النصّ التدبّريّ الأول | سورة الحشر ✨

من المهم أثناء تدبّر السورة، تأمل المجتمع الذي نزلت فيه الآيات، ومعرفة أصل الواقعة التي يتحدث عنها القرآن..

السورة نزلت في واقعة بني النضير، إذ ورد أن النبي ﷺ ذهب إليهم مع أبو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم وأرضاهم، في طلب ديّة قتيلين، وما كان من بني النضير إلا أن يُظهروا البِشر والترحاب غير الحقيقيين، الذَيْن يختبئ وراءهما مخطط لاغتيال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فما إن جلس أسروا إلى بعضهم البعض أن هذه هي الفرصة السانحة، وتطوع أحدهم لرمي صخرة على رسول الله، لكن التقدير الإلهي قدّر أن يُوحى للنبي بذلك، فقام كأنه يريد قضاء أمر ما، واستبطأه أصحابه فقاموا يتفقدونه فعلموا أنه دخل المدينة.

ومن هنا أمر النبي بالتهيؤ لحرب بني النضير، لظهور الخيانة منهم، ونبذهم عهد الأمان المتفق عليه، إلى جوار تأليب كعب بن الأشرف لليهود والمشركين على رسول الله وتحريضه إياهم لمعاداته، وهجاءه، مما جعل النبي يأمر بقتله.
هامش: اطلعوا غلى قتل كعب بن الأشرف

ولما كان من بني النضير الخيانة والغدر، حاصرهم رسول الله ﷺ وأمهلهم ٣ أيام وقيل عشرة ليخرجوا من المدينة ويأخذوا ممتلكاتهم، ويقيموا وكلاء على بساتينهم.

وكانوا سيقومون بذلك لولا وعد المنافقين لهم بالوقوف إلى جوارهم، وتصبيرهم بذلك، والمنافقون كما سيتقدم ذكره تتجلى فيهم صفة الثرثرة الفارغة، وكثرة القول دون الفعل، حتى يئس اليهود من وعدهم في الليلة السادسة والعشرين، وطلبوا من النبي ﷺ أن يتم إجلاؤهم كما أُجلي بنو قينقاع!

فأذن لهم النبي بذلك على أن يأخذوا من ممتلكاتهم ما تحمله إبلهم فقط، فكان الواحد منهم يخلع خشبة باب داره فيأخذه معه، أو يفسد بيته حتى لا يستفيد منه المسلمين، ومن هنا كان إخرابهم لبيوتهم بأيديهم.

تتناول السورة أيضًا المجتمع المسلم المترابط والبديع، مجتمع المهاجرين والأنصار، الغنيّ بالإيثار والإحسان، وسلامة الصدر!

تفتتح السورة بالتسبيح
وتختم بالتسبيح
ليتناسق البدء والختام مع سياق السورة وموضعها.

فسبحان الله..

#لينة
#تمكين

سبحان من جعل دقيقة واحدة تقدح في النفس هذا الكم من المعاني!

في غالب الأمر، سيكون وردكم اليوم من الجزء الثالث، أو الرابع، فلا بد من أن تكونوا مررتم على آية الدين الطويلة !

أحببنا أن نشارككم هذا الكلام البديع الذي قيل فيها:

«كان بعض الراجين من العارفين إذا تلا هذه الآية؛ آية الدَّين التي في سورة البقرة، يُسر بذلك، ويستبشر لها ويعظُم رجاؤه عندها. فقيل له: "إنها ليس فيها رجاء، ولا ما يوجب الاستبشار". فقال: بلى! فيها رجاء عظيم. قيل: وكيف ذلك؟ فقال: إن الدنيا كلها قليل، ورزق الإنسان فيها قليل من قليل، وهذا الدَّين من رزقه قليل من قليل من قليل، ثم إن الله تبارك وتعالى احتاط لي في ذلك ودقق النظر لي؛ بأن وكّد دَيني بالشهود والكتاب، وأنزل فيه أطول آية في كتابه، ولو فاتني ذلك لم أبال به، فكيف يكون فعله بي في الآخرة التي لا عوض لي من نفسي فيها؟!».

(أبو طالب المكي ت ٣٨٦ هـ)