قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألَا لا يَمنَعَنَّ أحَدَكم رَهْبةُ النَّاسِ أنْ يقولَ بحَقٍّ إذا رَآهُ أو شَهِدَه؛ فإنَّه لا يُقرِّبُ من أجَلٍ، ولا يُباعِدُ من رِزْقٍ؛ أنْ يقولَ بحَقٍّ أو يُذكِّرَ بعَظيمٍ".

نفثة مصدور:
------
اليوم وقد استشهد تقريبا قادة الصف الأول والثاني في القسّام -رحمهم الله جميعا وتقبّلهم- لا تسمع من يقول: حماس مخترقة، حماس لم تجهّز للمعركة، الجواسيس تفت في عضد المقاومة، وهم ليسوا كذلك بإذن الله.

ولكن حين يُغتال هذا الكم من القادة الذين جهزوا لهذه المعركة أيما تجهيز وأعدوا لها أيما عدة، فلا جرم أن يُستشهد غيرهم من قيادات في فصائل أخرى، جهزوا كما جهزوا وأعدوا كما أعدوا وما ضعفوا وما وهنوا وما استكانوا!

فالعدو يمتلك أحدث التقنيات للتجسس والتتبع، ويساعده في ذلك كل دول العالم (المتحضرة الإنسانية الرقيقة)، وفي وطننا العربي بل وفي العالم كله مِن ضعاف النفوس مَن يقبلون معاونته مقابل متاع قليل من الدنيا = وهذا كله يجعل اغتيالهم للقيادات في تاريخ الصراع شيئًا مألوفا وغير مستغرب ما دامت المقاومة هي المقاومة، التي تقاتل من بين أهلها وعلى أرضها، وبما خوّلهم الله من عتاد غير مبتغين أحدثه ولا منتظرين أشده فتكا، وليسوا في بروج مشيّدة ومحصنة أو أنفاق لا يُستطاع ضربها بكل ما يملكه العدو من قنابل خارقة للتحصينات، ولا يمتلكون أقوى الدفاعات الجوية في العالم!

وكل هذا أقوله لأنه حين استشهد من حزب الله قادة الصف الأول والثاني كان الكلام غير ذلك، وإنما حمل بعضَ الناس على هذا الكلام شنآنهم ودغلهم وجهلهم، فإذا استشهد شيعي كان السبب أنه لم يعد للقاء العدو، وإذا كان سنيًّا فالأمر غير ذلك، وقيل: إنما هي حرب يصطفي الله فيها من يشاء! فهلا كان الشيعي هذا ممن اصطفاه الله للشهادة!

وهذا حكم جائر، وميل عن الحق، فالذي قتل هذا هو من قتل ذاك، وعدوّنا واحد لا يفرّق بين سنوار وضيف أو نصر الله، كل من يقف أمامه شاكي السلاح مظهرا لعداوته مكشرا عن أنيابه سيسعى لقتله بكل ما يمتلك من وسائل وتقنيات، ولو كان الثمن في ذلك تسوية أحياء كاملة بالأرض.

فلا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى، وهذا إن كان لا بد من شنآن، فكيف والكل مسلم؟! والكل يشهد ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، والكل يسعى لتحرير الأرض والذود عن العرض، والكل يبذل الغالي والنفيس، والكل ينفق الطارف والتليد، أفلا يتفكرون!

وأذكّر هؤلاء أن حسن نصر الله، لم يُطلب منه دخول هذه المعركة، وكان يكفيه أن يدعو بدعوى الجاهلية على مذهب هؤلاء الجهّال ويقول: نحن صنعنا حربنا في ٢٠٠٦ والآن هي حرب السنة فليرونا صنيعهم! فما فعل الرجل ذلك، وإنما وضع الحزب كله -وهو أكبر ميليشيا في العالم كله- تحت تصرف المقاومة، ووعد بألا تقف جبهة لبنان ما لم يقف القتال في غزة، وقال الأمر أمر المقاومة في غزة، ورفض أن تُفصل جبهة لبنان عن جبهة غزة ولو كلف ذلك روحه - وقد كان ذلك!- أما يكفي من هضم النفس والتعرض لمواطن القتل والصدق في الوعد والزهد الدنيا مما أظهره الرجل حتى تعدل في حكمك عليه؟ ومع ذلك كله فقد أفضى الرجل هو وغيره لما قدموا، وكلنا بهم لاحقون، وكلنا مسؤولون، والله هو العدل وعنده لا تضيع الحقوق.

الدولة هي التي تختار متى تكون شهيدا.

والدولة هي التي تختار متى يجوز نصرة أخيك المسلم.

والدولة هي التي تفتي متى يكون الجهاد جهادا في سبيل الله، ومتى يكون ارهابًا ومغامرة غير محسوبة.

الدولة هي دين المرء في الفلسفة الحداثية.

أما نحن، فمبلغ علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم توفاه الله وقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكرنا منه علمًا، قال: فقال صلى الله عليه وسلم: «ما بقي شيء يقرِّب من الجنة، ويباعد من النار إلا وقد بُين لكم».

فما أمرنا به فهو الواجب، وما نهانا عنه فهو الحرام، فالمسلم مرجعيته ثابتة ودينه لا يتبدل ولا يتغيّر، وإنما حُرفت الشرائع عند أهل الكتاب حين راموا تزييفها وترقيعها وتفصيلها لتلائم ملوكهم وكبرائهم، وديننا والحمد لله محفوظ من ذلك بإذنه تعالى.

من مهازل التاريخ وعجائبه، أن شعوبًا ودولًا برمّتها تدفع ثمنَ قرار شخص واحد متعجرفٍ جعظري جواظ متكبر متذاكٍ متلبسٍّ بما لم يُعطَ فرح بما عنده من لا شيء = قرر أن يبعد مصرَ وشعبها عن خطوط المواجهة، ويعقد سلامًا منفردًا وهدنةً أزليّةً مع الكيان المحتل، فكانت القاصمة، والحالقة التي حلقت الأواصر التي تربط العرب وتوحّدهم وتجمع شملهم، ووتّدت أقدام الولايات المتحدة في المنطقة، وأمنّت إسرائيل من عدوّها الأول وأقرب خصومها من تخومها وأكثرهم عددًا وأعزهم نفرًا، وبددت الشعوب العربية ومزّقتهم شر ممزق، وخلقت شعبًا تافهًا أنانيًّا يزعم أن أجداده غير أجداد العرب، وتاريخهم بمعزل عن تاريخ العرب.

كل هذا بدأ من كامب ديفيد وما سبقها، بدأ من قرار "السادات" وحده، ومن يقرأ تاريخ هذه الفترة يعلم علما لا يشوبه شك - أنه قرار شخص واحد لا أكثر، فليته كان هلك قبل أن يبرم هذه المعاهدات، وليتنا نعيش حتى نرى هذه المعاهدات وهي ممزّقة، ونرى شعبنا وهو في مكانه الصحيح، ونرى أمّتنا كما أراد الله لها أن تكون، لا كما أرادت لها أمريكا وحلفاؤها المستخذون لها.

وليس في قولي شطط في القول، ولا جور في الحكم، ولا حيف على أحد، ولكني كلما ذكرتُ ما فعله هذا الهالك، ذكرته وفي الحلق شجى، وفي العين قذى، وفي القلب لهيب، لا يخمده إلا يوم تعود فيه الأمور إلى نصابها، وتقوم الأمّة فيه من سباتها.

ومع ذلك فلا أحمّل كل المصائب لهذا الرجل المغرور، ولا أقول أننا قبله كنا في أوجّ وحدتنا وأفضل حالنا، ولكنّها كما قلت: كانت القاصمة، التي لم تقم للعرب من بعدها قائمة، ولم يحاربوا يهود بعدها حربًا واحدة مجتمعين، ولم يرموهم عن قوس واحد، والله حسبنا ونعم الوكيل.

قال مُجّاعة بن مُرارة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه: ”إذا كان الرأي عند من لا يُقبل منه، والسلاح عند من لا يستعمله، والمال عند من لا يُنفقه، ضاعت الأمور“

لن أعلّق على هذا الهذيان سوى قوله: (وهذه منتقبة تلبس ثيابًا أنيقة مطرّزة ومزخرفة فتلفت أنظار الرجال إليها وتظن أنها مستترة وهي تلبس ما يغضب ربها) انتهى المراد من كلام الفقيه العلامة.

فيه ما فيه من جهل وضيق عطن وقلة فقه، وهي "شنشنة أعرفها من أخزم"، فلا ضير أن يقول امرء ذلك، وقد قال من قبله شيخهم المبجّل وفقيههم المفخّم أن المرة إذا أسدلت النقاب على وجهها وسترت كل جسدها ولكن كان "شرابها لونه بيج" فهي ضالة مضلة تفتن بذلك الرجال وتطمعهم فيها!!

وأنا أسأل: أي الرجال هؤلاء الذين تفتنهم جوارب النساء! وأي رجل هذا الذي تفتنه المنتقبة إذا كان في لباسها زخرفة؟! وأي دين هذا الذي يغضب فيه الله عز وجل على المرأة لأنها سترت كل عورتها ولكن كان في ثيابها تطريز؟ ومن أي سلف أخذوا حين جعلوا لباس المرأة سوادًا وإلا كان تبرجًّا؟!

ألا يكفي هؤلاء ما ولّدوه في مجتمعاتنا من أمراض نفسية؟ ألا يكفيهم ما غيّروه وبدلوه في دين الله حتى صار الزنا جريمة المرأة وحدها والرجل في كل ذلك معذور مفتون وكأنه سيق إلى المرأة ودُعّ إليها دعًّا رغما عن أنفه!

وسيرى هؤلاء كلامنا تقرّبًا إلى النساء واستعتابا لهنّ، ذلك لأنهم قوم أجلاف لا يأخذون من دين الله إلا ما يرضيهم -وليتهم يفعلون ذلك ولكنهم يغيّرون ويبدّلون في ما أخذوا!- ، وقد مكّنهم الله في بعض بلاد المسلمين فرأينا صنيعهم وما جنت أيديهم، فكانت المرأة إذا أرادت أن ترفع النقاب لتشرب زجروها ونهوها وأنكروا عليها أمرها، فعمّن أخذوا هذا الفقه؟ ومن سلفهم في ذلك؟ لا أدري!

والعمل يا فندم؟
- ماسبولناش حل تاني، هنعمل الاختيار ٤ في رمضان وأمرنا لله..

قال ابراهيم بن أدهم: أعربنا كلامنا فما نلحن، ولحنّا في أعمالنا فما نعرب حرفًا، وأنشد:
نرقّع دنيانا بتمزيق ديننا
فلا ديننا يبقى ولا ما نرقّعُ

قد يكون من الواضح للجميع أن أهداف إسرائيل من هذه الحرب التي بدأتها تتركز في أربعة أهداف رئيسة: ١- إعادة سكان الشمال. (لم يتحقق هذا الهدف، ويكاد يكون من المستحيل تحقيقه دون دخول بري يزيح به الكيان الخطرَ من جنوب لبنان، بل إن عدد النازحين في شمال الكيان قد…