﴿قَالُوا۟ لَن نُّؤۡثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاۤءَنَا مِنَ ٱلۡبَیِّنَـٰتِ وَٱلَّذِی فَطَرَنَاۖ فَٱقۡضِ مَاۤ أَنتَ قَاضٍۖ إِنَّمَا تَقۡضِی هَـٰذِهِ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَاۤ﴾ [طه ٧٢]

(إِنَّمَا تَقۡضِی هَـٰذِهِ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَاۤ﴾، هذه الحقيقة إن رسخت في نفوس المصلحين فلن يُبالوا بما يمر بهم من الشدائد في طريقهم، ولن يُبالوا بالتخويف والترهيب الذي يكون من أعداء الدعوة والإصلاح، وسيتمثّلون بأقوالهم وفِعالهم قول خُبيب الأنصاري - رضي الله عنه - حين قُتل:

وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا... علَى أيِّ شِقٍّ كانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي،

وَذلكَ في ذَاتِ الإلَهِ وإنْ يَشَأْ... يُبَارِكْ علَى أوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ

{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ}

"فلا تحسبنّ الله مخلف وعده رسله إنّ الله عزيز ذو انتقام"

هذا الأسلوب في مخاطبة النبي ﷺ والمؤمنين معه يدلّ على شدة ما لاقوا وطول ما عانوا حتى احتاجوا إلى هذا التثبيت من ربّ العالمين.
قال الطبري عن الآية: (وإنما قاله -تعالى ذِكْرُه- لنبيه تثبيتا وتشديدا لعزيمته)
وقال ابن عاشور -وتأمَّل ما قاله-: (وهذا محل التسلية، والخطابُ للنبي ﷺ؛ لأن تأخير ما وعد الله رسوله ﷺ من إنزال العقاب بأعدائه يشبه حال المخلف وعده، فلذلك نهي عن حسبانه)

اللهم إنّا نشهدك أنّا نؤمن بك وبوعدك ونسألك أن تثبت قلوبنا وقلوب أهلنا في غزة وسائر قلوب المؤمنين وأن تنجز لهذه الأمة وعدك يا حقّ يا عزيز يا حكيم.

بينما يطبق الاحتلال حصاره على جباليا ويمعن الاحتلال بجريمة مدوية نكراء في جباليا ويقطع كافة وسائل الاتصال والانترنت، وتهدم الجرافات العسكرية البيوت على رؤوس أهلنا هناك، وجثامين عشرات الشهداء تحت الأنقاض وفي الشوارع والطرقات، ويحظر على مركبات الاسعاف والدفاع المدني التحرك لإنقاذ المصابين في أكبر جريمة تطهير عرقي إبادي نشهدها منذ بداية الحرب، تنشط وسائل الإعلام الصهيونية في تشتيت الانتباه وحرف بوصلة المتابعة العالمية من خلال نشرها أخبار كاذبة سخيفة عن اجتماعات واتصالات وقرارات صهيونية لإدخال المساعدات إلى غزة والشمال.
جباليا تذبح من الوريد إلى الوريد، لا سامح الله من تخلى، لا سامح الله من قصر، لا سامح الله من تخاذل، لا سامح الله من باستطاعته فعل شيء ولم يقدم حتى لو بتغريدة أو دعاء.

#جباليا_تباد

{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}

"ثقوا عباد الله بموعود الله، وارغبوا في الجهاد رحمكم الله، وإن عظمت فيه المؤنة، وبعدت فيه المشقّة، وفُجعتم فيه بالأموال والأنفس والأولاد، فإنّه سبيلٌ يعظم فيه الأجر"

- أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه.

الابتلاء حين ينزل يعمّ جميع المؤمنين…

فلا تعتقد أن إخوانك في غزة هم وحدهم المُبتلون، بل أنت أيضًا مُبتلى؛ مُبتلى في عقيدتك، في شعورك نحوهم، في موقفك، في ما ستفعل؟!

وهو مقتضى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كمثل الجسدِ الواحد إذا اشتكى عضوٌ تداعَى له سائر الجسدِ بالسّهر والحُمَّى".

فالتّداعي: سَرَيان.. والسّهر متُعلق بقلق النفس، والحُمَّى متعلقة بألم الجسد.. فنفوسهم توافقت في الشعور، كما توافقت أجسادهم في المُصاب.

١ مُحَرَّم ١٤٤٦هـ.

اللهُمَّ اجعَله عَام خَيرٍ ونَصرٍ وتَمكينٍ لِغَزَّة وللأُمة الإسلاميَّة، واجعَله ياربّ عام عَودة وتَوبَة ورُجوع إليك

كُلُّ عامٍ ونَحنُ على دِينِ نَبِيِّنا وحَبِيبنا وشَفِيعنا مُحَمَّد ﷺ?****

البدريّون في زماننا!

1.  لا يملك أحدٌ حقّ الادّعاء أنه يفهم الأحاسيس التي تجتاح هؤلاء المنكوبين في تلك الحرب الطاحنة، إذْ لم يتبقّ لهم شيء قائم على حاله، ولا مطمعَ لهم في متاع هذه الحياة الدنيا وأيٍّ من زخرفها، فإنّ لحظة واحدة من الهول الذي يرونه ويحسّونه قد يؤدي ببعضنا إلى الذهول المجنون.
2.  ونَعْلم جميعاً أن النفوس لا تحتمل ما يحتملونه، ولا أظنّهم يَعْلمون كيف يحتملون ذلك إلا ببركة ما افتتحوا به على عدوّهم في هذه الأرض الباذخةِ البركة!
3.  ونعْلمُ أن سفينة الصبر التي تعوم في بحرٍ لُجِّيّ من غير أن يعرف الناسُ سرّ عومها تتشبّث بآخر خشبةٍ باردةٍ لا يمكنها أن تعوم عادةً.
4.  وقد ضاقت كثيراً جدّاً حتى رأينا الشيب الأبيض يمسح الشعر الأسود في بناتنا وشبابنا، ويخدّد الوجوه التي يَنفخ فيها الهَبُوب كل ساعة.
5.  ولو رأيتَ المكانَ من حولهم، لقد أحرق أولئك الأوغادُ الحياةَ التي في تلك الأمكنة، وأحلّوا دار البوار وشعائر الدمار في المدى الدائر من كل صوب.
6.  ثمة شرارة في نفوسهم تنقدح قليلاً في ذروة الشعور بالانكسار تُشعل في قَشّ تلك النفوس المجروحة الفارغة اليابسة ناراً صغيرةً تتحدَّى فتعيد شحن نفوسهم بمِداد شيءٍ مفقودٍ منذ دهر يقال له العزّة، كأنها تقول لهم: لا يَرَيَنّ هذا العدوُّ منكم ضعفاً، فتحملهم أقدامُهم الهاوية، وتعيدهم إلى صف الواقفين قبلهم.
7.  في تلك اللحظة لا يشعرون بما نسمّيه الفخر، بل يشعرون بإحساس عملاق يكبر في صدورهم ويمتلئ عليهم يهتف فيهم: وكأننا أيّام الله المذكورات، وسُننُه التي يبعث بها شرائع التجديد الكونيّ، ويفتح بها أبواب الاستبدال، وينفخ فيها حياة جديدة مختلفة !
8.  يا أهَل الثغر في أكنافه: لقد تمثّل فيكم الصبر في أجلى صوره، وهو الثبات، فلم يرَ الله منكم عجزاً ولا نكثاً ولا سخطاً، فحُقّ لكم أن تكون أسطورة العصر بصمودكم ودفاعكم ودخولكم، وكأن الله لم يخلق مثلكم في هذا القرن!
9.  لقد انغمستم في حالٍ تعاظمت فيه حسناتكم، وقد بلَغ من شدة عظمتها أنها أهّلتكم لغفران ذنوبكم، ما تقدّم منها وكان، وحتى ما تأخّر منها ولحِق، وكأنّ الله يعلم من حالكم أنّكم أولياؤه المختارون المصطفون، وحفظ لكم مكانتكم الشريفة، ومقامكم الكريم، وطهّر ما حولكم لتكونوا مثال أمّته.
10.  لن تفيكم الكلمات والأفعال حقّكم أيها البدريّون من إخوان رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه، ولن يَنال منكم غامزٌ، ألستُم قد شهدتم بدراً، فلعل اللَّه قد اطّلع إلى أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم !

✍️د . أسامة الأشقر