القناة الرسمية والموثقة لـ أخبار وزارة التربية العراقية.
أخبار حصرية كل مايخص وزارة التربية العراقية.
تابع جديدنا لمشاهدة احدث الاخبار.
سيتم نقل احدث الاخبار العاجلة.
رابط مشاركة القناة :
https://t.me/DX_75
Last updated 1 year, 7 months ago
Last updated 1 month ago
وعليه؛ فإنَّ البصيرة التي يكون عليها الداعيةُ لا تُطْلَق على العلم وَحْدَه ما لم يُؤازِرْهُ تصديقٌ وعملٌ وتَقْوَى؛ فيتجسَّد عِلْمُه بمعرفة الدين ومَراتِبِه الثلاث مِنْ إحسانٍ وإيمانٍ وإسلامٍ، ويتفاعل معها عملًا ودعوةً، متخلِّقًا بأخلاق الدُّعَاة، متبصِّرًا بأحوال المدعوِّين وعوائِدِهم وطِباعِهم وأعرافِهم، مُنْتَهِجًا معهم الأسلوبَ النبويَّ في الدعوة إلى الله ـ على ما تقدَّم ـ مع الإحاطة بالمَقاصِدِ العليا للدعوة الإسلامية، وإذا كانَتْ دعوتُه مؤسَّسةً على ضوءِ هديِ الكتاب والسنَّة حَازَ قَصَبَ السبق؛ قال تعالى: ﴿وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ ٣٣﴾ [فُصِّلت]، ونَالَ رتبةَ المستنيرين بنور الله؛ قال تعالى: ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيۡتٗا فَأَحۡيَيۡنَٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورٗا يَمۡشِي بِهِۦ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيۡسَ بِخَارِجٖ مِّنۡهَا﴾ [الأنعام: ١٢٢].
هذا، وعلى الداعي إلى الله التحلِّي بالصبر، وهو مِنَ الأهمِّية بمكانٍ في مسيرة الدعوة والدُّعَاة خاصَّةً؛ إذ «بالصبر واليقين تُنال الإمامةُ في الدين» كما قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ مُسْتَدِلًّا بقوله تعالى: ﴿وَجَعَلۡنَا مِنۡهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا لَمَّا صَبَرُواْۖ وَكَانُواْ بَِٔايَٰتِنَا يُوقِنُونَ ٢٤﴾ [السجدة]، وقد أَخْبَرَ اللهُ سبحانه وتعالى أنَّ أهل الصبر هم أهلُ العزائم، كقوله تعالى: ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ ٤٣﴾ [الشورى]، وصبرُ الدُّعَاةِ على البلاء الذي يُصيبُهم هو مِنْ عزائمِ الأمور؛ لأنه صبرٌ على استكبار الجاحدين وجفوةِ العُصاة وعَنَتِ المَدْعُوِّين، وهو مِنْ علامات أهل الصلاح المتَّقين، وهو يَشْمَلُ الصبرَ على الطاعة وعن المعصية وعلى أَذَى الناس وعلى الأقدار، ولقد واجَهَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم كُلَّ أشكال الصدود والفجور، وكُلَّ ألوان الكُنود(٢١) والجحود؛ فصَبَرَ عليها وصابَرَ ورابَطَ حتَّى أَتَمَّ اللهُ به دعوتَه وانتشرَتْ في الآفاق.
فالصبر ـ إذَنْ ـ له أثرُه البالغُ والحَسَنُ في نجاحِ مَهَمَّةِ الداعي بتوجيهِ الناس إلى الخير والرشد والسؤدد؛ لذا عليه أَنْ يتحمَّل ما يُواجِهُهُ مِنْ كُنودِ الناس وصدودِهم، وما يُحاكُ ضِدَّه في سبيل صَدِّه أو عرقلته ومنعِه سبيلَ الله، أو ما يُنْشَر حوله مِنْ إشاعاتٍ وأكاذيبَ واتِّهاماتٍ، ويُكادُ له مِنْ دسائسَ؛ قال تعالى: ﴿وَمَا لَنَآ أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدۡ هَدَىٰنَا سُبُلَنَاۚ وَلَنَصۡبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ ءَاذَيۡتُمُونَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ ١٢﴾ [إبراهيم].
وفي الأخير، فالواجب على الدُّعاة في مسيرتهم الدعوية أَنْ يبتعدوا عن الجفوة والغِلْظة وسوءِ الأدب والتحوُّل عن الأخلاق والانقلاب عن المبادئ والثوابت، وأَنْ يتنزَّهوا عن الأغراض الدنيئة والاغترار بالدنيا؛ لأنَّ الانشغال والتلهِّيَ بها عن الآخرة أوَّلُ طريقِ الضياع؛ قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُلۡهِكُمۡ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ ٩﴾ [المنافقون].
كما عليهم التنَزُّهُ عن المَقاصِدِ الشخصيةالتي تُصاحِبُ الجُفاةَ الغِلاظ، الذين تحمل دعوتُهم في ثناياها التجهيلَ والتجريح والتشهير والتعيير، بل والتكفيرَ؛ فإنَّ مَرَضَ حُبِّ الظهور والإهانةِ والتشفِّي خُلُقٌ ذميمٌ ورذيلةٌ لا تَتوافَقُ مع الخُلُق الرقيق؛ فقَدْ كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَشَدَّ حياءً مِنَ العذراء في خِدْرها، والاصطباغُ بتلك الرذيلةِ لا يصحُّ صفةً للداعية، ولا يتشرَّفُ بها في سلوكه التطبيقيِّ.
كما أنَّ مِنْ وقائعِ حالِنا أَنْ يتصدَّى للدعوة أفرادٌ بعلمٍ ناقصٍ أو بدونِ علمٍ، بل دون تأهُّلٍ ولا تأهُّبٍ، وبلا زكاةِ نفسٍ وتربيةٍ ولا مُجاهَدةٍ؛ فيَدْعون إلى الإسلام ـ زعموا ـ دعوةً وهُمْ بحاجةٍ إلى دعوةٍ، ومَنْ أُصِيبَ بمثلِ هذه الأمراضِ فهو ظلومٌ جهولٌ يُدْعى إلى الحقِّ ولا يدعو، ويُسْتَصْلَحُ ولا يُصْلِح.
هذا، ونسأل اللهَ التوفيقَ والسداد، ومَنْ وُفِّق إلى سلوك الدعوة النبوية فقهًا وتأسِّيًا فقَدْ حازَ قسطًا وافرًا مِنْ ميراث النبوَّة، نسأل اللهَ لنا ولكم أَنْ لا يَحْرِمنا منه.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
هذا، ومَنْ تَحلَّى بمثلِ هذه الأخلاقِ السامية التي تُمثِّلُ عمادَ الدعوةِ في جانِبِها العمليِّ المفسِّرِ للجانب البيانيِّ؛ أَصْلَحَ اللهُ به الناسَ وعَمَّ خيرُه وانحسر شرُّه.
ولا يخفى أنَّ الدعوة الراشدة لا تكون مُثْمِرةً إلَّا إذا تَوافَقَتْ مع الهدي النبويِّ؛ ذلك لأنَّ أسلوبه ومنهجه في الدعوةِ أَكْمَلُ أسلوبٍ وأَتَمُّ منهجٍ؛ فقَدْ قال تعالى: ﴿قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ١٠٨﴾ [يوسف].
والأسلوب النبويُّ في الدعوة كان مؤسَّسًا على توحيد الله عزَّ وجلَّ، ومُحارَبةِ مَظاهِرِ الشرك وأشكالِ الخُرافةِ وأنماطِ البِدَعِ؛ لتمكينِ العقيدة السليمة والصحيحة مِنَ الانتشار على نحوِ ما فَهِمَها السلفُ الصالح؛ تحقيقًا لعبوديةِ الله وَحْدَه لا شريكَ له؛ لذلك كان موضوعُ العقيدة ـ تعليمًا وتصحيحًا وترسيخًا ـ مِنْ أَوْلى الأولويات وأَسْمَى المَهَمَّات التي يجب على الداعي إعطاؤها العنايةَ الكافية التي تَسْتَحِقُّها؛ كما ينبغي أَنْ يكون أسلوبُ الدعوةِ في نَهْجِه أَنْ يرسم الداعي إلى الله الطريقَ القويم لكُلِّ مخطئٍ أو مُنْحَرِفٍ على وجهِ الشمول لتعمَّ فائدتُه ونَفْعُه، وهو جليٌّ في نصائحه صلَّى الله عليه وسلَّم وخطاباته ودعوته كما في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ؟!»(١٤)، وقولِه: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ؟!»(١٥)، وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إِذَا بَلَغَهُ عَنِ الرَّجُلِ الشَّيْءُ لَمْ يَقُلْ: مَا بَالُ فُلَانٍ يَقُولُ، وَلَكِنْ يَقُولُ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا»(١٦)؛ إذ هذا الأسلوبُ أَبْعَدُ عن الانفعال والأنَفَة والاعتزازِ بالرأي عند عدَمِ جَدْواهُ، وهو إلى استصلاحِ الحالِ أَقْرَبُ.
ومِنَ الأسلوب الدعويِّ الذي ينبغي أَنْ يتحلَّى به الداعي إلى الله تعالى: الرِّفْقُ ومجانبةُ العنف والشدَّةِ والفظاظة؛ فقَدْ قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ»(١٧)، وقال ـ أيضًا ـ: «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ»(١٨)، وفي الحديث: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ»(١٩)؛ فالرِّفقُ في الأسلوب مِنْ أَبْرَزِ خصائصِ دعوةِ الحقِّ؛ قال تعالى: ﴿ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ﴾ [النحل: ١٢٥].
وينبغي على الداعي إلى الله ـ فضلًا عن الرِّفق ـ التعاملُ مع ما يَمَسُّ الدينَ منهجًا وعقيدةً بحزمٍ وثباتٍ؛ لأنَّ التهاون واللين يَترتَّبُ عليه ضياعُ مَعالِمِ الدينِ وفسادُ الأخلاق، ويدلُّ على ذلك حزمُه صلَّى الله عليه وسلَّم في امتناعه على وَفْدِ ثقيفٍ أَنْ يَدَعَ لهم اللَّاتَ لا يهدِّمُها ثلاثَ سنين، وهَدَمها، كما أَبَى أَنْ يُعْفِيَهم مِنَ الصلاة ومِنَ الصدقة والجهاد(٢٠).
هذا؛ والذي يُطْلَبُ مِنَ الإمام أو الخطيب أَنْ يكون على بصيرةٍ في المجال الدعويِّ مِنْ علمٍ دقيقٍ بالشرع ومَقاصِدِه ومَراميه، مع الرباط الوثيق بالله تعالى والصلة به؛ قال تعالى: ﴿قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ١٠٨﴾ [يوسف]؛ فأهلُ البصيرة هم أولو الألباب، قال تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقَوۡلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُۥٓۚ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَىٰهُمُ ٱللَّهُۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمۡ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ ١٨﴾ [الزُّمَر]، والآيةُ تَصِفُ أهلَ اليقينِ والفطنة وسَعَةِ الإدراكِ والكياسة بحصول العلم لهم بالاستماع، وتحصل لهم الهدايةُ والتوفيقُ باتِّباعِ أَحْسَنِ القول، وهو الإسلامُ بلوازمه مِنْ أمرٍ ونهيٍ، ترغيبًا في الخير الذي هو سبيلُ النجاة، وترهيبًا مِنَ الشرِّ الذي هو سبيلُ الهلاك والدمار والعذاب، وبحصولِ هذه المرتبةِ يُوصِلُ المتبصِّرُ دعوتَه إلى غيره متيقِّنًا بمَراميها النبيلةِ التي مَدارُها إخراجُ الناسِ مِنْ عبادة العباد إلى عبادةِ ربِّ العباد، ومِنْ ظُلُمات الشرك إلى نور التوحيد والإيمان، تعلو به إلى مَدارِجِ الكمال المنشود.
(١٤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «فرض الخُمُس» باب: ومِنَ الدليل على أنَّ الخُمُس لنوائب المسلمين (٣١٣٨)، ومسلمٌ في «الزكاة» (١٠٦٣)، مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما.
(١٥) أخرجه البغويُّ في «حديث عليِّ بنِ الجعد» (٢٢٣٩)، وابنُ سعدٍ في «الطبقات الكبرى» (٣/ ٥٨)، مِنْ حديثِ كِنانةَ مولى صفيَّةَ قال: «رأيتُ قاتِلَ عثمان في الدار رجلًا أسودَ مِنْ أهلِ مِصْرَ يُقالُ له: جَبَلَةُ باسِطَ يديه ـ أو قال: رافِعَ يديه ـ يقول: أنا قاتلُ نعثلٍ».قال ابنُ الأثير في «النهاية» (٥/ ٨٠): «كان أعداءُ عثمان رضي الله عنه يُسَمُّونه نعثلًا تشبيهًا برجلٍ مِنْ مِصْرَ كان طويلَ اللحية اسْمُه: نعثلٌ، وقِيلَ: النعثل: الشيخُ الأحمق وذَكَرُ الضِّبَاع».
(١٦) «شرح السُّنَّة» للبربهاري (٦٠).
(١٧) «لا يُغِلُّ»: بالضمِّ مِنَ الإغلال وهو الخيانة، وبالفتح مِنَ الغِلِّ وهو الحقدُ والشحناء، أي: لا يَدخلُه حقدٌ يُزيلُه عن الحقِّ، ويُروى: «يَغِلُ» بالتخفيف مِنَ الوغل، أي: الدخول في الشرِّ [انظر: «النهاية» لابن الأثير (٣/ ٣٨١)]؛ والمعنى: أنَّ هذه الخِلالَ الثلاثَ تَستصلِحُ القلوبَ، فمَنْ تمسَّك بها طَهُرَ قلبُه مِنَ الشرِّ.
(١٨) أخرجه الترمذيُّ في «العلم» بابُ ما جاء في الحثِّ على تبليغ السماع (٢٦٥٨) مِنْ حديثِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه، وابنُ ماجه في «المقدِّمة» بابُ مَنْ بلَّغ علمًا (٢٣٠) مِنْ حديثِ زيد بنِ ثابتٍ رضي الله عنه، وفي «المناسك» باب الخُطْبة يومَ النحر (٣٠٥٦) مِنْ حديثِ جُبَيْر ابنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه. قال الترمذيُّ: «حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ»؛ قال ابنُ رجبِ في «جامع العلوم والحِكَم» (١/ ٢١٧): «إسنادٌ جيِّدٌ»، وصحَّحه ابنُ حجرٍ في «مُوافَقةِ الخُبْرِ الخَبَرَ» (١/ ٣٦٤)، وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٦٧٦٦) وفي «السلسلة الصحيحة» (١/ ٧٦٠) رقم: (٤٠٤)؛ وروى هذا الأصلَ بضعةٌ وعشرون صحابيًّا، وهو معدودٌ مِنَ المُتواتِر كما بيَّنه الكتَّانيُّ في «نظم المُتناثِر» (٢٤ ـ ٢٥)؛ وروايةُ: «طَاعَةُ ذَوِي الأَمْرِ»: أخرجها أحمد (١٦٧٥٤)، والدارميُّ في «سُنَنه» باب الاقتداء بالعُلَماء (١/ ٨٦)، مِنْ حديثِ جُبَيْرِ ابنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه.
(١٩) «مفتاح دار السعادة» لابن القيِّم (١/ ٢٧٧ ـ ٢٧٨).
(٢٠) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (١/ ١٨ ـ ١٩).
(٢١) المصدر السابق (٣٥/ ١٢).
(٢٢) هذا الأسلوبُ إنما يُتَوَخَّى في المجال الدعويِّ والتعليميِّ والإعلاميِّ أو في إطار النصيحة؛ أمَّا مَنْ ظهَرَتْ بدعتُه واستقرَّتْ، وقامَتْ دعوتُه عليها ونافَحَ عنها، ونُوصِحَ ولم يرجع؛ فالمعروفُ مِنْ مذهب السلف أنه يجب زجرُه بهجره، والتحذيرُ منه حتمٌ لازمٌ.
(٢٣) انظر هذه القاعدةَ في: «الأشباه والنظائر» لابن الوكيل (١/ ٣٥٠)، «المنثور» للزركشي (٢/ ٢٩٧)، «الأشباه والنظائر» للسيوطي (١٥٢)، «إيضاح المسالك» للونشريسي (٣١٥)، «قواعد ابنِ رجب» (٢٣٠)، «الأشباه والنظائر» لابن السبكي (١/ ١٧٠).
(٢٤) «مدارج السالكين» لابن القيِّم (٢/ ٤٩٦).
(٢٥) انظر: «تفسير القرطبي» (٤/ ٢٩٤).
(٢٦) أخرجه أبو داود في «المَلاحِم» باب الأمر والنهي (٤٣٤٥) مِنْ حديثِ العُرْس بنِ عَمِيرةَ الكِنْديِّ رضي الله عنه. والحديث حسَّنه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٦٨٩) و«المشكاة» (٥١٤١).
(٢٧) أخرجه مسلمٌ في «العلم» (٢٦٧٤) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢٨) هو أبو بكرٍ محمَّدُ بنُ مسلم بنِ عبيد الله ابنِ عبد الله بنِ شهابٍ الزُّهْرِيُّ القُرَشيُّ المَدَنيُّ، نَزيلُ الشام، أحَدُ التابعين الأعلام المشهورين بالإمامة والجلالة، كان حافِظَ زمانِه، عالمًا في الدِّين والسياسة، انتهَتْ إليه رئاسةُ العلم في وقته، له رواياتٌ كثيرةٌ. تُوُفِّيَ سَنَةَ: (١٢٤ﻫ ـ ٧٤١م).انظر مصادِرَ ترجمَتِه في مؤلَّفي: «الإعلام بمنثور تراجم المشاهير والأعلام» (٣٨٥).
(٢٩) «المغني» لابن قدامة (٨/ ١١٣)، وانظر: «المجموع» للنووي (١٩/ ٢٠٨)، و«نيل الأوطار» للشوكاني (٧/ ١٩٧).
(٣٠) انظر: «مغني المحتاج» للشربيني (٤/ ١٢٤)، و«حاشية الدسوقي» (٤/ ٣٠٠).
(٣١) هي قاعدةٌ مُطَّرِدةٌ شَهِد لها القرآنُ والسُّنَّةُ في مَواضِعَ كثيرةٍ منها: قولُه تعالى: ﴿وَجَزَٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَاۖ﴾ [الشورى: ٤٠]، وقولُه تعالى: ﴿فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَٱعۡتَدُواْ عَلَيۡهِ بِمِثۡلِ مَا ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡۚ﴾ [البقرة: ١٩٤]، وقولُه تعالى: ﴿وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُواْ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦۖ﴾ [النحل: ١٢٦]، وقولُه تعالى: ﴿جَزَآءٗ وِفَاقًا٢٦﴾ [النبأ]، أي: وَفْقَ أعمالهم. [انظر: «إعلام الموقِّعين» لابن القيِّم (١/ ١٩٦)].
الفتوى رقم: ١٠٤٤
الصنف: فتاوى الأسرة - عقد الزواج - آداب الزواج
في مداراة الرجل زوجتَه باليمين الكاذبة
السؤال:
هل يجوز للزوج أن يحلف بالله كذبًا على زوجته من أجل الإصلاح إذا ما اضطر إلى ذلك؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالمعلوم أنَّ الأصل في الكذب أنه حرام في ذاته، إذا كان لجلب نفعٍ مجرَّدٍ، وهو من الكبائر لكونه متوعدًا بلعنة، قال تعالى: ﴿فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ [آل عمران: ٦١]، وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ [النحل: ١٠٥]، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ»(١).
فإن انضمَّ إليه حلف بالله صارت اليمين غموسًا، وسُمِّيت بذلك لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثمَّ في النار، وقد جاء في الحديث: «ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: المُسْبِلُ وَالمَنَّانُ وَالمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بالحلفِ الكَاذِبِ»(٢).
أمَّا إذا كان الكذب لغرض إصلاح ذات البين أو لدفع ظُلمٍ أو ضررٍ أعظمَ من الكذب مفسدةً فقد ثبت من حديث أُمِّ كلثومٍ بنتِ عقبة بن أبي مُعَيْطٍ رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا»(٣)، وفي رواية مسلم زيادة، قالت: «وَلَمْ أَسْمَعْهُ يُرَخِّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُهُ النَّاسُ إِلاَّ فِي ثَلاَثٍ: الحربُ، والإصلاحُ بين الناس، وحديثُ الرجل امرأتَه وحديثُ المرأة زوجها»(٤).
قال ابن حزم -رحمه الله- : «واتَّفقوا على تحريم الكذب في غيرِ الحرب وغيرِ مداراة الرجل امرأته وإصلاحٍ بين اثنين ودفعِ مظلمة»(٥).
غير أنَّ العلماء يختلفون في الكذب الوارد في الحديث: أهو الكذب الصريح أم مجرد التورية(٦)، باعتبارها كذبًا للإخبار بها بخلاف ما قصد إفهامه للمخاطب ولو قصد بها المتكلِّم معنىً صحيحًا في ذاته على نحو ما جاء على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أَنَّ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَعْتَذِرُ عَنِ الشَّفَاعَةِ بِأَنَّهُ كَذَبَ ثَلاَثَ كَذِبَاتٍ»(٧) علما بأن إبراهيم عليه السلام ورَّى ولم يكذب الكذب الصريح، وسَمَّى النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم التوريةَ كذبًا؛ لأنَّ كلامه كان على خلاف ظاهره بالنسبة إلى الإفهام.
وفي تقديري أنَّ أقربَ القولين صحةً هو أنَّ المرادَ بالكذب في الحديث التوريةُ لا الكذبُ الصريح، قال ابن القيم -رحمه الله- في مَعْرِض ردِّه على من يقول: «يَحْسُنُ الكذبُ إذا تضمَّن عصمةَ نَبِيٍّ أو مسلمٍ» ما نصه: «لا نسلّم أنه يَحْسُنُ الكذبُ فضلاً عن أنه يجب، بل لا يكون الكذبُ إلاَّ قُبحًا، وأمَّا الذي يحسن فالتعريضُ والتوريةُ، كما وردت به السُّنة النبوية، وكما عَرَّض إبراهيم للملكِ الظَّالم بقوله: «هَذِهِ أُخْتِي» لزوجته، وكما قال: «إِنِّي سَقِيمٌ» فعرَّض بأنه سقيمٌ قلبُه من شركهم، أو سيَسْقَمُ يومًا ما، وكما فعل في قوله: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ﴾ الأنبياء: ٦٣، فإنَّ الخبرَ والطَّلَبَ كلاهما معلَّق بالشرط، والشرط متصل بهما، ومع هذا فسمَّاها صلى الله عليه وسلم ثلاثَ كذِبات، وامتنع بها من مقام الشفاعة، فكيف يصحّ دعواكم أنّ الكذب يجب إذا تضمن عصمة مسلم مع ذلك؟
فإن قيل: «كيف سمَّاها إبراهيم كذبات وهي تورية وتعريض صحيح؟»
فنقول: الكلام له نِسبتان، نسبةٌ إلى المتكلِّم وقصده وإرادته، ونسبة إلى السَّامع وإفهام المتكلمِ إيَّاه مضمونَه، فإذا أخبر المتكلِّم بخبرٍ مطابقٍ للواقع وقصد إفهامَ المخاطَب فهو صِدْقٌ، وإن قصد خلاف الواقع وقصد مع ذلك إفهامَ المخاطَب خلاف ما قصد، بل معنًى ثالثًا لا هو الواقع ولا هو المراد، فهو كذبٌ من الجهتين بالنسبتين معًا.
وإن قصد معنًى مطابقا صحيحًا وقصد مع ذلك التعمية على المخاطَب، وإفهامَه خلاف ما قصده فهو صدق بالنسبة إلى قصده، كذب بالنسبة إلى إفهامه.
ومن هذا الباب التَّوريةُ والمعاريضُ، وبهذا أطلق عليها إبراهيمُ الخليلُ عليه السلام اسم الكذب، مع أنه الصَّادقُ في خبره، ولم يخبر إلاَّ صدقًا.
فتأمَّل هذا الموضع الذي أشكل على الناس، وقد ظهر بهذا أنَّ الكذب لا يكون قَطُّ إلاَّ قبيحًا، وأنَّ الذي يحسن ويجب إنما هو التورية، وهي صِدقٌ، وقد يطلق عليها الكذب بالنسبة إلى الإفهام لا إلى العناية»(٩).
الفتوى رقم: ٨٨٥
الصنف: فتاوى الأشربة والأطعمة - الأضحية
في حكم الأضحية في الشرع
السؤال:
ما حكم الأضحية في الشرع؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فقَدِ اختلف العلماءُ في حكم الأضحية، فمذهبُ الجمهور استحبابُها خلافًا لمذهب القائلين بوجوبها على المُوسِر الذي يقدر عليها فاضلًا عن حوائجه الأصلية، وبه قال الأحنافُ وبعضُ المالكية(١)، وهو الأظهرُ ـ عندي ـ لِمَا رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا»(٢)، فالحديث نهى المُوسِرَ عن قربان المصلَّى إذا لم يُضَحِّ، فدلَّ على أنه تَرَك واجبًا باللزوم، فكأنَّ الصلاةَ عديمةُ الفائدةِ مع تركِ هذا الواجب، ويؤيِّده ما رواه مِخْنَفُ بنُ سُلَيْمٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال بعَرَفةَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَةً وَعَتِيرَةً»(٣)، وقد نُسِخَتِ العتيرةُ بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ»(٤)، ولا يَلْزَم مِنْ نسخِ العتيرةِ نسخُ الأضحية؛ إذ لا تلازُمَ بين الحكمين حتَّى يَلْزَم مِنْ رفعِ أحَدِ الحكمين رفعُ الآخَر، وممَّا يرجِّح هذا القولَ ما رواه جُنْدبُ بنُ سفيان البَجَليُّ رضي الله عنه قال: «شَهِدْتُ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُعِدْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ»»(٥)، وهو ظاهرُ الوجوب، لاسيَّما مع الأمر بالإعادة(٦).
هذا، وقد استدلَّ الجمهورُ بحديثِ أمِّ سَلَمةَ رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ»(٧)، فإنَّ الحديث ـ عندهم ـ لا يدلُّ على وجوب الأضحية، بل غايةُ ما يدلُّ عليه استحبابُها؛ لأنَّ الواجب لا يُعَلَّق بالإرادة، كما استدلُّوا بحديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ، وَهُنَّ لَكُمْ تَطَوُّعٌ: الوَتْرُ وَالنَّحْرُ وَصَلَاةُ الضُّحَى»(٨)، وصرفوا أدلَّةَ المُوجِبين بحديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما قال: «شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم الأَضْحَى بِالمُصَلَّى، فَلَمَّا قَضَى خُطْبَتَهُ نَزَلَ عَنْ مِنْبَرِهِ، فَأُتِيَ بِكَبْشٍ، فَذَبَحَهُ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم بِيَدِهِ وَقَالَ: «بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ، هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي»»(٩)، كما استدلُّوا بالآثار المرويَّة عن أبي بكرٍ وعمر وأبي مسعودٍ رضي الله عنهم، فقَدْ أخرج عبد الرزَّاق والبيهقيُّ عن أبي سُرَيْحَةَ قال: «رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَمَا يُضَحِّيَانِ»(١٠)، وعن أبي وائلٍ قال: قال أبو مسعودٍ الأنصاريُّ رضي الله عنه: «إِنِّي لَأَدَعُ الأَضْحَى ـ وَإِنِّي لَمُوسِرٌ ـ مَخَافَةَ أَنْ يَرَى جِيرَانِي أَنَّهُ حَتْمٌ عَلَيَّ»(١١).
وما تَمسَّك به الجمهورُ مِنْ أدلَّةٍ لا يصلح لصَرْفِ أدلَّة المُخالِفين عن الوجوب، فقَدْ أجاب ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ على نُفاةِ الوجوب بقوله: «وأمَّا الأضحية فالأظهرُ وجوبُها أيضًا، فإنَّها مِنْ أعظمِ شعائر الإسلام، وهي النُّسُكُ العامُّ في جميع الأمصار، والنُّسُكُ مقرونٌ بالصلاة في قوله: ﴿إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحۡيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٦٢﴾ [الأنعام]، وقد قال تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ ٢﴾ [الكوثر]، فأَمَر بالنَّحر كما أَمَر بالصلاة...»، ثمَّ قال: «ونُفاةُ الوجوب ليس معهم نصٌّ؛ فإنَّ عمدتهم قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ وَدَخَلَ العَشْرُ فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ»، قالوا: والواجبُ لا يُعلَّق بالإرادة. وهذا كلامٌ مُجْمَلٌ؛ فإنَّ الواجب لا يُوكَلُ إلى إرادة العبد فيقالَ: إِنْ شئتَ فافْعَلْه، بل قد يُعلَّق الواجبُ بالشرط لبيانِ حكمٍ مِنَ الأحكام كقوله: ﴿إِذَا قُمۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ فَٱغۡسِلُواْ ﴾ [المائدة: ٦]، وقد قدَّروا فيه: «إذا أردتم القيامَ»، وقدَّروا: «إذا أرَدْتَ القراءةَ فاسْتَعِذْ»، والطهارةُ واجبةٌ والقراءةُ في الصلاة واجبةٌ، وقد قال: ﴿إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ ٢٧ لِمَن شَآءَ مِنكُمۡ أَن يَسۡتَقِيمَ ٢٨﴾ [التكوير]، ومشيئةُ الاستقامةِ واجبةٌ»(١٢).
القناة الرسمية والموثقة لـ أخبار وزارة التربية العراقية.
أخبار حصرية كل مايخص وزارة التربية العراقية.
تابع جديدنا لمشاهدة احدث الاخبار.
سيتم نقل احدث الاخبار العاجلة.
رابط مشاركة القناة :
https://t.me/DX_75
Last updated 1 year, 7 months ago
Last updated 1 month ago