عبوديات المحن

عبودية الصبر على الابتلاء
عبودية الرضا بالقضاء والقدر
عبودية التضرع والدعاء
عبودية التوبة
عبودية محاسبة النفس
عبودية التفكر في عظمة الله وقوته
عبودية الخوف من بأس الله
عبودية الرجاء في رحمة الله
عبودية إحسان الظن بالله
عبودية واجب الوقت
عبودية الإحسان
عبودية الإنفاق
عبودية الإطعام
عبودية المواساة
عبودية التراحم
عبودية تذكر الآخرة
عبودية تحقير الحياة الدنيا

وغيرها من العبوديات، التي يوفق الله لها من شاء من عباده، وقت المحن والبلايا والكوارث، فيستخرجها من قلوبهم وجوارحهم، فيرفعهم بها درجات في الجنة، فتنقلب هذه المحن والبلايا في حقهم إلى منح وعطايا.
ولله حكمة بالغة في كل تدبير، فنسأل الله لنا ولإخواننا العفو والعافية وأن يلطف بهم ويتقبل شهداءهم ويشفي جرحاهم. آمين.
ٰ

إذا لم تكن كمحمد صلى الله عليه وسلم في إكرام ضيفه فكن مثل إبراهيم عليه السلام حين راغ إلى أهله فجاء بعجل سمين حنيذ.
وإذا لم تبلغ منزلة أحد منهما فكن البسّام المهلي في وجه من يقصدك، كحال هذا المفضال حين يقول:
أضاحك ضيفي قبلَ إنزال رَحلهِ
فيخصب عَندي والمكان جديبُ
وما الخِصب للأضياف أن يكثر القِرى
ولكنما وجهُ الكريم خصيبُ

دعك من المراسم التي فرضتها الثقافة الرأسمالية، دعك من البرستيج وتقييم الضيف والكسل في كرامته.
وافتح مجلسك لمن يقصده، بل افتح قلبك له.
لنحافظ على هذه السنة وهذا الخلق وهذه المبادئ.
واحذر كل الحذر أن تنزع يدك من إكرام ضيفك، أو أن تنظر بازدراء لمن يكرم ضيفه.

•
أو تَحُلُّ قريبًا من دارهم!
قُرْبُ المصائب مكانيًّا واعظٌ إضافي على واعظ المصائب نفسها: ﴿أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا جَعَلۡنَا حَرَمًا ءَامِنٗا وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنۡ حَوۡلِهِمۡۚ أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَةِ ٱللَّهِ يَكۡفُرُونَ﴾.

قرب المصائب مكانيًّا نذيرٌ إضافي بين يدي الساعة على نذير المصائب نفسها: ﴿وَلَا يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوۡ تَحُلُّ قَرِيبٗا مِّن دَارِهِمۡ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ وَعۡدُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ﴾.

توالي المصائب زمانيًّا تخويف إضافي على تخويف المصائب نفسها: ﴿أَوَلَا يَرَوۡنَ أَنَّهُمۡ يُفۡتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٖ مَّرَّةً أَوۡ مَرَّتَيۡنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمۡ يَذَّكَّرُونَ﴾.

تنوع المصائب كمًّا ونوعًا تحذير إضافي على تحذير المصائب نفسها: ﴿وَمَا نُرِيهِم مِّنۡ ءَايَةٍ إِلَّا هِيَ أَكۡبَرُ مِنۡ أُخۡتِهَاۖ وَأَخَذۡنَٰهُم بِٱلۡعَذَابِ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ﴾.

استحكام داء الغفلة يحول بين القلوب وبين اتعاظها بالآيات والعِبَر مهما عَظُمت: ﴿وَلَوۡ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَابٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعۡرُجُونَ‏۝ لَقَالُوٓاْ إِنَّمَا سُكِّرَتۡ أَبۡصَٰرُنَا بَلۡ نَحۡنُ قَوۡمٞ مَّسۡحُورُونَ﴾، القلبُ الغافل يقبل أن يُفسِّر الأحداث العِظام بكل تفسير مهما بَعُد إلا أن يقوده ذلك للخوف من الجليل والاستعداد ليوم الرحيل: ﴿قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَا تُغۡنِي ٱلۡأٓيَٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ‏۝ فَهَلۡ يَنتَظِرُونَ إِلَّا مِثۡلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِهِمۡۚ قُلۡ فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ﴾.

الغفلة أخطر أدواء النفس الإنسانية، تصيب الأفراد كما تصيب المجتمعات، وأخطر الغفلة؛ الغفلة التي لا يدري صاحبها أنه غافل، الغفلة التي يفسرها الغافل وعيًّا وعلمًا وتجاوزًا للتفسيرات السائدة: ﴿أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَانُوٓاْ أَكۡثَرَ مِنۡهُمۡ وَأَشَدَّ قُوَّةٗ وَءَاثَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ ‏۝ فَلَمَّا جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ ‏۝ فَلَمَّا رَأَوۡاْ بَأۡسَنَا قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥ وَكَفَرۡنَا بِمَا كُنَّا بِهِۦ مُشۡرِكِينَ ‏۝ فَلَمۡ يَكُ يَنفَعُهُمۡ إِيمَٰنُهُمۡ لَمَّا رَأَوۡاْ بَأۡسَنَاۖ سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدۡ خَلَتۡ فِي عِبَادِهِۦۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلۡكَٰفِرُونَ﴾.

نعوذ بالله من غفلة لا يوقظ منها إلا قوارع المصائب: ﴿أَفَأَمِنَ أَهۡلُ ٱلۡقُرَىٰٓ أَن يَأۡتِيَهُم بَأۡسُنَا بَيَٰتٗا وَهُمۡ نَآئِمُونَ‏۝ أَوَ أَمِنَ أَهۡلُ ٱلۡقُرَىٰٓ أَن يَأۡتِيَهُم بَأۡسُنَا ضُحٗى وَهُمۡ يَلۡعَبُونَ‏۝ أَفَأَمِنُواْ مَكۡرَ ٱللَّهِۚ فَلَا يَأۡمَنُ مَكۡرَ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ‏۝ أَوَ لَمۡ يَهۡدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِ أَهۡلِهَآ أَن لَّوۡ نَشَآءُ أَصَبۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡۚ وَنَطۡبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ‏۝ تِلۡكَ ٱلۡقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآئِهَاۚ وَلَقَدۡ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبۡلُۚ كَذَٰلِكَ يَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلۡكَٰفِرِينَ‏۝ وَمَا وَجَدۡنَا لِأَكۡثَرِهِم مِّنۡ عَهۡدٖۖ وَإِن وَجَدۡنَآ أَكۡثَرَهُمۡ لَفَٰسِقِينَ﴾.

•

إشراك الأبناء في أعمال الآباء من هدي الأنبياء..

« وإذ يرفع إبراهيمُ القواعد من البيت وإسماعيلُ »
ٰ

امتحان الأمة

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
« مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر».

أوصي الشباب في العشرين والثلاثين ألا يشتغلوا بالردود والنقود وألا ينشغلوا بها.
سن الشباب أثمن من ذلك.
والبناء والتأصيل والطلب، هذا هو وقتها..
احفظ وراجع وتعلّم على الأشياخ وكرر المسائل ولخّص الكتب حتى يصلب عودك ويستقيم عقلك.
لأن الردود والنقد يحتاجان إلى خبرة الزمن مع المادة العلمية.
والذين اشتغلوا وانشغلوا بالردود مبكراً فاتهم البناء الصحيح واقتحموا الأهوال، حتى صار الكبار يشفقون عليهم مما هم فيه.ٰ
ٰ

ابن تيمية:
"وهذا سبب ظهور البدع في كل أمة: وهو خفاء سنن المرسلين فيهم".

الاهتمام بتعليم الناس أمور الدين وتربيتهم عليه مفتاح لأبواب الخير، مغلاق لأبواب الشر.

القارئ الكَشْخة

"الكشخة" لفظة تطلق هنا على الشخص المتزين في ملبسه المعتني بها المتفنن فيها، فيقال: فلان كشخة إذا تزين وتجمّل في ملبسه وهيئته.

في الآونة الأخيرة تسرب التزين بالقراءة في أوساط شبابية، وأصبحت القراءة رمزاً تعريفياً، فربما يقرأ الإنسان لا بغرض المعرفة وإنما بغرض إيجاد تعريف لنفسه من خلال القراءة والكتاب، وربما قرأ آخر يريد المعرفة لكنه أيضاً يحب أن يعرّفه الآخرون بكونه قارئاً.

وأذكر أني كنت في مجلس كريم مع بعض الأحبة، وكان الحديث عن تغوّل الحداثة في شؤون حياتنا وتفاصيلها، وكنا نرسل الحديث عفواً، ولمست قدرة البعض على استحضار نصوص مهمة للطنطاوي وللمسيري ولأحمد أمين، وأعجبني ذلك.
لكن كان في هذا المجلس إشكال غريب، وهو أنه لم يكن مجلساً عربياً لا في شكله ولا مضمونه ولا طريقة الضيافة فيه.

ويحدثني صاحبي عن مشكلة مفادها أن أحد أبرز الذين يكتبون ويطرحون رؤاهم في "قروب الواتساب" عاق لا يصلي مع المسلمين، وأنهم في "القروب" بالعشرات، ويتناولون أطروحاته بجديه!

والحدث رغم بساطته إلا أنه يحمل دلالات مهمة. استغربت ضعف تأثير القراءة والمعرفة على صناعة الوجدان، وانفصال العقل عن السلوك!
كيف نتشعب في الحديث عن شيء نعرف تفاصيله لكننا لا نؤمن به على الحقيقة؟

ثم حدثني باحث اجتماعي عن هذه المشكلة وأفادني بأن من إفرازات المدنية المعاصرة بروز تعريف الذات برمز تعريفي، وربما كان هذا الرمز عبارة عن مقتنيات مادية؛ مثلاً قطعة أثرية نادرة، أو سيارة فارهة، أو ساعة فخمة أو قلم باهض الثمن، ونحو ذلك، وتتنوع المقتنيات حسب إبداع الشخص الذي يريد إصدار هوية مميزة لنفسه. وتعد القراءة اليوم -والكلام له- رمزاً تعريفياً عند البعض، لا أكثر.

يقول: وتجد هذا في المدن أكثر من القرى والضواحي، وهو في المدن الكبرى أكثر وأظهر. وذكر بعض من تكلموا عن هذه الظاهرة من علماء الاجتماع (لا أذكرهم). وهذا من إفرازات المدنية المعاصرة التي قامت على الأسس الرأسمالية.

فليحذر الشباب من تحول القراءة لديهم من "واجب معرفي" إلى "كشخة" يتزينون بها في الواقع أو في العالم الافتراضي ثم لا يكون لها نصيب في وجدانهم.

قال تعالى: ﴿لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما﴾ [النساء: ١١٤].

العلامة السعدي رحمه الله:
أيْ لا خير في كثير مما يتناجى به الناس ويتخاطبون، وإذا لم يكن فيه خير، فإما لا فائدة فيه كفضول الكلام المباح، وإما شر ومضرة محضة كالكلام المحرم بجميع أنواعه.

ثم استثنى تعالى فقال: ﴿إلا من أمر بصدقة﴾ من مال أو علم أو أيّ نفع كان. بل لعله يدخل فيه العبادات القاصرة كالتسبيح والتحميد ونحوه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، …" الحديث.

﴿أو معروف﴾ وهو الإحسان والطاعة وكل ما عُرف في الشرع والعقل حسنه. وإذا أُطلق الأمر بالمعروف من غير أنْ يقرن بالنهي عن المنكر دخل فيه النهي عن المنكر، وذلك لأن ترك المنهيات من المعروف، وأيضا لا يتم فعل الخير إلا بترك الشر، وأما عند الاقتران فيفسر المعروف بفعل المأمور، والمنكر بترك المنهي.

﴿أو إصلاح بين الناس﴾ والإصلاح لا يكون إلا بين متنازعين متخاصمين.
والنزاع والخصام والتغاضب يوجب من الشر والفرقة ما لا يمكن حصره، فلذلك حث الشارع على الإصلاح بين الناس في الدماء والأموال والأعراض.

والساعي في الإصلاح بين الناس أفضل من القانت بالصلاة والصيام والصدقة، والمصلح لا بد أن يصلح الله سعيه وعمله.

فهذه الأشياء حيثما فعلت فهي خير، كما دل على ذلك الاستثناء.