رحمَ اللهُ شيخَ الإسلام ابن تيميّة رحمةً واسعة، ما كانَ بينهُ وبينَ ربّهِ حتّى كتبَ اللهُ لهُ هذا القبول وهذهِ الرفعة في الأرض.

زُرتُ قبرهُ اليوم، وسلّمتُ عليه، واللهَ أسألُ أن يغفر له ويرحمه ويجعلني وإياه من أهل الجنّة.
ولولا كرهي لتصوير القبور وإلّا كنتُ أريتكم كيف أنَّ الله أكرمهم وهم أمواتٌ.
__

[ ما أقلَّ الفقهَ فيهم ]

▪︎ قالَ الإمامُ عبدالرّحمن بن مهدي رحمه الله:
( لا يكونُ إمامًا فِي العِلم، مَن أخذَ بالشّاذِّ مِن العِلم، أو روىٰ عَن كُلِّ أحدٍ، أو رَوىٰ كُلَّ ما سَمِع )

? المُرشد الوجيز ( ص/ ١٧٩ ) لأبِي شامة.

▪︎ وقالَ أيضًا رحمه الله:
( لا ينبغِي لِلرجُلِ أن يَشغَلَ نَفسَهُ بِكتابةِ أحاديثِ الضِّعاف، فإنَّ أقلَّ ما فيهِ أن يَفُوتُهُ بقَدرِ ما يَكتُب من حديثِ أهل الضَّعف، يفوتهُ من حديثِ الثِّقات ).

? الكفاية ( ص/ ١٣٣ ) للحافظ الخطيب.

▪︎ وكانَ الإمامُ أحمد يقول:
( تَركوا الحَديثَ وأقبلوا علىٰ الغرائِب، مْا أقلَّ الفِقهَ فيهم )

? الكفاية للخطيب ( ص/ ١٤٢ ).

■ وفي البابِ آثارٌ كثيرةٌ عن السّلف رحمهم الله، كُلُّهُم ينصّونَ علىٰ ضرورةِ الاهتمام بالأوّل فالأوّل، وعدم تضييع الأعمار في فتاتِ العلم، والجدل، والقيل والقال، فإنَّ العلمَ كثير، والعمرُ قصير، فخُذ مِن كُلِّ شيءٍ أحسنه.

_ عبدالكريم السّيّد.

‏"أيها العبد، إن رأيك لا يتسع لكل شيء، فَفَرِّغْه للمهم، وإن ليلك ونهارك لا يستوعبان حاجاتك، فاملأهما بأعودهما عليك، واعلم أن المحسن حيٌّ وإن مات، وأن المسيء ميت وإن كان في الحياة".

الحافظ ابن الجوزي.

_

- احفظ قلبكَ من الدّرائن، وإياك ومحقرات الذنوب، ولا تتمايل مع الهوىٰ فيهوي بقلبكَ إلىٰ مدارك الهوي والظُلمة، فقلبُكَ سيُدُ جوارِحكَ، فبهِ تَصلُحُ تلك الجوارِح وبهِ تَفسُد، وما كانَ مكنونهُ في القلب أظهرتهُ الجوراح، ولا نعيم للقلب كنعيمِ العلم، فبهِ مدارُ تنظيمِ المملكة، وبحكمة المَلِك وصلاحهِ تْصلُحُ الرّعية.

يقول شيخُ الإسلام ابن تيميّة رحمة الله:

( فصاحبُ العِلمِ في حقيقةِ الأمر هوَ القلبُ، وإنَّما سائرُ الأعضاء حَجبَتُهُ تُوصِلُ إليهِ من الأخبارِ ما لم يكن ليأخذهُ بنفسهِ، حتّىٰ إنَّ من فقدَ شيئًا من الأعضاء فإنهُ يفقدُ بفقدهِ من العلمِ ما كانَ هوَ الواسطةَ فيه،
فالأصمُّ لا يعلمُ ما في الكلامِ من العلم.
والضريرُ لا يدري ما تحتوي عليهِ الأشخاصُ من الحكمة البالغة ... وكذلك من نطرَ إلىٰ الأشياءِ بغيرِ قلبٍ، أو استمعَ إلىٰ كلماتِ العلمِ بغيرِ قلبٍ إنَّهُ لا يعقلُ شيئًا، فمدارُ الأمرِ علىٰ القلب ). انتهىٰ.

? [ مجموع الفتاوىٰ || (٩/ ٣١٠ _ ٣١١)]

فإن شِئتَ عِزًا، واستثناءً، واصطفاءً فعليكَ بالعلم، وتعاهُدِ ما قيلَ فيه، وإدامةِ النظر في سطورهِ، واشتغالَ كُلِّ الفِكرِ في دقائقهِ،
فإن تمَّ لكَ حظُكَ من العلم، ملكتَ قلبكَ، وإن ملكتَ قلبكَ ملكَ نفسكَ، فإن ملكتَ نفسكَ فقد تمُت سيادتُكَ، وحُزتَ _ وربي _ أرفعَ الفضائل، وأنفسها وأحسنها جودةً،
( فالعلمُ نِظامُ عِقدِكَ ) فدونكَ الكتبُ والإبرازاتُ والمحابر، فأقبل عليها.

○ عبدالكريم بن عبدالرّحيم السّيد عثمان.
١٤٤٦ / ربيع الثاني/ ١١

‏"كلُّ من فتش صفحات التاريخ وَجدَ أن الناس تمرُّ بهم ظروف شتى، ينشأ عنها سلاسل من المرتفعات البشرية، ومن جملة التوفيقِ الإلهي أن يكون الإنسان جبلا مرتفعًا في الخير وبثّ العلوم النافعة، وإذا فاتَه ذلك عجزًا أو انشغالًا كان سببًا مباشرًا في صناعةِ هذه المرتفعات البشرية!"