ماتَ السؤالُ ولم يَفُزْ بجوابِهِ:
قَدَرُ العراقِ يعيشُ في أتعابِهِ ؟!

هذا العراقُ تحزّبت أحلامُهُ
تتناسلُ الأوجاعُ من ( سيّابهِ )

وطنٌ بحجمِ الفجرِ صارَ مصيرُهُ
أن يطلبَ الأحلامَ من أحزابهِ

يعقوبُ/عمرُ الآهِ ، هل من (يوسفٍ)؟!
فتقرُّ عينُ الشوقِ حينَ إيابهِ

رغم احتضارِ الصبرِ في أيامِنا
مازال (يوسفُ) في مهبِ غيابهِ

هذا العراقُ مهابةُ اللحنِ الذي
ذُبِحَ الغناءُ على شفا أعتابِهِ

ما عادَ ينفثُ - في المواسمِ - سحرَهُ
بلْ صار يرسفُ في قيودِ ضبابهِ

هوَ راهبُ الحزنِ القديمِ/ صلاتُهُ
نايٌ يذاكرُ في كتابِ عذابِهِ

مازالَ يستلقي بظلِّ ( فُراتِهِ )
والصمتُ يزْلَقُ في طريقِ عتابِهِ

لمْ يشربِ الأعيادَ في أيامِهِ
والغربةُ السمراءُ منْ أصحابِهِ

هوَ نعيُ ( عاشورٍ ) توزّعَ في الصدى
ودنا السوادُ يضمُّ وجدَ ثيابِهِ

لمْ يلتفتْ للنخلِ وهوَ مهاجرٌ
حتى صحا والحقلُ رهنُ خرابِهِ

والشمسُ فكرتُهُ التي سُجِنَتْ هنا
فمتى يفكُّ السجنُ ظُلْمـــةَ بابهِ ؟!

- عبد الله طاهر.

ولست بغاسل يدي
-1-
اعتاد الناس أنْ يغسلوا أيديهم بعد الطعام حيث يصيبُها الدسم وتلصق بهما بعض المواد .
-2-
وعموماً فانّ قول القائل :
غسلتُ يدي من فلان يعني اليأس من نفعه
-3 –
وهناك من الشعراء من استخدم ( غسل اليدين ) في شعره، وأوصى الجميع بان يغسلوا أيديهم من الزمان وأهله، في منحى مأزوم ونهج قاسٍ مذموم فقال :
واغسل يديك من الزمان وأهله
بالطين والصابون والأشنانِ
وقد تطرف ( العتبيّ ) في بيته هذا ايما تطرف
اننا نفهم ما معنى غسل اليد من فلان او فلان متى ما ثبتَ انهما لا يعيشان الا لأنفسهما، ولكننا لا نفهم معنى غسل اليد من الزمان ومن اهله جميعاً، وفيهم الشجعان الذين يجودون بأنفسهم وأموالهم، والذين لا يخلو منهم زمان او مكان .
انّ النظرة السوداء للمجتمع وللمستقبل ليست الاّ تعبيرا عن حدّة المآزق والمصاعب التي عاشها الشاعر .
-4-
ومن الشعراء المعاصرين قال المرحوم الحاج عبد الحسين الأزري :
ممن تحدّر من صلبي غسلتُ يدي
فكيف أرجو الوفا ممن أصاحبه ؟
-5-
ومن الظريف في هذا الباب :
انّ أحد أصدقائنا دعانا الى الغداء في منزله وكنا بخدمة الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر وبعد الغداء اتجه صاحب الدعوة الى السيد الشهيد قائلا :
تفضلوا :
اغسلوا يدكم
فأجابه السيد بجواب بليغ رائع فقال :
أنا لا أغسل يدي منك .
-6-
لا ينبغي لنا ان نكون متشائمين من المستقبل، وسلبيين مع الناس فلولا الأمل لما أرضعت أمٌّ أبنها .
ولولا الأمل لمتنا بحسراتنا وآهاتنا .
والثقة بالله تنجينا من الأهوال .

- السيّد حسين محمّد هادي الصدر.

ورطة ..!!
-1-
هناك أبيات قالها أعرابي سمع :
إنّ مَنْ لم يتزوج باثنتيْن لم يذوق حلاوة العيش ،
فتزوج امراتين ،
فندم ،
وأنشأ يقول :
تزوجتُ اثنتيْن لفرط جهلي
بما يشقى به زَوْجُ اثنتيْنِ
فقلتُ : أصيرُ بينهما خروفاً
أنّعَمُ بين أكرمِ نعجتينْ
فصرتُ كنعجة تضحي وتُمسي
تداول بَيْنَ أخبثِ ذئبَتَيْنِ
رضا هذي يُهيّجُ سخطَ هذي
فما أعرى مِنْ آحدى السخطتيْنِ
وألقى في المعشية كُلَّ بُوسٍ
كذاك الضرُ بين الضرتَيْنِ
لهذي ليلةُ ولتلك أخرى
عتاب دائِمٌ في الليلتيْنِ
فان أحببتَ أنْ تبقى كريماً
من الخيرات مملوء اليديْنِ
وتُدركُ ملكَ ذي يزنٍ وعمرو
وذي جدن وملِك الخافقيْنِ
فعش عزباً فانْ لم تستطعهُ
فضربا في عراض الجحفَليْنِ
-2-
لقد كان لي صديق – وهو طبيب في لندن – وله زوجتان ، تزوج الثانية بعد ان يئس من انجاب الأولى ، وبالفعل كانت الثانية ولودةً منجبة للأولاد.
وكانت العلاقة بين زوجتيْه وديةً للغاية بحيث انه يهدد عند الغضب بفصلهما عن بعضهما ..!!
وكانتا في بيت واحدٍ على غاية من الوفاق والسلام والوئام .
وتصلحان انّ تكونا المثال للضرتين المتفاهمين المتعايشتين بوئام .
-3 –
وكاتب السطور - وهو متزوج بابنة عمه - حين أراد الزواج بالثانية بحثا عن الذرية قالت له زوجته :
مِنْ حقك ان تتزوج بالثانية ولكن هذا الامر يؤذيني .
فترك الزواج بالثانية إكراما لها ، وعزّ عليه أنْ تكون زواجه بالثانية مؤذيا لها فلم يرد ان يؤذيها
وارتضى حرمانه من الأولاد .
وقال في هذا ببيتين هما :
ليس لي من ولد يخلفني
وبه امتدُّ مِنْ بعد الوفاةْ
كم تمنيتُ بأنْ اسمَعَهُ
ضارعا يذكرني عند الصلاةْ

- السيّد حسين محمّد هادي الصدر.

(إلى اللغةِ الأمّ العربية في يومها العالمي على مجاز رحلة تاريخية لروّادها)

أعودُ إلى قولٍ ومعنًى مُفصَّلِ

لحرفٍ سماويٍّ قديمٍ وأوَّلِ

إلى لغةٍ فاضَ المجازُ بسرِّها

وجاءَ بها وحيٌ لآخرِ مُرسَلِ

فأشهدُ في الصحراءِ خيمةَ شاعرٍ

بكى واقفًا ذكرى حبيبٍ ومنزلِ

وأدخلُ في الأسواقِ أشهدُ قبَّةً

لنابغةٍ في الشعرِ فَحلٍ مُعَلِّلِ

تجيءُ لهُ الخنساءُ تكشفُ حزنَها

وتوقدُ في أعماقهِ نارَ مِشعلِ

فتوقظُ ليلاً مُدركًا أنَّ خطوَهُ

إليه ولن ينأى بعيدًا بمَعزَلِ

ويُقلِقُهُ الأعشى الذي ضاقَ ليلُهُ

بهِ بعدَ أنْ غنَّى لضوءٍ مؤجَّلِ

وأمضي قليلًا نحو مكةَ كي أرى

قصائدَ قالوا عُلِّقت دونَ مَحمَلِ

وخُطَّت بماءٍ ذهَّبتهُ بضوئِها

لتُشرقَ بالشعرِ العظيمِ المُؤوَّلِ

وأعبرُ ما بينَ العصورِ كأنَّني

رياحٌ ، صدًى ، أو مثلُ طيرٍ مُرحَّلِ

وأحملُ أحلامَ الرواةِ رسائلًا

إلى زمنٍ بالشعرِ والناسِ مُقبلِ

يخطُّ الفراهيديُّ فيهِ كتابَهُ

وينسجُ إيقاعَ البحورِ بمِغزلِ

أرى الجاحظَ السمّاكَ يصطادُ رؤيةً

لسانيةً من بحرِ علمٍ مُسجَّلِ

وعندَ ابنِ جنيٍّ تلوحُ نَبَاهةٌ

يفسرُ في أبعادِها كلَّ مُجمَلِ

بها أستدلُّ الدربَ أمضي مُسلِّمًا

لأفكارِهِ بين اعترافٍ ومُشكِلِ

وأغرقُ في ليلِ الكلامِ وضوئِهِ

لشيخٍ معريٍّ جريءٍ ومُذهِلِ

وإن لاحَ لي بيتٌ لسيِّدِ شِعرِنا

أبي الطيبِ الأسمى بشرحٍ مُذيَّلِ

أذوبُ كأني لحظةٌ في زمانِهِ

وأسرحُ في أرضِ الرؤى والتخيُّلِ

وأُدركُ أنْ لا شِعرَ يعلو سماءَهُ

وما أَحَدٌ قد جاءَ سِحرًا بأمثلِ

وأُوغلُ في العصرِ الحديثِ مؤوَّلًا

قصائدَ عصرٍ بالتراثِ مُحمَّلِ

ففي كلِّ بيتٍ عندَ شوقي حكايةٌ

تناقلَها عُشَّاقُها للتغزُّلِ

وفي النجفِ الشيخُ الكبيرُ علامةٌ

على رأسِهِ طاقيَّةٌ للتأمُّلِ

يُعلِّلُ أولادًا صغارًا بشِعرِهِ

(يقولون لا تهلك أسًى وتجمَّلِ)

فما ليلُ بغدادَ المخيفُ بزائلٍ

وما حزنُكَ المبعوثُ منها بمُنجَلِ

وما ردَّ ماءُ النهرِ يومًا تحيَّةً

إليكَ وقد حيَّيتهُ بالتمثُّلِ

وفي رحلةِ التطوافِ هذي ملاحمٌ

لسيابِها ذاكَ الغريبِ المُخوَّلِ

فهدَّ بناءَ الأمسِ حينَ تسألت

قصيدتُهُ (هل كانَ حبًّا) بمِعولِ

وكنتُ أرى بدرًا يُطلُّ بشعِرِهِ

على زمنٍ أعمى قديمٍ وأليلِ

فبانَ لنا ضوءُ الحقيقةِ شاعرًا

يشعُّ بلا قيدٍ وغيرَ مُكبَّل

وهل رحلةٌ أحلى كهذي، وشهدُها

فصاحةُ عصرٍ بعدَ عصرٍ مُعسَّلِ

فيا لغةَ الأجدادِ مهما تبدَّلت

لغاتٌ فلا قولٌ كقولٍ مُشكَّلِ

٢٠٢٤/١٢/١٨

- محمّد حسين جبري.

القلوب بيد الله تعالى، إذا أراد الله رفع إنسان ووقف العالم ليُسقطه ما استطاع، وإذا أراد أن يضع إنساناً وأراد العالم أن يَرفعه ما استطاع.

- السيّد فضل الله.

العلماء وما أدراك ما العلماء:

عندما تقرأ كتابًا يتعلّق بتراجمهم وذكر ما يتعلّق بهم ترى فضلهم وعملهم في تثبيت هذا المذهب الحقّ.
فترى أنّ هنالك من أحيا البلاد والعباد بهمته وعلمه وجهاده وسعة صدره.
فهناك من أحيا مدرسة بغداد، وهناك من أحيا النجف الأشرف، وهناك من أحيا الحلّة الفيحاء، فكربلاء المقدّسة، وقم المشرّفة، وأصفهان، ومشهد، ولكهنو، وكراجي، ومزار شريف، والبحرين، ولبنان، والكويت والقطيف والأحساء والموصل والبصرة ودمشق.
أحيوها مع ما يمرّون به من بلاءات ومحن خارجة عن إرادتهم، فهم ما بين درس وتدريس، ومحاربة نفس، وعبادة، والتزام بصلاة الجماعة، وحرمان للمواساة.
أحيوها رغم حرب المعاصرين، وحرب أهل الخلاف، وحرب الحاكم، وحسد أهل الشنآن، وبغض أبناء الجلدة، وكثرة الجهّال.
أحيوها وهم يراقبون كلّ حركة وسكنة تصدر منهم، وكلّ لفظ وخطوة سير.
أحيوها وحرموا أنفسهم من لذّات الدنيا التي يتنعّم بها الآخرون.
فجزاهم الله تعالى على ما قدّموا، وهم قضوا ما بين قتيل وسجين، وطريد وغريب، وجائع وعطشان، ومستأجر نفسَه بالعبادات.
وما بين من قضى نفسه بين أقلام وقرطاس، وحبر ودواة، ونسخ وتأليف، وغربة وسفر، فيا له من جهاد.
اللهم أنر برهانهم، وزدهم قوة معنويّة في الدنيا والآخرة، وادفع عنهم كيد الكيدة أين ما حلّوا أو ارتحلوا…
واعلم أنّ طالب العلم هو المجاهد الثابت في طريق المغريات وحرب المدى والنبال.
فلكم منّا جميعًا ألف تحية وسلام.

- أحمد علي الحلي.

«‏فإذا صفا لكَ أخٌ فكن به أشدَّ ضنًا منك بنفائسِ أموالك، ثم لا يزهدنّك فيه أن ترى منه خُلقًا أو خُلُقين تكرههما؛ فإن نفسك التي هي أخصُّ النفوسِ بك لا تُعطيك المَقادةَ في كلِّ ما تريد، فكيف بنفس غيرك وبحسبِك أن يكون لكَ من أخيك أكثرُه.»

-من رسائل الجاحظ.

[إِنَّ مَنْ أَجَابَ في كُلِّ ما یُسْأَلُ عَنهُ لَمَجْنُون]

- الإمام الصادق عليه السلام.

يومُ النصر.
————-
يومٌ من أيام الله، تضطرب الحواس وتتلعثم الألسن وتخجل الكلمات في وصف كلّ ما حدث، أربعُ سنواتٍ عجاف استهدف فيها خفافيش الظلام من داعش ومن والاهم أرض العراق، فأفسدوا البلاد وأرعبوا العباد وأهلكوا الحرث والنسل في زمنٍ كثرت فيه الفتن واختلفت الهتافات، وأثقلت الخيانات ظهر الجيش العراقي الأبي فانهزم بعض قطعاته ودمرت آلياته، فدبّ الخوف في الأرجاء وساد اليأس في نفوس الناس، بين من ينتظر الموت القادم من الغرب بصوت يقول: جئناكم بالذبح، وآخر هرب بجلده متخذاً من البحر جملاً، حتى جاءت فتوى شيبة الحمد السيّد السيستاني تحث على الدفاع وصد هجوم الأعداء الذين يريدون أن يدمروا ماضي العراق وحاضره ومستقبله، فأحيّت كلماته الأرواح المتكسرة وطيّبت القلوب الجريحة وبثت الأمل من جديد، وما هي إلا دقائق حتى هب الجنوب والوسط كالنخيل الباسقة ولبى النداء طيفٌ واسع شيباً وشباناً، حملوا قلوبهم على أكفهم ولم يعبئوا بالموت أبداً، ليرسموا صورة من أبهى صور البطولة والبسالة والإباء والتضحية والإيثار تحار بوصفها الأفكار، فاصطفوا بجانب الجيش العراقي الذي استعاد قوته واجتمعت الأسود لتدك أوكار الذئاب العاوية وترد كيدهم في نحورهم، في سلسلة ملاحم أسطورية سطرتها دماء الشهداء وسواعد الأبطال، فاقت ملحمة كلكامش بعطائها وخلودها، فقد جادوا بأنفسهم ولم يبخلوا بأرواحهم في وقت كان يمكنهم أن يقولوا: أرواحنا عزيزة ولكن حاشى أن تهرب الرجال.. أتذكر الأيام الماضية لحظة بلحظة، جيشنا وحشدنا بين كر وفر، وفي كلّ يوم يحرر الأبطال مدينة أو قرية، ترتفع قوائم الشهداء لتحلق أرواحهم عالياً إلى بارئها، وتغوص أجسادهم في أرض النجف في جوار عليٍّ، أو تبقى أجسادهم مفقودة بيننا ولكنها عند الله لا تضيع أبداً. في كلّ شارع وفي كلّ بيت شهيد أو جريح، تجمعنا الأحزان ونتفهم المصاب فنقول: كلّ مصائبنا لا شيء أمام مصاب الحسين، فقد أنست رزيته رزايانا التي سلفت وهوّنت الرزايا الآتية، وهؤلاء الشهداء نحتسبهم مع أنصاره. حتى جاءت ساعة النصر المبين واستأصلتُ الفئة الباغية وعمت الفرحة الممزوجة بالدمعة كلّ الناس، شكراً لكلّ من ساهم في رسم البسمة على وجوهنا، جيشاً وحشداً، قادةً وقواتاً، شكراً لمن أفتى ولمن لبى وحرر، شكراً لمن دعم ونصر ولو بشطر كلمة، النصر نصركم، فحذارِ أن يُسرق التاريخ وتزوّر الحقائق أمام أعيننا ونحن شهود على الأحداث، والأخطار تحيط بنا من كلّ جانب، وسترتد كلّ طامعة ثكلى ويبقى العراق، فتغمّد الله الشهداء بواسع رحمته ومنّ على الجرحى بلباس العافية وحفظ الأبطال المرابطين وأخذ بأيدي الجميع لكلّ ما فيه خير العراق وصلاح أهله وأمره.

- كرّار أحمد.

مصفاةُ الحياة.
——————
قد تحزن، ولكن احرص أن تجعل ذلك لوقت قصير، فأنت بشر فيك عاطفة وقد تؤثر فيك بعض الأحداث، فتحزن وتبكي وتضجر وتنزعج وتستشيط غضباً، كلّ هذا من حقك حتى لو فرّغت غضبك في من يستحق أو لا يستحق، هكذا هي حياتنا مليئة بالخفايا والخبايا والمسرات والمنغصات، كلّ الثنائيات الحلوة والمرة تسيطر على جوانبها السعيدة من جهة والتعيسة من جهات أخرى. قد تظّلم الدنيا بعينك وترى النور في لحظات صلاتك وابتسامة أمك وضحكة أصدقائك أو من تحبّهم ويحبّونك، وقد تضيق بك الأمور ورُبّما أصبحت تراها بعين الواقع، لا بعين الأمل الكاذب والتزويق المخادع، وقد يتبدل أسلوبك مع الناس وتصبح ردودك معهم أكثر صلابة وقسوة، فيخافك بعضهم ويهابك آخرون، وفيهم من يستحق أن تعاملهم بالمثل، ولكنك لا تريد اعتياد الأمر فتحاول الهروب من جحيم الدنيا إلى مجهولها فتجلس قليلاً أمام الشط كي تشكو له آلامك فتأخذها أمواجه بعيداً، فأما الزبد فيذهب جُفاء، وأما ما ينفعك فيمكث في الأرض، وتصرخ بصوتٍ عال: يا ربّ ضاقت بي الدنيا بما رحبت.. فيأتي الصدى: اصبروا إنَّ الله مع الصابرين، فينشرح قلبك وتضطرب حالتك وتشعر بأن الهم قد زال ولو مؤقتاً. هكذا أرى وهكذا أعيشُ في الفترة الأخيرة وإذا اشتدت رياح الحادثات انزويتُ في صومعتي وتمسكتُ بالعزلة فهي خير مصفاة، مبتعداً عن مخالطة العالمين، قائلًا: إني نذرتُ للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً، فأراجع ذاتي وأحاسب نفسي على ما قدمت علّني أجد ما يستحق العقوبة والمكافأة، مستأنساً بوحدتي وبما أسمعه من آيات القرآن، وأغنيات ومناجاة، وما أقرأه من كلمات الإنسان الكامل الإمام علي بن أبي طالب الذي أتفاعل معه بكلّ حواسي وكياني، فأجده قد حوى المعرفة وجمع الدنيا في سطوره وهو أكبر من أن تحويه معرفه أو أن تجمعه الدنيا بأسرها، كلماتٌ هي فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق، فأشعر بالراحة، راحة البدن وراحة الفكر، حين أجده يُخبر عن العزلة بأنها من أفضل شيم الأكياس. وقد أكسر طوق عزلتي قليلاً فأخرج للتنزه والمشي مع الأصدقاء وأراقص نسمات الهواء الباردة مرتدياً شال الكشمير على كتفي الذي اشتريته قبل عام وقبل أن يصبح مستهلكاً بكثرة، فأرفه عن نفسي وأسليها بعض الوقت برفع مستويات هرمونات السعادة الأربع، وبذلك تصدق نبوءة من يقول: إنَّ في العزلة شفاء وفي المشي وقاية.

- كرّار أحمد.