‏أثناء مكالمتنا ليلة البارحة
سقط من على صدري كل شيء
كل شيءٍ وطفوت بخفة
‏طفوت في الغرفة حتى لمست السقف

‏أتعرفين ؟ لاتوجد بداخلي شحنة
حياة حقيقيَة ، هذا هو الشيء
الذي أفتقده كثيراً ، أشعُر أنّني
لستُ سوى رَعشة من الضجر ،
عندما أُحاول أن أفعل شيئاً ،
أرغب في أَنْ أقوم بشيء آخر
وأُصاب بتلك الرَعشة ، شخصاً
آخر ربما لايُلقي بالاً برعشة
مثل هذه ، وينساها على الفور ،‏
أمّا أنا فأحملها طويلاً في قلبي .

- نتاليا غينزبورغ

القلق،
مدموغ في لحمي،
في شفتي و معصمي
في ترقوتي و باطن ركبتي و أسفل نهدي
يسمي جسدي البركان
يحبني و يخافني في الوقت نفسه
يخشى أني سوف أحرقه هو أيضًا.

—مراسلات بين الشاعرتين جوليا كولشينسكي و لويزا موراديان

يقولون إن الحياة كانت شاقة حينها؛
المال كان شحيحًا
لكني أذكر طفولتي، وأعرف أن هذا ليس صحيحًا

أمي، كانت تعد العشاء
أبي، كان يعود عند الخامسة
كنا جميعًا ننتظر وصوله جلوسًا إلى المائدة
لم نأكل من المايكروويف
أو المطعم في آخر الشارع
أكلنا طعام ماما، الذي لا يقاوم
لم نأكل أمام التلفزيون والهاتف بين أيدينا
لم نضع السماعات لمتابعة أحدث الأغاني
كنا نجلس إلى المائدة
كلا في مكانه، بلا مفاجآت، الوجوه مألوفة
الإخوة على يساري والأخوات إلى يميني
هكذا، كل ليلة
ضحكنا وتسامرنا وتكلمنا وأكلنا؛ كنا عائلة

ألا ترى،
رغم أن البعض نشأ فقيرًا
يمكنك ملاحظة أنه ليس أنا
أكلنا الخضروات والبسكويت
وأضلع الضأن والبازلاء الطازجة
قلنا: نعم يا أبي، قلنا: لا يا أبي
قلنا لماما: شكرًا، ومن فضلكِ
لذلك، عندما تتحدث عن الحياة الأسرية
أو كيف كانت سابقًا
رغم أن كثيرين امتلكوا أموالًا طائلة
لم يكن أي منهم غنيًا مثلي.

جان راين

ولكنك أول رجل يعجبني وأحبه
أول من أجن معه لهذا الحد
أول من المحك معه وابكي بسببه
اول من يشاركني صوتي وصمتي
قهوتي والاغنياتي
ولن يكون لي من بعده رغبه أو شغف.

كففت عن أن أرجو أن أقيم مع أي كائن بشري أي تفاهم حقيقي. لم يكن من بين أصدقائي من كان يتقبلني دون تحفّظ، وإن ما كان ينفّرهم مني هو ما كان عندي من عناد: رفضي لهذه الحياة العادية التي كانوا يُقرّونها بصورة أو بأخرى، وجهودي العبثية للخروج منها. وحاولت أن ألتمس السبب “إنني لست كالآخرين” على أني لم أقتنع. فإذا انفصلت عن الآخرين انقطع مابيني وما بين العالم من صلة، وأصبح العالم مشهداً لا يعنيني. لقد زهدت على التوالي، بالمجد والسعادة وخدمة الناس، وهأنذا الآن لا أهتم حتى بأن أعيش. وكنت أفقد أحياناً حسّ الواقع، فلا تبدو الشوارع والسيارات والمارّة في نظري إلا موكباً من المظاهر كان وجودي بينها يرفرف بلا اسم. وكان يناسبني أن أعتبر نفسي مجنونة، بلا اعتزاز بل خوف. والحق إن المسافة لم تكن طويلة بين وحدة قاتلة كاللتي اعيشها وبين الجنون. لقد كانت لي أسباب وجيهة في أن أضيع. إنني منذ عامين اتخبط في شركٍ لا أجد له مخرجاً. وكنت كأني أصطدم بعقبات كآداء، وانتهى بي الأمر إلى الدوار. وقد ظلّت يداي فارغتين، وكنت أخدع خيبتي إذ أؤكد لنفسي أنني سأمتلك ذات يومٍ كل شيء وأن ليس ثمة شيء يستحق أي اهتمام. هكذا كنت أتخبّط في هذه التناقضات وكنت على الأخص في صحةٍ جيدة وشبابٍ طافح، وكانت هذه الحيوية التي لم أكن أفرغها، تتسلسل في تيارات لاتُجدي تملأ عقلي وقلبي.

_سيمون دو بوفوار

‏"أنا لست شخصًا واحدًا، بل أنا مجموعة من الأشخاص. أنا كل من عرفته أو عرفني، وكل من قرأت له أو كتبت له، وكل من فكرت فيه أو فكر بي. أنا كل من رأيته أو سمعته أو تخيلته. أنا كل من قيل لي عنه. أنا كل من يمكن أن أكون."

بيسوا

الكلمات من شفتيّ المرء الذي تحبهُ تحملها مثل أقمارٍ صغيرةٍ في قلبك، تُضيء في الأوقات الصعبة، تسافر معك إلى أمكنةٍ بعيدةٍ، تَجريّ في دمك فتصير كلماتك، تتحول لكتفٍ، لورودٍ و قلوب

-سعيد قديح.

ينبئني شتاء هذا العام
أن ما ظننتهُ شفايَ كانَ سُمِّي
وأن هذا الشِّعر حينَ هزَّني أسقطني
ولستُ أدري منذُ كم من السّنين قد جُرحت
لكنني من يومِها ينزفُ رأسي
الشِّعر زلَّتي الّتي من أجلها هدمتُ ما بنيت
من أجلِها خرجت
من أجلِها صُلبت
وحينما عُلِّقتُ كانَ البردُ والظّلمة والرعدُ
ترجُّني خوفًا
وحينما ناديتهُ لَمْ يستجب
عرفتُ أنني ضيَّعتُ ما أضعت
ينبئني شتاء هذا العام أننا كي نعيشَ في الشّتاء
لا بُدَّ أن نخزُنَ من حرارةِ الصّيف و ذكرياتهِ دفئًا
لكنني بعثرتُ في مطالعَ الخريف
كُلّ غلالي
كُلّ حنطتي، وحَبِّي
كانَ جزائي أن يقولَ لي الشّتاء إنني
ذات شتاء مثلهُ
أموتُ وحدي
ذات شتاء مثلهُ أموتُ وحدي.

-صلاح عبد الصّبور