جهّز الإنسان عمومًا بمشاعر فطريّة كثيرة، منها اللجأ إلى الله سبحانه والاستمداد منه والاعتراف بالفقر والحاجة في محضره، لا ينفي هذا المعنى الشّامل غفلة بعض أفراده أو إنكارهم أو طغيانهم. ولعلّ تحفيز هذه المشاعر يقوم على تأمّلهم في حقيقة ذواتهم، وتنبيههم على موقعهم بالنسبة إلى الخالق في هذا الكون! فانظر إلى آثار رحمته سبحانه فيك وفيما حولك تجد العجب، و«أنت في كنف ستره مقيم، وفي سعة فضله متقلّب، فلم يمنعك فضله، ولم يهتك عنك ستره، بل لم تخلُ من لطفه مطرف عين». فهل يليق بالعبد مقام غير التّذلّل والمسكنة!

«وجاء في الدّين الاهتمام بأنس الإنسان بالله سبحانه؛ فإنّه جزء ممّا جبل عليه الإنسان، ينتفع به في جميع أحواله - لا سيما في حالات الوحدة، والغربة، وجفاء النّاس، وشدائد الحياة - ويبثّ إليه همومه، ويناجيه في أمر ما يعانيه، كما جاء ما يفيد أن الله سبحانه يحبّ خلقه، ويأنس بهم، ويحبّ شكرهم له وذكرهم إيّاه، حتّى جاء أنّه اتّخذ ابراهيم خليلًا، وجاء: (فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون)».

منهج التّثبّت في الدّين | ٢ | ص٤٤٤.

فهذا حاله فيما وجده، وذاك حاله فيما فقده!
قال السيّد العلّامة رفع الله مقامه: «والإنسان الماديّ الدنيويّ الذي لم يتخلّق بأخلاق الله تعالى ولم يتأدّب بأدبه يرى السعادة المادية هي السعادة ولا يعبأ بسعادة الروح وهي السعادة المعنوية، فيتولّع في اقتناء المال والبنين والجاه وبسط السلطة والقدرة. وهو وإن كان يريد من قبل نفس هذا الذي ناله لكنّه ما كان يريد إلا الخالص من التنعّم واللّذه على ما صورته له خياله، وإذا ناله رأى الواحد من اللّذة محفوفًا بالألوف من الألم، فما دام لم ينل ما يريده كان أمنية وحسرة، وإذا ناله وجده غير ما كان يريده، لما يرى فيه من النواقص ويجد معه من الآلام وخذلان الأسباب التي ركن إليها، ولم يتعلق قلبه بأمر فوقها فيه طمأنينة القلب والسلوة عن كلّ فائتة، فكان أيضًا حسرة، فلا يزال فيما وجده متألماً به، معرضًا عنه، طالبًا لما هو خير منه، لعلّه يشفي غليل صدره وفيما لم يجده متقلّبًا بين الآلام والحسرات. فهذا حاله فيما وجده، وذاك حاله فيما فقده»!

تفسير الميزان: ج٣، ص١١

كانت تذوب!
في كتاب البداية والنهاية لابن كثير، قال: «من طريق الزهريّ، عن عروة، عن عائشة: أنّ فاطمة عاشت بعد النبيّ صلى الله عليه [وآله] ستّة أشهر، ودفنت ليلًا، ويقال: إنّها لم تضحك في مدّة بقائها بعده عليه السلام، وإنّها كانت تذوب من حزنها عليه، وشوقها إليه».
ج٦، ص٣٦٧
وأرشد إليه بعض أساتذتنا الأفاضل دامت بركاته.

في ظهيرة هذا اليوم قتلوا حسينًا، وأهرقوا دم جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله. قتلوا واحد الزّمان، ورفعوا رأسه على السّنان. لهفي له لقد عرجت روحه المعذّبة، وخرجت نفسه عطشانًا مبضّعًا، وبقي ثلاثًا في صحراء نينوى غير مقبور، مفترشًا الأرض ملتحفًا السّماء!
في عاشوراء ارتحل غيرة الله وخليفته، وبقيت حرائر بيت النبوّة لا يحول بينها وبين الأعداء حائل، ألا فلتدمع العين، ويذوب الحشى!

فـ للّه من خطب له كلُّ مهجة
يحق من الوجد المبرّح تتلف

إنّا لله وإنّا إليه راجعون.
أعظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام، وجعلنا وإياكم مِن الطَّالبين بثأره مع وليِّه الإمام المهديّ من آل محمَّد عليهم السلام.

ومنعطفٍ أهوى لتقبيل طفله
فقبّل منه قبله السهم منحرًا
لقد وُلدا في ساعة هو والردى
ومن قبله من نحره السهم كبّرا

يا رسول الله!

الشيخ عبد الوهّاب الكاشي رحمه الله.