…

ثمّ ألتفت إلى نفسي لأتبين كيف أنّي بتّ لا أستطيع أن أضع حدا فاصلا لما يعتريني من مواجد وأحزان..أو بشائر وأفراح بين ما هو خاص وما هو عام..
بين ما يعنيني وما يعني أمتي…
وأجدّ أنّ ذلك الفاصل إن كان موجودا قبلا..فقد جعله فقد أمي في زمن الطوفان يتضاءل حدّ التلاشي..
لم أكن أفرق بين حزني على فقد أمي ..وحزني على أمتي..
كلاهما حزنان كان يقعان مني موقعا واحدا..ويحركانني في الوقت آنه لأكون في الجهة التي يريد ربي أن أكون فيها ..قولا وعملا..وتسليما له ولقضائه وإرادته..
إنّني إن تعلمت من عام الحزن هذا شيئا وأدركته حقّ الإدراك.. فهو أنّ المرء ليس ينجو من هذه الدنيا وخطوبها ومآسيها ونفسه منقسمة على كلّ مناحيها..تجري في كل واد.. ليس ينجو إلّا أن يجعل حياته كلّ حياته تصدر من مصدر واحد وتمضي لغاية واحدة في كلّ انفعالاتها ومشاعرها ودوافعها وأعمالها..قدر ما يستطيع ويقدر..

وتلك هي وصية حبيبي المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه..
ولست أرى أهلنا في غزة نجو وأفلحوا إلّا بها..

روى الحاكم عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: « مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمَّاً وَاحِدَاً كَفَاهُ اللهُ هَمَّ دُنْيَاهُ، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ لَمْ يُبَالِ اللهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَةِ الدُّنْيَا هَلَكَ».

هذه حياة.. وكلّها ستمر.. وكلنا سنرحل.. والموعد الله.. وفي الجنّة فحسب..الأمان الكامل..واللقاء الدائم..والحياة الخالدة..

(وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إنّ ربنا لغفور شكور)

رحم الله أمي برحمته وجعلها في عليين، تقبل الله جهاد غزة، كتب الله لأهلها أجر الشهادة والجهاد، شفى جراحهم وأبدلهم بعد خوفهم أمنا وأمانا وعزا وانتصارا… وأذهب عنهم كلّ حزن..إنّه ربي غفور شكور ..لطيف لما يشاء…

#في_صحبة_أمي

في صوت أنس ..صوت كلّ شهيد قضى نحبه..
صوت الحقيقة الذي بذلوا أرواحهم لينقلوها لنا وللعالم..شهداء على زيف هذا العالم وبطشه وظلمه..

ليهنأ الشهداء..وليعد الحقّ لأهله ولو بعد حين..
وعلى أعتاب التحرير ..سنسمع صوتهم جميعا ذات يوم..يبشر بنهاية هذا الكيان المسخ…وعودة الأرض كلّ الأرض لأصحابها…

من الحصون التي يعتصم بها المؤمن كلما تملّكه الشعور بالعجز؛ النية .. نية الشهادة والمُراغمة والمُغالبة ومُصابرة الضعف، نية التجلّد عند المشقة وتحمُّل المكارِه والثبات حين يشتد البلاء..

لذلك قيل: "رُبَّ عملٍ صغير تُعظّمه النية"، وكانوا قديمًا يُعدُّون النية إعدادًا.. لو صدق المؤمن في نيته، بلغ بها ما لم يبلغ بعمله!
قال الحسن البصري: "إن الله ليرحم بالنية الصالحة ما لا يرحم بالأعمال الصالحة، لذلك جعل النية قبل العمل وشرط العمل".