«بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء»

بسم الله الرّحمن الرّحيم
قد لا نجد عهداً بلغ فيه الإسلامُ إلى هذا الحدّ من الغربة ، بعد بدايته في مكّة; ليس بين غير أهله ، بل بين أهله ومن يدّعيه! .
واليأس والقنوط المحيطان بالمسلمين اليومَ : لعلّه أكثر وأوسع من أيّ عهد مضى! .
وشراسة الأعداء وتكشيرهم : لاريبَ أنّه أوضح وأشدّ من أيّ وقت آخر! .
وليس ذلك من قلّة في المسلمين; فإنّ تعدادهم اليومَ يبلغ أكثر من مليار نفس ، وهو ما يعادل سدس سكّان الكرة الأرضيّة ، ممّن ينتمون إلى الإسلام بالاسم والتبعيّة ، وهم يقبعون على مساحة لعلّها تبلغ ربع الكرة تلك .
ولا من قلّة في المال والثراء; فهم ينامون على آبار من الذهب الأسود ، ويملكون أراضي زراعيّةً شاسعةً على ضفاف أنهار فيّاضة كالنيل والفرات ودجلة والليطاني والعاصي ، وغيرها .
ولكن من سوء التدبير ، وعدم النظم ، وعدم التقدير ، وضعف روح التعاون والتعاضد على البرّ والتقوى ، وعدم الإخلاص في العمل ، والأهمّ من كلّ ذلك عدم الهمّة والطموح ، ومن هنا نجد ما حلّ بهم من الذلّ .
فإذا ألهاهم التكاثرُ بالأموال والأولاد ، واعتادوا التوانيَ واللاّمبالاة في مايحدث حواليهم ـ ما داموا في سلام وراحة ـ وما دام الخوف من الموت في سبيل الله يغشاهم ، والانشغال باللعب والتظاهر بالفسق والفجور ملهاهم ، وفي كلّ ذلك معاص معلنةٌ لله جلّ وعزّ وانتهاكٌ صارخٌ لحرماته ، فإنّهم يكونون قد هجروا الإسلامَ وأبعدوه عن نواديهم «غريباً» عن حياتهم وأوساطهم .
وإذا تركوا خنادق دينهم ، ومواقع الثغور من عقيدتهم وإسلامهم; فإنّ الغزاة المتربّصين بهم الدوائر يتسلّلون في ديارهم ، ويفتكون بهم ، وهو ما حصل بالفعل .
والأدهى والأمرّ أنّ الأعداء وجدوا بين المسلمين ، ومن أبنائهم ، أدوات عمالة وتجسّس وتآمر ، تعيش في بيوتهم وتعيث فساداً في ديارهم .
وحينئذ يكون موعد النصر الإلهي الذي أعدّه لمن ينصره ، ويتمّ نعمته على المستضعفين في الأرض ، ويحقّق إرادته التي قال عنها : وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الاَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ وذلك بظهور الأمل المنشود والإمام الموعود المهديّ من آل محمّد من ولد فاطمة وعلي(عليهم السلام) .
ليملأ الدنيا قسطاً وعدلا ، بعدما ملأها الظالمون والمنافقون ظلماً وجوراً .
وهذا ما يُحيي الأملَ في نفوس المؤمنين ، ويزرع الخوف والرعب في قلوب الكفّار من الصهاينة المعتدين والصليبين الحاقدين وأذنابهم وعبيدهم من أبناء البلاد الإسلاميّة الذين خانوا أهلهم وذويهم ، ودينهم وأوطانهم ، واتّبعوا الشهوات والأطماع ، وغرّتهم الأماني ، فساء ما يعملون ، والله لهم بالمرصاد .
والذي يتحتّم علينا في هذه الأزمة أن نشدّد التزامنا بالإيمان الصادق ، وما جاء به الإسلام من الحقّ الواضح ، وما رسمه الرسول والأئمّة الأطهار من السبيل الأبلج اللائح ، وأن نؤكّد على تحقّق الوعد الإلهي المحتوم بانتصار أهل الحقّ والصدق بظهور وليّ الأمر وصاحب الزمان والعصر الإمام الحجّة المهدي (عليه السلام) .
ذلك الإمام المخلّص المنجي المحيي لمعالم الدين الدارسة ، والحاكم بالعدل والسويّة بين الرعيّة ، والمبير للظلمة الطغاة ، ليقيم دولة الإسلام الشاملة ، ويتنعّم في ظلّه جميع الأنام .

?مجلة علوم الحديث (العدد 15، السنة الثامنة، محرم - جمادى الآخرة 1425) - كلمة التحرير - ص ٥، ٦، ٧.

#اقتباس
https://t.me/Al_Muntadhar_313

١٥،ذو القعدة، ١٤٤٥ هـ
٢٤،٥،٢٠٢٤ م - الجمعة

١،شهر شوال،١٤٤٥ هـ
١٠،٤،٢٠٢٤ م - الأربعاء