ويُكره كلُّ ذي تعصّبٍ ولو كان الحقّ بين يديه أجلى من الشمسِ، وأبينَ من النور، ولو كنتُ وصاحبَ تعصّبٍ من الموافقة على أمرٍ بحيث نكاد لا نختلف لاختلفتُ معه على تعصّبه وتشدّقه بالأمر. فثمة بونٌ شاسعٌ بين صاحب الكلمة وبين المتعنّت بها حتى يؤلّه نفسه في كل ما يقول.

ولو لم أجد العلمَ إلا من صاحب تزمّت في عقله ولو كان الحقّ عينه لطرحته ورضيت الجهلَ ما وسعني العيش!

اللهم إنا نعوذ بك من أن نُحجبَ عن الحقّ بحجابٍ، ولا تذقنا طعم أنفسنا.

مسكينٌ ابنُ آدم، مكتومُ الأمل، محتومُ الأجل، مكنون العلل، محفوظ العمل، يتكلّم بلحمٍ، وينظر بشحمٍ، ويسمع بعظمٍ، أسير جوعةٍ، وصريع شبعةٍ.
تؤذيه البقّة، وتنتنه العرقة، وتقتله الشرقة، لا يملك لنفسه ضرّا ولا نفعا، ولا موتا ولا حياةً ولا نشورا.

الحسن البصري رحمه الله

《 إنّما يسقيك من قد زرَعك! 》

"أتعِب قدَمك .. فكم تعَبٍ قدَّمك"

سيّدي وحبيبي:

"وأنت بابُ الله أيُّ امرئٍ
أتاه من غيرك لا يدخلُ!"

عليك صلاة ربّي وسلامه تسليما كثيرا.

في جنّةٍ ما شاقَني من وصفها
إلا لكون الحبّ فيها خيّما

ما زمزم الحادي بذكر نزيلها
إلا وأنعشني إذا ما زمزما..

فمتى أراها لاثمًا لترابها
يا ليتني للتّرب ذلك ألثما.

"من الفراغِ تكون الصبوة!"

نكتة:

حاجة العبد لا نهاية لها فلهذا لو أعطي كل ما في العالم من الأجسام فإنه لا يكفيه لأن حاجته غير متناهية والأجسام متناهية، والمتناهي لا يصير مقابلا لغير المتناهي بل الذي يكفي في الحاجة الغير المتناهية الكمال الذي لا نهاية له، وما ذاك إلا للحق سبحانه وتعالى؛ فلهذا قال: ﴿ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾.

[التفسير الكبير].

عرّج الإمام السنوسي -رحمه الله- في مقدماته على مبدأي التفويض والتأويل فيما امتنع ظاهره، فذكر في جملة ما ذكره قوله تعالى :《اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ 》
وأورد من ضمن تأويلات العلماء لها قولا عذبا وهو: احتمال أن يكون اللفظ خرج مخرج الاستعارة أو التشبيه البليغ؛ بأن جعل العدم كظلمةٍ استتر فيه وجود الكائنات من السموات والأرض وما بينهما، ولما توقف خروجها من العدم إلى الوجود في ذواتها وصفاتها على إيجاد المولى العظيم تبارك وتعالى لها؛ كما توقف ظهور الأشياء المستترة بالظلمة على انتشار النور عليها.. فأطلق بهذا الاعتبار على المولى جل وعلا أنه نور السماوات والأرض ولجميع الكائنات؛ بخلقه لها أولا، وإمدادها ثانيا؛ بإبقاء ذواتها بما والى عليها من نفقات الأعراض المتكاثرة كثرة لا يحصي عددها إلا هو جل وعلا!

فلولا المولى تبارك وتعالى بما نشر على وجود الممكنات من أنوار قدرته وإرادته وعلمه، لوجب بقاؤها في ظلمة العدم أبد الآباد.. ولهذا إذا طوى سبحانه عن هذه العوالم ما نشر على وجودها من نور تعلّقِ صفاته بإبقائها وإمدادها.. خربت وفنيت، ودخلت في ظلمة عدمها الذي كانت عليه، حتى يقابلَ أيضا وجودَها بأنوار قدرته وإرادته وعلمه عند البعث والنشأة الثانية، فتصبح حينئذٍ ترفل في أثواب وجودها ذاهبة وجائيةً، كلٌّ صائرٌ إلى ما حكم به المولى العظيم -جلّ وعلا- وأراده في أزله.