°○.

• المُقتَصِد في الدنيا تنقص دَرجتُه في الدار الآخرة على قدر استكثاره مِن المُباحات....

• قال الله ﷻ: ﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا﴾ [الأحقاف: ٢٠] والطيِّبَات هنا: لذّات العَيْش وما فيها مِن أنعُم، والآية وإن كانت نزلت في الكافرين إلا أنَّ العَمَل ‌بعموم ‌اللفظ أولى مِن خصوص السبب.

وعن الحسن في قوله الله ﷻ: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا﴾ قال: «مَن كانَ يُرِيدُ أن يُعَجَّلَ في حسَناتِه» ﴿نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ﴾ [هود: ١٥] قال: «طَيِّباتِهم» ① وقال قتادة: «مَن كانَ إنّما هَمُّه الدنيا أن يَطلُبها: أعطاهُ الله مَالاً وأعطاهُ ما يَعِيشُ بِه، وكانَ ذلك قِصاصاً له بعَمَلِه» ②

← وكتاب الله مليء بمثل هذا، ومِن ذلك قوله: ﴿مَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٥] وقوله: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نزدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ [الشورى: ٢٠] وقوله: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ﴾ [الإسراء: ١٨]

• قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «لو شِئتُ أن يُدَهمَقَ لي كما يُدَهمَقُ لكم لفعلتُ، ولكننا نَستَبقِي مِن دُنيانَا ما نَجِدُهُ في آخرتنا، أما سَمِعتُم الله قال: ﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا﴾ [الأحقاف: ٢٠]» ③

• وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «ما يُصِيبُ أحَدٌ مِن الدُنيا شَيئا إلا نَقُصَ مِن دَرَجَاتِه عِندَ الله، وإنْ كانَ عَليهِ كَريماً» ④

• وعن حسان بن كريب، قال: «كُنّا عندَ بابِ معاوية ومَعَنَا أبو مسعود صاحب النبي ﷺ، فخَرَجَ رَجُلٌ قد كَسَاهُ بُرنُساً، فهَنّأهُ قَوم، فقال أبو مسعود: خُذ مِن طَيِّباتِك - وقال الآخر: خُذ مِن حَسَناتِك» ⑤

• وقال عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه: «مَن أرادَ الدنيا أضَرَّ بالآخِرَة، ومَن أرادَ الآخِرَةَ أضَرَّ الدنيا، يا قومُ فأضِرُّوا بالفانِي للباقِي» ⑥

• وقال الحسن البصري رحمه الله: «مسكينٌ ابن آدم؛ رَضِيَ بدَارٍ حَلالُها حِسابٌ وحرامُها عذاب، إن أخَذَهُ مِن حِلِّه حُوسِبَ بنَعيمِه، وإن أخَذَهُ مِن حَرامٍ عُذِّبَ بِه» ⑦

• وذَكَرَ وهب بعض ما أوحى الله ﷻ به إلى موسى وهارون عليهما السلام لمّا أرسلهما إلى فرعون، فمِن ذلك أن قال: «يا موسى، لو شِئتُ أن أُزَيِّنَكُما بزينَةٍ يَعلَمُ فرعونُ حينَ يَنظُر إليها أن مَقدِرَتَهُ تَعجَزُ عمّا أُوتِيتُمَا فعَلتُ، ولكن أرغَبُ بكما عن ذلك، وأزويهِ عنكما، وهكذا أفعَلُ بأولِيائي؛ إني لأذودُهم عن نَعيمِها ورَجائِها كما يَذودُ الراعي الشفيقُ غَنَمَهُ عن مَراتِع الهَلَكَة، وإني لأُجَنِّبُهُم عَيشَها وسَلْوَتَها كما يُجَنِّبُ الراعي الشفيقُ إبلَهُ ‌عن ‌مَبارِك ‌العُرَّة، وما ذاك لهَوانِهم عَلَيّ، ولكنهم ليَستَكمِلُوا نَصِيبَهُم مِن كَرامَتِي سَالِماً مَوفُراً» ⑧

• ويُروَى عن الفضيل بن عياض رحمه الله أنه قال: «إن شِئتَ استَقِلَّ مِن الدنيا وإن شِئتَ استَكْثِر؛ فإنما تأخذ مِن كيسك» ومثل هذا في كلام السلف كثير.

❒- قال ابن رجب: «يَشهَدُ لهذا أنّ الله حَرَّمَ على عِباده أشياء مِن فضول شَهوات الدنيا وزِينَتِهَا وبَهجَتِهَا -حيث لم يكونوا مُحتَاجِين إليه- وادَّخَرَهُ لهم عندَه في الآخرة، وقد وقَعَت الإشارَة إلى هذا بقوله: ﴿وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ۝ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ ۝ وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف: ٣٣-٣٥] وصح عن النبي ﷺ أنه قال: "مَن لَبِسَ الحرير في الدنيا لم يَلبَسهُ في الآخرة" و "مَن شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة" وقال: "لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها؛ فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة"» اهـ ⑨

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
⑴. التفسير لابن أبي حاتم: (جـ٦ صـ٢٠١١).
⑵. تفسير الصنعاني: (جـ٢ صـ١٨٤ ر١١٨٨).
⑶. مصنف ابن أبي شيبة: (جـ١٩ ر٣٧١٩٠).
⑷. سنن ابن منصور: (جـ٧ صـ٣٤٨ ر١٩٨٤).
⑸. كتاب الزهد لمعافى: (صـ٢٩٧ ر٢٠٦).
⑹. الزهد لوكيع بن الجراح: (صـ٢٩٧ ر٧٠).
⑺. الزهد لابن أبي الدنيا: (صـ١٢٦ ر٢٦١).
⑻. تاريخ مدينة دمشق: (جـ٦١ صـ٥٩).
⑼. جامع العلوم والحكم: (جـ١ صـ٦٥٢).

°○.

•• أفضلُ الجِهاد: جِهادُ الهَوىٰ ••

• قال الله ﷻ: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الروم: ٦٩] قال الربيع بن أنس: «ليسَ على الأرضِ عبدٌ أطاعَ ربه ودَعا إليه ونَهى عنه إلا وإنه قد جاهَد في الله» ①

• قال رسول الله ﷺ في حجة الوداع: «المُجاهِد: مَن جاهَدَ نَفسَهُ وهَواهُ في طاعَة الله» ②

وقيل لأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز: أيُّ الجِهاد أفضَل؟ قال: «جِهادُ الهَوى» ③

وقال رجل للحسن البصري: يا أبا سعيد، أيُّ الجِهادِ أفضَل؟ قال: «جِهادُكَ هَواك» ④

قال إبراهيم بن أدهم: «أشَدُّ الجِهاد: جِهادُ الهَوى، مَن مَنَع نَفسَه هواها فقد استراحَ مِن الدنيا وبَلائِها، وكانَ محفوظاً ومُعافى مِن أذاها» ⑤

• وأنشدَ بعضهم:
إذا المَرءُ لم يَغلِبْ هَواهُ أقامَهُ
بمَنزِلَةٍ فيها العَزِيزُ ذَلِيلُ ⑥

• وقال هشام بن عبد الملك:
إذا أنتَ لم تَعصِ الهَوى قادَكَ الهَوى
إلى بَعضِ ما فيهِ عليكَ مَقالُ ⑦

• وقال أبو العتاهية:
أشَدُّ الجِهادِ جِهادُ الهَوى
وما كَرَّمَ المَرءَ إلا التُّقَى ⑧

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
⑴. ابن أبي حاتم: (جـ٩ صـ٣٠٨٤ ر١٧٤٤٩).
⑵. تعظيم قدر الصلاة: (جـ٢ صـ٦٠١ ر٦٤٠).
⑶. المجالسة للدينوري: (جـ٥ صـ١٤٨ ر١٩٦٣).
⑷. كتاب ذم الهوى لابن الجوزي: (صـ٢٣).
⑸. حلية الأولياء لأبي نعيم: (جـ٨ صـ١٨).
⑹. جامع العلوم والحكم: (صـ٤٥٩).
⑺. عيون الأخبار لابن قتيبة: (جـ١ صـ٩٤).
⑻. ديوان أبي العتاهية: (صـ٢٠).

.

.

.

.

.

.