حلقة مهمة.

سأضع قلمي جانبًا وأغلق غطاء محبرتي في الفترة القادمة، فإني مقبل على امتحانات منتصف الفصل الدراسي، وعلى أمل بأن ألقاكم بعدها بإذن الله تعالى

لا تنسوني من صالح دعائكم. دمتم في أمان الله 💜

قبل عدة سنوات، حوالي ست أو سبع سنوات على الأقل، سمعت خطبة الجمعة في أحد المساجد القريبة من منزلنا. لطالما أحببت خطيب الجمعة ذاك. كان كلامه مختصرًا مرتبًا، يوصل لك الفكرة في منتهى البلاغة والفصاحة، ولم تكن خطبته ذلك اليوم بالإستثناء.

موضوع الخطبة كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أهم نقطة فيها كان قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعًا فينبئكم بما كنتم تعملون) وكيف أن هذه الآية لا تتناقض مع مفهوم الأمر بالمعروف وإنما تكمله، أي أن ضلال الآخرين لا يضر الفرد المهتدي بعد الأمر بالمعروف، وليس معناها أن يكون إنسانٌ أنعم الله عليه بالهداية راضيًا عن ضلال من هم حوله، أو متجاهلًا لحالهم ظنًا منه أن لا شيء عليه، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، إذا قام به ما يكفي سقط الإثم عن الباقين.

مشكلة كبرى تواجهنا اليوم هي الاستحياء من النصح للآخرين إذا رأيناهم يخطئون، أو الأكبر من ذلك وهو تقبل الفعل الخاطئ لمجرد أن الغالبية العظمى تفعله. إذا توقع كل منا من الآخر أن يقوم بدور الآمر والناهي فسنصل حتمًا إلى مرحلة لا يفعل فيها أحد شيئًا، بينما يتفشى فينا المنكر ويسرح ويمرح حتى نجد أنفسنا في وسطه، عوضًا عن أن يكون الفساد شاذًا والصلاح سائدًا، حصل العكس فعَمَّ الضرر المجتمع.

#قصة_قصيرة

أَلَا رُبَّ تُأْتَىٰ كُلُّ نَفسٍ نَصِيبَها
وَلَا تَسْتَزِيدُ بَعْدَهَا فِي المَطَامِعِ
فَرَبُّكَ أَدْرَىٰ بِالَّذِي قَدْ يُصِيبُها
وَمَا اللّٰهُ عَنْ نَفسٍ لِرِزْقٍ بِمَانِعِ
فَكُنْ قَانِعَاً دَوْمَاً وَلَا تَكُ سَاخِطَاً
وَكُنْ رَاضِيَاً بِاللّٰهِ فِي كُلِّ وَاقِعِ
وَمَا دَامَتِ الأَحْوَالُ للّٰهِ أَمرُهَا
فَبِاللّٰهِ نَرضَىٰ فِي جَمِيعِ الوَقَائِعِ

- محمد سيد محمد بخيت

الطبيعي في وقت الشدة أن يطلب الإنسان رفع هذه الشدة عنه، سواءً كان ذلك بالدعاء أو التوبة أو إصلاح النفس وتزكيتها، المهم أن الإنسان يعرف أن ناصيته بيد الله، وأن جميع ما حدث وما يحدث وما سيحدث كلها يعلمها رب العباد جل في علاه. يقول الله وتعالى: (وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور).

إذًا، نحن الآن في مرحلة الموج، لماذا لا نرى تغييرًا؟ بلا شك هناك فعلًا من اتعظ مما يحدث حوله، فحمد الله على العافية، وعزم على ترك المعاصي، وما زالت صور المعاناة طازجة في ذهنه، فعلم ألا ملجأ إلا إلى الله فأخلص نيته إليه طمعًا في أن يرفع عن أمته البلاء الذي حل بها، لكن مع بالغ الأسف، نجد أن الغالبية العظمى ببساطة ليست كذلك. ما زال هناك من ينشغل بالتفاهات وينشرها وقد يكتسب منها وزرًا حتى من سخرية أو بذاءة أو غيره (عن مباريات الكرة أتحدث) وما زال هناك المجاهر والعاصي، وما زال هناك تارك الصلاة أو مؤخرها أو جامعها دون حاجة.

كما نقول في السودان: "الايدو في النار ما زي الايدو في الموية"، والإنسان يألف النعمة بسرعة، ولا يألف شكرها إلا من رحم الله. هل يجب أن يقع البلاء بنا واحدًا واحدًا حتى نتعلم الرجوع إلى الله؟ أفلا نتعظ بمن حولنا؟ ألسنا أمة واحدة؟ أم أن هذه مجرد شعارات رنانة نصدح بها على المواقع وننساها في الواقع؟

#فوق_المصطبة

تفنَّنت واحترفت قوات الدعم السريع إذلال المواطنين. لم يكتفوا بتهجيرهم وسلبهم أموالهم بل وقتلهم واغتصاب نسائهم، لا، بل ويريدون لهم الذلة والمهانة، ذلك بأنهم مرضى مفسدون ومختلون عقليًا، هم وجميع من يدعمهم.

إن دوام الحال من المحال، والأيام دول. كما كان الشعب السوداني يومًا في أمن وأمان، فسيعود إلى ذلك بإذن الله تعالى. إن المصاب عظيم، والخطب فادح، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا. اللهم أهلك قوات الدعم السريع إنك قوي متين على كل شيء قدير. وكما يقول الأتراك: "اللهم يا محول الحول والأحوال، حَوِّل حالنا لأحسن حال"

حسب روايتيْ ابن حجّة الحموي في كتابه "ثمرات الأوراق"، وأبو الفرج الأصفهاني في كتابه الشهير "الأغاني"، أن تاجرًا عراقيًا قَدِمَ إلى المدينة المنورة يَحمِلُ خُمُرًا من العراق ذوات ألوان مختلفة، فَباعها كُلَّها إلا ذات اللون الاسود، وغضب التاجر وشكا إلى ربيعة بن عامر التميمي الدارِمي - الذي يلقب بالمسكين - ذلك، فتعاطف معه الدارمي، وكان قَد نَسكَ وتَعبَّدَ، فَقرض أبياتًا من الشعر، وأُمِرَ مَن يملك صوتًا جميلًا أن يُغَنِّي بِها في المدينة:

قُلْ للمَليحَةِ في الخِمارِ الأسودِ
ماذا فَعَلتِ بِزاهِدٍ مُتَعبِّدِ
قَد كان شَمَّرَ للصـلاةِ إزارَهُ
حَتى قَعَدتِ لَه بِبابِ المَسجدِ
فسلبتِ منه دينه ويقينه
وتركته في حيرة لا يهتدي
رُدِّي عَلَيهِ صَلاتَهُ وصيامَهُ
لا تَقتُليهِ بِحَقِّ دِيــنِ مُحـمَّدِ

وقال أيضًا: "بلغوها إذا أتيتم حماها أنني، مت في الغرام فداها، واذكروني لها بكل جميل، عساها أن تحن عليا عساها، واصحبوها لتربتي فإن عظامي تشتاق أن تدوسها قدماها" فشاعَ الخبرُ في المدينة أنَّ الدارِمي رَجعَ عَن زُهدِه وعشقَ صاحِبةَ الخِمارِ الأسود، فَلم يَبقَ في المدينة المنوّرة فتاة أو سيّدة، إلّا اشترت لها خماراً أسود، فكلهن أردن أن تكون تلك المليحة.

فلمّا باع التاجر ما كان معه رَجعَ الدارمي إلى تَعَبُّدِه وعَمدَ إلى ثِيابِ نُسكِه فَلَبِسَها.

#من_قصص_العرب

انتشرت مؤخرًا صورة لجمع غفير إذا رأيته من بعيد حسبته جيشًا جرارًا أو قارنته بتجمع الحجاج عند المسجد الحرام. تبين لاحقًا أن هذا التجمع العملاق - والذي قُدِّرَ عدد الناس فيه بمئة ألف شخص - ما هو إلا حفل غنائي لفنان ما في دولة عربية.

أعتقد أن الإشكال واضح أمامكم. قريبًا من ذلك المكان - جغرافيًا وإنسانيًا - هناك أمة مسلمة تحترق وتجوع وينكل بها أشد التنكيل. وهم هنا يرقصون ويتمايلون ويغنون. لقد تعودنا أن نهون على الناس، لكن هل وصل بنا الحال بأن نهون على أنفسنا كذلك؟

هذا المشهد ليس الأول من نوعه، وفي غالب الأمر لن يكون الأخير. أنا لست عدوًا للترويح عن النفس، فالترفيه مطلوب بشرط أن يكون بما أباحه الله، وبما ليس فيه استهانة ولا إعراض عن الواقع المُعاش، ألا وهو أنه فيما هناك أناس يجاهرون بالمعصية بكل سفاهة هناك آخرون يبذلون الغالي والنفيس في نصرة الحق، ودفع الضرر عن المسلمين.

قلتها من قبل، وسأظل أكررها ما شاء لي الله أن أفعل. هذا الذل والهوان لن يُرْفَع حتى نرجع إلى ديننا ونطبقه في أحسن صورة ممكنة. إنه من غير المقبول بل ومن الشائن أن يكون شباب المسلمين الذين يُفترض أن تقوم للأمة قائمة بعون الله على أيديهم منغمسين في ما لا يرضيه. هدانا الله أجمعين ونفعنا ونفع أمتنا بنا.

#فوق_المصطبة