﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلتَنظُر نَفسٌ ما قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبيرٌ بِما تَعمَلونَ﴾

وهذه الآية الكريمة أصل في محاسبة العبد نفسه، وأنه ينبغي له أن يتفقدها، فإن رأى زللا تداركه بالإقلاع عنه، والتوبة النصوح، والإعراض عن الأسباب الموصلة إليه، وإن رأى نفسه مقصرا في أمر من أوامر الله، بذل جهده واستعان بربه في تكميله وتتميمه، وإتقانه، ويقايس بين منن الله عليه وإحسانه وبين تقصيره، فإن ذلك يوجب له الحياء بلا محالة ۡ.

ها قد انقضى شهرنا الحبيب، شهرٌ مرَّ كالريح، أتى على عجلٍ ومضى وما زال الشوق فينا، الحمد لله أن بلغنا رمضان ونحن في تمام النِعمة والعافية وأتمَّ علينا نعمة الإسلام رغم الخطايا والذنوب، جدد فينا شهر رمضان الأمل، الأمل بأن الخير ما زال فينا، أنَّ لنا قلوبًا وضمائر حيةً رغم أنّها تغفل كثيرًا، لكن أيكون شُكرنا لله أن نعصيه صبيحة يوم العيد الأول! ربّ رمضان هو ربُّ العيد هو ربّ ما بعد العيد وبقية الأشهر، الميزان نفسه والصراط نفسه والحسابُ أيضًا، أم نكون كمن نقضت غزلها بعدما قاست فيه العناء كله! يذهب ما كابدناه من الذنوب والخطايا في رمضان في مهبِ الرِيح هباءً منثورًا!
ما رأيك أن تُضاعف الهمة والعزيمة التي كانت تُحرِّكك في رمضان!
ما رأيك أن تبقى على وتِيرة السُنن ذاتها والأولى أن تزيد!
ما رأيك أن تبقى كما كُنت في رمضان تُجاهد نفسك الأمّار بالسوء حق المُجاهدة!
لا يخدعنَّك الذي قال الشيطان تُسلسل في رمضان فافعل ما شِئت، نعم سُلسِت الشيطان لكن لم يّسلسل العدو الأكبر؛ ما زالت النفس البشرية الأمارة بالسوء تقود إلى كل الشرِ إن لم تُوجهها إلى الخير، إياك أن يهزمك ذاك الأحمق النابض خلف أضلعك مرة أخرى، إياك أن تنصاع وراء الشهوات والشُبهات وكأنَّ عقلك ذهب عنك بمجرد انتهاء رمضان، فلتفعل السُنن كما كُنت، حافظ على وِرد الذِكر الذي حافظت عليه طِيلة رمضان كما هو، إن لم يزيد فلا تُنقصه، وِردك حياتك من القرآن إياك أن تُضيعه، انهل من جلسات التدبّر ما شِئت، جلسة الضُحى التي كانت ترُدُ فيك الروح في رمضان بيِت نيتك أنّك لن تُضيعها أبدًا.
يا صاحبي لِتكن ربانيًا لا رمضانيًا؛ فوالله هذا هو تمام الخير لِقلبك، وإياك أن تظن أنَّ عيدك هو أن تعود المعاصي تارة أخرى؛ فيا حسرتك إن ظننت هذا أو فعلت ذاك.

مَا كان مَع زكرِيَّا مِن الأسبَابِ إلَّا شَيبَةُ رأسِهِ

وامرَأةٌ عَاقِر، ورُغمَ ذلِكَ كانَتِ النَّتِيجَةُ: إنَّا نُبشِّرُك

المَسألةُ كلُّها: قلبٌ مُوقِنٌ

‏قال ﷺ :
من قال: سُبحانَ اللّٰـه وبحمدهِ، غُرست لهُ نخلةٌ في الجنَّة.

[صحيح الترمذي]

أشد الناس ندماً في الآخرة هم المهدِرون لأعمارهم حتى وإن دخلوا الجنة !!

بين الدرجة والدرجة في الجنة قراءة آية، وبينهما كذلك خمسمائة عام !!
يقول أحدهم :  رأيت صديقاً لا يوقف تحريك شفتيه ونحن جلوس نتكلم , لا يكاد يوقفهما عن التسبيح حتى انفضّ المجلس، فقمت وبي من الحسرة على نفسي ما الله به عليم !

الأنفاس الذاكرة تورث الغُرف العاطرة ، ومهمل الحسنات يُحرم عالي الدرجات ..

الأعمار تُحسب بالأنفاس ، والجنة غراسها ذكر لا يتعدى طرْفة العين !

فَنُفُوسُنَا عِندَ الإلَهِ وَدِيعَةٌ
                 حَاشَاهُ يَخذِلُ صَبرَهَا ويَرُدُّهَا

سَيُغِيثُها يَومًا وَيَجبُرُ كَسرَهَا
                حَتَّىٰ وَإن طَالَ البَلَاءُ وَهَدَّهَا

يا تُرَى أعُتِقنَا! أَم مَا زِلنَا فِي كَبَدٍ

تباً للمقام والقيادة والمنصب إن تعدى العقيدة وحدود الله بالمصالح

الله أكبر الله أكبر
لا إله إلا الله
الله أكبر الله أكبر
ولله الحمد

﴿وَلِتُكَبِّرُوا۟ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمۡ﴾

قال البقاعي -رحمه الله-: "ومِن أعْظَمِ أسْرارِهِ: أنَّهُ لَمّا كانَ العِيدُ مَحَلَّ فَرَحٍ وسُرُورٍ، وكانَ مِن طَبْعِ النَّفْسِ تَجاوُزُ الحُدُودِ لِما جُبِلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الشَّرَهِ، تارَةً غَفْلَةً، وتارَةً بَغْيًا، أمَرَ فِيهِ بِهِ لِيُذْهِبَ مِن غَفْلَتِها، ويَكْسِرَ مِن سَوْرَتِها"

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد