(سحر الصورة)

الرسمُّ وسيلة لإضفاء صورة بصرية على مفهوم، أو فكرة، أو شيء ما؛ باستخدام تقنيات متنوّعة.
ويتأثّر أسلوب الرسم تأثرًا كبيرًا بمن يمارسه، وببيئته التي تُشكّله، وثقافته التي نشأ ضمنها؛ فغالبًا ما تُستلهم رسومات الأفراد من محيطهم وتجاربهم اليومية، ومن المشاعر، والمواقف، والصور؛ التي ترسخت في أذهانهم.

لذا؛ عندما كانت الذوائق الفنية حرة، بعيدة عن الضخ الرسومي الصارخ والغزو الفكري، كانت معظم الرسومات واقعية، تنسجم مع الحياة الطبيعية البعيدة عن وهم الكمال.
فبين رسمة لبيت صغير بألوان متوازنة، ومنظرٌ للطبيعة بألوانها الزاهية الناطقة ببديع صنع الله؛ كانت تلك الأذواق النقية تجد فسحةً للتعبير عن النفس ومكنوناتها؛ بصدق ووضوح.

غير أنّ الغزو الثقافي، وعوامل الجذب للمتابعين، إلى جانب الدقة الخيالية في الأعمال الرسوماتية؛ أدّت إلى رضوخ أذواق معظم المتابعين -سواء طوعًا أو كرهًا- لهذا الإخراج الفني الساحر، المبالغ في بهرجته؛ فأصبحت الجماهير عاشقة له، مسحورة بتفاصيله الدقيقة وبريقه، متعلقة به غاية التعلق، خاصة مع كونه مبهرًا للنظرات، وداعيًا للهوىٰ والشهوات، فلا تقوىٰ النفس العاشقة على تركه، ولا تهدأ إلّا بمشاهدته!

ولطالما تساءلنا عن سبب تعلق متابعي الأنمي به، وعماهم عن طوامه، فيكون الجواب:
"سحر الصورة"!

فالصورة الآخاذة من شباك إبليس، وأحبولة الإيقاع الناجحة، التي توهن النفس وتشغل القلب
وقد عدد ابن القيم في كتاب الداء والدواء أضرارًا لعشق الصور -وإن كان مقصوده في عشق صور الأشخاص، فإن صور الأنمي وأمثالها يدخل فيه، وقد رأينا من فتنة القوم بذلك ما يعجب منه العاقل!-

قال رحمه الله في أضرار العشق:
ومن المعلوم أنه ليس في عشق الصور مصلحة دينية ولا دنيوية، بل مفسدته الدينية والدنيوية أضعاف أضعاف ما يقدر فيه من المصلحة، وذلك من وجوه:

أحدها: الاشتغال بحب المخلوق وذكره عن حب الرب تعالى وذكره، فلا يجتمع في القلب هذا وهذا إلا ويقهر أحدهما الآخر، ويكون السلطان والغلبة له.

الثاني: عذاب قلبه به، فإن من أحب شيئا غير الله عذب به ولا بد.

الثالث: أن قلبه أسير قبضة غيره يسومه الهوان، ولكن لسكرته لا يشعر بمصابه، فقلبه كعصفورة في كف طفل يسومها حياض الردى، والطفل يلهو ويلعب.

الرابع: أنه يشتغل به عن مصالح دينه ودنياه، فليس شيء أضيع لمصالح الدين والدنيا من عشق الصور، أما مصالح الدين فإنها منوطة بلم شعث القلب وإقباله على الله، وعشق الصور أعظم شيء تشعيثا وتشتيتا له.
وأما مصالح الدنيا فهي تابعة في الحقيقة لمصالح الدين، فمن انفرطت عليه مصالح دينه وضاعت عليه، فمصالح دنياه أضيع وأضيع.

الخامس: أن آفات الدنيا والآخرة أسرع إلى عشاق الصور من النار في يابس الحطب، وسبب ذلك: أن القلب كلما قرب من العشق وقوي اتصاله به بعد من الله، فأبعد القلوب من الله قلوب عشاق الصور، وإذا بعد القلب من الله طرقته الآفات، وتولاه الشيطان من كل ناحية، واستولى عليه لم يدع أذى يمكنه إيصاله إليه إلا أوصله، فما الظن بقلب تمكن منه عدوه، أحرص الخلق على غيه وفساده، وبعد منه وليه، ومن لا سعادة له ولا فرح ولا سرور إلا بقربه وولايته؟

السادس: أنه إذا تمكن من القلب واستحكم وقوي سلطانه، أفسد الذهن، وأحدث الوسواس، وربما ألحق صاحبه بالمجانين الذين فسدت عقولهم فلا ينتفعون بها.

وأخبار العشاق في ذلك موجودة في مواضعها، بل بعضها مشاهد بالعيان، وأشرف ما في الإنسان عقله، وبه يتميز عن سائر الحيوانات، فإذا عدم عقله التحق بالحيوان البهيم، بل ربما كان حال الحيوان أصلح من حاله، وهل أذهب عقل مجنون ليلى وأضرابه إلا ذلك؟

السابع: أنه ربما أفسد الحواس أو بعضها، إما إفسادا معنويا أو صوريا، أما الفساد المعنوي فهو تابع لفساد القلب، فإن القلب إذا فسد فسدت العين والأذن واللسان، فيرى القبيح حسنا منه ومن معشوقه كما في المسند مرفوعا: «حبك الشيء يعمي ويصم» فهو يعمي عين القلب عن رؤية مساوئ المحبوب وعيوبه، فلا ترى العين ذلك، ويصم أذنه عن الإصغاء إلى العدل فيه، فلا تسمع الأذن ذلك، والرغبات تستر العيوب، فالراغب في الشيء لا يرى عيوبه، حتى إذ زالت رغبته فيه أبصر عيوبه، فشدة الرغبة غشاوة على العين، تمنع من رؤية الشيء على ما هو به، كما قيل:

هويتك إذ عيني عليها غشاوة ... فلما انجلت قطعت نفسي ألومها

الثامن: أن العشق كما تقدم هو الإفراط في المحبة، بحيث يستولي المعشوق على قلب العاشق، حتى لا يخلو من تخيله وذكره والفكر فيه، بحيث لا يغيب عن خاطره وذهنه، فعند ذلك تشتغل النفس عن استخدام القوة الحيوانية والنفسانية فتتعطل تلك القوة، فيحدث بتعطيلها من الآفات على البدن والروح ما يعز دواؤه ويتعذر، فتتغير أفعاله وصفاته ومقاصده، ويختل جميع ذلك، فتعجز البشر عن صلاحه
والعشق مباديه سهلة حلوة، وأوسطه هم وشغل قلب وسقم، وآخره عطب وقتل، إن لم تتداركه عناية من الله تعالى.(١)

------------
(١): الداء والدواء للإمام ابن قيم الجوزية -باقتطاع يسير-

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
متابعينا الأفاضل، حياكم الله
شارفت هذه الحملة على الانتهاء -بفضل الله أولاً وأخيراً- نسأل الله أن يكتب لها القبول والنفع.

لذا قبل انتهاءها نسعد باستقبال إضافاتكم واقتراحاتكم لِما قد نكون غفلنا عنه بما يتعلق بموضوع الأنمي وخطره.

راسلونا على البوت:@humatathughoor00_bot