جَوعَىٰ ، عطشَىٰ ، فتكَ البردُ بأجسادِهِم ، فتكَ الفقدُ بِقلوبِهم ، يركضُونَ منذُ عامٍ ولا زالُوا !
أيْ ربِّ .. وحدكَ تعلمُ الحالَ يا حبيبي ، يا كافِيَ النّاسِ اكفِ غزّة شرّ أعدائِك ، لا تُحوّجها لأحدٍ من خلقِك ، ارفَع عنها و-أهلها- هذا البلاء بِعزّتِك ، أنصُرها نصرًا عزيزًا بِقدرتِك ، أفرِغ علىٰ قلوبِ أهلها صبرًا بِرحمتِك.
أيْ ربِّ .. طالَ أمَدُ البلاء فاكشِف عن غزّة يا مولايَ اللّـأواء ، ائذَن لنِيرانِ هذهِ الحربِ أن تضعَ أوزارَها.
أيْ ربّ ..أُنظُر لِغزّة ، فرِّج كربَ غزّة."(🥀****

حبِيبِي يَا عِماد ؛ أكتُبُ إلَيك ولا أدرِي متَىٰ سَتقرَأُ هذا الكَلام ، رُبّمَا بعدَ عشرِ سنَوات ، أو بعدَ خمسَةَ عَشَر عاماً ، ربَّمَا ستَقرَؤُه وأنتَ شابٌّ فَتِيٌّ تضعُ لِثامًا علىٰ وجهِكَ وتركُضُ في أزِقّةِ غزّة حامِلاً ثأرَك علىٰ مَن حرَمكَ حُضنَ أمِّكَ…

علىٰ طابورِ الحزانىٰ نبكِي مع السّماءِ فراقهُم ..
تعلّمنا بعدهُم -ويا تعسَنا- أنّ السّعادَةَ لِمَن في سبيلِ اللهِ أزهقَ دِماه ، لِمَن مشىٰ علىٰ الثّرىٰ غريباً متغرِّباً اختارَ رِضَا مولاه ، ما شغلهُ ما يشغلُ أهلها فكانَ الجزاءُ من ربّهِ أنِ الجنّةَ حبَاه ، والجِوارَ أعطاه ، وكانَ في الموتِ خُلدُهُ ومَحيَاه.

«بَل أحيَاءٌ عِندَ رَبًِهِم يُرزَقُون» ..
فجَفّفُوا-يا قومِ- الدّمعاتِ من صلبِ العيُون ، أما واللهِ ما خسِرَت لهُم تِجارةٌ وهم لجِنانِ ربّهم يتسابقُون.

عليكُم سلامُ الإلهِ وحبّنا ؛ ثمّ أمّا بعد :
إلىٰ الشّجاعَينِ أبناءِ الشّجاعيّة ، إلىٰ اللّذَينِ جمعَ الله روحَيهِما علىٰ حبِّ الجِنان ، وألّفَ بينَ قلبيهِما يتسابقانِ علىٰ رِضا الرّحمان ، اجتمعَا في اللهِ وافترقَا فيه ، عقدَ الله بينهُما عقدَ إخاءٍ لا يقطعُهُ ريبُ المَنُون ، حتّىٰ كادَ يُقالُ شبِيها سعد بن الرّبيع وعبد الرّحمانِ بن عوف!

كسرَ الله بهِما هامَ الكافرِين ، وشفىٰ بِصنيعهِما صدُورَ قومٍ مؤمِنين ، يتسابقَانِ في سُوحِ الوغىٰ مَن يكونُ للجنّةِ أسبَق وفي طلبِها أصدق.

فقدّرَ الله أن يسبِقَ أحمد خالِد إلىٰ فردوسِ ربّهِ ويتركهُ يقطعُ الدّربَ وحيدًا ، علىٰ عهدِ صاحبهِ وكلّ المُنىٰ أن يلحقهُ شهيدًا ، يُواسي قلبَ أمّ صاحبهِ أن لا تجزعِي أمّاه ، إنّي لكِ بعدهُ ابنٌ إلىٰ يومِ نلقَاه ، فكلّما مسَّها حنينٌ لأحمد زارَها خالِد ، يُطبطِبُ علىٰ جُرحِها ويُسلّي قلبها.
أحسنَ خلفة صاحبِهِ في أهلِه كما أحسنَ صحبتَهُ في الدّنيا ، لِيرتقِي بعدَ قرابةِ العامِ لاحِقاً خِلّهُ إلىٰ الجنانِ العُليا.

واهاً لِسعدِكما يومَ جمعِكما
واهاّ لِتهلّلِ القناديلِ بِمثلكما
واهاً لِلقاءٍ لا يعقِبهُ فِراقٌ بِجوارِ ربّكما !

علىٰ طابُورِ الحزانىٰ نبكي مع الأرضِ فِراقكما ، نبكي الشّهيد ابن الشّهيد -بإذنِ الله- خالد محمّد أبو رزينة وصاحِبه السّعيد -بإذنِ الله- أحمد سليمان سمارة.

غابَا والمعالِي تبكِيهِما ، والمَحاسِنُ تُعَزّىٰ فيهِما ، والقلوبُ حرّىٰ علىٰ فقدِهما.
والمُلتقىٰ الجنّة يا إخوتِي ..

علىٰ ـ رَصِيفِ الشّوقِ ـ أنسُجُ مِن حُرُوفِي الثّكلىٰ جُسُورًا أعبُرُ بِها إلَيكُم ، كلِمةً بعدَ كلِمَة ، فتخُونُنِي العبَراتُ وأستَحقِرُ الكلِمَاتِ فهَل للحرفِ أن يَتطاوَلَ لِطُولِكُم؟ أوَكُلّمَا ذكرنَاكُم رمَانَا الشّوقُ في جُبِّ الحِرمانِ والغِبطَةِ فَأرسَلَ القلبُ وارِدَهُ وأدلىٰ دَلوهُ وعادَ سقِيمًا أسِيفَا ..

إلىٰ سيِّدِ الرِّجَال ، وقائِدِ الغُزاةِ الأوائلِ الغُرِّ الأبطَال ، إلىٰ السّعيدِ ـ كمَا نحسبُه ـ "حسَام العكاوِي ، أبَا محمّد" :
صاحِبُ الأنفاسِ الخفِيّةِ والسّيرةِ المَرضِيّة ، إلىٰ مَن خاضَ رِحلةَ التّمكينِ فمَا وقَف ، وعرفَ مِن برَاحِ الجنّةِ فاِغترَف ، سخّرَ جُلَّ وقتهِ لِخدمةِ دينِ اللهِ بينَ ميادينِ التّدريبِ والإعدَاد ، قائدًا ميدانِيًّا عاشَ العُمرَ ما بينَ ـ جهادٍ وجلاد ـ نشأَ علىٰ يديهِ جِيلٌ مِن أحفادِ سَعدٍ وخالِد.

لطالَمَا أنشَدَ أمَلاً أن يأتِيَ يومٌ ويَدخُلَ فيهِ مسَّ القَرصةِ مِن أوسَعِ أبوابِها ، يُحَدِّثُ أصحابَهُ أنّهُ سيأتِي يَومٌ يقتحِمُونَ فيهِ ويغزُونَ ويكتسِحُون ، ويُثخِنُونَ في شرَاذِمِ اليَهو.د في عُقرِ دُورِهم وحصُونِهِم.

" اليَومَ نغزُوكُم ولا تَغزُونَا ".. نسطُرُ مَجدًا تلِيدًا ونُعيدُ عِزًّا فقِيدًا ، بِشجاعةٍ مُنقطِعةِ النّظِير ، باذِلاً دِماهُ أسدًا كرّارًا يومَ النّفِير ، مُتقدِّمًا جُنُودَهُ مُقتحِمًا غازِيًا ، ما رَضِيَ أن يلقىٰ الرّدىٰ إلاّ وقَد ترَكَ لِطَربِ نُواحِهِم في كلِّ بُقعةٍ صدَىٰ ، أثخنَ وقاتَل وأسَر ، وما تَولّىٰ ولا أدبَر ، ما عرَفَت خُطاهُ فِي دربِ الإلهِٰ عِوَجًا ، ما رَضِيَ العَيشَ إلاّ تحتَ بوارِقِ السّيوفِ ولِسانُ حالِه :
" يا حبّذَا الجَنّةُ واقتِرابُها ؛ طَيِّبَةٌ وبارِدٌ شَرابُهَا ".

ألاَ طِبتَ فِي رِياضِها أسعَدَ أبدًا مُخلَّدًا ..''(

الحَمدُ للهِ بقدرِ ما نُضِيقُ وَنَسعَد ؛

الحَمدُ للهِ دائمًا وَأبَدًا ••

اللّهُمّ صَلِّ وسلِّم وبارِك علىٰ حبِيبِنا محمّد وعلىٰ آلهِ وصحبِهِ أجمَعِين ••

« يُجزِيكَ عَشرًا عَـن صَلاتِكَ مرّةً
‏وتنالُ عِزًّا في الحياةِ مُقيمًا ! »

كنتُ قد قَرأتُ سلَفًا عِدّةَ رِواياتٍ واقِعِيّة خَرجَت مِن جحِيمِ الأسرِ إلىٰ النُّورِ قبلَ أن يخرُجَ أصحابُها، كانَت آخِرَها حِكايةُ أسِيرٍ يقُصّها الأسيرُ المقدِسي "محمود عيسىٰ" في سُجونِ شذاذ الآفاق ..
لعُمر اللهِ قرأتُ بينَ سُطورِها مايُطيشُ عقلَ إنسَانٍ مِن فظاعةِ أساليبِ التّعذِيب ، حتّىٰ الدّموعُ تحجّرَت بالعَينِ ما لبِثتُ أستحلِفُها أن تَرحمَنِي وتَخرُجَ فتأبَىٰ وتُكابِر.
كلُّ المجازِرِ والفظائِعِ الّتِي نراهَا اليَومَ بِغزّة تتساوىٰ بِذاتِ الكفَّةِ مع ما يُلاقِيهِ الأسرىٰ في السُّجونِ لو تدرُونَ أو تزِيد !
وَيحَ القَلبِ كنتُ أسألُ نفسِي إن كانَ هذا حالَهُم والنّاسُ في أمنٍ وهُناكَ مَن يُطالِبُ بِحقُوقِهم فكَيفَ حالُهُم بعدَ السّابِع مِن أكتُوبر !
بل وكيفَ حالُ أسرىٰ غزّة مِنَ المُقاوِمِينَ يا الله !!
أستَذكِرُ اليَومَ مقُولةَ الأمِّ السّورِيّة الّتي جاؤوها بِنبإِ استشهَادِ فلذةِ كبِدِها في الأسرِ فابتَسَمَت للسّماءِ في ألَمٍ صامتٍ وقالت : "علىٰ الأقَلِّ لا يُعذِّبُونهُ بعدَ اليَوم "
أتَدرِي كم مرّةً يموتُ الأسِيرُ في حياتِهِ قبلَ أن يصِلَ إلىٰ الموت؟
بل وهَل يتخَيَّلُ أيَّ نَوعٍ مِن العذابِ رأتهُ عينَاهُ حتّىٰ يُستشهدَ بينَ يدَي زبانِيةِ الدّنيا؟
أمَا واللهِ ما كذبَ مَن قالَ السِّجنُ جحيمُ الدُّنيَا ومقبَرةُ الأحيَاء ، فلو علِمتُم ما يُلاقِيهِ أسرانَا لقُلتُم فلتَكُن ألفُ حَربٍ في سبيلِ تحرِيرِهِم.
لِماذا قدَّمَت غزّة أكثرَ مِن أربعِين ألفَ شهِيد؟ .. مِن أجلِ عيونِهِم جُعِلَت كلُّ الأمّةِ فِداهُم.
لا باركَ اللهُ أمّةً شُرفاؤُها بالسّجون وعلىٰ الكراسِي والعُرُوشِ أهلُ المُجُون !
لا باركَ اللهُ أمّةً كلُّ همِّها إشباعُ البُطونِ وأبناؤُها بِـ جحِيمِ اليَهود ، ومَقابِرِ الأسَد ، ومذابِحِ السّيسي ، ومقاصِلِ آل سعود !

اللّهمّ أسرانَا ..
ربّاهُ مسّهُمُ ومسّنَا الضُرُّ وأنتَ أرحَمُ الرّاحِمِين ، ربّاهُ إنَّ لنا بالأسرِ آباءً وأمّهاتٍ وإخوةً وأخوَات ، اللهمَّ فُكّ بالعِزِّ أسرهُم ولِأحِبّتِهِم رُدَّهُم.

آمين .. آمين "(
باللهِ لا تنسوهُم ..