في سبيل عرض الأدلة العقلية على الإيمان بالقرآن الكريم يقول أبو بكر الجزائري:

قد تُتُبِّعت تنبؤاته [أي القرآن] فكانت وفق ما تنبأ به تمامًا، كما تُتُبِّعت أخباره فكانت طبق ما قصه وأخبر عنه سواءً بسواء، كما جُرِبّت أحكامه وشرائعه وقوانينه فحققت كل ما أريد منها من أمن وعزّة وكرامة*، وعلم وعرفان.

ثم علّق في الهامش*: مصداق ذلك ما حدث في المملكة العربية السعودية فقد اختل الأمن في أرض الحجاز وعمت الفوضى وكثر السلب والنهب حتى أصبح الحاج لا يأمن على ماله ولا على نفسه، وما أن أُعلِن عن دولة القرآن** حتى عم البلاد أمن شامل لم تر مثله منذ أن كانت دولة الراشدين رضي الله عنهم.

- ١٣٨٤هـ
- ١٩٦٤ م

"فإن للإيمان حلاوة من لم يذقها فليرجع ولقتبس نورًا يجد به حلاوة الإيمان".

- الشيخ عبدالرزاق البدر

تعلُّم الإيمان يورثه، وتعلم الأسماء الحسنى يحقق للمؤمن ثمراتٍ عديدة، ومن ثمرات الإيمان باسم الله تعالى: (القوي) ما ذكره الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن، حيث يقول:

"هذا وإن إيمان العبد بهذا الاسم يثمر فيه انكسارًا بين يدي الله وخضوعًا لجانبه وخوفًا منه سبحانه ولجوءًا إليه وحده، وحسن توكل عليه، واستسلامًا لعظمته، وتفويض الأمور كلها إليه، والتبرؤ من الحول والقوة إلا به.

ولهذا كانت كلمةُ «لا حول ولا قوة إلا بالله» جليلة الشأن كبيرة القدر عظيمة الأثر، كنز من كنوز الجنة كما جاء في الحديث المتفق عليه.

وهي كلمة إسلامٍ واستسلام، وتفويضٍ والتجاء، وتبرؤٍ من الحول والقوة إلا بالله، وأن العبد لا يملك من أمره شيئًا، وليس له حيلة في دفع شر، ولا قوة جلب خير إلا بإذن الله، ولا تحول للعبد من معصيةٍ إلى طاعة، ولا من مرض إلى صحة، ولا من وهنٍ إلى قوة، ولا من نقصٍ إلى زيادة= إلا بالله! ولا قوة للعبد علىٰ القيام بأيِّ شأنٍ من شؤونه إلا بالله.

ومن قال هذه الكلمة محققًا ما دلت عليه من التوكل والتفويض وحسن الالتجاء هدي ووقي وكُفي، وكان من أقوى الناس قلبًا وأحسنهم حالًا ومآلًا".

- كتاب فقه الأسماء الحسنى

{ يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ }

‏آيه واحدة مهما كانت الحياة كبيرة في عينيك تُبسّطها وتذكرك بصغر حجم الحياة ومطالبها وأن الآخرة هي دارنا وقرارنا?

قالﷺ: طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرًا

شتّان بين الواقع اللي نعيشه
وأحلامنا اللي مثلنا ما تجرّا

الحلم من صدرك لحد الدريشة
والضيق من حد الدريشة و برّا

- زياد الحربي

أدرك ابن الرومي صوم شهر رمضان في ذروة الحر تحديدًا في شهر آب ،فقال:

شهر الصيام مباركٌ
ما لم يكن في شهر آب
خفت العذاب فصمته
فوقعت في نفس العذاب

والله أنه ضحكني ،ما أدري هل هي سخافة مني أو أن البيتين فعلًا مضحكة؟

"فإنّ في سماع أخبار الأخيار مقوّياً للعزائم ومعيناً على اتباع تلك الآثار، وقال بعض العارفين: الحكايات جندٌ من جنود الله تقوى بها قلوب المريد. ثم تلا قوله عزوجل لرسوله صلى الله عليه وسلم: (كلا نقصّ عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين)"

- ابن رجب الحنبلي

مما لا ينكره عاقل أن للقصص والحكايا تأثيرها البيِّن على النفس البشرية ،ولذلك اعتمدت الكتب السماوية على سرد الأخبار لإيصال بعض الأفكار والمعاني ،وكذلك حاول أباطرة فن الرواية التعبير عن مشاعر الشعوب والكشف عن مقاساتها لأشد أنواع المعاناة وطأةً من خلال صياغتها في قالب قصصي رائع.

ومن صور تأثير الحكايا على الناس: أن المولع بأخبار التاريخ -مثلًا- وصفحاته البطولية تجد أن طبيعة ما يُطالعه ينعكس -بطريقة أو بأخرى- على شخصيته وصفاته ،وكذلك المهتم بمجالٍ من المجالات إن اطلَّع على سير سابقيه من الأعلام تثور ثائرة أحاسيس الحماسة في صدره فيزداد عطائه وبذله ،وعلى ذلك قس.

كانت الحكايا إحدى وسائل تربية الناشئة وتقويم أفكارهم وتثبيت مبادئهم. ويروى في هذا السياق أن موكب مراد الثاني عندما خيم بالقرب من القسطنطينية في إحدى أسفارهم ،كانت والدة محمد الفاتح تأخذه وقت الفجر ليشاهد أسوار هذه المدينة المستعصية وتخبره بأنه من سيفتحها ،ومن ثم تسرد عليه طرفًا من بطولات المسلمين وشيئًا من أمجاد أجداده وبني جلدته ،وكان لهذا تأثيره الواضح على عقلية الفاتح.

الجدير بالذكر أنها ضمّت قصص أسلافه الأتراك إلى جانب عامة حكايا المسلمين ،وهذا مما لا يجب إغفاله؛ فأنا أرى أنه كلما اتسعت دائرة الحكاية قل تأثيرها ،وكلما انكمشت وتقلَّصت وكانت أقرب إلى المستمع استفحلت في هيمنتها النفسية وفي بسط نفوذها على العاطفة بشكلٍ أعمق ،فالفتى حين يستمع إلى أخبار من سلف وعاش في القرون الغابرة ،ليس كمن يستمع إلى حكايا أجداده المتصل معهم بالدين والدم وهم إلى ذلك ممن عاش قريبًا -نسبيًا- ،فأخبار القبيلة والأجداد لها سطوتها الفعّالة على نفسيات الأبناء والأحفاد وهذا مما لا يختلف فيه عاقلان ،وفي هذا المعنى يقول عبد الله بن زويبن الحربي:

وأخذت مع ميدان الأفكار مرواس
عن ماضيٍ ما يستحق التناسي
مجد تفيض له المشاعر والإحساس
ويغار منه الي براسه تناسي
إليا ذكرت أفعال ربعي مع الناس
قام إيتزايد للمراجل حماسي
وقامت رقبتي ترتفع فوق نوماس
شـوي وإلا يوصل الغيم راسي

يقول أنه بعدما أبحر مع أفكاره تذَّكر ماضي أجداده وأمجادهم التي تفيض لها مشاعره وأحاسيسه ،وهو عندما يتذاكر صولاتهم وجولاتهم وذيوع صيتهم بين الناس بالخير والإقدام؛ تحمَّس ليكون مثلهم في الشجاعة والرجولة وأشتد إقدامه للفوز بمكارم الأخلاق التي تزيَّن بها الآباء ،ومن شدة تأجج نيران النوماس والحماسة ارتفعت رقبته عاليًا من الفخر حتى شارفت عنان السماء.

وإذا تقلَّصت دائرة الحكاية أكثر وباتت تدور حول الأب كانت أشد وطأةً على الأبناء والوِلدان وأكثر إعمالًا في اللُب والوجدان ،وهي مع ذلك تُلقي ثِقل المسؤولية على عاتقهم ،فالابن حين يستمع إلى ما كان عليه أبوه من الطِيب والمكارم تأثر بذلك ولا بد. والشاعر سلطان بن عبَّاس يؤكد على أن أبناء الطيبين لا يمتلكون خيار إلا أن يجارونهم في الطِباع والمروءة ،ويجب أن يجاهد الابن الأصيل نفسه ليكون نسخةً لأبيه في الخير ،فيقول:

هذا قدرنا نطيـب ومالنا مـنَّه
يطالع الرجل أبوه وينسخ فعوله
أتعبني أبوي جعل أبوي فالجنة
ما جيت نصه ولا ربعه ولا حوله

هذه أقسى أنواع المجاراة: أن يجاري الابن أبيه في المعالي ،فما أن يركض في ميدانٍ من ميادين الأصالة والشهامة والرجولة حتى يكتشف أن له أبًا تقدم عليه بمراحل لا ينالها إلا بطويل المكابدة والعناء ،وإذا أصر على هذا السباق الخاسر وأمعن في ركضه وحمل نفسه على قطع هذه المسافات الشاقة؛ سيُدرك أنه مهما ضرب أكباد إبله في السير والوصول إلى مرتبة والده لن ينالها ،وسيردد لسان حاله بعد القناعة أخيرًا: "اتعبني أبوي جعل أبوي فالجنة .. ما جيت نصه ولا ربعه ولا حوله" ،وقريب ذلك قول أحدهم:

يا بــوي مـاخلّيت لي شيٍ ابنيه
يا بوي درب الطيب كلّه ختمته
فـي سكتك تكثر علي المشاريه
و تصغر مواقيفي بفعلٍ رسمته

لكن يكفي الابن شرفًا أنه جارى أبيه في المحاسن فأحيا له ذكره وحفظ عليه صيته ،ويكفي الحفيد إعتزازًا أنه عاش وهو يحاول أن يكون نسخةً حيّة لأجداده في المفاخر ،وأي منزلًة ينالها من مات وهو يحاول أن يسير مستقيمًا على جادة أسلافه في الإسلام متأثرًا بأخبارهم متمسكًا بأخلاقهم ماشيًا على منهاجهم؟