-
«كلنا في كَبَدٍ، ولكلٍ منَّا نصيبَه ومُكابدته، فلَا تحسبنَّ أحدًا في الدُنيا مقيمًا في تعَاسةٍ ولَا آخر مُخلَّدًا في سَعادة، وحين تمُدّ عينيكَ لتتَمنى مَا عندَ غيرك من نِعَمٍ لَم تقسَم لك؛ فأذكر أن تتمنى كذلكَ نصِيبهم منَ الكَبَد والكَدَر الَّذِي قُسِم لهُم وخفِيَ عَنك».

-
«إذا أرَدت أن تُرزق قلبًا في رمضَان، فابدأ بقانُون -التَّرك- من الآن؛ فَهو من الأعمَال التي تَرفعُ الإيمَان وتقفِز به عاليًا؛ فمن ترك شيئًا لله عوضَه الله خيرًا منه، وعَلى قَدر التّرك يكون العَوض من الله.

‏فتّش في يَومك وليلتك ستجِد الشّهوات تُحيط بك، تحجبك، تُزاحمك، تُشغلك، تُقيدك، تُشوش عليك!

‏ خلِّص قلبك منهَا، جاهِد نفسَك على تركها شيئًا فشيئًا؛ ليصفُو لك قَلبك، وتصفو لك عِبادتك، ويكثر دَمعك، -فمن صفّى صُفِّي له ومن كدر كُدِّر عليه-

‏اعزم على تَرك ذنُوب الخلَوات فهي: ‏-إغلاقٌ وإطباق-، وهِي البَلاء الذي يُضيع قلبك، ويلوثه ويُسقطه.

‏ تفقّد تعلّق قلبك!
‏فأكثر ما أتعَبك وأرهقك وشتّتك وبَعثرك أن سلّمت قلبك لمخلُوق مثلك، فصحّح وجهتَك ليسترد قَلبك عافِيته قبل رمضَان.

‏وتذكَّر: متى تمكَنت محبة الله من القَلب لم تنبعِث الجوَارح إلا لِطاعة الرّب».

-
«وبَعد..
فالدّربُ طَويلٌ ثَقيلٌ علَى مَن أضَاعَ بُوصَلَته، وأمّا مَن أدرَك الغَايَةَ فَما دُنياهُ وما هوَ إلّا كَراكِبٍ استظَلّ تَحتَ شَجرَةٍ فَباتَ يعمرَها ونُصب عَينيهِ: عَن عُمره فِيما أفنَاه؟

ويَا لِهنائهِ إن أجابَ!».

-
«لن تُوَلّد الأُمّة العظماء دون ثَمَن، ولن يُخَلّد التاريخ أسماء الفارغين، ولن يَسير في درب الله أيّ خائفٍ مرتجِف!
الأيّام القاسية تَصقل نُفوسًا صَلبة، وشدائد الامتحان تُثَبّت الإيمان، مَن رامَ المَعالي يُدرِك شَوكَ الطّريق، والذي يَلزَم ثَغره كأنّه الأمل الوحيد فيه؛ لن يقِف!

يا طول البَلاء أعدَدنا لك نَفَسًا يَسبِقُك، ويَقينًا يَغلِبُك، نحن اليوم نُعَدّ، وغدًا نَشتَدّ، يقينًا باللّه؛ فجر الأُمّة اقتَرَب».

• أ.قُصيّ عَاصم العُسيلي.

-
«دائمًا جُرَّ قلبك إلى محاريبِ ربِّك جَرًّا، واعلم أنَّه سينقادُ يومًا بخفّة ويومًا بفتورٍ باهتٍ وشُعورٍ خافت ويومًا بثقله كجبل أحد! لا تقوى على تحمُّله!

على أية حال انجح في جرّه وانصبهُ أمام ربِّك ولا تأبه بشعورك نحوه، أمَّا هدايته وانكساره ونهاية قسوته ﴿يَأتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطيفٌ خَبيرٌ﴾».

-
«روى مُسلم في صحيحِه عن مسروقٍ، قال: سألنا عَبد الله -وهو ابن مَسعود- عن هذه الآية: ﴿وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِینَ قُتِلُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ أَمۡوَ ٰ⁠تَۢاۚ بَلۡ أَحۡیَاۤءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ یُرۡزَقُونَ﴾، قال: أما إنّا قد سألنا عن ذلك، فقال: أرواحُهم في جوفِ طيرٍ خُضر، لها قناديلُ مُعلقةٌ بالعَرش، تسرحُ من الجنّة حيثُ شاءت، ثمّ تأوي إلى تلكَ القَناديل.

وقال ابن القيّم في كلامه في هذا الحَديث:
منازلُ الشّهداء ودُورهم وقُصورهم التي أعد الله لهم لَيست هيَ تلكَ القناديل التي تأوي إليها أروَاحهم في البَرزخ قَطعًا، فهُم يرَون منازِلهم ومقاعِدهم من الجنّة ويكون مُستقرّهم في تلك القناديلِ المعلّقة بالعَرش!».

-
«لما رحَل ورش من ‎مصر إلى ‎المدِينة للقرَاءة على الإمام نافع، وجد زحاماً شديداً، وتوسّل للإمام ببعض الشّفعاء ليراعي غربتَه، فلم يجد الإمام نافع فرصةً لإقراء ورشٍ إلا قُبَيل الفجر..

ثم تبرَّع أحد الطلاب المدنيِّين بحصته لوَرش، ففعل طالبٌ آخر مثلَه، حتى تبرَّع كل طلاب هذه الفترة بوقتهم لورش وشاء الله أن يختم ورشٌ على نافعٍ ٥ ختماتٍ ويعود بعدها إلى ‎مصر..

وتوفي نافعٌ، وورشٌ، وتوفي الطلبة المتبرِّعون بحصتهم، وخلَّد الله رواية ورش عن نافع حتى اليوم، وثقُلت موازين أولئك الخمسة، وظلت حصصهم التي تبرَّعوا بها للغَريب وقفًا جاريًا عليهم إلى اليوم، وما هذه بأوحد بركات الإيثار..

وهكذا الطاهرُ من طلبة العلم، ينافِس ويُسابق، لكنَّه يُؤثِرُ، ويحبُّ لغيرِه ما يحبُّ لنفسه، ويوقنُ أن اشتراك الناس معه في مصادر معرفته ينفعُهم ولا يضرُّه..
أما مُشَوَّه القصد في طلب العلم فلا يرضى لأحد مشاركتَه، ولكن يتفنَّن في قطع الطريق والتفرُّد، فيضعه الله من حيث طلب رفعة نفسه.

وليس العجَب من خلود الرواية فحسب، إنما العجبُ العُجَابُ توفيقِ الله لهؤلاء الفِتْيَةِ الَّذِينَ ألْهمَهُم إيثَارَ هذا الغريبِ بحصَّتهم، فتمضي قريبٌ من ١٢٥٠ عامًا، وروايةُ هذَا الغريبِ الذي آثَروهُ يُتَعَبَّد بها الله لفظًا ورَسْمًا وصلاةً، وثوابُ كل ذلك قسمة بينهم مع وَرش ونافع!».

• أبو زيد الشّنقيطي.

-
«رُحماكَ، رُحماكَ، يا ربّ العِباد، رُحماك بأهلِنا في غزَّة؛ فقد اشتدّ عليهم البلاء، وتعاظمت عليهم الكُروب، واستكلب عليهم الأعداء.

اللهُمَّ أطفِئ نيران هذه الحرب، اللهُمَّ ارحم ضعف أهلنا في غزّة، وقلّة حيلتهم، اللهُمَّ لا حول لهم ولا قوَّة إلّا بك، يا جبّار، يا مالك، يا لطيف، ألطُف بهم، وأنزل عليهم غوثًا ومددًا وعونًا من عندك، يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلّا أنتَ، سُبحانك إنّا كُنّا من الظّالمين».

-
«بعد عامٍ من الإِثخانِ بهم،
يمضي إلى ربه ممتشقًا سِلاحَهُ مقبِلًا غير مدبر، اللّهم تقّبل يحيى السنوَار واجعله في علّيين».

- «دَثّرُوا أمَّتكُم بلِحَاف الدُّعاء».