**الإنسان المعاصر يُغرق نفسه اليوم بأدوية الاكتئاب وحبوب الأعصاب وجلسات تفريغ الغضب وتنظيمه ويخصّص مبالغ للعلاج النفسي لكي يبعد الحزن عنه، معتقدًا أنّ السعادة تعني غياب الحزن وبالتالي عليه أن يُبعد الحزن عنه كلّ الوقت.

إذا تعثّر في علاقه عاطفية عليه أن يجد من يقف قربه ويساعده لتخطي الموضوع، يخاف من اللحظات التي يأوي فيها إلى الفراش وحيدًا، يريد من ينظّم له الأمور، لا يجيد التعامل مع الانتكاسات حتى الصغيرة منها، المجتمع الاستهلاكي يوجّهه دائمًا نحو هذه الأمور، معايير السعادة مرتفعة وهي ترتفع كل يوم، جسم مثالي ومظهر مثالي وعمل جيد وعلاقة حب ناجحة وأصدقاء يشعرونك بالتقدير العالي لذاتك كل الوقت، أي تراجع في أيٍّ من هذه الأمور يعني الدخول في دوامة الحزن، وللتعامل مع الحزن عليك أن تجد من أو ما يساعدك.

الإنسان المعاصر لا يريد أن يحزن أبدًا، الدعاية الاستهلاكية تلاحقه بهذه الفكرة كلّ الوقت، يريد أن يكون سعيدًا دائمًا، لكنّ الحزن أو البعض منه لا بأس به، يمكن للإنسان أن يحزن لوحده ثم يقف مجدّدًا على قدميه ويمضي قدمًا.**

**في رواية مزرعة الحيوان نجد شخصية الثوري الساذج (الحصان بوكسر) الذي يؤمن بإمكانية تحقيق المدينة الفاضلة دون التفكير في الاشتراطات الموضوعية المطلوبة، ويعمل بجد ولا يشكك في أي شيء، متمسكًا بمبدأ "نابليون دائمًا على حق"! ونابليون هنا هو الطاغية الثائر الذي يقود المسيرة بالحديد والنار.

ومن جهة أخرى، هناك شخصية الذكي المجرب السلبي (الحمار بنيامين) الذي يفهم الأحداث ويعرف التاريخ لكنه يائس من إمكانية التغيير. قادته معرفته بخيبات الثورات إلى السلبية، وعندما تسأله الحيوانات عن رأيه في الأحداث، لا يجيب إلا بجملته المحيرة: "الحمير تعيش طويلاً، لم يشاهد أي منكم حمارًا ميتًا"!**

**في كتاب بروتوكولات حكماء ص هيون:
هذا الكتاب تم تسريبه عام 1903
-الفقرة السابعة عشر تقول:
-إننا سنُغرق العالم في جنون المباريات الرياضية حتى لا يصبح للأمم ولا للشعوب إشتغال بالأشياء العظيمة بل ينزلون إلى مستويات هابطة ويتعودون على الاهتمام بالأشياء الفارغة وينسون الأهداف العظيمة في الحياة وهذا ما يحدث اليوم.

وجاء في " بروتوكولات حكماء ص هيون "
( ص 241 : في البروتوكول الثالث عشر ) :
" ولكي تبقى الجماهير في ضلال لا تدري ما وراءها وما أمامها، ولا ما يراد بها، فإننا سنعمل على زيادة صرف أذهانها بإنشاء وسائل المباهج، والمسليات، والألعاب الفكاهية وضروب أشكال الرياضة واللهو وما به الغذاء لملذاتها وشهواتها والإكثار من القصور المزوقة والمباني المزركشة ثم نجعل الصحف تدعو إلى مباريات فنية رياضية من كل جنس فتتوجه أذهانها إلى هذه الأمور، وتنصرف عما هيأناه فنمضي به إلى حيث نريد".**

**مسكين إنسان هذا اليوم، يعيش حالة لم يسبق لها مثيل من التشوش الدائم، والتذبذب المستمر، في الافكار والمشاعر والاحاسيس، ساعة واحدة يقلب فيها قنوات التليفزيون، او مواقع الانترنت - كفيلة بأن تنقله بين عشرات المشاعر المتناقضة من الحزن والفرح، واليأس والأمل، والإعجاب والاستنكار، والغضب والرضا، والتعجب والاشمئزاز والخوف والفزع والانبهار ..الخ

لا ننكر أن هذه كلها مشاعر طبيعية، يمر بها كل واحد منا في مراحل مختلفة من حياته، لكن أن تجتمع كل هذه المشاعر المتناقضة في وقت واحد، وأن يضطر الانسان إلى المرور بها جميعا في ساعة واحدة، أو نصف ساعة، فهذا أمر لا يطاق ولا يحتمل، ولا أظن إنسانا طبيعيا يقدر على التعامل معه طويلا دون أن يصاب حتمًا بالدوار والتشوش، والحيرة والاضطراب، ويفقد بالتالي كل معاني الإتزان العقلي، والهدوء النفسي، والسكينة الروحية، وهي الأمور التي لا يمكن للإنسان أن يحيا حياة، أو يقيم فكرًا، أو ينتج عملاً، دون أن يكون مستندًا إليها، ومعتمدًا عليها.**

**‏"إن اختلاف شخصية المرأة عن شخصية الرجل عامل مؤثر، ذلك أن المرأة تعرّف نفسها من خلال علاقاتها، وتهتم بحديث الآخرين عنها أكثر من الرجل، ومتصلة بعمق عاطفي في علاقاتها أكثر من الرجل، وتتأثر بما يحصل لدى من تحبهم من صدمات ومشكلات، وقد يقودها ذلك لاتخاذ قرارات سيئة في حياتها وليس من مصلحتها لمجرد أنها لا تريد أن تفقد تلك العلاقات، جميع ما سبق هي عوامل تجعلها عرضة للتفكير المفرط أكثر من الرجل".

مقتبس من كتاب (المرأة التي تفكر كثيرًا) للمعالجة النفسية سوزان هيكوسيما (2003)- غير مترجم.

وهي رسالة لنا نحن الرجال بألا نقسو على من نحب من زوجاتنا وأخواتنا، وألا ننظر لظاهر السلوك، وأن نراعي الحالة النفسية لبعضنا، فليس كل ما يزعجنا من سلوك في الظاهر يستحق الوقوف عنده.**

**قال ماكيافيللي في كتابه الشهير ( الأمير ) جملة قد تكون من أصدق ما قيل حين وصف الناس بقوله :

"ان من يتقن الخداع، يجد دائماً أولئك الذين هم على استعداد لأن تنطلي عليهم خديعته"

لم يعتمد ماكيافيللي عندما قام بكتابة ذلك الكتاب على خلفيته السياسية و تراكم خبرات إدارة شؤون الدولة بل كان جوهرية ذلك الكتاب فهمه لطبيعة البشرية فكل النصائح كانت تتلاعب على تناقضات النفس البشرية و لذلك يقول :

"جميع الناس يرون ما تعمل، وكيف تبدو لهم، اما القلة فيحسون حقيقتك"

شدد ماكيافيللي على توظيف الإساءة حين قال

"يجب أن نلاحظ أن علينا إما أن نعطف على الناس او نقضي عليهم، إذ أن في وسعهم الثأر للإساءات الصغيرة، أما الإساءات الخطيرة فهم أعجز من أن يثاروا لها"**

**التنويم الاجتماعي له أثر بالغ في شل التفكير، فالذي يقع تحت وطأته لا يستطيع ان يفكر الا في حدود ما يملي عليه الايحاء التنويمي العام.

وأنت لا تستطيع أن تجادله أو تباحثه مهما يكن دليلك إليه صارخا، ان إطاره العقلي مغلق بشكل لا ينفذ إليه اي برهان مهما كان، يصح القول ان التنويم الاجتماعي موجود أينما وجد الانسان، ولا بد لكل انسان ان يقع تحت وطأته قليلا او كثيرا.

وكلمـا ازدادت ثقافة الناس وتفتحت عقولهم ضعف فيهم اثر التنويم وقلت مخاطره عليهم.**

**قرأت مقولة لـ"مارك توين" تقول:
"مهما كان الشعور مُر، لا تُظهر ضعفك لأحد".

فخطَر ببالي قَول "بشّار بن برد":
"ولا بُد مِن شكوَى إِلى ذي مُرُوءَةٍ
‏يواسِيكَ أو يُسْلِيكَ أو يتوَجَّعُ".

وقَد صدَق "بشّار"!
فما هو أشد من الحُزن والبأس.. ذلك الشعور بأنّك لا تجِد مَن يحنو علَيك ويؤنِسك حين تُفرِغ علَيك الدُنيا من الأحزان والآلام ما يكفي ليميد بجبل.

صدقني، ليس هناك ما هو أصعب من الاختباء بين جدران صمَّاء تكاد من أنينك أن تتكلَّم.. ثم تخرج للعالَم وكأنك لا تُبالي بشَيء، ولكنّ قلبك -يا مسكين- يتفطَّر!**

**يتساءل البعض لماذا نكثر من إقتباس مقولات عظماء الفلاسفة و المفكرين و نستأنس بأستبصاراتهم و قراءة نصوصهم، تارة لتدعيم قناعاتنا و أحيان أخرى لتقييمها و دحضها و الإشتباك معها، لم لا نكتفي، مثلاً، بطرح أفكارنا الخاصة عارية أمام الجميع دون الإتكاء على أراء الفلاسفة الآخرين؟

و يجيب الفيلسوف الفرنسي أندريه كونت سبونفيل : من أراد ممارسة النشاط الفلسفي عليه أن ينطلق أولاً من أفكار الآخرين، لا سيما أفكار كبار الفلاسفة.

إذ أن "طريق الاستقلال الفلسفي" مغامرة تتطلب جهداً وقراءة وتملك أدوات التساؤل والمفاهيم وطرائق التحليل ودقة المنطق والتأمل ومهارات أخرى مختلفة، لن يستطيع أحد أن يصل إليها بمفرده ما لم يستند في البداية إلى قراءة نصوص وأفكار الآخرين.**

**معركة الإنسان المفصلية اليوم هي أن يحمي
نفسه من سيلان الوجود و قسوة الحياة

إنسان اليوم يعيش اكتئاب خاص هو اكتئاب التلاشي ، أن يرى كيف يذوب تحت لهيب المادة و القلق و السباق نحو اللاشيء، يريد كل شيء و كل شيء لا يشبعه أنها لعنة أن يسكن الجوع روحه.

كل إنسان يريد أن يكون ثري و قوي و مثقف و مؤثر و مشهور و محبوب و ما أن يحصل على ما يريد فإنه يشبع اللحظة و لكن لا يشبع الروح.

أن السعادة هي لحظة مؤجلة يتم نسج سجادتها بخيوط من الروح ما أن تكتمل حتى تثير في داخلنا سعادة تغني عن كل تلك الخيارات التي لا تمنح إلا ألم مؤجل.**