أَرَى السَّهلَ مَقرُوناً بِصَعبٍ ولا أَرى
بِغَيرِ اقتِحَامِ الصَّعبِ مُدَّرَكَ السَّهلِ

رب السيف والقلم: البارودي!

يا مَن لَهُ الأَخلاقُ ما تَهوى العُلا
مِنها وَما يَتَعَشَّقُ الكُبَراءُ

لَو لَم تُقِم ديناً لَقامَت وَحدَها
ديناً تُـضيءُ بِنورِهِ الآناءُ

أمير الشعراء!

وأهيم شوقاً إن مررتِ بخاطري
فتسيل من فرط الهيام مدامعي

ويزيد مني أنين قلبي ونبضه
وتشتاق للصوت الجميل مسامعي

أمير الشعراء!

‏تَاللهِ إنّ الشوقَ يفعل دَهرَه
بالجسمِ ما لا تفعلُ الأسقامُ

أبو عبادة البحتري!

لا تَحْسَبَنَّ الْعَيْشَ دَامَ لِمُتْرَفٍ
هَيْهَاتَ لَيْسَ عَلَى الزَّمَانِ دَوَامُ

تَأْتِي الشُّهُورُ وَتَنْتَهِي سَاعَاتُهَا
لَمْعَ السَّرَابِ وَتَنْقَضِي الأَعْوَامُ

وَالنَّاسُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَارِدٌ
أَوْ صَادِرٌ تَجْرِي بِهِ الأَيَّامُ

لا طَائِرٌ يَنْجُو وَلا ذُو مِخْلَبٍ
يَبْقَى وَعَاقِبَةُ الْحَيَاة حِمَامُ

رب السيف والقلم: البارودي!

غَلَبَ الوَجْدُ عَلَيهِ، فَبَكَى
وَتَوَلَّى الصَّبرُ عَنهُ، فَشَكَا

وَتَمَنَّى نَظرَةً يَشْفِي بِهَا عِلَّةَ الشَّوقِ
فَكَانَتْ مَهْلَكَا...!

رب السيف والقلم: البارودي!

بِسَيفِكَ يَعلو الحَقُّ وَالحَقُّ أَغلَبُ
وَيُنصَرُ دينُ اللَهِ أَيّانَ تَضرِبُ

وَما السَيفُ إِلّا آيَةُ المُلكِ في الوَرى
وَلا الأَمرُ إِلّا لِلَّذي يَتَغَلَّبُ

فَأَدِّب بِهِ القَومَ الطُغاةَ فَإِنَّهُ
لَنِعمَ المَرَبي لِلطُغاةِ المُؤَدِّبُ

وَداوِ بِهِ الدولاتِ مِن كُلِّ دائِها
فَنِعمَ الحُسامُ الطِبُّ وَالمُتَطَبِّبُ

تَنامُ خُطوبُ المُلكِ إِن باتَ ساهِراً
وَإِن هُوَ نامَ اِستَيقَظَت تَتَأَلَّبُ

أَمِنّا اللَيالي أَن نُراعَ بِحادِثٍ
وَأَرمينيا ثَكلى وَحَورانَ أَشيَبُ

وَمَملَكَةُ اليونانِ مَحلولَةُ العُرى
رَجاؤُكَ يُعطيها وَخَوفُكَ يُسلَبُ

هَدَدتَ أَميرَ المُؤمِنينَ كَيانَها
بِأَسطَعَ مِثلِ الصُبحِ لا يَتَكَذَّبُ

وَمازالَ فَجراً سَيفُ عُثمانَ صادِقاً
يُساريهِ مِن عالي ذَكائِكَ كَوكَبُ

إِذا ما صَدَعتَ الحادِثاتِ بِحَدِّهِ
تَكَشَّفَ داجي الخَطبِ وَاِنجابَ غَيهَبُ

أمير الشعراء!