نغيبُ فترةً قد تطول، فلا تغفلوا عنّا بالدعاء.

فضفضة..

يبقي للمرءِ فترة -غير قصيرة- من الٱشتعال الداخلي بسبب أحداثٍ كثيرة ٱكتشف فيها أنه يتصوّر الحياة بمنظورٍ خاطئٍ أبعد ما يكون عن الواقع، ويري معظم الناس ـ للأسف- في هذه المنطقة الحارقة، التي كانت ولا تزال مناط زوالٍ لأساسيات ومبادئ الإنسان المسلم، وهذا الشر كله ينبع من حب الظهور وعدم ٱبتغاء وجه الله في كل عملٍ يعمله، فقد قصّر فينا التوحيد، وأكلت منا الشهوات، وٱنفرطت عنّا عقائد الدين، فكلٌّ يظن من وراء هذه الشاشات بتوثيقه للحظاته في طلبه للعلم، أو سعيه الجاد في نيل الغني، أو إظهار نفسه في مجدلٍ عميقٍ من الثقافة والتراث سيجعل منه هذا الشخص علي الحقيقة! وما هي إلا جلسةٌ معه وها قد أخذت هذه الصورة التي لطالما رسّخها عنه في عقلك، فلا تجد إلا برميلًا خاويًا يعجُّ ببعض الٱستعارات وحشو الكلام؛ فتأسيس الإنسان السويّ يكون بٱبتعاده عن إظهار نفسه في هذه الحلقات المفرّغة التي ستشعل للعقل فكرة الٱستغناء عن التعلّم الجاد بالإخلاص لله تعالي، وعدم وضع معياريّة الناس في الموازين، هو ما سيُنتج عالمًا، ومفكرًا، وباحثًا..الخ، وليس كل هذه الٱفتراءات علي النفس والناس، فنعوذ بالله من الخذلان لنا وللناس، ونسأل الله أن يرزقنا علمًا نافعًا خالصًا لوجهه، لا نريد به أحدًا غيره، وندعوه أن يرحمنا إذا غابَ كل البشر عنّا، لا إله إلا هو إنه وليّنا والخبير بما في الصدور.

في ساعة من هذا الليل، يبكي المرءُ نفسه علي ما أعثرها من ذنوب، وما بالها من فتن، وما حامَ عليها من صدودٍ وتفريط، فأصبحتُ في قليبِ أرجو به أن أعودَ إلي حياتي وما كنتُ عليه من نضرة الشباب، وبراءة الطفولة، فيراني الرائي بٱبتسامةٍ دون تجاعيد، وشرودٍ دون شيب، وهرولةٍ بغير نازلة!

اللهم أدبرنا فأدبرت معنا أعمالنا، وفررنا ففرّت منا حسناتنا، وقعدنا فقعدت إلينا سيئاتنا وحسراتنا، اللهم أقل العثرة، وأقم الجانب، وردّ إلينا جوارك، ياربّ الإحسان أحسن إلي عبدك، وألجئه إليك، وٱرزقه من الخير حيث ذهب!

الغربة والسير وحدك، والانفراد بعيدا=صور عابرةٌ تجدد فيك معنى الحياة الدنيا، وأنها كلها عابرة، لا تصلح ولا يمكن أن تكون مستقرًا أبدا!

- وجدان

"يومَ لا ينفعُ مالٌ ولا بنونَ إلا مَن أتي الله بقلبٍ سليم"

من أصدق الشواهد التي يتعذّر علي الإنسان تجاوزها في نهمه في ٱجتلاب الدنيا وما فيها من زينة مزجاة!

يارب!

تجاوز الأيام بدون إفراغ كمد الصدور يجعل المرء صادئًا لا في قلبه فقط، بل في فكره وتعامله، ولسانه؛ ولا يخفي! أنه آن أن يصعد إلي تفاصيل وجهه وأنظاره!

في تسارع ٱستحداث التقنيات الدامغة، يصرُّ المحبُّ لإنسانيّته ألا تأخذه تسارعها إلي وضعٍ يتحول فيه إلي آلةٍ شعورية، فيتخذ هذا المكان الٱفتراضي ملاذًا يشعر فيه بقيمته، ويستمدُّ منه أصالته ومبادئه، بل ويبني شخصيةً ٱفتراضيةً جديدة يراه الناس بها، وزاد هذا الواقع من الشعر بيتًا أن وضع لكل مخبأٍ من هذا العالم تصنيفًا وتخيّلًا محسوسًا، فالفيسبوك يحسك علي إدمان جلب التفاعلات بكل السبل، وكلما كان الكلام مفهمومًا أو ذو مستوي فكريٍّ هابط كلما زاد تفاعلاتك، فيضع لك شخصك علي هذا الأساس، والإنستغرام محبب لإبداء المظاهر الخدّاعة، والفلاتر المقززة ذات المياعة، أما التليجرام فهو مجتمع الأدباء والمثقفين، ومهما كنت فيه غبيًّا ذو جناحين فستجد فيه ملاذك من الٱقتباسات الأدبية والعلمية، وسيلمع نجمك بمجرد أنك داومت علي النشر، أو أبديت رأيًا يخالف أراء البشر، إلا أنك لن يكون مرحب بك إذا بدوت تافهًا أو كنت فيسبوكيًا، وعلي هذا المنوال في جميع التطبيقات ستجد أن الأشخاص يتشابهون في كل مكانٍ علي حدة، لأن المكان أو " تجربة المستخدم" مصممةٌ خصيصًا للمشي علي خط واحد، أما لو ذهبت للواقع فلن تجد إلا عقلًا خاويًا، ولسانًا فاترًا، وقلبًا خداعًا منافقًا، وما رُحم من الوبال والتعددية في الشخصيات البالية إلا قليلًا قليلًا.!

ولقد عزّيتُ نفسي أن تسير في مواطنِ الألفة والجمال، ووصيتها مرارًا أن تتغاضي عن العسرة، وتزيل حواجز الثِقل والكُلفة، وأن تضع اللينَ سجادًا، وأن لا يكونَ نصيبُ الناس منها خزلانًا وحسرة، فما إن عرفت أن أذايَ هو الغالب، آليت ألا يكون لها إلا طريق الصمت والوجوم، والانقياد والتسليم، والاغتراب والفترة، ولا يزال ذلك يضع في نفسي شوقًا بعيدًا، وآثرًا بالغًا، وقلبًا مهشّمًا أذودُ عن خرابه ببضعةِ بسمات مورّاةٍ، فلا يعرفني إلا غريبٌ مثلي، ولا يفهمني إلا حزينٌ رآني، فأنا المحبُّ وإن ظهرت تقاسيمُ العمر، وأنا الصامتُ وفيّ جدلٌ ألا أملَّ الصبر.!