(المشهد الثاني - عقدة الأندرتيكر)

المكان: المخابرات الجوية - فرع التحقيق - البناء الأبيض
الزمان: الفترة بين تموز وتشرين الثاني 2012

اسمه أحمد للمفارقة، لم يكُ ضابطًا بل صَفّ ضابط (رتبة أدنى)، كان المسؤول عن التعذيب في كل جلسات التحقيق في الفترة المسائية، كنا نميُّزه من صُوته، كان صوتُه أشبه بالشخير، وكنا نبذلُ جهدًا بالغًا لاستخراج الكلمات من عباراته، فهو يقلقل كل الحروف، ويقحمُ حرف القاف في الكلمات في غير مكانه. مع الوقت استقرّ عندنا أنّه لم يولد شيطانًا أصليًا كالآخرين من شياطين السجن، لقد كان يتصنعُ اللهجة الشيطانية بجهد بالغ، لهجة ضباط أهل الساحل العلويّين، كان لديه عقدة نقص.

المهم في الأمر؛ أن الشيطان كان معجبًا بالمصارع "الأندرتيكر"، ويمارس حركاته وضرباته على المعتقلين خلال التعذيب، فكان يدفعُ بالمعتقل ويسندُ ظهره إلى الحائط، ثم يمسكه من رقبته، يضغط بأصابعه على أوردته ومجاريه التنفسية، يغرس أظافره في رقبته، ويرفعه في الهواء تاركًا الأسيرَ يختنق محمولًا من رقبته تحت وزن جسده، كان يُبقيه في الهواء نصف دقيقة أو دقيقة، وقبل أن يفقد المعتقل وعيه بثوانٍ كان الشيطان يُطلقُ عليه سيلًا من الشتائم ، والكفر، ويقول بلهجة ساخرة:
"سأفلتك ولكن بشرط أن تكرر "أرجوك لا تقتلني يا أندرتيكر" ثلاث مرات ..

في هذا الموقف .. لم يكن لدينا وقتٌ كافٍ للشعور بغرابة الطلب وبما نقفُ أمامه من مزيج هجين من الشيطنة والجنون والسايكوباتية، غالبية المعتقلين كانوا يكررونها مرة أو مرتين بحروف متآكلة خافتة تفصلُ بينها حشرجات ومحاولات أخيرة للاستنجاد بالهواء ثم يفقدون وعيهم قبل أن يقولوا الثالثة.
بعدها؛ كان أحمد يتركهم ليسقطوا أرضًا ليضحك وهم في نصف غيبوبة يحاولون عبّ الهواء في محاولة يائسة للتمسك بالحياة؛ أما كبار السنّ فكانوا يموتون لفورهم.

بعدها كان أحمد يصدرَ صوتًا غريبًا غير مفهوم كصرير الأسنان، العديدُ من المعتقلين كان يسمعُ هذا الصوت دون أن يعرف سببه، أحدُ المعتقلين أخبرنا مرًة أنه رأى أحمد من طرف "تطميشة العين" وهو يحاول قلب عيونه وإصدار صوت غاضب كما يفعل "الأندرتيكر". داخل ذلك الوادي السحيق من الجحيم، لم يكُ الأمر مقتصرًا على العذاب، كان علينا الصمود أمام هذه السايكوباتية التي نمّاها وربّاها الأسد بزبانيته سنين طويلة.

محمد ديرانية

t.me/MDdirania

لكي يعلمُ العالم لماذا أسقطنا الطاغية، وأسرار التلهّف الكبير لتحرير المعتقلين من سجن صيدنايا والمخابرات الجوية وإعطاء جوائز مالية لمن يدلّ على بقية السجون السرية المخفية، سأشارككم عدة لقطات، من تجربتي في ذلك الجحيم الذي لا تعبر عنه الكلمات، ولم يأتِ لخيال إبليس لكنه أتى لخيال الأسد:

(المشهد الأول - تفجير خلية الأزمة)

الزمان: أواخر يوليو / تموز 2012

المكان: المخابرات الجوية - فرع التحقيق - البناء الرمادي

استيقظنا صباحًا على صوت صُراخ مرعب وغاضب لأحد السجانين يشتم المعتقلين ويتوعدهم بالحرق وتمزيق أشلائهم، وطلب من المعتقلين في كل الزنازين والمهاجع داخل الفرع الوقوف والتجهز لعذاب جماعي.
مرت ساعة دون حدوث أي شيء، وغاب خلالها السجان تاركًا أكثر من ٣٥٠ معتقلا في مختلف المهاجع بأعصاب وأرواح منهارة، وهم يتخيلون وينتظرون شكل وميعاد عذابهم القادم في أية لحظة.
فجأة، وفي غمرة غليان المشاعر والترقب المشحون والصمت المطبق الذي لم يكن يكسره إلا صراخ معتقل قادم من ساحة التحقيق بين حين وآخر؛ خفق قلبنا بشدة، وقد تناهى إلى مسامعنا أصوات أحذية عسكرية كثيرة تقرع أرضية الفرع وتتوزع في الممرات، فهمنا من إيقاع أصوات الأحذية أنه تم تخصيص مجموعة من العساكر لكل زنزانة، وبغضون ثوان معدودة، فتح العساكر الأبواب جميعها، واقتحموها، واختلطت أصوات الكفر والشتم بآهات وصرخات المعتقلين وأصوات الكبلات الكهربائية وهي تحفر في الأجساد فتمزق العظم واللحم.
استمر عذاب الجحيم 45 دقيقة بلا توقف، وغادر الشياطين بعدها دون أن نعرف سبب هجمتهم الانتقامية المسعورة.
بعد ثلاثة أيام فقط، نقلوا إلى مهجعنا معتقلا جديدا من (الشاغور - دمشق) كان قد اعتُقِلَ قبل يومين فقط، ولما سألناه عن أخبار الثورة في الخارج، نقل لنا خبر مقتل أفراد خلية الأزمة قبل اعتقاله بيومين.
محمد ديرانية

t.me/MDdirania

اليوم يوم إطلاق سراح الفرح السجين الذي لم نجرؤ عليه يومًا، يوم تنفيس الكآبة المشحونة التي ألفناها لعقود جاثمة فوق صدورنا حتى ظننا أنا ولدنا بها، هذه أيام ارتداء الأعلام الخضراء، وسَلّ الرؤى الحالمة، يومٌ نرجعُ فيه أطفالًا بأحلامنا الأولى، لنراهق ثم نكبر مرة أخرى في ظلال سوريا الحرة الكريمة.

سأنام اليوم الليلة الأولى دون أن تراودني كوابيس أقبية المعتقل المُظلم وملاحقة السجانين التي لم تفارقني منذ 13 عامًا، اليوم يوم الحمد، فاللهم لك الحمد

t.me/MDdirania

قلة ذوق، مع قلة فقه، مع قلة وعي سياسي تجلب الكوارث ..
رحم الله إسماعيل هنية وتقبله من الشهداء وغفر له وجمعه في جنات النعيم مع محمد مرسي وحجي مارع والساروت وحمزة الخطيب

(3)
من المستبعد ضلوع إيران في تسهيل عملية الاغتيال مقابل ضمانات بعدم التصعيد في لبنان، إيران تدرك أن المعركة في لبنان آتية لا محالة، لا سيما بوجود معطيات إقليمية تعزز مسار التصعيد وتنبئ بحرب قادمة على الأرجح.
إذا أرادت إيران بيع هنية فليس من المرجح أن تبيعه بقدرٍ عالٍ من الإهانة يلزمها الرد عسكرياً لصيانة وحراسة السردية الأم التي تتمسح بها تضلل بها شعبها وتستغلها ولاية الفقيه (القضية الفلسطينية) في تصدير التشيع وتحقيق مشروع الهلال الشيعي.

ضمن المعطيات الحالية .. بتقديري فإن إيران ليست ضليعة في تسهيل الاغتيال سوى بغبائها وهشاشتها الأمنية والاستخباراتية وضعف منظومتها الدفاعية والتي تكشف الوقائع مرة بعد مرة أنها قائمة على الدعاية والبروباغندا وصناعة الهالة.

(2)
استهداف وتصفية القيادات الفلسطينية الفاعلة لطالما كان جزءًا أصيلاً من العقيدة العسكرية الصهيونية منذ بدء الانتفاضة الأولى.
العقيدة العسكرية الصهيونية ترى في تكتيكات جزّ العشب وكَيّ الوعي الفلسطيني وإبدال النخب وتصفية القيادات التوافقية استراتيجية فعالة في إضعاف وخلخلة صفوف المقاومة وكسر حدّة موقفها العسكري أو التفاوضي المرتكز على تلك الشخصيات.

وبرغم الفاعلية المحدودة لتلك العقيدة في السنوات الأولى لتشكل فصائل المقاومة المقاومة (الكتائب غير المنظمة)، إلا أنها أثبتت فشلها على طول الفترة التي تلت ذلك .. فقد تعلمت حركات المقاومة الفلسطينية أن لا تتوقف عن تأهيل القيادات والشخصيات وأن تتأهب لهذه الحوادث المتوقعة.

ما لا تنجزه الثورات ولا الحروب، تنجزه الجنازات، وإنّ لكُلّ شيء عند الله قَدَرُه المقدور.
#إيران

إذا أردت أن يستخدمك الله، فشمّر وابدأ العمل، فالله لا يستخدم قاعدًا، بل يوفقُ الناس بحسب نواياهم وعزائمهم وأفعالهم، فيوفق القائم إلى قيامه، ويوفق القاعد إلى قعوده، ويستخدمُ الأول جنديًا لتهيئة أسباب النصر وصناعته، ويجعل الثاني عبئًا على أهل الحق ليختبرهم به، فكن جنديًا في جيش الحق ولا تكن اختبارًا لأهله أو عبئًا عليهم.

t.me/MDdirania

من المواطن التي يغفل الإنسان عن أن يغار فيها، غيرتُه على نفسه وكرامته، فلا يدافعْ فيها عن ظالم، ولا يُرِقْ ماء حيائها على باب سلطان، ولا يتملقْ فيها لأهل منصب وغنى، ولا يُرهقْها في سفاسف الأمور، ولا يُهِنْها بأن يدين بمعروفٍ لمُحدَث نعمة لئيم، ولا يبخسْها حقّها فيزدري ما خصّه الله فيها من نِعَم وأفضال، وينشغل بحسد الآخرين.

t.me/MDdirania