تُعَدُّ مفاهيم الرجولة والأنوثة بُنى اجتماعية تتشكّل وتتحوّل عبر الزمن، متأثرةً بالسياقات الثقافية والمجتمعية المختلفة. فهي ليست سمات ثابتة، بل انعكاسٌ لتصورات اجتماعية تُعيد تشكيل نفسها وفقًا للظروف التاريخية والاجتماعية والبيئات المتغيرة.
إن الأدوار الجندرية (المبنية على كون الفرد ذكرًا أو أنثى) والتوقعات المرتبطة بها ليست قوانين طبيعية، بل نُظم اجتماعية يختلف تعريفها من ثقافة إلى أخرى. فما يُعَدُّ "رجوليًا" في مجتمعٍ ما قد يُنظر إليه على أنه "أنثويٌ" في مجتمع آخر. على سبيل المثال، كان ارتداء الرجال للملابس المزخرفة والملونة أمرًا شائعًا في أوروبا خلال العصور الوسطى، بينما يُنظر إليه اليوم في بعض المجتمعات على أنه سمة أنثوية. وبالمثل، تُعدُّ التنانير زيًا نسائيًا في معظم الثقافات الحديثة، بينما يرتديها الرجال في اسكتلندا كجزءٍ من التراث القومي.
واقعًا، لا يوجد فعل أو مظهر يمكن اعتباره "رجوليًا" أو "أنثويًا" بطبيعته، فجميع الصفات والممارسات تُكتسب دلالاتها من السياق الثقافي والاجتماعي الذي تُمارَس فيه.
فمثلًا، يُعتبر البكاء في بعض المجتمعات سلوكًا أنثويًا، بينما هو في الحقيقة تعبير إنساني طبيعي لا يقتصر على جنسٍ معين. كذلك، كان الكحل، والأحذية ذات الكعب العالي، والحُليّ كالقلائد والأساور، عناصرَ يرتديها الرجال في أزمنةٍ سابقة قبل أن يُعاد تأطيرها اجتماعيًا بوصفها رموزًا أنثوية.
أي إن الهوية الجندرية ليست انعكاسًا لحقيقةٍ بيولوجيةٍ ثابتة، بل هي نتاجٌ لتفاعلاتٍ اجتماعية وثقافية معقّدة. يساعد هذا الفهم في إدراك أن ما يُعتبر "طبيعيًا" أو "فطريًا" في مفاهيم الرجولة والأنوثة ليس إلا انعكاسًا لمعايير اجتماعية قابلةٍ للتغيير.
إذا كانت هذه المفاهيم مجرد بُنى اجتماعية متغيرة، فإن التمسك الصارم بها قد يُقيّد الأفراد ويحدّ من قدرتهم على التعبير عن ذواتهم. أما الاعتراف بسيولة هذه المفاهيم، فيفتح المجال أمام مجتمعاتٍ أكثر شمولًا وتقبّلًا للتنوع، حيث يمكن لكل فرد أن يعيش وفقًا لهويته، بعيدًا عن القيود النمطية والتوقعات المفروضة.

يَا قَومِ أُذنِي لِبَعضِ الحَيّ عَاشِقةٌ
والأُذنُ تَعشقُ قَبلَ العَينِ أحيَانا

قَالوا بِمَن لا تَرى تَهذي فَقُلتُ لَهُم
الأُذنُ كالعَينِ تُؤتِي القَلبَ مَا كَانا

فَقُلتُ أحسَنتِ يَا سُؤلي ويَا أمَلِي
فَأسْمعِينِي جَزاكِ اللهُ إحسَانا

يَا حَبَّذا جَبلُ الرَّيَّان مِن جَبلٍ
وَحَبَّذا سَاكِنُ الرَّيَّانِ مَن كَانا

قَالَتْ فَهَلَّا فَدتْكَ النَّفسُ أحسَنَ مِن
هَذا لَمِن كَانَ صَبَّ القَلبِ حَيرَانَا

-بشار بن برد

سكرَ العاشقُ في حُبِّ الحَبيب
كُلّما زادَ غرَامًا ولهِيب

هَائمٌ في الحُبِّ صَب تائِه
مَا لهُ مَأوى ولا زاد يَطيب

كَيف يَهنا العَيش لِلصبِ الَّذي
فَارقَ الأحْبَابَ ذا شيء عَجيب

ذبتُ لمَا ان ذكَا وجدِي
بِهم وجَرَى دَمعِي على خدِي صَبيب

هَل أراهم أو أرَى مِنْ رَبعِهم
أحدًا يَبرى بِه القَلب الكَئِيب

https://t.me/GLATHD