَعسُرُ على المرءِ أن يتخِذَ منه فَصلًا بل فُصولًا كاملةً يُلَبِّسُ بها الحقَّ على الناسِ تلبيسًا، يقفُ في مدارجِ أفكارِهم فيدعُها لا تخلصُ إلا على طريقِه، وإنَّ بعضَ البلاغةِ -على أيِّ درجاتِها- تُمَهِّدُ للسانِ الرجُلِ أن يذهبَ بالرأي المذاهبَ غيرَ حَذِر، فإنه يعلمُ أنه يُزَوِّرُ كلامًا على مدّةٍ وتطاوُل، يُلَقَّنُ إلى مَن يقرؤهُ فيتلقَّفُه فيَختزنه عقلُه يعمل فيه عملَ الداءِ الخَفِيِّ في العضوِ المُصابِ به.
-شيخ العربية أبو فهر محمود شاكر-

قصَدَ القاضيَ أبا يعلى الحنبلي شافعيٌّ لِيقرأَ عليه مذهبَ أحمدَ، فقال: إن أهلَ بلدِك كلَّهم يقرؤون مذهبَ الشافعي، فلماذا عدلْتَ أنت عنه إلى مذهبنا؟! فقال: إنما عدلتُ عن المذهب رغبةً فيك. فقال له: إن هذا لا يَصلحُ؛ فإنك إذا كنتَ في بلدك على مذهب أحمد وباقي أهل البلد على مذهب الشافعي لم تجد أحدًا يُعيد معك ولا يدارسك، وكنتَ خليقًا أن تثير خصومةً وتُوقعَ نزاعًا؛ بل كونك على مذهب الشافعي حيث أهل بلدك على مذهبه أولى، ودَلَّه على الشيخ أبي إسحاق وذهب به.

" وانظر لما قال، ولا تنظر لمن قال، تنل درجة الكمال، والحمد لله على كل حال".

كلمة رشيقة سديدة، تصلح أصلا في كافة العلوم، ختمها عليش المالكي في تقريراته على حاشية الدسوقي على شرح الدردير على خليل، قالها بعد استدراك على الدردير في تفسيره قاعدةً لخليل في ترتيب الفوائت وافقه المحشي على سهوه فيها.

قلت: وأصل ما قاله عليش المالكي ما روي عن المعصوم صلوات ربي وسلامه عليه: " الحكمة ضالة المؤمن، حيثما وجدها فهو أحق بها".
ثم انظر كم يردّ الناس اليوم من الحق، لا لجهلهم في كثير الأحيان، وإنما لنظرهم في القائل لا المقول, ومن كانت حاله كذلك فإن نبوغه في العلم بعيد المنال، شديد المحال، والله الموفق على كل حال!

#أتشكر_أم_تكفر؟
لقد أوتي الواحد من الأنبياء-عليهم السلام- ما لم يؤته أحد من بقية البشر، ومع ذلك ما كان نبيّ أن ينسب الفضل لنفسه، حاشاهم، بل ينسبونه لصاحب الفضل، لله الملك الواحد القهّار، فذاك سليمان عليه السلام، قد أوتي علما وعُلِّم منطق الطير وحُشر له جنوده من الجن والإنس والطير، حتى حُمِل له عرشُ ملكة سبأ من اليمن إلى الشام في قدر ارتداد الطرف، فما كان منه أن يقول إلا كما أخبر الله جل ثناؤه: (قال هذا من فضل ربي ليبلوَني أأشكر أم أكفر، ومن شكر فإنما يشكرُ لنفسه، ومن كفر فإن ربي غنيّ كريم).

وقد قال إمام المفسرين أبو جعفر بن جرير الطبري مفسِّرا ذلك:
"يقول: هذا البصر والتمكن والملك والسلطان الذي أنا فيه حتى حمل إليّ عرش هذه في قدر ارتداد الطرف من مأرب إلى الشام= من فضل ربي الذي أفضله عليّ وعطائه الذي جاد به علي، ليبلوني، يقول: ليختبرني ويمتحنني، أأشكر ذلك من فعله عليّ، أم أكفر نعمته عليّ بترك الشكر له".

فما عساك تقول أنت؟!

أول خطوة لنصرة أخيك أن تكفر بالحدود التي رسمها المستعمر، وتؤمن أن الولاء والبراء للمسلم من حيث كونه مسلما، لا من حيث كونه ينتمي لحدود رسمها عدوك وجعلك تردد كذبتها حتى صدقتها وآمنت بها وواليت وعاديت عليها، فإذا لم يبلغ وعيك إلى هنا وهنا أضعف الإيمان والله= فاعلم أنك استدبرت القبلة وتحسب أنك على شيء وما أنت على شيء!

إذا فُقدت التأمل= فقد فقدت الوجود!
إذا لم تتدبر ما حولك، فبالله ما صنعتك؟ فبالله إلى أين ترمي نفسك؟ إذا مر أمامك جلاجل الأمور وعظامها، وقرأت من الكلمات والنفائس أعبرها، ورمتك الدنيا بأدوائها، ثم لم تقف لشيء من ذلك وقفة تأمل وتفكر= فأنت الميت لا أهل القبور، وأنت العاري ولو كستك الدثور، وأنت الصفر ولو جمعت ما جمعت من الندور!

السعي-وإني لا أحدثك عن سعي في بناء دنياك وجمع حطامها وفتاتها فمثلك لا أخاطب-أقول إن ذاك السعي هو قيمتك إن كنت ذا مبدأ لا يتزحزح، وهمّ راسخ لا يتأرجح، فإن أدركك الموت وأنت ساع، فإن سعيك سوف يرى، ثم تُجزاه الجزاء الأوفى، فليس للإنسان إلا ما سعى، أخبر بذلك الله جل وعلا، وإن الجبال من الحصى، والبحار من الندى، وقليل دائم خير من كثير منقطع، ومن صبر ظفر!

أكثَر مُعجِزَات بَنيّ إسرائيل كَانت حسّيَّة، لِبلادَتهِم وَقلَّة بِصيرَتهم،وَأكثر مُعجزَات هَذهِ الأُمَّـة عَقليَّة، لفرطِ ذَكائهم وَكمالِ أفهَامهِم.
(الإتقان في علوم القرآن(١١٦/٢)