عام جديد يا سوريا ..عام جديد دون العائلة الفاسدة ..عام جديد دون فروع أمن ودون شبيحة ..

اللهم اجعله عام خير على كل بريء ومظلوم ، عام خير على الأمهات المكلومات والأطفال اليتامى ، عام خير على الفقراء والمساكين والمظلومين المقهورين ..

اللهم آمن أهلنا بوطنهم ، اللهم اجعل بلدنا بلداً آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين ..

بالنسبة للقطع الذي نشره الشيخ صهيب السقار حفظه الله على قناة رواسخ والذي يظهر فيه رد على من يقول بأن الشافعي أباح زواج البنت من الزنا ، فالمقطع مليء بالأخطاء ، بداية من المقدمة الاستعراضية التي جاء بها نهاية إلى النتيجة التي انتهى بها ، والأغرب من ذلك هو تلك الثقة التي يتكلم بها!

ببداية المقطع بدأ الشيخ صهيب بقوله لمن يسأل ( أرجو أن لا تنقل لي قول أحد ينسب لي هذا الرأي للشافعي ، إذا تحاكمنا إلى العقل ورفض التقليد فكلام الشافعي موجود بين أيدينا ولا داع لإدخال طرف ثالث بيننا وبينه )

والواقع أن هذا الكلام باطل جملة وتفصيلاً ، فمذهب الشافعي يؤخذ من أصحابه خصوصا أنه لم ينقل لنا كل كلام الشافعي رضي الله عنه ، في أي مسألة من مسائل المذهب لا بد من الروج لفقهاء المذهب خصوصا من اعتمدت كتبهم بالفتوى ، كالإمام الهيتمي والرملي والشربيني والنووي وزكريا الأنصاري ، ثم نرجع إلى من كان قبلهم وصولاً للإمام المزني ، لا أن تقفز فوق كل هؤلاء وتقرأ كتاب الأم وتنقل منه نصاً ربما لا يكون له دور بالمسألة!

ثم ما علاقة العقل بالمسألة وهي فقهية؟!
ومن أنت حتى ترفض التقليد الذي هو واجب على كل من لم يبلغ رتبة الاجتهاد؟!

ما لا يعرفه الكثير من هؤلاء أن المسألة هذه متعلقة بأدلة كثيرة منها حديث النبي صلى الله عليه وسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر .. فتحريم الولد عندنا هو من أحكام النسب .

ولأن الإجماع منعقد على أن بنت الزنا لا ترث من صاحب المني شيئاً لأنه هدر فكذلك النكاح هنا ..

فعندنا هنا قياسان ..

ومعنى أن الشافعية أجازوا نكاحها أي صحة العقد لا أن هذا مما يرضى به الله سبحانه وتعالى بالضرورة ، وهذا أحد معاني جواز العقد ..
الشافعي يرى جواز بيع العينة ونكاح المحلل وزواج بنت الزنا لأجل ذلك لأن العبرة عنده بالعقود هي الصيغة ، فالعقد طالما اكتملت أركانه فهو صحيح عند الشافعي بغض النظر عن الثواب والعقاب عند الله جل جلاله .

أما التركيز على معنى الكراهة وأن الإمام الشافعي يرى الكراهية بمعنى الحرمة فهذا صحيح في كثير من الأحيان وفي أحيان أخرى يستخدمها بمعنى كراهية الحرمة وأحيانا كراهية التنزيه وهذا لا شأن لنا به هنا فالأصحاب كفونا مؤونة البحث عن معنى كلمة هنا بما قرروه في هذا المحل ..

نعم عندنا بالمذهب قول آخر قاله الروياني وغيره أن من تحقق أن البنت من ماء الزنا كأن حبسها من المدة الفاصلة بين الوطء والإنجاب حرمت عليه ، وهذا قول وجيه وله ما يدعمه لكنه ليس المعتمد بالمذهب كما ذكر النووي رحمه الله في الروضة ، يقول :

(( زنا بامرأة ، فولدت بنتا ، يجوز للزاني نكاح البنت ، لكن يكره . وقيل : إن تيقن أنها من مائه ، إن تصور تيقنه ، حرمت عليه . وقيل : تحرم مطلقا . والصحيح : الحل مطلقا ))

من لم يعجبه المذهب فلا شأن لنا به ولن نغير المذهب لأجل أحد ، وإن كان الأستاذ صهيب قد اعتاد الرد على منكري السنة ودعاة العلمانية فوجد من نفسه القدرة على الكلام بالمسائل الفقهية فليكف عن ذلك فهذا ليس عشه وليس تخصصه ، المذهب له أهله وهم أجدر الناس بالكلام فيه .

انتشرت الكثير من المقاطع التي يظهر فيها الثوار وعناصر الأمن وهم يثأرون من المجرمين بالضرب والتعذيب والشتم والسخرية أحيانا ، كأن يؤمر المجرم بالعواء كالكلاب وما إلى ذلك ..

أليس الأفضل من كل ذلك أن يتم محاسية هؤلاء بشكل قانوني وبمحاكم شرعية ؟ أليس هذا هو الذي يتفق مع الشرع والقانون؟ ألا نريد أن نظهر أمام الناس على أننا دولة قانون ؟

متفهم تماماً مدى الغيظ الذي كُتم لسنوات وأن هؤلاء الذين أجرموا يستحقون كل أصناف العذاب والعقاب ، لكني أفكر على المدى الطويل وأحكّم الشرع بدلاً من العاطفة ، وهذا ما ينبغي العمل عليه .

معروف أن هناك خلافا بين المدارس السنية العقدية في مسألة وجوب معرفة الخالق بالعقل أم بالشرع ، فالماتريدية يرون أن الإنسان محجوج بعقله بينما يرى الأشاعرة أن الوجوب بالشرع لا العقل .

لا يعنيني هنا البحث في ذلك وفي أدلة كل طرف ، لكن لفت نظري ترتب خلاف فقهي على ذلك في مبحث الديات .

فغير المسلم الذي لم تبلغه الدعوة وتم قتله قبل أن يدعى للإسلام ، هل يجب على قاتله الضمان ؟

فالإمام أبو حنيفة لما ذهب إلى أن الإنسان محجوج عليه بعقله قال لا يجب الضمان بقتل هذا الذي لم يؤمن .

أما من قال بأن الوجوب بالشرع ، قال أن من لم تبلغه الدعوة فلا يجوز قتله ومن قتله عليه الكفارة والدية .

وقد نقل السيوطي في الحاوي للفتاوي كلام الغزالي وابن الرفعة والبغوي في ذلك .

إن كان نكاح المتعة بمثابة الزنا فهل يقام الحد على من يفعل ذلك ؟

قال النووي في الروضة :

(( وإذا وطئ في نكاح المتعة جاهلاً بفساده فلا حد وإن علم فلا حد أيضاً على المذهب ))

كما هو واضح من قول النووي فقد ذهب الشافعية إلى أن من يفعل ذلك لا يقام عليه الحد بسبب ما يسمى ب ( شبهة الطريق ) التي تنشأ نتيجة وجود قول قاله أحد الفقهاء بغض النظر عن مدى قوة هذا القول ، يكفي أن يكون المكلف اتبع هذا القول حتى لو كان فيه ضغف .

ولبيان ذلك ، أذكر ما قاله العلامة الدمياطي ببيان أنواع الشبه ، يقول رحمه الله :

((واعلم أن الشبهة تنقسم ثلاثة أقسام القسم الأول شبهة الفاعل، وهي كمن وطئ على ظن الزوجية أو الملكية.

والقسم الثاني: شبهة المحل وهي كمن وطئ الأمة المشتركة.

والقسم الثالث: شبهة الطريق وهي التي يقول بها عالم يعتد بخلافه..))

وبما أن نكاح المتعة قال به سيدنا ابن عباس وبعض أتباعه كالإمام ابن جريج وهم ممن يعتد بهم بالمجمل فإن الشبهة قد حصلت ، والمقصود أن هؤلاء ممن يعتد بهم بالمجمل لا بخصوص هذه المسألة كما وضحت بالمنشور السابق .

يقول حجة الإسلام الغزالي رحمه الله :

(( وأما الشبهة في الطرق فهو كل ما اختلف العلماء في إباحته فلا حد على الواطئ في نكاح المتعة لمذهب ابن عباس رضي الله ...))

وقد ذكر البجيرمي في المكلف اثنا عشر شرطاً حتى يقام عليه الحد ، أحد هذه الشروط الخلو عن الشبهة ، وشبه الطريق هي إحدى هذه الشبه .

لذا فلا يصح أن يقال أن الشافعية قالوا بأن الحد لا يقام على من ينكح نكاح متعة لأن المسألة خلافية بل لأجل الشبهة والحد يدرأ عند الشافعية بالشبهة .

وكونه لا يحد بالزنا فهذا لا يمنع التعزير بل من فقهاء المذهب نصوا على التعزير كما قال الروياني ( فإذا تقرر ما وصفنا من تحريم المتعة فلا حد فيها لمكام الشبهة ويعزران أدباً إن علما بالتحريم ..)

والله أعلم .

فإن إمامنا الشافعي هنا كان يتكلم عن رد الشهادة ولم يتكلم عن الاجتهاد الفقهي وما يعتبر قولاً خلافياً وجيهاً ، بل من الممكن أن يكون الذي فعل ذلك رجلاً عالماً فقيها لم يصله دليل الحرمة فظن أن الأمر على الإباحة في وقت لم يصل لهذا القائل أن الفقهاء أجمعوا على الحرمة ، فإمامنا الشافعي كان يشير إلى أن الرجل متى غلب عليه أنه من أهل المروءة والطاعة قبلت شهادته وإن كان عنده شيء من الأخطاء والزلات ، فهو يقول هنا (( وإذا كان الأغلب الأظهر من أمره المعصية وخلاف المروءة رددت شهادته وكل من كان مقيما على معصية فيها حد وأخذ فلا نجيز شهادته وكل من كان منكشف الكذب مظهره غير مستتر به لم تجز شهادته، وكذلك كل من جرب بشهادة زور وإن كان غير كذاب في الشهادات ومن كان إنما يظن به الكذب وله مخرج منه لم يلزمه اسم كذاب وكل من تأول فأتى شيئا مستحلا كان فيه حد أو لم يكن لم ترد شهادته بذلك ألا ترى أن ممن حمل عنه الدين ونصب علما في البلدان من قد يستحل المتعة فيفتي))

وهذا من رفيع كلامه رضي الله عنه ، وفي هذا جواب على السؤال الذي أشرت إليه وهو أن الشافعية قالوا أن من فعل هذا الفعل لا يقام عليه الحد ، فكيف يقال عنه أنه ارتكب الزنا ..

وسوف أشير لذلك بمنشور آخر ..

يقول إمامنا تقي الدين السبكي رحمه الله في التكفير :

(( ولا أكفر أحداً معيّناً من أهل القبلة بلساني ولا بقلبي ولا بقلمي إلا أن يعتقد مشاققة الرسول - عليه الصلاة والسلام - فهذا ضابط التكفير عندي ))

فالتكفير عند الإمام صعب لما يعتري مسائل التكفير من الخفاء والالتباس ، وقد أحسن من اكتفى ببيان الحق دون أن يقحم نفسه بالتكفير فليس شرطاً في العالم الذي تصدر للرد على أهل الأهواء والبدع أن يكفرهم حتى يرد عليهم !

توجيه لطيف من الإمام البُلقيني رحمه الله لبيان معنى قوله تعالى ( عبس وتولى ) وذلك في رده على ابن أبي العز الحنفي حيث ادعى أن الله عاتب النبي لذنب ارتكبه حاشاه ، ولولا أن بعض الناس ينشرون مثل هذا الموضوع على السوشيال ميديا لما نشرت شيئاً عن الموضوع ..

لاحظ قول البلقيني رحمه الله ونبينا مطيع لله في الحالين .

الإمام تاج الدين السبكي رحمه الله يعيب على بعض الفقهاء تعصبهم في بعض القضايا الفقهية الفرعية التي يسوغ فيها الخلاف وتركهم للأمور المحرمة بالإجماع دون إنكار ..

علماً أن السبكي يعتبر بنظر الكثير من الناس الذين ينادون بترك التمذهب فقيهاً شافعيا متعصبا لمذهبه .

ذكر القشيري في الرسالة ما قاله ذو النون المصري : إنما دخل الفساد على الخلق من ستة أشياء .. ثم عدها ..إلى أن وصل للسادسة ، فقال :
(( جعلوا قليل زلات السلف حجة لأنفسهم ودفنوا كثير مناقبهم ))

صدق رحمه الله ، وهذه الآفة تجدها عند كثير ممن يدعي الاشتغال بطلب العلم في عصرنا هذا ..والله المستعان .