حين وَأَدْتُكِ في قلبي
توسعت الصحاري داخلي، وانتشر الجراد
ثم أصبح قلبي جاهليًا في الحب
صرت أمقت أسماء النساء وألقابهن
وأتساءل عن هيئة المشاعر في طين التكوين.
الطبائع الأربعة؛ في العشق جميعها نارية
والسحب المتراكمة ليست إلا زفرات عاشقين قدامى.

حين قدَّمتُكِ قربانًا للحب
وكنتُ قد أطعمتُكِ سنينًا من حياتي
كنتِ سمينةً بالمشاعر وكان يقطر الندى من ناهديكِ في كل الفصول
مثَّلتِ ما يُدعى الإغراء،
لو كنتِ إغريقيةً لعبدوكِ في الحاضر ثم حوَّلوكِ إلى أسطورة.

أتذكر أسطورة أدونيس
وتضحياته في الحب
والنهر الذي تحول للأحمر من دمائه ثم نبتت منه ورود النرجس،
وأتذكر أحمر الشفاه الذي تضعينه؛
نفس اللون، لكنه أحمرٌ لا يشبه بعضه
فأحمرٌ يسبب الموت، وآخرٌ أحمر لكنهُ يقتل الآخرين.

نحن البشر نأخذ من الأساطير ما يهمنا،
لنرمي بحماقاتنا عبرها للجمهور، كتبرير نحاول فيه دخول التاريخ،
لكننا لا نُرى أبدًا، بل نظل كحبات الغبار على الجدران.

حين أغدقتُكِ بالهجر
تخلت عني عيناي وانمّحت آثاري،
ولم يبقَ للمتاحف مني شيء،
وجهٌ مطموس وجذعٌ لا يحتوي ذراعين ولا ساقين،
وحين قرروا أن يهدوني للتجريب العلمي تلاشيت كالضباب،
لذا أتكور حولكِ في غيابي كصخرةٍ في طريقكِ أو شجرة.

حين أصبحتِ غجريةً بالفطرة
لم تتمهلي في انتزاع البنفسج الشامي من منبته
ومنعتِ الطبيعة من الإخضرار،
يعجبكِ اللون الرمادي والقتامة،
لذا حوَّلتِ أيامي إلى أعواد ثقاب هائجة ودخان.

حين وَأَدْتُكِ في قلبي
لم تستسلمي للمنية الحمراء
واستمريتِ بتخريب الحفرة وتشويه الجدران
قلبي هرمٌ فرعوني مليءٌ بالنصوص
وأناملكِ سكاكين القصابين.

حين أصبحتُ جاهليًا في الحب
أنشأتِ داخلي حُبًا ضرار؛
حُبًا يعزلكَ عنك وعن واقعك،
لتحيي في نحيب ملتهب،
لتتحولي إلى قصائد هجاءٍ في البداية
ومرثياتٍ باكية في النهاية.

كنتِ وثنًا ملعونًا
يُستحال معرفة الحقيقة بكِ،
ويَصعُب التخلي عن العكوف عليكِ.

–لؤي سيف

أتتذكرينني
أنا نفس الشخص الذي أخبرك ذات يوم أنهُ يُحِبكِ حدَّ الغرق في قارورة ماء، أنا ذاكَ الرجل الذي صدّقَ قولكِ حين قلتِ لهُ بأن لون الدم أصفر وأن القلب للتنفس.

–لؤي سيف

أنا لم أكن كهلًا هكذا
لكنني قد شِخت من العفو الذي امنحه
كل مرة
حين يقتلني الآخرون.
–لؤي سيف

••

قل لي، لما هذا الصمت عاصف،
ولما هذا الليل تملئه الكوارث؟
قل لي كيف أن الوقت قد غير ترجمة العقارب،
وكيف أن الصبح مبتور من ضحكات النوارس،
وأن المساء بحرٌ تغرق فيه حلقات الكواكب،
وكيف أن الخرائط تُتِيه من يتبعها، وتتركه فوق أرصفة النسيان.
لما، وكيف، ومن تعاتب؟

قل لي لما تنحدر الأحلام بقسوةٍ كالنيازك،
ولما تهتز ذاكرتي كسيف المحارب؟
وقل من أنت أيضًا، فقد ضعت في البعد مني،
وتدحرجت كحرف جر تخلت عنه الكسرة،
وقل أيضًا من أنا، فحين غرقت فيك أضعت هويتي، وحين أتت القرعة واختارتني، رُميت عن سفينة الدم قلبك، وغرقت في الأيام وفي النسيان، وفي الموت المُحَفَز من تجاهك.

من أنتِ ومن أنا وهل نحن نحن؟
لا؛ أنا في الإشارة غيري، وفي الملامح ترى مستقبلي كشائب.
لا؛ فأنا لا أدل عليّ سوى في هويتي الوطنية وبطاقتي الجامعية.
لا؛ فقد اجتثني الحب من فوق الأرض، ولم تكن جذوري سطحية أبدًا، بل لأنني كنت طروبًا اهتز كالأغصان حين تحضر جميلتي في المساء،
وكانت تهدهدني الألحان قبل منامي.
وقبل منامي في أحد الأيام، تم اقتلاعي بسهولة،
التربة متراخية ومليئة بالنوتات الموسيقية، ومحشوة بسيمفونيات باكية وحزينة،
وكان أحدهم قريبًا، وملاصقًا لقلبي، فاجتثني ولم أكن بالنسبة له شجرة، بل زهرة ذبلت في الكأس، وحان وقت استبدالها.

وهذا الحب تشكل من النور، ثم نفخت فيه الروح، وصُيِّر امرأةً
وأصبحت تُرسل لأصحاب الحب المذكورين في الألواح كعشاق منسيين،
فتاة تأتي لتعلمك كيف تحزن، وكيف تعرف أبواب العرافات بدون دليل،
وكيف تقلب فنجانك وكيف تتكون فيه الأشكال.
فتاة تختفي دهرًا ثم تنبجس من بين الكلمات ومن ذاكرتك كالشيطان،
وترمي لك بالمجرة تلو المجرة، لتسقط فيها كالإشعاع،
ولألف سنة ضوئية لا تطولها لمساتك،
ولألف سنة بشرية تلهث ولا تصلها كلماتك.

من أنتِ يا أنثى السديم، من أنتِ يا بنت الزنابق والشقائق، من أنتِ يا قمرية العينين ويا قوسية الحواجب؟
من أنتِ لكي لا أنساك،
من أنتِ لتقتلني ذكراك،
من أنتِ لتسحقني كالعنكبوت يداك؟
من أنتِ ومن تكونين ومن أي جحيم أتيت، ومن أي طين خلقتِ؟
أمن الوادي المقدس طوى، أم من تل الشيطان؟
فمن أنتِ وما سر التكوين فيك وما العتاقة،
ولما محجلي عيناك يقتسمان روحي كالمخالب؟
من أنتِ يا قديمة الإحساس يا متجددة المواهب؟

بألف طريقة قتلتني، بألف طريقة نشرتني، بألف طريقة أهلكتِ روحي،
والغريب أني لم أمت، بل ازددت إحساسًا وحبًا،
وازداد حجم قلبي كالبالونة فهو ثقيل وخفيف.
من أنتِ أيها الشقراء، يا ذات السلاسل الذهبية، يا ذات الأنوثة القاتلة للإنسان؟
وبالرغم من الأفاعي في أناملك، لم أستطع الامتناع عنك، عندما اجتمعت في فمك ضحكات الصغار،
لم أستطع الابتعاد ولم أقترب أيضًا، بل كنت ضحية الأشهر الثلاثة التي جُعتِ فيها،
فأكلتني من مشاعري، واستفرغت قلبي من الحب ومن الدماء.

واليوم أتساءل ما الابتسامة، ما الفرح، ما اجتماعات الأقارب وما الحب؟
اليوم أسأل في غيابك كل المارة في الشوارع، من أحارب من أطارد؟
من أين أسترجع الحسرة والندم فالمحبة أضحت مستحيلة وأناي القديمة مستحيلة، من أنت؟!!

أنتِ كل القاتلين وأنا كل ساحات المعارك وجميع القتلى،
أنا التربة التي احتضنت الدماء ومن ثم دموع الباكين على الميتين.
آه، لقد تكررت الحلقة كثيرًا،
آه، أريد الخروج من هذا المشهد.

–لؤي سيف

بعد ليلةٍ حافلة بالغزل
قالت بإستغباء :
حديثك غامض .

–لؤي سيف

خطوات الظل المتقاربة نحوك
حين افرطتِ في غيابك
نبتت بجانب السياج
وأصبحت عمود انارة.

–لؤي سيف

في غيابك
اعتادت السماء أن تمطر
واعتاد قلبي على الطيران
في غيابك
الخريف يمتد من ذاكرة العام إلى العام.

–لؤي سيف

••

مازَال المَطَر مُتواصلًا يَبدُو أنَّ جَرح غــيـــمـة عَميق? . .