القناة الرسمية والموثقة لـ أخبار وزارة التربية العراقية.
أخبار حصرية كل مايخص وزارة التربية العراقية.
تابع جديدنا لمشاهدة احدث الاخبار.
سيتم نقل احدث الاخبار العاجلة.
رابط مشاركة القناة :
https://t.me/DX_75
Last updated 1 year, 3 months ago
القناة الرسمية لشبكة ملازمنا كل مايحتاجه الطالب.
((ملاحظة : لايوجد لدينا اي حساب تواصل على تلكرام ولا نقوم بنشر اعلانات في القناة))
Last updated 4 days, 21 hours ago
تزخر لحظة (موت النبي ﷺ) بملامح سيكولوجية دقيقة، ادّعي أنها لم تحظَ بتحليلها النفسانيّ العميق من حيث أثرها على تصوّرات الأمّة تجاه أنفسهم وتاريخهم والآخرين.
إنّ أدنى قراءة لتاريخ الأمم والملوك، تجعلك مُتأهّبًا حسّاسًا لصورة "الموت الطبيعي" للساسّة والملوك والقادة والأنبياء، لأنّهم مستهدفون مُهدّدون يُزاحمون قوى أخرى بطبيعة الحال.
كان الرسول ﷺ، يملك أهم مشروع أُمَمي صاعد في المنطقة وكانت خطورة المشروع الجديد بالنسبة للحضارات القائمة واضحة بل ولها نبوءاتها القديمة.
وأنجز الرسول ﷺ مهمّة تثبيت الأمّة وسط تزاحم إمبراطوري شديد في محيط الجزيرة، وفي بيئة صعبة يملؤها فِتَن النفاق وكيد الأقلّيات وبُؤس البداوة داخل الجزيرة.
وبالرغم من هذا كلّه، لم يمت الرسول ﷺ مقتولًا ولا مغدورًا، كما لم يمت قبل اكتمال مشروعه، فلم يتركنا حيارى ولم يترك الدّين مبتورًا منقوصًا.
درّب أبو القاسم ﷺ صحابته على الاجتهاد، وألزمهم ممارسة الفقه، وكلّفهم قيادة السرايا، وعلّمهم الحكمة وتدبير شؤون أقوامهم، واحتساب الأموال وتقدير الزكاة، وعدم الغشّ والحرص في مراقبة الأشهر والأيام.
وأرسى منظومة الأسرة وعلاقة الزوج بزوجه وبابنته وأبيه وأمّه وأخوته، أخبركَ أن تطرق الباب على جارك ثلاثًا، أن تستأذن قبل الدخول، وأن تمشي في حاجة صديقك عنده أبلغ من أن تعتكف معتزلًا في محرابك.
اكتملت الدعوة بأركانها، وأنزلت آية التمام (اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام دينًا) وقالت اليهود: لو أُنزلت علينا آية مثلها، لاتخذنا يوم نزولها عيدًا.
وشاهد الرسول ﷺ أمّته وهي تُصلّي دونه، خلف أبي بكر في لحظة سكينة اطمأنّ بها لانتقال المشروع من بعده، يرى أمّته يصلّون بنفس الطريقة التي علّمهم إيّاها وانشرح وهو يُسلّمهم handover إدارة الأمّة من بعده.
لكن ما الاسثنائي هنا؟
إذا نظرت لمعظم الأديان والطوائف القائمة في العالم، فإن علاقة المتدّينين بأديانهم غالبًا ما تتأسس على (الشعور بالذنب) Guilt تمامًا كما في التصور المسيحي والتصور الشيعي لعلاقة الفرد بإمامه ورسوله.
حين تأخذ جولة في كنائس أوروبا والمشرق، فستغرق ذهنيًا وشعوريًا بكلّ تلك اللوحات والفنون المُعبّرة عن لحظة الخذلان والمعاناة وحالة المظلومية والاضطهاد والشعور المُزمن بـ (عدم الاكتمال) للحظة تاريخية ماضية لم تسر بالاتجاه الصحيح.
هذه التعبيرات الفنية من المظلومية والدماء ولوم الذات وإثارة الشعور بالذنب في الدّين المسيحي لا تفترق عنها في شيء حالة المظلومية في المشروع الشيعي وعدد آخر من الأديان.
خلافًا لذلك كان موت الرسول ﷺ لحظة مكتملة، موت هادئ، تدريجي، موت يُحيطه الهيبة والسلام Peaceful وهذا يعني أن الرسول لم يترك أمته في حالة غضب وعجز وشعور بالذنب حيال نبيهم.
كان موت النبي حتميًا لكنّ صورته كانت طبيعية أكثر مما ينبغي، وهذا هو الفرق بين أن تترك وراءك (أمّة متصالحة مع العالم والوجود) وبين أن تترك وراءك "طائفة Cult" تحرّكها عناقيد الغضب والحقد تشعر بذنب الخذلان.
كان الصحابة نِعمَ الرجال نصروا رسولهم ووقّروه وكان أحبّ إليهم من أنفسهم وولدهم بالقول والفعل.
من هنا كانت علاقة المسلمين برسولهم آمنة Secure فنسبة أفراد الأمة إلى الرسول الكريم نسبة فخر واعتزاز وامتنان ولم تكن علاقة مأزومة يشوبها التوجّس والريبة بفعل التقصير والعجز وجلد الذات والحطّ منها.
هذا البُعد تحديدًا هو ما سيفتح لاحقًا ممكنات "العالَمية" بالنسبة للإسلام خلافًا للمشاريع الأخرى التي تملك حدودًا نظرية لقابليتها للتوسع والاستقرار والتي تسعى لاستذناب أشخاص جُدد غير مُذنبين بالأساس.
صُمّم الإسلام كي يكون مشروعًا أمّميًا مُستقرًّا حتّى في (أوقات الاستقرار وأزمنة الرخاء) مُستقلًّا بذاته، لا يحتاج عدوًّا كي يُبرّر وجوده.
خلافًا لكثير من الحركات الدينية، لم يُصمّم الإسلام كي يكون مشروعًا (انتقاميًا) يعجز عن التواجد إلا في حالة عُصابية مستمرة لتخليق العدو وممارسة الإسقاط النفسي projection عبر جلب لحظة تاريخية ماضوية وإسقاطها على الآخر ومن ثمّ محاربته وعدائه.
الملمح السيكولوجيّ الثاني المهم لـ (موت النبي)، والذي سأجيء عليه بالتفصيل في منشور آخر، فهو أنّ الإسلام قد يكون الدّين الوحيد الذي اعترف بأهلية العقل البشري عبر ختم النبوة. إذ وضع اعتبارًا لكفاءة الأتباع بغياب نبيّهم، وكأنّه يقول:
تملكون بين يديكم من المبادئ والقيم، ما يكفيكم حتى تُقام الساعة. وعالَمٌ فيه المسلمون يُقيمون الحقّ وينكرون الباطل، عالَمٌ لن يحتاج لنبيٍ آخر.
هكذا في لحظة واحدة انقطع خبر السماء، وانبعثت الأمّة واعترفت السماء بالعقل المسلم المُسدّد بالوحي كي يكون أمينًا على الناس والحق وناصرًا للمظلومين والضعفاء إلى يوم الدين.
فصلِّ الّلهم على سيدنا محمّد بن عبدالله، سيّد العُرب والعجم مُعلّم الناس الخير وآله وصحبه وسلّم
من تمام الإيمان وشهود أسماء الله في كونه وأقداره، أن يشهد المُؤمن ألطاف الله ليس فيما يحصل فحسب، وإنّما أن يلتقط ألطافه فيما لا يحصل وكان بإمكانه أن يحصل أيضًا، ولكنّ الله كفاه (الكافي) وجنّبه أمورًا لم يعلم عنها شيئًا.
يُنبّهنا القرآن لهذا الملمح الإيماني في سورة الكهف كي لا يقع المؤمن فريسة فخّ الاستحقاق المُتوهّم لنجاحاته.
فصاحب الجنّتين حين اغترّ بما لديه من ثراء وسعة وبركة في جنّاته، يأتي القرآن على لسان صاحبه المؤمن، كي يُنبهنا للمُمكنات الإحصائية الأخرى لحاله الذي عليه:
إنّه يقول له من الصحيح أنّك اليوم تملك هاتين الجنّتين العامرتين بثمارها وخيراتها..
لكن، كل هذه الأحوال السليمة مُعرّضة لمصائب لا يُمكن السيطرة عليها، كأن يصبها حُسبانًا (عذابًا) من السماء، وحينها لن تكون هذه الأرض غير قابلة للزراعة فحسب، بل عندها لن تكون قابلة لأن يطأها إنسان أساسًا أو أن يمشي عليها أحدٌ بقدميه (صعيدًا زلقًا).
احتمال إحصائي آخر، كان بإمكان الماء الذي يُحيط اليوم بجناتك، أن تبتلعه الأرض وأن يضيع مُشتّتًا في أجوافها وحين سيستحيل عليك إخراجه أو استخراجه أو الاستفادة منه أنت وجناتك كلّها.
هذا مَشهَد مُتكرّر في حياة الناس اليومية، خاصّة مع "لسعة" الأدمغة والأذهان التي تسبّبت بها علوم الإدارة وكُتيبات النجاح المعنونة بـ (كيف تصير ثريًا؟) و (كيف تُصبِح ناجحًا؟) وهذا الوهم المغلوط -إحصائيًا كما تشير الدراسات- من أنّ "النجاح" حتمي لمن يتّبع مجموعة خطوات محدّدة سيقولها لك خبير النجاح في كتابه.
هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى، انتشار كلّ هذه الخطابات المأزومة التي تُغذّي هذه الهواجس اللاواعية للبشر ورغبة الإنسان اليوم لتأليه نفسه Deification، وجعل نفسه إلهًا يظنّ أنّه بتدخلاته يُمكنه أن يُحيّد جميع المتغيرات، أن يصرف عن نفسه الأذى وأن يجلب لنفسه الخير عبر خطوات حتمية.
والوجه الآخر لهذه الرغبة العُصابية لتأليه الذات: سعي الإنسان النّاجح لتعميم تجربته على الآخرين وكأنّ وصوله لما هو عليه إنّما هُو نتيجة طبيعية لعقله وتدبيره واجتهاده (إنّما أوتيته على علمٍ عندي).
تُسمّى هذه الظاهرة بـ "الغطرسة المعرفية" Epistemic Arrogance كما يصطلح عليها نسيم طالب المُختص بالإحصاء الرياضي، وهذه الغطرسة تعبير عن مبالغة البشر بقدراتهم على التنبّؤ بالأشياء التي ستحصل، بسبب ثقتهم المُفرطة بالمعرفة التي لديهم (التي هي في الغالب ضئيلة ومحدودة جدًّا إذا ما قيست بعدد المتغيرات الإحصائية التي تتحكّم بالظاهرة).
ومن الدراسات الشهيرة التي تقصّت ظاهرة (الغطرسة المعرفية) ما أجراه باحثان من جامعة هارفارد طلبوا فيها من المشاركين الإجابة على أسئلة مُحدّدة عن طريق اختيار مدى رقمي لإجاباتهم ما يُعطي مرونة وأريحية بالإجابات (مثال: "كم عدد أشجار الخشب الأحمر في متنزّه الخشب الأحمر بكاليفورنيا؟" والإجابة تكون: "أنا متأكد بنسبة 98٪ أن هناك عدد بين (س) و (ص) من الأشجار").
اكتشف الباحثون أن المشاركين، على الرغم من تأكّدهم بنسبة 98٪ من إجاباتهم، كانوا مخطئين في 45٪ من الأحيان! ومن المفارقات الطريفة أنّ المشاركين بالدراسة كانوا من حملة ماجستير إدارة الأعمال MBA من هارفارد.
بمعنى آخر، اختار المشاركون مدى ضيّق للإجابات، فأخطؤوا. كان بإمكانهم أن يزيدوا المدى كي يشمل الأرقام الصحيحة، لكنّهم وقعوا في فخّ (الغطرسة المعرفية) حين بالغوا في تقدير قدرتهم على التخمين والتنبّؤ، ولو اختاروا مدىً أوسع -معترفین بجهلهم- لحقّقوا نتائج أفضل بكثير.
من المهم أن ندرك أنّ ما تشير له الدراسة هنا، هو التفاوت الكبير بين ما نعرفه وما نظنّ أنّنا نعرفه. نحن متغطرسون لأنّنا نعتقد أنّنا نعرف أكثر مما نعرفه حقًا.
تذكّرنا هذه الدراسات بالأية الكريمة في سورة الزمر عن غطرسة الإنسان وشعوره بالاستحقاق:
**ثُمّ إذا خوّلناه نعمةً منّا.. قال إنّما أوتيته على علم
بل هي فتنة.. ولكنّ أكثرهم لا يعلمون**
الواقع بحسب المنطق الإحصائي المُعقّد:
مُقابل كُل شخص ناجح يُحدّثك عن نجاحه على الشاشات، ثمّة 99 شخص آخر يأكلون السردين على العشاء، كانوا قد اتّبعوا نفس الخطوات لكنّهم فشلوا تمامًا وخسروا كلّ ما لديهم.
يُعيدنا هذا المثال إلى علم النفس الإدراكي والانحياز النفسي الشهير المُسمّى "انحياز النجاة" Survivorship bias إنّ قصص النجاح تُلغي الوعي الإحصائي بأولئك الذين لم يتمكّنوا من النجاة وهُم كُثر، كما تُلغي دور التوفيق الإلهي وعناصر أخرى مثل التوقيت المناسب وتهيّؤ الظروف وهي أمور خارجة عن السيطرة تلعب الدور الأكبر في تحقيق النجاح.
كما يُذكّرنا هذا بمفهوم (المكتبة المُضادة) Antilibrary لدى أمبرتو إيكو، فالأهم من الكُتب التي قرأتها: الكُتب التي لم تقرأها، والكتب التي تعي أنّك لا تعلم عنها شيئًا.
إنّ وَعيك بحدود معرفتك وإدراكك لجهلك هو ما يجعلك إنسان واعي حقًّا وليس العكس.
في كتابه "المجتمع المفتوح وأعداؤه" يلتقط الفيلسوف النمساوي الشهير كارل بوبر، مفارقة فلسفية وعملية مهمة يُسمّيها:
مُفارقة التسامح Paradox of tolerance
بحسب بوبر، فإن التسامح غير المشروط مع جميع الأفكار والآراء لا بد وأن يُفضي تلقائيًا إلى اختفاء التسامح، أي أنّ أعتى الأنظمة العالمية تسامحًا لا بد وفي نهاية المطاف أن تُطالب بحقّها في "عدم التسامح" مع مَن هُم "ضد التسامح".
ما يستشكله بوبر على المجتمعات التي تدّعي القيم الليبرالية المطلقة والانفتاح غير المشروط مع الآخرين، هو أنّ "التسامح والتعدّدية" كفكرة مُقدّسة أو كقيمة أخلاقية مُطلقة بحدّ ذاتها، هي قيمة مأزومة بُنيَويًا وساقطة عمليًا، لأنّه ومن أجل حماية هذه القيمة، لا بد على المجتمع الليبرالي أن يُمارس قدرًا من اللاتسامح مع أولئك الذين لا يتسامحون مع فكرة التسامح.
في النُكتة التي يرويها سلافوي جيجك، حول المساواة المُزيفة والمَيل العُصابي للمِزاج الرأسمالي للعالم نحو خلق فروقات طبقية وعنصرية داخل حتّى أكثر الأنظمة أخلاقية، يروي:
في يوم السبت وفي أحد المعابد اليهودية (كنيس)..
يأتي الحاخام ويقول: إلهي! من أنا لأقف بين يديك، أنتَ العظيم وأنا نكرة لا شيء!
ثمّ يأتي رجلٌ غنيّ من أغنياء اليهود، ويقول: إلهي! من أنا؟ أنا نكرة تقف أمام عظمتك وجلالك وهيبتك!
ثُمّ يأتي رجلٌ فقير من فقراء اليهود، ويقول: يا رب! من أنا أمام عظمتك وجبروتك؟ أنا لا شيء!
وحين يسمع الرجلُ الغنيّ، الرجلَ الفقير يدعو ربّه بهذه الكلمات، يقوم بوكز الحاخام ويقول ساخطًا: هذا الفقير، مَن يظنّ نفسه.. كي يدعو الله مثلي ومثلك؟ كيف يجرؤ أن يقول للربّ كلامًا نقوله أنا وأنت وكأنّه مثلنا؟
تخبرنا النكتة أنّ بعض الحضارات وبعض النفوس كذلك، لا تستطيع أن تفهم نفسها إلّا من خلال "دونية الآخر" أو التواجد في أوساط يكون فيها الآخر أقلّ درجة أو أكثر فقرًا.
إنّ التواضع والتذلّل أمام الله الذي مارسه الرجل الغنيّ برفقة الحاخام، ليس إلّا أداء تمثيلي ومسرحي لإشباع الذات (يا لي من متواضع! رغم ثرائي الفاحش) ومُجرد طريقة أخرى لتأكيد المكانة الاجتماعية المُتفوّقة للأغنياء "المُتواضعين"
مَن يقف في أعلى التسلسل الهرمي الاجتماعي أو الحضاري، هو وحده من يُسمح له بإظهار التواضع والتسامح مع "الآخرين" الأقل مكانةً والأقل حضارةً، وحين تُقلَب الآية، سيشعر "مدّعو الحضارة" بالإهانة والإذلال.
يعكس حفل افتتاح الأولمبياد في باريس، أنّ المشروع الّليبرالي لم يعد مشروعًا لاحتواء "الآخر" وإنّما مشروع لإهانته ومعاداته. فالآخر لكي يكون آخرًا لا بُد أن يكون على مقاسنا، مُلوّن البشرة، أو مُعادي للأديان، أو متحوّل جنسيًا، أمّا "الآخر" كما يُريد أن يكون، بمشروعه الحضاريّ، وأصالته، وتقاليده وقيمه، فهذا غير مسموح!
تُشير دراسات الاستشراق وتفكيك الاستعمار، إلى أنّ الغرب انتقل في تعاطيه مع الحضارات الأخرى وشعوبها قد تنقّل في أربعة مستويات:
مرحلة (1): المجتمعات الأخرى بربرية وهمج، غير حضارية، تحتاج إلى تمدين وبنى تحتية (عبر الاستعمار)
مرحلة (2): المجتمعات الأخرى لُغز مثير، بحاجة لاستكشاف (التخييل الجنسي للمجتمعات الأخرى: ألف ليلة وليلة)
مرحلة (3): الحضارات الأخرى سلطوية متخلفة، بحاجة إلى المشروع الديمقراطي (أهداف التنمية المُستدامة)
مرحلة (4): المجتمعات الأخرى جاهلة، النساء مقهورات وكائنات طفولية تحتاج للتعليم والعمل (مشاريع المنظمات الدولية)
"الآخر" بالنسبة للغرب مشكلة دائمًا، إنه تذكير بعُقَده النفسية، وحدود مشروعه "الأخلاقي" لريادة العالم، ومن الواضح أن المرحلة الخامسة التي يتّجه نحوها الغرب هي "إقصاء الآخر" كمحاولة تسوية أخيرة قبل تعدّد الأقطاب.
وقد اشتهرت مقولة سارتر في مسرحيته: "الآخر هو الجحيم" قاصدًا بذلك عبء العلاقات الإنسانية ونظرات الآخرين تجاه الذات وإطلاق الأحكام على الفرد، وسعى المشروع التنويري للغرب للتحرّر من إطلاق الأحكام التقليدية، وتوفير مساحة آمنة "للذات" عبر الفردانية، يصير فيها الإنسان ما يريد دون أن يتمّ الحكم عليه being judged.
لكن هذا الهاجس من عدم إطلاق الأحكام على الآخرين، نجم عنه أكبر مشروع إطلاق أحكام judgmental في التاريخ، فصار الغربيون اليوم أكثر جماعة بشرية تَصِم الآخرين بوصمات التخلّف والإرهاب والانغلاق وأكثرها حساسية تجاه "الآخر" المخالف!
الفيلسوف الألماني-الكوري بيونغ تشول هان، يصطلح على هذه الظاهرة اسم:
"إقصاء الآخر" أو طرده Expulsion of the Other
إنّ شدّة التركيز على "قبول الآخر" هي في الحقيقة توجّس عميق ممّا يُمكن أن يكونه الآخر، وأنّ النتيجة الحقيقية لهاجس التعدّدية هو (شيوع التشابه)
إنّها محاولة لتوحيد الآخرين، كي يكونوا آخرين ضمن الخيارات المُتاحة (متحوّل جنسيًا، أقلّية، إنسان يُعرّف نفسه بوصفه كلب أو أريكة..) إنّها تقليل للآخرية وللغَيرية، كي يكون الآخر متوقّعًا ومنزوعًا من أي مشروع حضاري بديل.
**تعلّموا اليقين.. فإنّي أتعلّمه
عن كمّية التعقيد السيكولوجيّ في سلوك المُقاومين**
أعيد بكامل وجداني المشهد مرارًا وتكرارًا، تختلط فيّ مشاعر الدهشة والفخر وآلام الراحلين
واعتقد أنّها المرّة الأولى التي أشاهد فيها مقطعًا أكثر من مائة مرّة، جولات عدّة..
جولة لعقلي: بحثًا عن لغة شارحة لهذه العظمة
جولة لعيناي: إجلالًا لهيبة الإرادة الحرّة
جَولة لقلبي: كي يتعلّم شيئًا من اليقين الذي يعرفه الشهداء
لستُ هنا في جراحة تجميلية لدماء الشهداء، ولا في مَهمّة لتقديس الفعل المُقاوِم، فالشهادة فعلٌ مُكتفٍ بذاته
لكنّ التفاصيل يا سادة! التفاصيل.. تنتمي لعوالم إلهية، لا نعرف عنها شيئًا
المُقاوِم الأوّل | أن تُقتَل وقوفًا بين زخّات الرصّاص
المشهد الأوّل: عقب إصابته، فورًا، قبل أن يستوعب آلامه، دون حتّى أن يُكلّف نفسه عناء النظر إلى تفاصيل إصابته
المشهد الثاني: يُسارع المقاوم الأوّل للوقوف كالجبل الشامخ.. كان بإمكانه أن يزحف، وهذا أليَق بإصابته، لكنّه اختار الوقوف
المشهد الثالث: يأتينا الدرس التالي من علم المُتّجهات الهندسية، عن الفرق بين الكمّية القياسية Scalar وبين الكمّية المُتّجهة Vector
يندفع المقاوم نحو نقطة الاشتباك، المقاوم هُنا له زخمه الخاصّ واتّجاهه المُحدّد مُسبقًا، وليس زخمًا بلا اتّجاه
المشهد الرابع: من المهمّ جدًّا يا سادة أن ننتبه لتفاصيل اتّكائة المقاوم بوضعية التصويب، إنّه لم يأتِ للموت ولا بحثًا عن خلاص لآلامه
هذا المقاتل لم يعاود الاشتباك كي يُخلّص حياته، وإنّما اتّخذ وضعية التصويب، إنّه يبحث عن أهداف
إنّها وضعية هجومية يعرفها خبراء العسكرية بوضعية الاتّكاء والتمترس Barricade Position
المُقاوم هُنا كيان مُفترِس، جسد منفصل عن آلامه، المُقاوِم يُطارد أعداءه حتّى الرمق الأخير
إنّه الإصرار على (الإقبال) بالمفهوم القرآني العميق، إنّها براءة الذات من أيّ احتمال أو اشتباه للتلطّخ بوحل (الإدبار)
المُقاومِ الثاني | ضد الطبيعي والمألوف والمُتوقّع
برأيي الشخصيّ، المُقاوم الثاني لا يقلّ تعقيدًا عن المُقاوِم الأوّل، لأنّه يُصرّ على العودة لنقطة الاشتباك في أوج استهدافها
يُعطينا المقاوِم الثاني درسًا للتفريق بين (الإنسان القادر) و(الإنسان الحرّ)، عن الفرق بين (القدرة) و(الإرادة) وشروحات كثيرة هنا، لا يتّسع المقام لذكرها
أن تكونَ قادرًا لا يعني أن تكونَ حرًّا، وأن تكونَ حرًّا يعني أنّك حرقت قواميس القدرة وراءك
كان المقاوم الثاني يملك خيارات عدّة لإعادة التموضع، للبزوغ من نقطة اشتباك جديدة، لكنّه لم يُرِد أن يخذل أخاه
أراد استكمال المَسير، أراد التأكيد على إرادة أخيه من قبل، أصرّ على إعادة الاشتباك من نفس النقطة
كي يعلَم العدوّ، أنّه إنّما يُسقط الأجساد لا الإرادة، الإرادة واحدة، الأجساد تتعدّد
إنّه درس في العزّة والأنفة والشجاعة، درس في الإيمان الذي يصدّقه العَمَل
إنّه الدرس الأكبر الذي قال عنه شَريعتي ذات مرّة:
**يأتي الشهيد كي يُعلّم النّاس أنّ: "الشهادة" ليست "خسارة" ولكنّها "اختيار"
اختيار المُجاهد للتضحيّة على أعتاب محراب الحرية ومعبد الحب، إنّه اختيار النصر!**
يُميّز الفيلسوف إيفان إيليتش بين (العيش بأمل) و (العيش بتوقّعات)
مشكلة الحداثة والعيش في الأزمنة الحالية بحسب إيليتش هي أنّها استبدلت الأمل بالتوقّع، وبات الناس يختبرون حياتهم اليومية من منظور التوقّعات الفقير الذي أزاحَ منظور الآمال الفسيح
Expectation has come to replace hope in contemporary modern cultures
ينسى النّاس اليوم ما الذي يعنيه (الأمل) وما الذي نخسره حين ننسى أن نعيش بأمل!
الفرق بين (الأمل) و(التوقّع) هو أنّ:
الأمل يُحرّرنا والتوقّع يستنزفنا
الأمل هادئ
والتوقّع شديد الإلحاح
الأمل يدفعك للاطمئنان
أمّا التوقّع فيحرقك من شدّة التأهّب
الأمل تحقّق المأمول.. ولو بعد حين!
التوقّع ساخط.. حين يتأخّر المطلوب!
---------------
الأمل مُنفتح على عالَم يزخر بالاحتمالات، غير واضح المعالَم، وهذا ما يُحرّرنا لأنّنا لا نعرف ما الذي ننتظره، لكنّنا نؤمن أنّه سيجيء على أيّة حال.
أمّا التوقّعات فإنّها لئيمة مُلِحّة وقاسية لأنّها مُحدّدة مُسبقًا ومرسومة بالتفصيل.
الأمل ضيف مُرحّب به مُسبقًا، أنّى كانت هيئته..
التوقّع، اعتماديّ وتثبيطي.. يمنعك من الحركة والتصرّف قبل أن تتحقّق التوقّعات
الأمل حبّ ناضج للأيّام التي ستجيء، لا يضع شروطًا للكيفية التي ينبغي أن يكون عليها التحرير أو التغيير!
أمّا التوقّع فصبيانيّ، يرتهن لرغبات النفس وضيق العقل وتطرّف الفكرة.
---------------
الأمل إيمان.. وقوده الصبر
ومَن لم يُنجِه الصبر.. أهلكه الجَزَع
وقد قال الحكيم العليم في كتابه العظيم:
"ولا تَيأسوا من رَوحِ الله إنّه لا يَيَأس من رّوح الله إلّا القوم الكافرون"
---------------
**علامة الكُفر: الضجر!
والمرءُ لا تهزمه الخسارات وإنّما فقدان الأمل
وما زال الإنسان بخيرٍ: ما ساءه كلّ ظُلم.. وما استوقفه كلّ جَمَال**
كلّما حاولت أن تظهر بطريقة عفوية أثناء التقاط الصورة، كلّما ظهر التكلّف المبذول كي تبدو عفويًا!
ألدوس هكسلي، الكاتب الإنجليزي أشار ذات مرّة في كتابه "بوابات الإدراك" إلى ظاهرة بشرية وإدراكية مثيرة للاهتمام، سمّاها:
قانون الجُهد المعكوس
Law of Reversed Effort
يلتفت القانون إلى الأثر العكسي الذي يحصل كلّما حاولنا تحقيق شيء ما، بطريقة مبالغ فيها
حين نتكلّف ونُفرِط بشكل هاجسي ومأزوم لتحقيق شيء ما، فإنّنا غالبًا سنخسره أو سنحصل على نقيضه تمامًا!
على مستوى علم النفس، ثمّة تطبيقات عديدة لهذا التأثير المعكوس:
أفضل طريقة كي تنام، هي أن تفكّر في شيء آخر غير النّوم
كُلّما فكّرت أكثر بأنّني (ينبغي أن أنام) كلّما اشتدّ الأرق وامتنع النوم!
نلاحظ أيضًا على المستوى التربوي أنّ الآباء المهجوسون كثيرًا بتربية أبنائهم وتصويب سلوكياتهم بطريقة عُصابية وشديدة، هُم أكثر الأبناء إفسادًا لأبنائهم وشخصياتهم!
الأزواج الذين يحاولون السيطرة على العلاقة الزوجية وتفاصيلها بطريقة جنونية، من باب حمايتها والحرص عليها، هُم أكثر الأزواج الذين تنتهي علاقتهم بالانفصال من شدّة محاولات التحكّم والسيطرة!
هذا لا يعني أن نصير مُستهترين أو غير مُبالين بتربية أبنائنا أو إنقاذ زواجنا، ولكنّه يعني أن نمارس قدرًا (مَعقولًا) من التدّخلات الكافية، دون أن نتحوّل لإلهة تحاول السيطرة على جميع التفاصيل.
هذا يعني أيضًا أن نترك مساحة لفنّ التخلّي، التغافل، التسامح، وغض الطرف عن الأخطاء البسيطة والصغيرة والتي لا تتسبّب بأضرار كارثية
بهذا المعنى، نحنُ نترك مساحة للتوكّل والتسليم، ومساحة أخرى كي يكون الآخرون من حولنا: بشر! أن يكونوا واقعيين وليسوا مثاليين كما نتمنّاهم في أذهاننا!
بحسب التحليل النفسي، تُسمّى الحالة التي يكون فيها الشخص كثير الانتقاد للآخرين والذي يحاول بشكلٍ مُفرِط التحكّم بالآخرين وتصرّفاتهم بـ:
عُقدة الإله God Complex
غالبًا ما يتسبّب المُصابون بعُقدة الإله، بتدمير الأشخاص والعلاقات من حولهم وتدمير أنفسهم لأنّهم يرفعون أنفسهم مقام الألوهية وينسون حدودهم البشرية في السيطرة على الأشياء
لا يُعتبر قانون الجهد المعكوس، قانونًا علميًا، ولكنّه من حيث المبدأ العامّ معمول به في كثير من الاتّجاهات العلاجية
خُذ على سبيل المثال الموجة الثالثة والأخيرة من العلاج المعرفي السلوكي وأحد نماذجها المُسمّاة بالعلاج النفسي بالتقبّل والالتزام ACT
وُجد مثلًا أنّ أفضل طريقة للتخلّص من المخاوف والوسواس، لا تكمن في مقاومتها ولا تفكيكها، ولا دحضها أو نقدها وإظهار مدى لا عقلانيتها
بل إنّ محاورة المخاوف وجدالها ومحاولة نقد الوساوس، تؤول غالبًا إلى زيادة حدّتها وشدّتها (تأثير الحلقة المُفرَغة) لأنّ التحاور معها فيه شيء من التعزيز الإيجابي لوجودها بالأساس.
لا يطلب منك العلاج النفسي بالتقبّل أن تتجنّب هذه الأفكار أو أن تهرب منها، بل على العكس تمامًا، العلاج الفعّال يطلب منك الاعتراف بوجودها وتقبّلها ابتداءً وملاحظتها كوسواس أو مخاوف وعدم الهروب منها!
في حالة المخاوف، يُملي عليكَ عقلك استجابة أوّلية متمّثلة بتجنّب مصدر الخوف والتهديد.. وخلافًا لما هو متوقّع، يُؤدّي التجنّب إلى زيادة المخاوف وتعظيمها في النفس
يقوم العلاج السلوكي في حالة المخاوف المُحدّدة في بعض تقنياته على المواجهة المباشرة، العلاج بالغَمر، التعريض المُفرِط لمصدر الخوف.. جريًا على القاعدة التي صاغها سيدنا عليّ بن أبي طالب ببراعة:
"ذا هِبتَ (خشيتَ) أمرًا.. فَقَع فيه!"
أي ألقِ نفسك في الأمر الذي تخشاه وتحاول تجنّبه، هذه هي الطريقة الوحيدة للتحرّر منه!
أحبّ التفكير في (التأثير المعكوس) وكأنّه مفتاح خفي متناثر لقضايا شائكة عدّة في الحياة!
مثلًا انظر للقول الذكي الذي يُنسَب للصدّيق عليه السلام: اطلبوا المَوت.. تُوهَب لكم الحياة
إنّك تجد أنّ أكثر النّاس إغراقًا في الحياة وملذّاتها وأكثرهم إفراطًا في عيشها، هُم أنفسهم أكثر مَن يُواجهون أزمة المعنى ويتساءلون عن غاية وجودهم!
فيما تجد أولئك الذين يُجاهدون ويعيشون تحت وطأة القصف والموت، يحترفون فنّ العيش وتجدهم أكثر تمسّكًا بالحياة وتكثيفًا لمعانيها
يعلّمنا القرآن أنّ حلول كثير من المشاكل لا يكون بالخوض فيها ولكن بالتخلّي عنها والانهماك بنشاط أكثر فاعلية واستقلالية!
مثل الإنفاق أو التصدّق كحلّ للشعور بالضائقة المالية (ومَن قُدرَ عليه رزقه)!
مثلًا حين تتعرّض للأذى والحزن بفعل تشكيك الآخرين وآرائهم حيالك، لا يخبرك القرآن أن تذهب بمنطق صبياني وطفولي نحو القيل والقال فتراجع مَن قال فيما قاله!
ولكن يخبرك أن تركّز على ما يهمّ، على المُنجيات، على الأفعال الحرّة المُستقلّة، كالتسبيح والذكر!
(ولقد نعلم أنّك يضيقُ صدرك بما يقولون.. فسبّح بحمد ربك وكن من الساجدين)
وقد قال العارفون من قبل:
يُقضى بالذكر.. ما لا يُقضى بالفكر!
إنّ كلّ مرّة يموت فيها إنسان.. يكون عالَمٌ بأكمله قد تحطّم وانهار بموته
يُدرِك المرء ذلك، إذا ما وضع نفسَه مكانَ هذا الإنسان
إنّ الكائنات الإنسانية غير قابلة للاستبدال، فهي كائنات قادرة على الاستمتاع بالحياة، على المعاناة، على مواجهة الموت، مُواجهة واعية.
تُنسينا الحرب هذه الحقيقة
حين نراقب أرقام الشهداء والضحايا كعشرات الآلاف، يطغى الكَم والعدد على العوالَم الخاصّة لكلّ طفل، شاب، امرأة، أم، أب، أخ، أخت، جدّ وجدّة.
أو كما جاء على شاهد القبر في فيلم Shutter Island:
**تذكّروا أن تتذكّرونا ..
فنحنُ أيضًا عِشنا، وأحببنا وضحكنا!**
القناة الرسمية والموثقة لـ أخبار وزارة التربية العراقية.
أخبار حصرية كل مايخص وزارة التربية العراقية.
تابع جديدنا لمشاهدة احدث الاخبار.
سيتم نقل احدث الاخبار العاجلة.
رابط مشاركة القناة :
https://t.me/DX_75
Last updated 1 year, 3 months ago
القناة الرسمية لشبكة ملازمنا كل مايحتاجه الطالب.
((ملاحظة : لايوجد لدينا اي حساب تواصل على تلكرام ولا نقوم بنشر اعلانات في القناة))
Last updated 4 days, 21 hours ago