قصص وروايات

Description
We recommend to visit

القناة الرسمية والموثقة لـ أخبار وزارة التربية العراقية.
أخبار حصرية كل مايخص وزارة التربية العراقية.
تابع جديدنا لمشاهدة احدث الاخبار.
سيتم نقل احدث الاخبار العاجلة.
رابط مشاركة القناة :
https://t.me/DX_75

Last updated 1 Jahr, 8 Monate her

القناة الرسمية لابن بابل
الحساب الرسمي الموثق على فيسبوك: https://www.facebook.com/Ibnbabeledu?mibextid=ZbWKwL

الحساب الرسمي الموثق على يوتيوب :https://youtube.com/@iraqed4?si=dTWdGI7dno-qOtip

بوت القناة ( @MARTAZA79BOT

Last updated 6 Monate, 2 Wochen her

Last updated 2 Monate, 2 Wochen her

8 years, 6 months ago

#وكانت_صديقة

إمتحان الحديبية
ج2

هتف عمر:
ـ فَلِمَ نُعطي الدنيّةَ في ديننا اذن ؟!
أجاب النبيّ وهو يحاول إعادة الطمأنينة إلى قلبه:
ـ إني رسول الله؛ ولست أعصيه وهو ناصري.
قال عمر بحدّة:
ـ أولستَ كنتَ تحدّثنا انّا سنأتي البيتَ فنطوف به ؟!
أجاب محمّد بصبر الأنبياء:
ـ بلى يا عمر.. أفأخبرتك أنّك تأتيه عامك هذا ؟
أجاب عمر مخذولاً:
ـ لا.
ـ فانك آتيه ومُطوِّف به.
وظلّ « عمر » هائجاً لم تفلح كلمات الرسول في إعادة السلام إلى نفسه.
هرع الرجل الفارع إلى صاحبه وقال بعصبية:
ـ يا أبا بكر، أليس هو برسول الله ؟
ـ نعم.
ـ أوَ لسنا بالمسلمين ؟
ـ أجل يا عمر.
ـ أوَ ليسوا بالمشركين ؟
ـ ماذا تعني ؟
ـ فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟
نظر أبو بكر إلى صاحبه بأسف.
عمر ما يزال ثائراً يبحث عن شيء.. عن شخص يطفئ به النار التي تستعر في صدره... وقد حانت اللحظة المناسبة لنسف السلام مع قريش.
تمكّن « أبو جندل » بن سهيل من الإفلات من قبضة قريش، وجاء ينوء بالسلاسل والقيود.
كان منظره يدعو إلى الشفقة، اعترضه أبوه وكان قد أمضى عهداً مع النبيّ.
هتف الشاب المثقل بالحديد والقهر:
ـ يا رسول الله.. يا معشر المسلمين.
والتفت سهيل إلى النبيّ:
ـ يا محمّد، بيننا وبينك العهد.
ـ صدقت.
هتف أبو جندل:
ـ يا للمسلمين، أأردُّ إلى المشركين ليفتنوني عن ديني.
المسلمون ينظرون إلى أخ لهم لا يملكون له ضرّاً ولا نفعاً.
هتف النبيّ يشدّ على يده من بعيد:
ـ اصبر يا أبا جندل واحتسب، سيجعل لك الله ولمن معك فَرَجاً ومخرجاً.
لم يتمالك عمر كعادته، فخفّ إلى ابن سهيل.. اقترب منه هامساً:
ـ إنما هم مشركون، ودم أحدهم دم كلب.
اقترب عمر أكثر وكشف للشاب مِقبضَ السيف وكرّر قائلاً:
ـ المشرك دمُه كدم الكلب.
أدرك الشاب أن عمر يغريه بقتل أبيه، فاكتفى بنظرة طويلة إلى عمر ولم يقل شيئاً.
كانت كلمات النبيّ ما تزال تتردّد في أُذنيه وفي قلبه، ثمّ كيف له أن يقتل أباه ؟ بل كيف للمسلم أن يغدر أو يفتك ويخون العهد الذي أُبرم قبل لحظات.. وهل ستسكت قريش على قتل رجل كان يفاوض باسمها ويدافع عن آلهتها ؟!
كانت الأفكار تصطرع في رأسه كخيول في معركة.. وهو يجرجر خطى واهنة عائداً مع أبيه.
وانطوى نهار ذلك اليوم، وقد هبّت نسائم السلام فوق رمال الجزيرة...
وفي المساء، وعندما كانت النجوم تنبض في السماء كقلوب حالمة هبط جبريل يحمل بين جناحية سورة « الفتح ».
وانساب نهر سماويّ.. والرسول يتلو:
ـ إنّا فَتَحنا لكَ فَتحاً مُبيناً.
وانبعث صوت في الظلام:
ـ وأين هذا الفتح وقد صَدُّونا عن البيت ؟!
أجاب النبيّ:
ـ بل هو أعظم الفتح.. لقد رضي المشركون أن يدفعوكم بالراح عن بلادهم، وأن يرغبوا اليكم في الأمان. وردّكم سالمين مأجورين فهو أعظم الفتح.
هتف المسلمون:
ـ صدقت يا رسول الله.
ومضت أيّام على السلام فأقرّ عمر بحالةٍ تراوده، فتمتم آسفاً:
ـ ما شككتُ منذ أسلمت إلاّ ذلك اليوم.

8 years, 6 months ago

#وكانت_صديقة

إمتحان الحديبية
ج1
كان الجوّ مشحوناً بالقلق ما بين « الحُدَيبية » ومكة. قريش لا تذعن للحقّ ولا تُصيخ السمعَ لصوت العقل، فتفتح أبواب مكة لقوافل الحجيج. وبعث النبيّ « عثمان » فله قرابة بأبي سفيان:
ـ أخبِر قريشاً أنّا لم نأتِ لقتالِ أحد، وإنّما جئنا زوّاراً للبيت، معظمين لحرمته ومعنا الهَدْي ننحره وننصرف.
ومضى عثمان إلى مكة ولم يَعُد.. مضت ثلاثة أيّام.. اختفت فيها أخباره، وسمعوا شائعات عن مصرعه مع عشرة من المهاجرين دفعهم الشوق إلى زيارة أهليهم.
عندها وقف النبيّ تحت ظلّ شجرة في الوادي أسند جذعه إلى جذعها.. وأحدق أصحابه وهم يعاهدون على الموت من أجله... وباركت السماء عهد المؤمنين.. وقد رضي الله عنهم.
الجوّ يزداد تأزّماً ولمّا يَعُد عثمان بعد...
وجاءت رسل السلام.. وقد أدركت قريش أن الخطر قاب قوسين أو أدنى.
جاء « سُهَيل » يعرض على النبيّ شروط قريش:
ـ أن تضع الحرب أوزارَها بين الفريقين عشرَ سنين.
ـ أن يَرُدّ محمّد من يأتيه من قريش مُسلِماً، ولا تلتزم قريش بردّ من يأتيها من عند محمّد.
ـ أن يعود محمّد وأصحابه هذا العام دون عُمرة، وأن يأتوا في العام القادم.
ـ من أرد الدخول في عهد قريش فله ذلك، ومن أراد الدخول في عهد محمّد جاز له ذلك.
كان النبيّ يصغي إلى عرض قريش يلقيه « ابن عمرو » وقد بدا بعض الصحابة ممتعضاً، وكاد عمر أن ينفجر بعد ان سمع النبيّ يستدعي عليّاً:
ـ اكتب يا عليّ: بسم الله الرحمن الرحيم.
اعترض سهيل:
ـ لا أعرف هذا.. اكتب: باسمك اللّهم.
استأنف النبيّ:
ـ اكتب ذلك، واكتب: هذا ما صالح عليه محمّدٌ رسولُ الله سُهَيلَ بنَ عمرو.
قال سهيل:
ـ لو شهدتُ أنك رسول الله لم أُقاتلك.. ولكن اكتب اسمك واسم أبيك.
أطلّ الحزن من عيني الرسول:
ـ واللهِ إني رسول الله وان كذبتموني... اكتب يا عليّ: محمّد بن عبدالله وامح رسول الله.
رفع عليّ رأسه وقد شعر بالغضب يتفجّر في صدره:
ـ إن قلبي لا يطاوعني.. واللهِ لا أمحوها.
تناول النبيّ الصحيفة ومحاها..
واستأنف عليّ يثبت بنود السلام.
ونهض الوفد عائداً إلى مكّة...
لم يتمالك « عمر » اعصابه فتقدّم من النبيّ بطوله الفارع وعيناه تبرقان بغضب عارم:
ـ ألستَ نبيّ الله حقّاً ؟!
أجاب النبيّ بهدوء:
ـ بلى.
ـ أليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النار ؟!
ـ بلى يا عمر.
هتف عمر:

8 years, 6 months ago

#وكانت_صديقة

رائحة الوطن
عاد السلام يرفرف فوق المدينة، وكلمات السماء تتردد بين سعف النخيل وعرائش الأعناب.
وعاد عليّ يعمل في الأرض.. يسقي الزرع ويفجّر الينابيع يريد للأرض أن ترتدي حلّة خضراء..
عاد الأطفال يلعبون في الأزقة... ضحكاتهم البريئة تتردد في الفضاء الأزرق.
ومرّ النبيّ في طريقه إلى المسجد تحفّه كوكبة من أصحابه.
وركض الحسن والحسين وكانا يلعبان مع الأطفال.. وخف النبيّ لاستقبال ريحانتيه من الدنيا، والبسمة تطوف فوق وجهه..
حمل النبيّ ولديه.. شمّ الجنّة فيهما.. استنشق عبير الرياحين.. وحملهما على عاتقه..
والتفت إلى اصحابه:
ـ مَن أحب هذين الغلامين وأُمَّهما وأباهما فهو معي في الجنّة.
قال عمر مغتبطاً وهو يرى أجمل منظر:
ـ نِعمَ الفَرَسُ فرسكما.
فأجاب النبيّ مبتسماً:
ـ ونعم الفارسان هما.
شمّ المهاجرون رائحة وطنٍ بعيد.. وتلفتّت العيون صوب الجنوب وتلفتت القلوب؛ وطافت صور جميلة لمكة مرابع الصبا وذكريات الطفولة، فإذا الحنين نهر حزين يجري بصمت، والخريف فصل الوداع يستثير هواجس العودة واللقاء، وها هي ستة أعوام تنطوي والمهاجرون ما يزالون يقاومون عواصف الصحراء والزمان.. يحلمون بالعودة إلى ديار الحبيب... الكعبة بيت إبراهيم وإسماعيل.. وغار حِراء في جبل النور.. وذكريات الجهاد.
وأطلّ « ذو القعدة » يوقظ في النفوس نداء إبراهيم فتنطلق القوافل بين الأودية.. فالقلوب تهوي إلى بقعة مباركة حيث أول بيت وُضع للناس.
وعمّت الفرحة المدينة.. لقد أعلن النبيّ رغبته في أداء العمرة وزيارة البيت العتيق.. وانّه لا يريد حرباً مع أحد، انّه ينشد السلام.. وهل الإسلام يعني شيئاً سوى السلام.
وطار النبأ في الجزيرة رايةً بيضاء بياض حمائم في الفضاء الأزرق.
واجتمع ألف وأربعمئة ممن تخفق قلوبُهم لمكّة وأداء شعائر الحج... وتقدّم النبيّ على ناقته « القَصْواء » زورقاً ينساب فوق امواج الرمال.. وكان « اللواء » يخفق فوق هامة عليّ.. وساق النبيّ من الهَدْي سبعين.. والسيوفُ في الأغماد، حتّى إذا بلغ ذا الحَليفة، أحرم فيها ولبّى.
ردّدت الصحارى هتافات التوحيد:
ـ لبيّك اللّهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك..
وفي « عُسْفان » حطّ النبيّ الرحال... يمدّ يد السلام..
وجاء رجل من أُم القرى يسعى:
ـ يا رسول الله، هذه قريش قد سمعت بك، فلبست جِلد النمر... وقد اجتمع الرجال والنساء والأطفال بـ « ذي طُوى »... وخيلها الآن في « كراع الغَميم ».
قال النبيّ بحزن:
ـ يا ويحَ قريش.. لقد أكلتهم الحرب ماذا عليهم لو خلّوا بيني وبين العرب.. ما تظنّ قريش.. والله لا أزال أُجاهد أو تنفرد هذه السالفة.
وكان الرجل يتأمّل سوالف النبيّ المتلألئة وقد انفردت عن شعر النبيّ المتموّج تموّجَ الصحارى وهو يكاد يلامس منكبيه.
وجلس النبيّ يفكّر.. يفكّر في قوم كذّبوه وآذوه.. وألّبوا العرب عليه يريدون أن يطفئوا نور الله.. والله مُتمُّ نورِه.
قال النبيّ وقد أحدق به أصحابه:
ـ مَن يدلّنا على طريق غير طريقهم ؟
فنهض رجل مِن أسلَم وكان عالماً بخفايا الصحراء وبطون الأودية.
وسار ألف وأربعمئة رجل يتقدّمهم آخر الأنبياء، وقد هبّت نسائم وطن بعيد.
كانت المفازات وعرة كثيرة الحجارة كأنها شظايا بركان انفجر قبل آلاف السنين. حتّى إذا وصلوا أرضاً سهلة انعطفوا جهة اليمين حيث الجادة المُؤدّية إلى « ثَنيّة المراد » مهبط « الحُدَيبية » من أسفل مكة.
توقفت القَصواء ثم بَرَكت.. وتوقّفت الجموع، قال قائل:
ـ حرمت الناقة وأجهدت.
فقال النبيّ: لا.. ولكن حَبَسها الذي حَبَس الفيلَ عن مكة..
وأردف وهو ينزل عن « القصواء »:
ـ واللهِ لا تدعوني قريش إلى خطة تسألني فيها صلةَ الرحم إلاّ أعطيتهم ايّاها..
والتفت إلى الجموع:
ـ انزلوا.
قال أحدهم وهو يستعرض الوادي ببصرٍ نافذ:
ـ يا رسول الله، ما بالوادي ماء.
أخرج النبيّ سهماً من كِنانته وأشار إلى بئرٍ معطّلة.
ـ اغرزه في جوفه.
كانت هالة من النور تغمر رجلاً أرسلته السماء ليحيي الأرض بعد موتها.
انفجرت البئر بالماء نميراً.. فخشع الذين هاجروا والذين قالوا إنا انصار الله.

8 years, 6 months ago

#وكانت_صديقة

بعد الحصار

الخيول تدكّ بسنابكها الأرض على طول الخندق وقد مضت أسابيع ثلاثة. كان مع النبيّ ثلاثة آلاف.. ولكن ثلاثة أسابيع من الخوف والرعب كافية لامتحان إرادة الإنسان. في المساء وعندما يخيّم الظلام تنسلّ أطياف كالاشباح، وقد ابتُليَ المؤمنون وزُلزلوا زلزالاً شديداً. ورفع « ابن قُشير » ـ وكان رجلا ذا وجهَين ـ عقيرته.
ـ محمّد يَعِدُنا كنوزَ كسرى وقيصر.. وأحدُنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط!
مضت أسابيع أربعة.. ولا شيء سوى مُناوشات بالسهام. والرياح ما تزال تعصف بشدّة.. تمزّق الخيام وتقلب القُدور وتطفئ النار.. ولم يبق مع النبيّ إلا تسعمئة من الذين امتحن الله قلوبهم بالتقوى.
وفي ليلة سوداء كسواد الكُحل مدّ الرسول كفّيه إلى السماء ينشد نصر الله:
ـ اللّهم مُنزلَ الكتاب، سريعَ الحساب اهزِم الأحزاب، اللّهم اهزمهم وانصرنا عليهم وزلزلهم، اللّهم ادفع عنّا شرّهم، وانصرنا عليهم، واغلبهم.. لا يغلبهم غيرك.
أضاءت نجمة في السماء.. وقد غضبت الريح فراحت تعدو عاصفةً بين القبائل.
قال النبيّ وقد استدعى « حُذَيفة »:
ـ اذهب فادخُل في القوم فانظر ماذا يفعلون، ولا تُحْدِثنّ شيئاً حتى تأتيني.
وانطلق « حذيفة » عبر الخندق، وتسلّل بين خيام مزّقتها رياح الشتاء.. كان الظلام دامساً.. وراح يتلمّس طريقه إلى خيمة أبي سفيان حيث تحاك خيوط العناكب.
دسّ حذيفة نفسه في زاوية مظلمة وأخذ مكاناً من رجلَين كانا يحدّقان بأبي سفيان. قال صخر بن حرب متوجّساً:
ـ يا معشر قريش، ليتعرّف كل امرئ جليسه واحذروا الجواسيس والعيون.
هتف حذيفة وهو يشدّ على يد جليسه:
ـ مَن أنت ؟
ـ معاوية بن أبي سفيان.
ـ وأنت ؟
ـ عمرو بن العاص.
خفتت الأصوات وقد بدا حذيفة كأحدهم. قال أبو سفيان:
ـ يا معشر قريش، إنكم ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخُفّ.. واخلَفَتْنا بنو قريظة العهد ولَقِينا من شدّة الريح ما تَرَون.. ما تطمئنّ لنا قِدر ولا تقوم لنا نار ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فانّي مرتحل.
انفجرت السماء بالصواعق.. وهطلت الأمطار غزيرة.. وهبّت الرياح شديدة.. تَجْتثّ الخيام وتبثّ الرعب في القلوب..
فكّر « طلحة بن خويلد » أو لعلّه راى أشباحاً تعبر الخندق فهتف مذعوراً:
ـ انّ محمّداً قد عبر اليكم بأصحابه... فالنجاة النجاة!
تمزّقت جيوش الأحزاب؛ مزّقتها الرياح وجنود لم يَرَوها.. حتّى إذا أطلّ الصباح كان كلّ شيء هادئاً في الجانب الآخر من الخندق.
وأرسل النبيّ « حذيفة » مستطلعاً فإذا كلّ شيء يشير إلى هزيمة ساحقة.. الخيام الممزقة متناثرة هنا وهناك.. وأكوام التبن.. ومواقد منطفئة وقدور منكفئة.. والرماد يغطي الأرض الموحلة، وعاد « حذيفة » يحمل البشرى.
وأصدر النبيّ أمره بالعودة إلى المنازل بعد ثلاثين يوماً من الحصار والخوف والقلق.
وكان بنو قُرَيظة منكمشين في حصونهم يترقّبون بخوفٍ المصيرَ الذي ينتظرهم... فالغدر يُعقبه انتقام.
ها هي الأفاعي تلوذ بجحورها وتمدّ ألسنتها متوجسة..
هتف الرسول؛ وقد حانت لحظة الاقتصاص:
ـ مَن كان سامعاً مطيعاً فلا يصلّين العصر إلاّ في بني قُرَيظة.
هزّ النبيّ اللواء ودفعه إلى عليّ:
ـ كُن في مقدمة الجيش واسبِقْنا إلى بني قُرَيظة.
وانطلق عليّ واللواء يَخفق فوق رأسه، حتّى إذا دنا من الحصن ر كَزَه في الأرض بقوّة، وأيقن الذين مُسِخوا قِردةً وخنازير أنها الحرب ولا شيء سواها.
وسمع عليّ شتائمَ تنهال على النبيّ الأُمّي فهتف بغضب:
ـ السيف بيننا وبينكم.
واستمر الحصار عشرين يوماً... والمناوشات بالسهام والنبال مستمرة.. والشتائم تنهال من فوق جدران.. فهتف النبيّ:
ـ يا إخوان القِردة!.. هل أخزاكم الله وأنزل فيكم نقمته!
وشنّ عليّ أول هجوم عنيف، فارتفعت راية بيضاء فوق الحصون.. وكان الاستسلام دون قيد أو شرط.
وهتف سعد وقد رضي الجميع حكمه:
ـ آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم.
كان سعد يعرف « توراتهم » حيث حرّفوا الكلم عن مواضعه ليسوموا البشر الموت والفناء...
كان يدري ما في الإصحاح من التثنية من ريح صفراء لا تُبقي ولا تَذَر:
« حين تقترب من مدينة لكي تحاربها استَدعِها إلى الصلح، فان أجابتك إلى الصلح وفتحت لك فكلّ الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك، وان لم تسالمك بل عملت معك حرباً فحاصِرها، وإذا دفعها الربّ الهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحدّ السيف، واما النساء والأطفال والبهائم وكلّ ما في المدينة غنيمة تفتحها لنفسك وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك »!
وأذاقهم سعد حكم التوراة وكانوا أذاقوها الأُمم.
وهكذا تساقطت رؤوس الخيانة والغدر.. وسقط رأس حُيَيّ بن أخطَب مُخطِّط فكرة الغزو والفناء، وفرّ السامريّ إلى « خيبر » لا يفتأ يعبد العجل من دون الله.

8 years, 6 months ago

#وكانت_صديقة

لإيمان كلّه
ج1
انطوت ليالي شهر رمضان وابتسم هلال شوّال يحمل للقلوب فرحة عيدالفطر.. وامتزجت فرحة العيد بفرحة أخرى.
لقد أتمّ الرسول والذين آمنوا حفرَ خندقٍ امتدّ خمسة آلاف ذراع وبعرض تسعة أذرع وعمق سبعة أذرع.
تجمّع بعضهم فوق التلال المشرفة وراحوا ينظرون إلى عمل أنجزته الإرادة.. إرادة الإنسان الذي أضاءت نفسَه شعلةٌ سماوية.
ـ أيّة قوّة أنجزت هذا العمل العظيم ؟
ـ إنّها قوّة الإيمان يا أخي.
ـ أجل.. المؤمن أقوى من الجبل.
ابتسم هلال شوّال يعلن نهاية رحلة الجوع والظمأ... وعاد المؤمنون يحملون معاولهم وقد نَفَضوا ترابَ يومٍ حافلٍ بالعمل.
عَسكرَت جيوشُ مكّة في « مجمع الأسيال » بين « الجُرف » و « زُغابة ».. وعَسكرَت غَطفان بـ « ذنب نقمى » في الجهة الغربية من جبل أُحد... وكان حُيَيّ بن أخطب من سلالة السامريّ يكيد من أجل احتلال يثرب وقتل النبيّ الأُميّ الذي يجده مكتوباً في التوراة.. في أعماقه يتردّد خُوارُ عِجل.. عِجلٍ عَبَدوه من دون الله.
تحطّمت أحلام أبي سفيان أمام خندقٍ لم يكن ليخطر على باله يوماً.
تمتم حانقاً وهو يهمز فرسه بالسوط.
ـ مَكيدة لا تعرفها العرب!
ـ إنها من تدبير ذلك الفارسي.
ـ لا يمكن اقتحام الخندق أبداً.
ـ ليس أمامنا سوى ضرب الحصار.
حلّ المساء.. ورياح الشتاء تهبّ من ناحية الشمال.. رياح تخترق الجلد وتصلّ في العظم.. جلس أبو سفيان قبالة النار المشتعلة والريح تعبث بأطراف الخيمة، وكانت ظلاله تتراقص فوق وَبر الخيمة كشيطان مَريد..
تمتم عِكرمة وهو يحاول كسر الصمت الجاثم:
ـ انّهم بعيدون عن مرمى النِّبال.
أجاب أبو سفيان وهو يحدّق في المجمر:
ـ ابحثوا عن ثغرة لاقتحام الخندق، فإطالة أمد الحصار ليس في صالحنا.
علّق عمرو بن العاص:
ـ أنا لا أثق بقُرَيظة، إنهم يطلقون أقوالهم جُزافاً، وإلاّ فأين أفعالهم.. ألف مقاتل في خاصرة يثرب.. وهم ما يزالون يختبئون خلف حصونهم.
قال عكرمة يائساً:
ـ ولا تنسَ قبائل غطفان.. إنهم يلوّحون بالصلح مع محمّد مقابل حفنة من التمر.
صرخ أبو سفيان هائجاً:
ـ وهل جاءوا إلاّ من أجل ذلك؟!
سكت هُنيهة وأردف وقد التمعت عيناه ببريقٍ مخيف:
ـ غداً سأحسمُ الأمر!

8 years, 6 months ago

رياح جاهلية
مضت خمسة أعوام على هجرة النبيّ.. والمدينة ما تزال تَنعُم ببركات السماء.. تبني وتزرع وتُنتج وتقدّم إلى العالم الكلمةَ الطيبة. ولكن قريشاً واليهود يفكّرون باجتثاث شجرةٍ غرستها السماء ليعود الناس القهقرى إلى زمان لا عودة إليه..
دخل فصل الشتاء.. ورياح باردة تهبّ من ناحية الشمال، الغيوم تتجمع في السماء.. ثمّ سرعان ما تتبدّد.. تاركةً الأرض عطشى والزروع أيدي متضرّعة تنشد المطر. العواصف تشتدّ يوماً بعد آخر ولا قطرة مطر..
وهناك رياح أخرى.. رياح جاهلية تهبّ من ناحية الجنوب.. قريش تعدّ العدّة لغزو المدينة.. والسامريّ الذي حَطّ رحلَه في خيبر يخطط لإطفاء النور في جزيرة العرب. اشتعلت في القبائل حمّى السلب والنهب.. ويثرب لقمة دسمة.. وكذلك سَوَّل لهم السامريّ..
دُقّت طبول الحرب بين مَضارِب القبائل، وسيوفُ الغدر تُشحذ.. تُومض في بطون نجد وكِنانة وقريش تطرب على رقصة الحرب، وهند تلوك كبد حمزة، وأبو سفيان يحلم بالمجد.. يهتف: أُعلُ هُبَل!
رياح الشتاء ما تزال تعصف بالمدينة والغيوم تعبر السماء كسفن تائهة، حلّ شهر رمضان، القى رحله في الجزيرة غريباً لا يعرفه أحد إلاّ في أرض طيبة...
صامَتْ يثرب لله.. امتنع أهلها عن الأكل والشرب.. وصامت جوارحهم... والمعدة توقفت عن الانبساط والتقلّص.. فانتفض القلب يخفق بقوّة.. واستيقظ العقل من سُباته متوتراً.. يَرى ما لا تراه العيون.. ويدرك ما لا تدركه الأبصار..
جاء رمضان يعلّم الإنسان كيف يجوع فينتصر.. كيف يظمأ لتولد إرادته.. كيف يَهزِم الوحشَ القابع في داخله لينتصر الإنسان المضطَهد في الأعماق.. رمضان نهرٌ يجري.. تتدافع أمواجه برفق. يغسل القلوب من الدَّرَن.. يعيدها بيضاء بيضاء كحمائم بريّة تطير في الفضاء خفيفةً حرّة تسبح في ملكوت الله.
الرياح الباردة ما تزال تهبّ من ناحية الشمال... والغيوم ما تزال تفرّ مذعورة باتجاه الجنوب... ولا قطرة مطر والعامُ عامُ جفاف... والرسول يشدّ على بطنه حجرَ المَجاعة، ويُصغي إلى أنباء تأتي من ناحية الصحراء.
ـ إنهم عشرة آلاف مقاتل.. قبائل غَطفان وقريش وكِنانة.. وقد نقض « بنو قُرَيظة » العهدَ وهم داخل المدينة... ألف خنجر في خاصرة يثرب.
ـ وهناك أعداء موجودون بيننا لا نعلمهم.. الله يعلمهم.
ـ كفانا الله شرّ المنافقين.
ـ يثرب في خطر.
ـ إنهم يزحفون باتجاه المدينة مِن فوقنا ومن أسفلَ منّا.
ـ لا تَنسُوا الله فينساكم.. واذكروه يَذكُركم ويُثبّت أقدامكم.
وفي المسجد كاد اليأس يعصف بالقلوب المؤمنة، والقلق يزعزع شجرةً غرسها النبيّ لتؤتيَ أُكُلها كلَّ حين بإذن ربِّها.
وبعد حَيرةٍ ووجوم نهضَ رجلٌ من أهل فارس.. يلوّح بطوقِ نجاةٍ ليثرب، فالطوفان قادم:
ـ يا رسول الله، إنّا كنّا بأرض فارس إذا خِفْنا العدوّ خَنْدَقْنا.
فكرة لم تكن العرب لتعرفها. هتف الأنصار:
ـ سلمان منّا.
وردّد المهاجرون:
ـ سلمان منّا.
وتنازع الفريقان رجلاً جابَ الأرض بحثاً عن رجل يُدعى محمّداً.
هتف النبيّ وقد رَنَت إليه العيون:
ـ سلمانُ منّا أهلَ البيت.
رياح الشتاء تعصف بعنف... والعام جفاف والبطون خاوية.. ولكن الإرادة التي أيقظها رمضان تكاد تلوي التاريخ..
من الشمال ستهبّ عاصفة الأحزاب. ضرب النبي الأرض بِمِعوَلٍ مِن حديد وببأسٍ شديد؛ وهَوَت المعاول تُفتّت الأرض على طول خمسة آلاف ذراع وعرض تسعة أذرع وعمق سبعة أذرع.
ومرّت الأيام والرياح ما تزال تهبّ شديدة البرودة، والأجساد تذوي لا تجد ما يسدّ رمقها.. ولكن الإرادة كانت تشتدّ.. تُفتّت الصخور وتغوص في أعماق الأرض، فأسراب الجراد قادمة.. تريد أن تُحيل كل ما هو أخضر إلى يَبابٍ لا شيء فيه إلاّ سراب يَحسَبُه الظمآنُ ماء.
جلس النبيّ ليستريح قليلاً.. جفّف حبّاتِ عَرَقٍ كانت تتألّق فوق جبينه، وبدا معوله قطعةً نادرة أو كنزاً منحته الأرض... شدّ حجر المجاعة إلى بطنه أكثر.. ثلاثة أيّام تمرّ وهو لا يجد شيئاً يطعمه.
لم يذكره أحد.. الجوع والبرد والإعياء وهواجس الصحراء تنسي المرء أقرب الأشياء إليه، ولكن فاطمة لم تنسَ الرجل الذي اختارته السماء رسولاً إلى الأرض المنكوبة.
الرجل ـ الذي اكتسبت يثرب مجدها به ـ جائع.. يشدّ حجر المجاعة إلى بطنه لا يجد شيئاً يأكله حتّى ذكرته فاطمة على حين غفلة من أهل يثرب.
غابت الشمس، وفاحت رائحة الخبز في فضاء المدينة، وتوهجت المواقد في البيوت تمنح الصائمين الدفء والشبع.. والنبيّ في خندقه يصلّي لله:
ـ ربِّ إني لِما أنزلتَ إليَّ مِن خيرٍ فقير.
وجاءت فاطمة مِن بعيد تحمل إليه قَلبها وخبزاً أنضجته قبل قليل.
شاعت البهجة في وجه النبيّ.. بهجة هي أصفى من بهجة الحَواريين يوم نزلت إليهم مائدة من السماء.
وفاطمة حوراء إنسيّة جاءت تحمل له الخبز والدفء والشبع. تمتم النبيّ:
ـ والله ما دخَلَ جَوفي طعامٌ مِن ثلاث.
عادت فاطمة إلى منزلها.. تُكفكف دموعها.. تبكي الرجل الذي حمل مشعل السماء إلى الأرض يريد له أن يبقى مضيئاً بوجه العاصفة القادمة.

8 years, 6 months ago

العِقد المبارك
الحياة في يثرب ينابيع متدفقة، والأمل ينمو.. يكبر.. غدا شجرة خضراء أصلها ثابت وفرعها في السماء، والذين نصروا النبيّ يعملون دائبين في زروعهم يرعون ماشيتهم. والذين هاجروا وجدوا لهم متّسعاً من مكان في الأرض وفي القلوب، وغدا الجميع إخوة على دين واحد كلّهم من آدم وآدم من تراب، والرسول لا يفتأ يؤلّف بين القلوب.. يغسل عنها أدران الجاهلية.
عليّ يعمل.. يسقي الزرع أو يفجّر ينابيع، فيحصّل لقاءَ ذلك صاعاً من شعير أو تُمَيرات من نخيلِ يثرب.
كانت شمس الأصيل تغمر مسجد النبيّ بأشعتها الذهبية، ومساقط الضوء تتناثر من بين جريد النخل كدنانير ذهبٍ نُثرت فوق عروس.
جلس النبيّ في قِبلته بعد أن انفتل من الصلاة وقد تحلّق حوله أصحابه فبدا كقمر وسط النجوم، والزمن نهر يتدفق.. تتدافع قطراته بانتظام.. أو رحى كبيرة تدور وتدور، تَهَب السنين لمن يشاء ومن لا يشاء. تفتح عيون الأطفال وتُغمض عيوناً متغضنة الأجفان، تشدّ أعواد الشباب وتقوّس قامات الكهول، فالجميع إلى زوال.. ويبقى وجه الله... الله وحده.
دخل المسجد شيخٌ عَصفَ به الزمان.. نَحَت وجهَه ومزّق ثيابه، يدبّ على الأرض دبيب نملة تبحث عن رزقها في يومٍ بارد.
هتف الشيخ وهو يتطلّع إلى النبيّ كأنما يتطلّع إلى شمس تَهَب النور والدفء:
ـ يا نبي الله، أنا جائع.. عريان.. أشبِعْني واكْسُني.
أجاب النبيّ وقلبه يذوب تأثّراً:
ـ ما أجدُ لك شيئاً.. ولكن الدالّ على الخير كفاعله.. انطلِقْ إلى مَن يحب اللهَ ورسوله، ويحبّه اللهُ ورسوله، يُؤثِر الله على نفسه.. انطلق إلى فاطمة..
التفت النبيّ إلى بلال:
ـ قُم يا بلال.. فخُذه إلى منزل فاطمة.
وقف الشيخ على باب يُفضي إلى عالَمٍ من أمل.. عالم يَهَب الخير للجِياع.
هتف الشيخ بصوتٍ واهن ينوء بعبء السنين:
ـ شيخ عَصَف به الدهر، وأضرّ به الفقر.. واسِيني يا بنت محمّد.
نظرت فاطمة حواليها.. لم تجد شيئاً تسعف به انساناً ينتظر بأمل. كان هناك في زاوية الحجرة جلد كبش مدبوغ، فطوته وناولته الشيخ:
ـ خذه، فعسى الله أن يختار لك ما هو خيرٌ منه.
دقّق الشيخ النظر وتمتم:
ـ وما أصنع بجلد كبش يا بنت محمّد ؟!
وأصعب شيء أن تهب المرأة زينتها.. أساور من ذهب أو فضّة أو عقداً من لآلئ البحر، ولكن هناك ما يضيء في نفس المرأة ويتألق في أعماقها تألقَ اللؤلؤ في الأصداف.
انتزعت فاطمة عِقداً كان في عنقها وناولته الشيخ الملهوف:
ـ خذه يا شيخ.. عسى الله أن يعوّضك به ما هو خيرٌ منه.
عاد الشيخ الهُوَينى إلى المسجد.. كان النبي ما يزال جالساً بين أصحابه، قال الشيخ:
ـ يا رسول الله أعطتْني فاطمة هذا العِقد وقالت: بِعْه عسى الله أن يصنع لك به خيرا.
دَمِعت عينا النبيّ:
ـ كيف لا يصنع الله لك! وقد أعطتك إيّاه سيدة بنات آدم.
سأل عمّار ـ وكان حاضراً:
ـ بِكَم تبيع العِقد يا شيخ ؟
ـ بشبعة من الخبز واللحم، وبردة يمانية أستر بها نفسي وأصلّي بها لربي.
ملأ للشيخ كفيه دنانير من ذهب ودراهم من فضة، فهتف جذلاً:
ـ ما أسخاك بالمال يا رجل!
غاب الشيخ برهة ثمّ عاد وبريق أمل يشعّ من عينيه، وكلمات الدعاء وتمتمات الثناء تنساب من بين شفتيه.. فقد أغناه الله بعد فقر وأشبعه بعد جوع وكساه بعد عري.
انطلق عمّار إلى منزله.. فسكب عطراً غالياً على العِقد ثم لفّه ببردة يمانية وقال لفتاه ـ وكان اسمه سَهم:
ـ انطلِقْ إلى فاطمة وسلّمها العِقد وأنت لها.
وانطلق سهم كسهم يجتاز البيوت، حتّى إذا وقف على باب فاطمة:
ـ السلام عليكِ يا بنت رسول الله.. العِقد وأنا لك يا بنت محمّد.
ـ العقد لي وأنت حرٌّ لوجه الله.
كاد الفتى يطير فرحاً... كان يفكّر بالحريّة.. يحلم بها.. وها هي اللحظة التي كاد أن ينساها تتحقق فيدخل الدنيا حرّاً طليقاً.. إنه لن ينسى أبداً فاطمة... السيّدة التي أعادت إليه شيئاً غالياً فقده منذ زمن.
عاد مُهَرولاً والفرحةُ تطفو فوق وجهه، وجبينه مشرق وفمه كهلال عيدالفطر.. وجد نفسه يعود إلى عمّار، هتف عمّار:
ـ ما يُضحِكك يا سهم ؟
ـ أضحك لبركةِ هذا العِقد.. أشبَعَ جائعاً وكسا عرياناً وأغنى فقيراً وأعتق عبداً، ثمّ عاد إلى صاحبه.
وعندما أوَت الطيور إلى أعشاشها.. وعاد المزارعون إلى بيوتهم وساقَ الرعاةُ غُنَيماتهم... في طريق العودة وقد غابت الشمس... لتتألّق النجوم في صفحة السماء ويشرق القمر... كانت حكايات السمر تتحدّث بقصّة عقدٍ مبارك وهبته بنت محمّد ثمّ عاد إليها بعد أن مسّت بركتُه جياعاً وعراة وعبيداً... وهبتهم الخبز والكساء والحريّة.

8 years, 6 months ago

وبدت يثرب في أرض الله الواسعة سراجاً في مهب إعصار فيه نار، أو قارباً صغيراً وسط الأمواج العاتية.. والنبيّ والذين آمنوا يقاومون المدّ الجاهلي ويحبطون مؤامرات يهودية... واليهود عُجنوا بالغدر وتَشرّبوا تعاليم التلمود... نبذوا التوراة بعيداً إلاّ ما حرّفوه عن مواضعه، يَبنون حصونهم وقِلاعهم، وظنّوا أنهم مانعتُهم حصونُهم. يُخفون وراءها حقداً دفيناً للإنسان تناقلته أجيالهم منذ السبي البابلي وإلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا. يباهون الأمم بموسى بن عمران وقد عَشعَش قارون في نفوسهم.. ترنّ في أعماقهم خشخشةُ الذهب والفضة، فتوارثوا عِجلاً صنعوه منذ أن سوّل لهم السامريّ، وظلّوا عاكفين عليه.. حتّى إذا نصحهم هارون كادوا أن يفتكوا به، أداروا ظهرهم للذي أنجاهم من البحر وعكفوا على عِجلٍ له خُوار.
كان موسى غاضباً وهو يُلقي الألواح.. ويأخذ بمخانق أخيه. هتف هارون:
ـ إنّهم استضعفوني وكادوا يقتلونني.
واتّجهت الأبصار إلى السامري.. كاد موسى يبطش به:
ـ فما خًطبُك يا سامري ؟
ـ لا شيء.. لقد رأيت أثر الملاك.. وكذلك سوّلت لي نفسي.
ومضى السامري في التيه... يشدّ عباءته إلى كتفيه يعتصر وجهه المخادع بكفّيه.. وعواء ذئب جائع يضجّ في صدره اللاهث.. ضاع السامريّ بين آثار الجِمال والحمير لا يعرف له وطناً سوى تلك البقعة التي خُسِفت بقارون وخزائنه الزاخرة بالذهب الأصفر.. في أعماقه أُمنيات لِعجلٍ جديد يعبده من دون الله؛ لا تكفيه بقعة واحدة.. يريد أن يبتلع سيناء وأرض كنعان، وبابل ورمال جزيرة العرب.
حطّ السامري رَحلَه هنا وهناك من أرض الجزيرة، وراح يبني الحصون والقلاع وينهب الذهب. القبائل العربية تعبد أصناماً من حجارة تنحتها بأيديها أو أشجاراً ذات رقاع، وابناء السامريّ يعبدون عِجلاً من ذهب يخطف الأبصار، يظلّون عليه عاكفين حتّى جاء محمّد.
توقّف التاريخ يحبس أنفاسه عند حصون بني النَّضير، فقد جاء محمّد ومعه جمع من أصحابه يطالبهم بالوفاء وهم جُبِلوا على الغدر؛ يبتسمون لمن يدعوهم فيكشّرون عن أنياب تنزّ صديداً.
قالوا وقد رأوا النبيّ عند الحصن في قلّة دونما سلاح:
ـ نعم يا أبا القاسم، نُعينك على ما أحببت.
وجلس النبيّ ينتظر الوفاء.
وخلف جدران الحصون والقلاع وُلدِت مؤامرة.
اجتمع ابناء السامريّ.. العيون تبرق بالغدر:
ـ هذه فرصتنا للقضاء على محمّد!
ـ أجل، نتغدى به قبل أن يتعشى بنا.
ـ انطلق يا « عزوك » فتحدّثْ معه وأطِل الكلام.
ـ وأنت يا « جحاش » اصعَدْ فوق الحصن وألقِ عليه ( رَحى الطاحون ).
حاكت العناكب شباكها على عَجَل، غير أنّ النبيّ الأمّي الذي يجدون اسمه في التوراة يعرف ما يجول في خواطرهم، فغادر الحصن وجاء المدينة يسعى.
وحُوصرت حصون السامريّ عشرين يوماً حتّى تهاوت جميعاً، وقتل عليّ « عزوك »، ولملم بنو النضير شِباكَِ العنكبوت ورحلوا.. رحلوا بعيداً وتنفّس النبيّ والذين آمنوا الصُّعَداء؛ وتَمّت كلمةُ ربّك بالحق وقيل: بُعداً للقوم الظالمين.
وعادت يثرب مدينةً منوّرة يكاد سنا نورها يضيء التاريخ.

8 years, 6 months ago

المؤامرة
كذئاب مجنونة.. راح المشركون يجوسون خلال الجثث الهامدة، يمزّقون أكباداً وقلوباً كانت تنبض بالحياة، تحلم بعالم جميل.. بدنيا آمنة مطمئنة.
جَثَمت « هند » على جسد حمزة كنسر متوحّش، وبدا وجهها الحادّ كغرابٍ شَرِه.. كان صوتُها يشبه فَحيحَ الأفاعي:
ـ حمزة.. صيّاد الأُسود... جثة هامدة.. انهض يا قاتل أبي وأخي!
استلّت هند خنجراً وبَقَرت بطن أسد الله وأسد رسوله، ثمّ أنشبت يدها في بطنه. كانت المخالب تبحث عن كبد حرّى، ولما عثرت عليها انتزعتها.. وحمزة ما يزال نائماً يعلو وجهه غبار خفيف.
مزّقت الذئبة كبد الإنسان، تريد أن تلوكه.. أن تبتلعه.
وعلى تلال قريبة كانت نسوة في المدينة يرقبن المعركة، وقد غاظهن فرار المسلمين، صرخت « أُم أيمن » وهي تحثو التراب في وجه « عثمان »:
ـ هاك المغزل فاغزل به، وهَلُمَّ سيفَك!
أراد عثمان أن يخبرها بمقتل النبيّ وأنّه سمع أحدهم يهتف وسط المعركة: قتلتُ محمّداً؛ ولكنه فضّل الصمت فأمّ أيمن امرأة في رجل.. سوف تحثو في وجهه التراب مرّة أخرى.
لوى عثمان عنانَ فرسه وانطلق صوب جبل « الجَلعب » في ناحية يثرب، وتبعه المنهزمون، فهو خبير في اكتشاف المخابئ وقد يجتاح أبو سفيان المدينة.
عاد النبيّ إلى المدينة ينوء بجراحاته، وكادت « فاطمة » أن تموت وهي ترى أباها والدماء تسيل من وجهه.. تدفقت الدموع غزيرة كسماء ممطرة، واستيقظت في أعماقها كوامن الأمّ تحاول إنقاذ وليدها بأيّ شيء؛ عمدت إلى حصير فاحرقته، ولما صار رماداً لَمّت الرماد وراحت ترشّ جراح النبيّ.
نجح الرماد في وقف اشتعال النار، أطفأ الجراح بعد أن أخفق الماء.
كان عليّ يراقب زوجه تضمّد الجراح.. تمسّها ببلسم يوقف تدفق الألم.
تأملت فاطمة سيف أبيها وسيف بعلها وقد جلّلتهما الدماء، وأدركت هول الملحمة التي دارت في جبل أُحد.
قال علي وهو يناولها سيفه:
ـ خُذيه فلقد صَدَقني اليوم.
فقال النبيّ:
ـ لقد أدّى بَعلُك ما عليه، وقتل اللهُ بسيفه صناديدَ قريش حتّى نادى جبريل بين السماء والأرض: لا سيفَ إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ عليّ.
نظرت فاطمة إلى زوجها تشكره بعينين تشعّان رحمة... الله وحده يعرف الأعماق... وحده الذي يعرف روح هذا الفتى الشجاع الذي حمل روحه على كفّه يفدي رسول الله وقد غدا كل شيء في دنياه، إنّه لا يعرف للحياة معنى إلاّ بمحمّد... محمّد الذي منحه في زمن الرعب الطمأنينة والسلام.
عاد عثمان ومَن معه إلى المدينة بعد أن مكث في الجبل ثلاثة أيام... وقال النبيّ عندما وقعت عيناه عليهم:
ـ لقد ذهبتُم فيها عريضة!!
وتمرّ الأيّام وتندمل آلاف الجراح، وعادت إلى المدينة روح الأمل.. وانطلق المجتمع الجديد يزرع ويبني ويعمل ويشحذ السيوف... وقد أدرك الذين آمنوا أنّ طاعة الله والرسول هي الطريق إلى النصر.. إلى المجد وإلى جنّةٍ عرضها السماوات والأرض.
عادت فاطمة تدير الرحى وتهزّ المهد وتدير منزلها الصغير وتضمّد جراح النبي.. تعرف مواقعها في روحه العميقة؛ وربّما انطلقت إلى أُحد تبكي حمزة سيّد الشهداء.. تعرف عمق الجرح الذي أحدثه رحيله في قلب أبيها.
وأطلّ عام جديد يحمل معه أفراح النصر ويقدّم إلى رسول الله ريحانة أُخرى في حنايا فاطمة؛ فلقد ولد الحسين وجيهاً في الدنيا وفي الآخرة ومن المقرّبين.
وهمس النبيّ في أُذنيه بكلمات السماء، وسمعه الكثير وهو يقبّله قائلاً:
ـ حسين مني وأنا من حسين.
وكان الحسن قريباً فدبّ.. وراح يداعب شعر أخيه وقد غمره فرح بهيج، وتدفق نبعٌ جديد؛ نبع في أُسرة صغيرة؛ أُسرة أسسها النبيّ وباركتها السماء.
وتمرّ الأيّام والنبيّ يشمّر عن ساعديه ويبني الإنسان.. إنسان الصحراء.. يروّض في أعماقه الوحش ويضيء في ظلماته شمعة

We recommend to visit

القناة الرسمية والموثقة لـ أخبار وزارة التربية العراقية.
أخبار حصرية كل مايخص وزارة التربية العراقية.
تابع جديدنا لمشاهدة احدث الاخبار.
سيتم نقل احدث الاخبار العاجلة.
رابط مشاركة القناة :
https://t.me/DX_75

Last updated 1 Jahr, 8 Monate her

القناة الرسمية لابن بابل
الحساب الرسمي الموثق على فيسبوك: https://www.facebook.com/Ibnbabeledu?mibextid=ZbWKwL

الحساب الرسمي الموثق على يوتيوب :https://youtube.com/@iraqed4?si=dTWdGI7dno-qOtip

بوت القناة ( @MARTAZA79BOT

Last updated 6 Monate, 2 Wochen her

Last updated 2 Monate, 2 Wochen her