في الرواية المشهورة : أنه مد يده فاغترف غرفة من الماء، وروي انه كان معه جام فملأه، فقال فارس يا أبا عبد الله تتلذ بشرب الماء وقد هتك حرمك ؟! فنفض الماء من يده وحمل على القوم فقتل منهم اربعمائة فكشفهم فاذا الخيمة سالمة

لا يقال ان الحسين حجة الله فكيف لا يعلم أن هذه مكيدة ليست لها اساس من الصحة ؟ فهو عالم بعلوم الأولين والآخرين وهو الكتاب المبين الذي سطر فيه ما كان قبل أن يكون، وهو لا يحتاج الى اقتحام الفرات حتى يروي عطشه، ولكن غرضه اثبات استحقاق القوم كلمة العذاب واتمام الحجة عليهم، ولهذا نفض الماء من كفه ورجع نحو خيامه ليتين ان القوم بذلوا ما في وسعهم في منع الامام المظلوم من شرب الماء، ومع ذلك فان في ما صنعه ابو الاحرار وأبي الضيم فيه تعبير جلي عن كمال غيرته وحميته، وانه من نسل تلك الشجرة وذرية بعضها من بعض من ابناء الرسول المختار، فلو انه شرب الماء ولم يرجع الى خيامه فورا لقال الجاهلون الذين لا يعرفون الامام انه رجح شرب الماء على حماية عرضه وخيامه، هذا مضافا الى الدروس والعبر والحكم الكثيرة التي تضمنها صنيع الامام صلوات الله علیه

عَظُمَ الذَّنْبُ مِنْ عبدِکَ فَلْیحسُنِ العفوُ مِنْ عِندِکَ

العالم ومن فيه فداء لكبدك الحرى الملتهبة بنيران العطش، وشفاهك الذابلة

أيقتل ظمانا حسين بكربلا وفي كل عضو من أنامله بحر

الانكسار والذل وزوال البطر والفرح والأشر الذي هو مبدأ الطغيان والغفلة عن الله، ولا تنكسر النفس ولا تذل بشيء كما تذل بالجوع فعنده تستكين لربها وتخشع له وتقف على عجزها وذلها إذ ضعفت منتها وضاقت حيلتها بلقيمة طعام فاتتها، وأظلمت عليها الدنيا بشربة ماء تأخرت عنها، وما لم يشاهد الإنسان ذل نفسه وعجزه لا يرى عزة مولاه ولا قهره، وإنما سعادته في أن يكون دائماً مشاهداً نفسه بعين الذل والعجز ومولاء بعين العز والقدرة والقهر فليكن دائماً جائعاً ذليلاً مضطراً إلى مولاء، مشاهداً للاضطرار بالذوق، ولذلك لما عرض على رسول الله له الدنيا وخزائنها فقال : لا بل أجوع يوماً وأشبع يوماً فإذا جعت صبرت وتضرعت وإذا شبعت شكرت

أو كما قال والبطن والفرج باب من أبواب النار وأصله الشبع، والذل والانكسار باب من أبواب الجنة وأصله الجوع ومن أغلق باباً من أبواب النار، فقد فتح له باب من أبواب الجنة بالضرورة لأنهما متقابلان كالمشرق والمغرب فالقرب من أحدهما بعد من الآخر

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أحيوا قلوبكم بقلة الضحك والشبع، وطهروها بالجوع تصفو وترق

ويقال : مثل الجوع مثل الرعد، والقناعة كالسحاب، والحكمة كالمطر.

وقال : من أجاع بطنه عظمت فكرته وفطن قلبه».

وقال ابن عباس : قال النبي : من شبع و نام قسا قلبه،
ثم قال : إن لكل شيء زكاة وزكاة البدن الجوع

وقال الشيلي: ما جعت الله يوماً إلا رأيت في قلبي باباً مفتوحاً من الحكمة والعبرة ما رأيته قط،

وليس يخفى أن غابة المقصود من العبادات الفكر الموصل إلى المعرفة والاستبصار بحقائق الحق، والشبع يمنع منه والجوع يفتح بابه، والمعرفة باب من أبواب الجنة، فبالحري أن يكون ملازمة الجوع قرعاً لباب الجنة ولهذا قال

لقمان لابنه : يا بني إذا امتلات المعدة نامت الفكرة، وخرست الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة.

وقال أبو يزيد الجوع سحاب فإذا جاع العبد أمطر القلب الحكمة ...

قال النبي : نور الحكمة الجوع، والبعد من الله الشيع، والقربة إلى الله حب المساكين والدنو منهم. لا تشبعوا فينطقي نور المعرفة من قلوبكم ومن بات يصلي في خفة من الطعام بانت الحور العين حوله حتى يصبح

رقة القلب وصفاؤه الذي به يتهيأ لإدراك لذة المناجاة والتأثر بالذكر فكم من ذكر يجري على اللسان مع حضور القلب ولكن القلب لا يلتذُّ به ولا يتأثر عنه حتى كان بينه وبينه حجاباً من قساوة القلب، وقد يرق في بعض الأحوال فيعظم تأثره بالذكر وتلذذه بالمناجاة، وخلو المعدة هو السبب الأظهر فيه،

قال أبو سليمان: أحلى ما تكون إلي العبادة إذا الصق بطني بظهري .

اِلهى اَمَرْتَنى فَعَصَيْتُكَ، وَنَهَيْتَنى فَارْتَكَبْتُ نَهْيَكَ، فَاَصْبَحْتُ لا ذا بَرآءَة لى فَاَعْتَذِرُ، وَلاذا قُوَّة فَاَنْتَصِرَُ، فَبِأَىِّ شَىء اَسْتَقْبِلُكَ يا مَوْلاىَ، اَبِسَمْعى اَمْ بِبَصَرى، َاْم بِلِسانى، اَمْ بِيَدى اَمْ بِرِجْلى، اَلَيْسَ كُلُّها نِعَمَكَ عِندى، وَبِكُلِّها عَصَيْتُكَ يا مَوْلاىَ، فَلَكَ الْحُجَّةُ وَالسَّبيلُ عَلىَّ، يا مَنْ سَتَرَنى مِنَ الاْباءِ وَالاُْمَّهاتِ اَنْ يَزجُرُونى، وَمِنَ الْعَشائِرِ وَالاِْخْوانِ اَنْ يُعَيِّرُونى، وَمِنَ السَّلاطينِ اَنْ يُعاقِبُونى، وَلَوِ اطَّلَعُوا يا مَوْلاىَ عَلى مَا اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنّى اِذاً ما اَنْظَرُونى، وَلَرَفَضُونى وَقَطَعُونى، فَها اَنَا ذا يا اِلهى بَيْنَ يَدَيْكَ يا سَيِّدى خاضِعٌ ذَليلٌ، حَصيرٌ حَقيرٌ، لا ذُو بَرآءَة فَاَعْتَذِرَ، وَلا ذُو قُوَّة فَاَنْتَصِرَُ، وَلا حُجَّة فَاَحْتَجُّ، بِها، وَلا قائِلٌ لَمْ اَجْتَرِحْ، وَلَمْ اَعْمَلْ سُواً، وَما عَسَى الْجُحُودُ وَلَوْ جَحَدْتُ يا مَوْلاىَ يَنْفَعُنى، كَيْفَ وَاَنّى ذلِكَ وَجَوارِحى كُلُّها شاهِدَةٌ عَلَىَّ بِما قَدْ عَمِلْتُ، وَعَلِمْتُ يَقيناً غَيْرَ ذى شَكٍّ اَنَّكَ سآئِلى مِنْ عَظائِمِ الاُْمُورِ، وَاَنَّكَ الْحَكَمُ الْعَدْلُ الَّذى لا تَجُورُ، وَعَدْلُكَ مُهْلِكى، وَمِنْ كُلِّ عَدْلِكَ مَهْرَبى، فَاِنْ تُعَذِّبْنى يا اِلهى فَبِذُنُوبى بَعْدَ حُجَّتِكَ عَلَىَّ، وَاِنْ تَعْفُ عَنّى فَبِحِلْمِكَ وَجُودِكَ وَكَرَمِكَ، لا اِلهَ اِلاّ اَنْتَ سُبْحانَكَ اِنّى كُنْتُ مِنَ الظّالِمينَ،

الإمام الحسن العسكري (عَلَيْهِ‌ السَّلام)

ما أقْبَحَ بِالمُؤْمِنِ أنْ تَکونَ لَهُ رَغْبَةٌ تُذِلُّهُ.

?تحف العقول، الصفحة ٤۸۹

تنها به شوقِ کرب‌ و‌ بلا می‌کشم نفس
دنیای بی حسین به دردم نمیخورد...

مولاي من لي غيرك

الإمام الرضا (عليه السلام):

ما زارني أحد من أوليائي عارفا بحقي إلا تشفعت له يوم القيامة