‏قال الله تعالى عن نبيه الكريم صلوات وسلامه عليه: {عبس ‌وتولى{} أن جاءه الأعمى}.
أليس عجيبًا وصف العُبوس والتّولِّ.. مع أنّ الذي عُوتب النبي صلى الله عليه وسلم مِن أجله أعمى، لم ير عُبوسًا ولم يشعر بتولٍّ!
إنّ هذا يدلّ على أنّ هذا النبي مُبلغٌ أمين لما يُوحى إليه من الله رب العالمين.
‎#رحيق_السيرة
https://t.me/alghanm20

#فتاوى_السيرة
286) هل صحَّ أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمّا آلى مِن نسائه شهرًا كان يصلي في غرفة، ومَن الذي كان يُصلي بالمسلمين في ذلك الشهر؟
الجواب: قال أنس بن مالك: «سقط رسول الله صلى الله عليه وسلم ‌عن ‌فرسه، ‌فجحشت ساقه، أو كتفه، وآلى مِن نسائه شهرًا، فجلس في مَشْرُبَةٍ له، درجتها مِن جُذوع، فأتاه أصحابه يعودونه، فصلى بِهم جالسًا...ونزل لتسع وعشرين، فقالوا: يا رسول الله، إنّك آليت شهرًا؟ فقال: «إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ» متفق عليه.
والمشربة بفتح الراء وضمها، الغرفة المرتفعة عن الأرض، هي كالخزانة فيها الطعام والشراب، وبه ‌سميت ‌مشربة، ولم يتبين لي مكان المشربة، والعلم لله.
وفي لفظ: «سقط النبي صلى الله عليه وسلم عن فرس فَجُحِشَ شِقه الأيمن، فدخلنا عليه نعوده، ‌فحضرت ‌الصلاة ‌فصلى ‌بنا قاعدًا»متفق عليه.
وقال أنس: «آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن نسائه شهرًا، ‌وكانت ‌انفكّت ‌قَدمه، فجلس في عُلِّيَّةٍ له، فجاء عمر فقال: أطلقت نساءك؟ قال: لَا، وَلَكِنِّي آلَيْتُ مِنْهُنَّ شَهْرًا، فمكث تسعًا وعشرين ثم نزل، فدخل على نسائه» أخرجه البخاري.
ويولح لي أنه بعد إيلائه صلى الله عليه وسلم مِن نسائه أُصيب بمرض في بدنه الشريف؛ بسبب سقوط بدنه الطاهر مِن على فرسه، فجُحِشت ساقه أو كتفه، وانفكت قدمه، فأصبح لا يقدر على القيام.
وقوله: «فجُحِش» بضم الجيم ثم حاء مهملة مكسورة أي: خُدش جلده، ورضَّ عظمه، ولذلك انفكَّت قدمه صلى الله عليه وسلم مِن الصرعة.
وقوله: «انفكت قدمه» الانفكاك: ‌نوع ‌مِن ‌الوهن ‌والخَلْع، وهي أنْ تنفك بعض أجزائها عن بعض.
وأكثر أهل العلم على أن إيلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في العام التاسع من الهجرة، ، أي وقد تجاوز الستين من عمره صلى الله عليه وسلم!
وقد سئلت عائشة: «هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصلِّي وهو قاعد؟ قالت: نعم. ‌بعد ‌ما ‌حَطَمه ‌الناس» أخرجه مسلم.
والتحطيم تصيير الشيء يابسًا متحطمًا متكسرًا!
وكيف لا يتحطم البدن الشريف، وقد أوقف نفسه وفكره وبدنه لنشر رسالة وهداية عباد الله، ولاقى في سبيل ذلك الشدائد وتحمل المتاعب، وبذل لتحقيق ذلك كل أنفاسه وقواه العقلية والبدنية؛ حين تتابع الناس، وتكاثرت عليه أعباء إقامة دين الناس وإصلاح دنياهم، فكان وجهتهم في كل صغيرة وكبيرة، فاستنفذوا كل قواه، وفراغه، وعنياته بنفسه، واستجمامه، وراحته مع أهل بيته وخاصته!
فقد كان صلى الله عليه وسلم، يتصدى للناس كلهم يستقبلهم ويودعهم، يأمرهم وينهاهم، يختلط بهم ويتحمل أخطاءهم، لذلك حطمه الناس وأثروا في بدنه صلى الله عليه وسلم، حتى أصبح يُصلي جالسًا، وأسرع إليه الشيب بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.
قال الوزير العالم العادل ابن هبيرة: «وأمّا انفكاك قَدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنّه يدل على أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس لذلك مُوليًا عن نسائه؛ جامعًا في ذلك بين معالجة قدمه الكريمة بالراحة، وبين معالجة أخلاق النساء بالإيلاء».
‌وقال الحافظ ابن حجر: «اتَّفَق أنّه صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة ‌انفكّت ‌رجله».
فكان سبب صلاته في غرفة العزلة.. مرض بدنه الشريف، فلم يستطع الخروج إلى صلاة الجماعة في المسجد، فزاره بعض الصحابة في تلك الغرفة، فلمّا حضرت الصلاة صلى بِهم جماعة في غرفته.
وهذا الاجتماع اتفاقي، وليس معناه أنّ الصحابة كانوا يجتمعون عنده في كل صلاة، ولذلك نبههم على الجلوس.
وقد بوَّب الإمام البخاري لهذا الحديث بقوله: «باب إذا عاد مريضًا، فحضرت الصلاة، فصلى بِهم».
وقال القاضي عياض: «وفي هذا الحديث إمامته صلى الله عليه وسلم بِهم في بيته، وجواز صلاة الفرض في جماعة في المنازل، وذلك أنّه صلى الله عليه وسلم لم يستطع الخروج لعذر».
وقال أبو العباس القرطبي: «والظاهر أنّه كان في صلاة الفرض؛ لقوله: «فحضرت الصلاة»، وهي للعهد ظاهرًا، ولِمَا تَقرَّر مِن عادتِهم أنّهم ما كانوا يجتمعون للنوافل».
وقال الحبر النحرير ابن رجب: «وفي الحديث: دليل على أنّ المريض الذي يشق عليه حضور المسجد له الصلاة في بيته، مع قرب بيته مِن المسجد، وفيه: أنّ المريض يُصلي بمَن دخل عليه للعيادة جماعة؛ لتحصيل فضل الجماعة».
وقال الحافظ ابن حجر: «قوله: «في بيته» أي: في المَشْرُبة التي في حُجرة عائشة، وهو دال على أنّ تلك الصلاة لم تكن في المسجد، وكأنّه صلى الله عليه وسلم ‌عَجَز ‌عن ‌الصلاة ‌بالناس ‌في ‌المسجد، فكان يُصلي في بيته بمَن حضر».
وأمّا مَن الذي كان يُصلي بالمسلمين في هذا الوقت، فالجواب عنه من وجهين:
الأول: أنّه صلى الله عليه وسلم صلى في حُجرة عائشة وائتم به مَن حَضر عنده ومَن كان في المسجد.

سئلت عائشة رضي الله عنها:
«هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصلِّي وهو قاعد؟
قالت: نعم، ‌بعد ‌ما ‌حَطَمه ‌الناس»!

-المحطم المكسر!
-حطموه لأنه أوقف نفسه لهم، في دينهم ودنياهم، فأثّر ذلك في بدنه الشريف!
-هنا تتقزم الجهود وتُحتقر المساعي!
-نفسي الفداء لبدن تحطم ليصل الإسلام إليَّ!
‎#رحيق_السيرة
https://t.me/alghanm20

#فتاوى_السيرة
284) أقرأ لبعضهم يقول: إنّ الخزرج أخوال النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أشكل عليَّ؛ فأمه صلى الله عليه وآله وسلم مِن بني زُهرة وهم قرشيون؟
الجواب: كان مِن صُنع الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أنْ يمر بالمدينة جده هاشم بن عبد مناف، في سفره إلى الشام، فيتزوج مِن سلمى بنت عمرو بن زيد النجارية الخزرجية، فولدت له ولدًا أسمته: (شيبة)، وبنتًا أسمتها: (رقية)، ثم خرج هاشم إلى غزة فمات فيها شابًا.
فنشأ شيبة بن هاشم عند أخواله بالمدينة حتى قارب المراهقة، فذهب إليه عمه المطلب بن عبد مناف، وهو شقيق أبيه هاشم؛ ليأخذه ويعود به إلى بلده وقومه، فأبت أمه سلمى أنْ تُرسله معه، فقال لها: (إنِّ ابن أخي قد بلغ، وهو غريب في غير قومه، ونحن أهل بيت شرفٍ في قومنا، نلي كثيرًا من أمرهم، وقومه وبلده وعشيرته خير له مِن الإقامة في غيرهم)
فأذِنَتْ به ودفعته إليه، فاحتمله، فلمّا دخل به مكة، وهو مردفه على بعيره، قال بعض قريش: (هذا عبد المطلب، ابتاعه)، فقال: ويحكم! إنما هو ابن أخي هاشم؛ قدمتُ به مِن المدينة!
فمن ذلك الوقت سُمّي (عبد المطلب).
وفي حديث الهجرة: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: «فقدمنا المدينة ليلًا، فتنازعوا أيهم ينزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أنزل على بني النجار ‌أخوال ‌عبد ‌المطلب أُكرمهم بذلك».
فأصل الخؤولة لعبد المطلب بن هاشم جد المصطفى صلى الله عليه وسلم، ثم كانت لذريته؛ لأنّ أخوال الرجل أخوال أبنائه وأحفاده مِن بعده، فينادي الرجل العربي خال جده أو خال أبيه بقوله: يا خال، وليس: يا جد، كما شاع في بعض بلادنا اليمنية.
وقد سبق الجواب عن أخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن بني زُهرة ومِن غيرهم، والله تعالى أعلم.
كتبه: أحمد بن غانم الأسدي، ليلة الاثنين (16/5/1446).
https://t.me/alghanm20

‏لمّا جاء الرجل الذي قبَّل امرأة أجنبية، بل فعل معها ما دون المعاشرة!
قابله الرحمة المِهداة برفق ورحمة، وأخذ بيده إلى التوبة!
ولم يقابله بنبذ أو نبز أو إقصاء!
دعك من أن يظن به ظن السوء فيقول له: إن لهذا الخطيئة أخوات، وهذا ما ظهر لنا منها!

فصلوات الله وسلامه عليك يا سراج الظلمات!
سلك الله بنا سبيله وزادنا من ‎#رحيق_السيرة
https://t.me/alghanm20

#فتاوى_السيرة
283) هل سَمَّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحِجْر الذي بجوار الكعبة: حِجْرَ إسماعيل عليه السلام؟
الجواب: لم أقف على حديث مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في تسميته: (حِجْر إسماعيل).
وهي تسمية مذكورة في بعض كتب السيرة النبوية والتاريخ.
وأقدم ما وقفت عليه في هذه التسمية ما رواه الأزرقي عن ابن إسحاق قال: «لما أمر إبراهيم خليل الله تعالى أن يبني البيت الحرام، ... وجعل إبراهيم  الحجر إلى جنب البيت عريشًا مِن أراك، تَقتحمه العنز، فكان زَرْبًا لغنم إسماعيل».
أخرجه الأزرقي، وهو خبر ضعيف الإسناد منكر المتن، وبيان ذلك من أوجه:
الأول: أنّه خبر معضل؛ لأنّ ابن إسحاق لم يذكر الواسطة بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالخبر مشتمل على قصة بناء البيت بتفاصيل دقيقة ومعجزات ظاهرة، وهذا لا بد فيه مِن إسناد متصل بالوحي.
الثاني: أنّ الأزرقيّ نفسه لم يوثّقه أحدٌ مِن أئمة الجرح والتعديل، ولم يذكره البخاري، ولا ابن أبي حاتم، بل قال الفاسيّ في ترجمته مِن «العقد الثمين»: «لم أرَ مَن ترجمه»، فهو - على قاعدة أئمة الحديث - مجهول الحال، وقد تفرّد بِهذه الحكاية.
وسياق الأزرقي المليح محل شك، قال العلامة المعلمي: «ويَرِيبني من الأزرقي حسنُ سياقه للحكايات وإشباعُه القولَ فيها، ومثل ذلك قليلٌ فيما يَصِحُّ عن الصحابة والتابعين».
قلت: وهذا منها؛ فقد سبك سرده وكأنّه حديث مرفوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثالث: أنّ الحِجر هو القسم الخارج عن جدار الكعبة المشرَّفة، وهو بناء مُستدير على شكل نصف دائرة، شمال الكعبة المشرَّفة، يرتفع عن الأرض بقدر متر ونصف.
وهو جزء مِن الكعبة المشرَّفة على قواعد إبراهيم عليه السلام، حيث قام سيدنا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ببناء الكعبة، وكان البناء مشتملًا على هذا الحِجر.
ولما تصدَّعت جُدران الكعبة المشرَّفة مِن أَثرِ حَريقٍ وسيل جارف قَبْلَ بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أعادت قريش بناء البيت العتيق، فَقَصُرَت بِهم النفقة الطيبة عن إتمام الكعبة، فقالوا: نبني ما تحتمله النفقة الخالية عن الكسب الخبيث، والباقي نجعله خارجًا، ونَحجر عليه حتى لا يطوف به أحد.
ومِن معاني الحجر في اللغة: المنع، قال الله تعالى: ﴿هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ ‌لِذِي ‌حِجْرٍ﴾، فَسُمِّيَ العقل حِجْرَا؛ لأنّه يمنع صاحبه مِن القبائح.
فَسُمِّيَ الحِجْرُ بذلك؛ لأنّه جزء مِن الكعبة؛ مُنِعَ وحُجِرَ التصرف فيه، أو الطواف به وحده.
فهذا وجه التسمية وأصلها.
وبرهان ذلك حديث عائشة قالت: ‌«سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‌عن ‌الحِجْرِ...».
وفي لفظ: «سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الجَدْر، أمِنَ البيت هو؟ قال: نَعَمْ. قلت: فما لهم لم يدخلوه في البيت؟ قال: إِنَّ قَوْمَكِ ‌قَصَّرَتْ ‌بِهِمُ ‌النَّفَقَةُ. قلت: فما شأن بابه مرتفعًا؟ قال: فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاؤُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاؤُوا، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ، فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ، أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ، وَأَنْ أُلْصِقَ بَابَهُ بِالْأَرْضِ». أخرجه البخاري ومسلم.
والجدر: بفَتح الجيم، وفي بعضها تُضَمُّ، أي: الجِدَارُ كما هو مصرَّحٌ به في بعضها بدلَ الجدر، والمرادُ جدار الحِجْر؛ لما فيه مِن ‌أصول ‌حائطِ ‌البيت.
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: «بينا النبي صلى الله عليه وسلم يُصلي في ‌حِجْرِ ‌الكعبة...» أخرجه البخاري.
وممّا يُبيِّنُ أنّ الحِجْرَ جزء مِن الكعبة المشرَّفة أنّ الطواف لا يصح مِن داخل الحِجْرِ، بل يُشترط لصحة الطواف.. التفاف الطائف على الحِجر مع الكعبة.
ومَن صلَّى فيه فقد صلى في الكعبة المشرَّفة.
الرابع: أنّه يُسمَّى: (الحَطِيم)، أو: (حَطِيم البيت).
عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة رضي الله عنهما: «أنّ نبي الله ﷺ حَدَّثهم عن ليلة أسري به: بَيْنَمَا أَنَا فِي ‌الْحَطِيمِ ، وربما قال: فِي الحِجْرِ، مُضْطَجِعًا...» فذكر الحديث... أخرجه البخاري.
وفي سبب التسمية بالحطيم أقوال: فقيل: مشتق مِن مَحْطُوم، أي: مكسور، وكأنّ ‌الحطيم سُمِّي به؛ لأنّه كان في الأصل داخل الكعبة فانكسر بإخراجه منها؛ لِمَا حُطِمَ مِن جداره، فلم يسوَّ ببناء البيت، وتُرِكَ خارجًا عنه.
وقيل: لأنَّ العرب كانت تطرح فيه ثيابِها التي تطوف فيها وتتركها حتى تتحطم وتَفسد بطول الزمان.
قال ابن عباس: «مَن طاف بالبيت، فليطف مِن وراء الحجر، ولا ‌تقولوا: ‌(الحطيم)؛ فإنّ الرجل في الجاهلية كان يحلف، فَيُلْقِي سوطه أو نعله أو قوسه» أخرجه البخاري.

من أحب البلاد إلى قلبي:
بلاد وُصاب!
-فيها العلماء والفقهاء والأدباء!
-فيها السكينة والطمأنينة والإقبال على خاصة أمرهم وترك الفضول!
-فيها الجد والجلد والحذاقة والمهارة في الكسب والتجارة!
-فيها العصامية وتكوين الذات بعرق الجبين!
-فيها حُسن الخِلْقة وجمال الطبيعة!
وفي الختام: أرجو الله تعالى أن يُيسر بقلم وصابي حُرٍّ مُتجرِّدٍ يجمع محاسن هذه البلدة أرضًا وإنسانًا!
وسلام الله على وصاب ما أشرقت الشمس وطلع القمر!
#سفينة_التاريخ
https://t.me/alghanm20

#فتاوى_السيرة
280) متى دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دار الأرقم، وكم مكث فيها، وما الحِكمة في اختيار هذه الدار؟
الجواب: لم أقف على رواية صريحة في توريخ دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه.
ويلوح لي –والعلم لله- أنّ الدخول كان في بداية الدعوة؛ ولذلك يُذكر السابقون الأولون فيقال في أحدهم: (أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم).
قال العلامة المقريزي: «فالمهاجرون أقسام: الذين أسلموا قبل دخول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دار الأرقم ‌وفي ‌دار ‌الأرقم، والذين أسلموا بعد ذلك، والذين عُذِّبوا في اللَّه، والذين هاجروا إلى الحبشة».
قلت: وممّا يدل على ذلك أنّ الأرقم قديم الإسلام. قيل: إنّه كان سابع سبعة. وقيل: أسلم بعد عشرة أنفس!
فكانت داره منتدى يجتمع فيه المسلمون، ويعبدون الله سرًا، ويُلقِّنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام وأصوله، ‌ويتعهدهم ‌بالتربية، حتى كَوَّن منهم أُناسًا يستهينون بكل الآلام والبلاء في سبيل دينهم وعقيدتهم، وكان مَن يُريد الإسلام يأتي إليها مُستخفيًا خشية أنْ يناله أذى قريش.
ودُعيت ‌دار ‌الأرقم ‌بعد ذلك: دار ‌الإسلام، ودار الدعوة.
ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في هذه الدار حتى أسلم الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاستعلنوا بعبادتهم وراغموا أهل مكة.
وقد أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرقم دارًا بالمدينة، ولعلّ هذا مكافأة له على ما أدته داره بمكة مِن خدمة جليلة للإسلام في أوّل عهده.
فلله هذه الدار التي فاقت أعظم مدارس العالم، وجامعات الدنيا، وخرَّجت أعظم رجال عرفهم التاريخ!
وحسبك أنَ شباب دار الأرقم جندلوا شيوخ دار النَّدوة في قليب بَدر!
ولا تزال هذه الدار مفخرة خالدة للأرقم، وشذى يتضوع إلى يوم القيامة!
وتصدق بِها الأرقم على ولده، فلم تزل هذه الدار صدقة قائمة فيها ولده يسكنون ويؤاجرون ويأخذون عليها حتى كان زمن أبي جعفر المنصور الذي حازها بطريقة غريبة يطول ذكرها.
ثم صارت فيما بعد ذلك للمهدي، فوهبها لامرأته ‌الخيزران أمّ موسى الهادي وهارون الرشيد، فبنتها وجدّدتها، فعُرفت بِها، ثم صارت لغيرها.
وفي سنة (1399) هُدمت دار الأرقم؛ لمصلحة توسعة المسعى بين الصفى والمروة، وستبقى خالدة في التاريخ ما بقي في الدنيا تاريخ!
ومِن الحِكَم في اختياره صلى الله عليه وسلم المكث بِهذه الدار:
الأولى: أنّ الأرقم شاب، فهو حينها في السادسة عشرة مِن عمره، ولنْ يصحب الشيوخ؛ فيسرب إليهم الخبر؛ لأنّ الشيوخ هم الملأ، والملأ هم على الأغلب أعداء الحق في كل زمان ومكان، إلا مَن رحم الله، وقد قصص الله تعالى أخبار الملأ مع الأنبياء في أكثر مِن عشرين آية.
الثانية: أنّ دار الأرقم كانت على الصفا، والناس حول الصفا بين صادر ووارد، فلا يُشكُّ فيمَن حولها!
الثالثة: أنّ إسلام الأرقم لم يشتهر؛ لصغر سِنِّه، فلم يكن محل شَكٍّ وترقب، فضلًا أنْ يكون محل تخوف مِن إسلامه أو مناصرته للرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم.
الرابعة: أنّ الأرقم مِن بني مخزوم، وأكثر شيوخها هم ألد أعداء الرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم ، فغَمرت عدواتَهم موقف شابٍ مِن شبابِهم، لم يكونوا يظنون به مخالفتهم؛ لِمَا عُرف به شباب العَرب مِن تقديسٍ لأكابرهم.
ولذلك لمَّا سئل عمرو بن العاص عن سبب تأخُّر إسلامه وهو صاحب العقل الراجح قال: «إنَّا كنَّا مع قومٍ لهم علينا تقدُّمٌ وسنٌّ، توازي حلومُهم الجبال، ما سلكوا فجًّا فتبعناهم إلا وجدناه سهلًا، فلما أنكروا على النبي صلَّى الله عليه وسلم أنكرنا معهم، ولم نفكِّر في أمرنا، وقلَّدناهم، فلَّما ذهبوا وصار الأمر إلينا؛ نظرنا في أمر النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فإذا الأمر بيِّنٌ؛ فوقع في قلبي الإسلام!».
الخامسة: أنّ الله تعالى أراد أنْ يبين لأعداء رسوله صلى الله عليه وسلم عجزهم عن منع نفوذ دعوة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم إلى قلوب أبنائهم وعقر دورهم، فهو القادر على كل شيء، ولا يعجزه شيء.
السادسة: أنّ يُعلم الحاجة إلى وجود مكان يجمع شتات المسلمين؛ لِمَا في الاجتماع مِن البناء الروحي، الذي يعود على أهله بالقوة والثبات، والطمأنينة بأنّ الإسلام سيشمل مَن حولهم بالتتابع والتوارد.
والله تعالى أعلى وأعلم وأعز وأحكم.
تتمة:
الأرقم ‌الأرقم ‌بن ‌أبي ‌الأرقم و اسمه عبد مناف بن أسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي أسلم قديمًا، وشهد غزوة بدر وما بعدها مِن المشاهد، ومات بالمدينة سنة ثلاث وخمسين، ودفن بالبقيع عن بضع وثمانين سنة، وصلى عليه سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنهما.
كتبه: أحمد بن غانم الأسدي، ليلة الأحد (8/جمادى الأولى 1446).
https://t.me/alghanm20

أعظم خسارة أن لا يكون لك مقعد في جنة عرضها السماوات والأرض!
#سفينة_التاريخ
https://t.me/alghanm20

#فتاوى_السيرة
254) ما وجه ‌اختصاص ‌التشبيه بإبراهيم في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
الجواب: ذكر أهل العلم أوجهًا كثيرة في وجه اختصاص إبراهيم عليه السلام بالتشبيه في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيره مِن الأنبياء ومِن ذلك:
الأول: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن ذرية إبراهيم عليه السلام بالحجة والإجماع، ولذلك فإبراهيم عليه السلام هو الأب الأقرب لخاتم الأنبياء مِن سائر آبائه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولا يخفى أنّ التّشبيه بالآباء في الفضائل والمكارم مرغوب فيه.
الثاني: أنّ قريشًا كانت على دين إبراهيم عليه السلام نحو ألفين وأربع مئة سنة، حتى غيَّرها عمرو بن لحي، وما زال بعض العرب على دين إبراهيم حتى وقت النبوة أو قبله بقليل؛ مثل: زيد بن عمرو بن نفيل، وما زالت بقايا دين إبراهيم في أهل مكة وما حولها.
ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعبد لله بما صح لديه أنه من ملة إبراهيم عليه السلام، حسب حفظ الله لقلبه صلى الله عليه وسلم من مظاهر الشرك وأرجاس الوثنية التي أدخلها عمرو ابن لحي الخزاعي على ملة إبراهيم عليه السلام.
فإبراهيم عليه السلام هو الذي أُمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباع ملته، قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾.
وقال الله تعالى: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾.
الثالث: أنّ إبراهيم وإسماعيل هما مَن أقاما وبَنَيَا البيت الحرام، وجميع شعائر الحج وتعهداه بالإعمار، وكان رسول لله صلى الله عليه وسلم هو النبي الذي قام في مكة بعدهما، يُقيم الملة العوجاء.
فكانت بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم امتدادًا لشريعة إمام الحنفاء وشيخ الأنبياء خليل الرحمن عليه السلام.
الرابع: أنّ إبراهيم عليه السلام سأل اللهَ أن يجعل له لسانَ صدقٍ في الآخرين، فَذِكْرُه في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. مِن مظاهر استجابة الله تعالى لدعوته عليه السلام.
الخامس: أنّ إبراهيم عليه السلام سمَّى هذه الأمة مسلمين، فله علينا منَّة عظيمة، فجاء التخصيص مِن باب الوفاء وجزاء الإحسان.
السادس: أنّ نبينا صلى الله عليه وسلم هو دعوة إبراهيم عليه السلام، في قوله: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾.
السابع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ليلة المعراج جميع الأنبياء والمرسلين، وسلَّم على كل نبي، ولم يُسلِّم أحد منهم على أمته غير إبراهيم عليه السلام ، فأُمرنا أنْ نصلي عليه في آخر كل صلاة إلى يوم القيامة، وفاءً وعرفانًا.
الثامن: أنّنا نسأل الله تعالى صلاة يَتَّخِذُ الله تعالى بِها نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم خليلًا كما اتخذ إبراهيم عليه السلام خليلًا.
التاسع: أنّ إبراهيم عليه السلام أفضل الأنبياء والرسل بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فجاء ذكره مناسبًا لمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغيره مِن الأنبياء هم بعد إبراهيم عليه السلام في الفضل والمنزلة.
العاشر: أنّ الله تعالى اختصه بالفضائل العظيمة، والمكارم الجليلة، فكان الإمام، والأمة، والحنيف، القانت لله عز وجل، الذي ينتسب إليه جميع الأنبياء بعده، ويؤمن به جميع أتباع الشرائع (المسلمون، والنصارى، واليهود).
قال الله تعالى: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾، وقال سبحانه: ﴿ملة أبيكم إبراهيم﴾، وقال عز وجل: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً﴾.
الحادي عشر: أن إبراهيم عليه السلام منادي الشريعة حيث أمره الله تعالى بقوله: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾، ومحمد صلى الله عليه وسلم كان منادي الدين لقوله تعالى: ﴿إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ﴾.
الثاني عشر: أنّ الرحمة والبركة لم تجتمعا في القرآن لنبي غير إبراهيم عليه السلام ، قال الله تعالى: ﴿رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت﴾.
‌الثالث عشر: أنّ إبراهيم عليه السلام كان ‌معلومًا ‌بعموم ‌الصلاة له ولأهل بيته على لسان الملائكة، ولهذا خُتمت الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «إنك حميد مجيد»، كما خَتمت الملائكة صلاتَهم على أهل بيت إبراهيم بذلك، في قولهم: ﴿رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾.
الرابع عشر: كون كلٍّ مِن الصلاتين أفضل وأولى وأتم مِن صلاة مَن قبله؛ أي: كما صليت على إبراهيم صلاة هي أتم وأفضل مِن صلاة مَن قبله، صلِّ على محمد صلاة هي أفضل وأتم مِن صلاة من قبله.