"وربطنا على قلوبهم"
ليس لأحد في هذه الدنيا مهما بلغ من العلم والحكمة والسعي أن يثبت على طريق الله إلا بتوفيق الله، آيات كثيرة في القرآن تؤكد هذا المعنى حتى في حق النبي المعظم صلى الله عليه وسلم إذ يقول له ربك في الإسراء "ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا" ويقول له في الشورى "فإن يشأ الله يختم على قلبك ويحق الله الحق بكلماته"
هنا في الكهف يبين الله أنه ما كان للفتية أن يقفوا موقف العزة هذا ولا أن يقوموا بين يدي الملك ووجهائه ليعلنوا توحيدهم إلا بثبات يقذفه الله في قلوبهم عبّر عنه القرآن بقوله "وربطنا على قلوبهم" أي جعلنا فيها الثبات والعزيمة والصبر والاندفاع نحو المواجهة دون خوف أو تردد.
ومن المهم أن ننتبه أن هذا الفضل من الله يكون نتيجة وثمرة للعمل والإخلاص والطاعة وزيادة الإيمان بالقرآن والصلاة والعمل الصالح والاستعداد لمعارك الحق في أي اتجاه كانت.
وأنا أكتب الآن تذكرت قول الله في الأنعام "وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين" ففهمت أن من كرم الله على سيدنا إبراهيم أن كشف له عن قدرته في ملكوت السموات والأرض ليثبت قلبه ويرزقه اليقين الخالص.
لذا فقد توجب على كل من أراد أن يخوض معارك الحق والعقيدة والعزة أن يتسلح بالإيمان ويعلن من نفسه الافتقار إلى توفيق الله وتثبيته والربط على قلبه، فكم من ناس خانتهم أنفسهم عندما جد الجد وجاءت لحظة الثبات بعدما ملؤوا الدنيا ضجيجا بخطبهم الرنانة عن نصرة الحق ومدافعة الباطل.
حتى في مواجهة ابتلاءات وصدمات الحياة ما كان لقلب أن يثبت إلا بعون الله وتوفيقه وتثبيته أمام المحن والصعاب، ولعلي ككل واحد منكم يتقلب أمام أعيننا مشاهد أهل غزة وهم يناجون الله ويرفعون أولادهم الشهدا نحو السماء قربة إلى الله وإعلانا له سبحانه عن رضاهم بما أجراه عليهم بقلم القدر، وما كان لهم أن يكونوا كذلك إلا برحمة من الله الكريم
فاللهم اربط على قلوبنا أجمعين

رائع هذا الكتاب

بعدما مراسلات ساخنة مع اليوتيوب أعادوا القناة والحمد لله - إذ تبين للمكتب الإقليمي في الدولة القذرة أن محتوى القناة لا يخالف معاييرهم وأن التقييم الآلي للقناة لم يكن موفقا لكنهم حذفوا فيديوهين عن حياة السيد الكريم يحيى رحمه الله

يخيفني حديث رسول الله الذي يقول فيه: (إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ فأَقْضِي لَهُ بِنحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ)

يا الله هذا رسول الله لا ينطق عن هوى ولا يحكم عن زيغ، يبين أن البعض قد يخدع القاضي والحاكم في أمور الناس بعذب منطقه وقوة بيانه، حتى قد يؤثر سحر كلامه المنمق على النبي فيقضي له بما لا يستحق، فهل هذا يحلّ له الحرام؟ كلا، يبقى الحرام حراما، ولو قضى لك به نبي مرسل أو ملك مقرب.

ألا وليعلم المسلم بأن الحلال ما أحل الله، وأن كل عمل شابه غش أو خداع أو استحواذ على مال الغير بالقوة دون وجه حق هو من الحرام الذي لا يقبل الله من صاحبه صرفا ولا عدلا، ولا يرفع له دعاء، ومكانه في النار محجوز لا يفصله عن دخولها إلا أن تنقطع أنفاسه وتخرج روحه.

ألا وإن الحلال ليس ما حلّ بيدك بأي وجه من وجوه الصدق أو الخداع، وإنما الحلال ما اتقيت الله فيه وسعيت بحقه وليس لمسلم فيه مظلمة.

ألا وإن الله أمر المرسلين بما أمر به المؤمنين، أمر الجميع أن يأكل من الحلال.

ألا وإن رسول الله قد حذر قائلا: مَن حلف على يمينٍ يقتطع بها مال امرئٍ مسلمٍ بغير حقٍّ لقي الله وهو عليه غضبان
وفي لفظ آخر: مَن اقتطع حقَّ مسلمٍ بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرَّم عليه الجنة.

هذا وغيره يبين أن كل مال يستحوذ عليه الإنسان بتزييف الحقيقة أو خداع الجاهل أو بامتلاك القوة أو بسحر كلامه وقوة بيانه هو من المال الحرام ولو أفتى المفتون

فليكن المسلم رقيبا على قلبه فهو أعلم الناس بما له وما عليه، وإن ساعة في نار جهنم تنسي الإنسان نعيم الدنيا ولو عاشها منعما ألف ألف عام

موقف الإسلام من المستمعين للنمّام
كثيرا ما ننشغل بعقاب النمّام الذي يوقع بين الناس بالكذب ونتناسى عقاب الذين يصدقونه أو يتحركون من دون تثبت من كذبه المنقول فيسيئون لغيرهم أو يقطعون مودتهم، دون أن يعرفوا أنهم قد يشاركونه الإثم، ويتقاسمون معه الوزر.
حدد صاحب مختصر منهاج القاصدين خمسة أمور أجمع عليها أهل العلم؛ وجب على من نقل إليه كلاما عن أحد من إخوانه من المسلمين أن يفعلها، وإلا بات مشاركا للنمام في الوزر، وهي:

١- ألا يصدق كلامه لأن النمام بشهادة القرآن فاسق مهما بلغ من مراتب العلم والتقوى، قال ربنا: "إن جاءكم فاسق بنبأ" فلم يلتمس له القرآن عذرا ولم يتلطف في الحديث عنه، بل نزع عنه الصلاح والإيمان ورماه بالفسق لما يحمله في قلبه من نتن الكذب والتلذذ بلهيب نار الفرقة بين المسلمين، وعليه لا يجوز أن تصدق النمام بل الأصل أنه كذاب مهما عرف عنه من الصلاح.

٢- أن ينهاه وينصحه بألا يفعل ذلك ثانية، ولا يفتح مجالا للشيطان، وأن يكتم عن إخوانه ما يسمع، لأن المجالس أمانات لا يخونها إلا خسيس النفس مريض القلب، وقد كان النهي عن النم من أخلاق رسول الله، إذ كان يقول "لا تحكوا لي شيئا عن أصحابي إني أحب أن أخرج إليهم سليم الصدر" - تخيل هذا لو كان النمام ينقل كلاما حقيقيا فما بالك لو كان يكذب!

٣- أن يبغض فعله ويبغض خلقه وأن يبغضه في الله إن لم ينته عن ذلك، فالمؤمن يبغض ما يبغض الله.

٤- ألا يظن بإخوانه السوء إذ لم ير من فعلهم معه إلا الخير، فإن رأى غير ذلك راجعهم، ولا يبنِ موقفا منهم على نقل الكذاب.

٥- ألا يحمله ما نقل له الفاسق النمام على أن يتجسس على إخوانه، وإنما الطريق الأقصر إن غلب عليه الشيطان أن يراجع من نقل عنه الكلام، وأن يعرض عليه وصدقه، فإن كان عهده بأخيه الصدق قبل منه، وصفت القلوب واهتدت.

هذه خمس من تخطاها أثم وندم