خيرُ رَفيقٍ، الزوجُ الصَّالِحُ..

ربّنَا يُزوِّجكُم.

لا أؤمن بفرديةِ الرحلةِ، ولا أرى شجاعةً فيها، ولا أستسيغ مدحَ الوحدةِ والعزفَ على أوتارِ التفرُّدِ، ولا أتمنى أن تبقى رحلتي فرديةً، فمن منّا لا يود أن يقتحمَ الحبُّ بابَ قلبه، ويروّضَ نفسَه بالدعاءِ بأن يجدَ شبيهَ روحِهِ؛ فنسيرَ خفافًا غيرَ مبالينَ بعثراتٍ وعرقلاتِ الحياةِ، ينجلي عنَّا الهمُّ من فرطِ أُنسِنا.

مُنذُ علمتُ بخبرِ وفاةِ أبا ضياء، وما أتخيلُ إلا الجنةَ، وهي تركضُ نحوَهُ روحُ روحهِ ويضمُّها إليهِ، ضمَّةً لا يُعقبها فقدٌ، ضمَّةً لا يُصحبها ألمٌ، ضمَّةً تجمعُ الحنونينَ بنعيمٍ أبديٍ لا ينقطعُ..

يُروى أنَّ الأرواحَ الطيبةَ التي فارقتْ أحبابَها على هذهِ الأرضِ، تجتمعُ في رحمةِ اللهِ، وتلتقي في دارٍ لا تعبَ فيها ولا نصبَ، وكأنَّ أبوابَ الجنةِ فُتحتْ على مصراعيها لاستقبالِ أبا ضياء، ليجدَ هناكَ كلَّ ما كان يتمناهُ ويسعى إليهِ.

في جناتِ النعيمِ، فيها الأمانُ لا يفارقُ القلوبَ، والفرحُ لا يُخذلُ أبدًا، يتلاقى الأحبةُ على ضفافِ الأنهارِ، وتحتَ ظلالِ الأشجارِ، وكأنَّ روحَ أبا ضياءَ بوجهها البريءِ.

يا ليتَ كلَّ مكلومٍ، وكلَّ مَن فقدَ عزيزًا، يتذكرُ أنَّ الرحمةَ الإلهيةَ لا تتركُ أحدًا، وأنَّ اللقاءَ تحتَ ظلالِ الرحمنِ هو وعدٌ حقٌ؛ فسلمت الروحُ، وبُشِّرتْ بنعيمٍ لا يُعقبهُ شقاءٌ، وراحةٌ أبديةٌ هي غايةُ كلِّ مشتاقٍ.

إنا للهِ وإنا إليهِ راجعونَ.

شيئان أوجعا قلبي في حادثةِ أسيوط:

أول شيءٍ، كانت هناك أمٌّ لطفلتين بداخلِه، وبعد تسلل المياه إلى داخلِ الميكروباص وعدم وجودِ سبيلٍ للنجاة، فتحت الأمُّ زجاجَ السيارةِ ورمت طفلتَها على البرِّ، أما الأخرى، رمتها فسقطت في البحرِ، فتخطفها الناس، ومن ثَم غرق الميكروباص بالأمِّ ومن فيه.

ثاني شيءٍ، شنطةُ الشابِّ التي كانت بداخلِ الميكروباصِ بعد رفعِه من المياه، شنطةٌ بداخلها أحلامٌ وأهدافٌ وأماني كثيرةٌ، بلحظةٍ بلحظةٍ انتهت.

كان الحزنُ يلفُّ المكان، والعيونُ تملؤها الدموع، والألمُ يعصفُ بالقلوب، أصواتُ البكاءِ والنحيبِ تترددُ في الأرجاء، والأملُ الضائعُ يتسربُ من بين الأيدي.

الحياةُ تستمرُّ، لكن الذكرياتُ تظلُّ محفورةً في الأذهان، تخبرنا دومًا أن الموتَ لا يعرفُ عزيزاً، وأنه يأتي على غفلةٍ ليخطفَ منا من نحب.

رحمَ اللهُ من فقدناهم،
وأعانَ اللهُ من بقيَ ليُعاني الفِراق.

خيَّم الحزنُ على أسيوط اليومَ، إذ سقط ميكروباصٌ في المياهِ، ولم ينجُ منه إلا اثنان فقط.

شيءٌ أضحكني من أعماقِ قلبي..

رأيتُ مقطعًا، فيه الأسرى يهرولون بعد فتح أبواب السجون، وإذا بواحدٍ منهم يسأل، إيش اللي صار؟! قالوا له سقط النظام. فقال: عااااا وأخذ يركض.

بخصوص التحفيظ، نشرت الإعلان عنه وحذفته لأنه عدد كبير سجل، لكن أخذت منهم مجموعة صغيرة؛ لأني بالأجازة يكون عندي مشاغل زيادة، فإن شاء الله مع بداية الدراسة نعلن عن مجموعة ثانية.

سأسردُ لكم موقفًا حدثَ معي هذا العامَ في الحياةِ الجامعيةِ، يوضحُ لكم مدى غربةِ الدينِ هناك..

جلسنا بعدَ انتهاءِ السكشنِ، وكانَ متبقيًّا نصفُ ساعةٍ لنخرجَ؛ فجلستْ الدكتورةُ تحدثُنا وتمازحُنا، وإذا بها تخبرُنا عن علاقتِها بصديقِها الشابِّ، ومنذُ أنْ بدأتْ الحديثَ وددتُ لو خرجتُ منذُ أنْ تحدثتْ، لكنْ بقيتُ احترامًا لقواعدِ المكانِ، فأخذتْ تعددُ لنا صفاتِه، وتمدحُ محاسنَه، وتشكرُ مواقفَه معها، ومدى إخلاصِه لها، وأنه كانَ أفضلَ مِن صديقاتِها الفتياتِ، فقطعتُ عليها كلامَها وسألتُها: حضرتك متزوجة؟ فقالت: آه، لكن زوجي يسافرُ دائمًا.. وكذا وكذا. وأخذتْ تذكرُ مدى حريتِها، وعدمِ تقيدِها به، وأنها تفعلُ ما يحلو لها.

فأخذتْ الفتياتُ تحدثْنَها عن أصدقائِهنَّ الشبابِ أيضًا؛ لأنهنَّ شعرنَ بأنَّ الأمرَ عاديٌّ، وهي تقولُ لهنَّ: لا بدَّ أنْ يكونَ هناك صديقٌ شابٌّ في حياةِ البنتِ، ورأيتُ في وجوههِنَّ الاستجابةَ، لكني -ورغمَ تحفظي- رفعتُ يدي، وقلتُ: تسمحي لي أنْ أخبركِ بشيء؟ قالت: تفضلي.

قلت لها: حضرتك محجبة، فالأكيد أنكِ مسلمة، وفي الإسلامِ لا توجدُ علاقةٌ بينَ الرجلِ والمرأةِ إلا الزواج، أما الارتباطُ تحتَ مسمى الصداقةِ فهذا لا نعلمُه إلا بينَ الدوابِّ فقط أعاذكِ اللهُ، وأما عن علاقاتِكِ تحت مسمى حريتكِ، رغم زواجكِ فهذا تقليدٌ للغربِ، ولا يمدُّ للإسلامِ بصِلةٍ.
وعددتُ لها الآياتِ والأحاديثَ، وسردتُ لها دروبًا في شمائلِ أمهاتِنا المؤمناتِ، ومدى تحفظهنَّ.

فأخذت تنكرُ عليَّ بقولِها: لكنَّ كلَّ رجالِ الصعيدِ يعرفونَ نساءً على نسائِهم، يعني الأمر عاديّ ومألوف كمان. فقلتُ لها: بعيدًا عن أنَّ التعميمَ جريمةٌ، وبعيدًا عن أنكِ قلتِ رجال وليس نساء، لكنَّنا لا نألفُ الحرامَ وإن تمَّ اعتيادُه، ولا نأخذُ الدينَ ممَّن يفعلُ نقيضَه.

وقولُكِ بأنَّنا نتخذُ رجالًا أخدانًا لنا، فهي دعوةٌ للمنكرِ وليست حريةً أو تحضرًا.

فأخذت اسمي حينها، وأنقصتني في أعمالِ السنةِ، فكانَ تقديري في الفصلِ الدراسيِّ الثانيِّ جيدًا جدًا، رغمَ أنَّ الفصلَ الأولَ كانَ امتيازًا.

وكالعادةِ، حينها اتصلتُ بأبي بعدَ انتهاءِ السكشن، وكانَ مؤيدًا لي جدًا، برغم أنه دائمًا يقولُ لي: تجنبي الاصطدامَ بالدكاترة هناك.

لكن هذه هي ضريبةُ الدعوةِ إلى الله.

بخ!?

للمُقبلينَ على الجامعة:

خُذُوا معَكُم دينَكُم؛ فَالدِّينُ هُناكَ غَرِيبٌ.