ليلة من العمر
إلى اثنينية الأستاذ عبدالمقصود خوجة.
ألقيت في حفلة تكريمية للشاعر باثنينية عبدالمقصود خوجة عام ١٤٠٣ه‍ـ

أنجمٌ من سمائها تتنادى
مشرقاتٍ تسدي إلينا السدادا
كالمجرات، يأتلقنَ جميعاً
كالمجرات يأتلقنَ فرادى
كل نجمٍ ينافس النجم نوراً
وبهاءً وروعةً وامتدادا
جمع الود بينهم بالعشيا
تِ ولا يُنقص النهار الودادا

دعوة الود، قد بدت من كريمٍ
وأديبٍ، تورّث الأمجادا
عن أبٍ نابغٍ وليس عجيباً
عندما يتبع الطريف التلادا
وأشد الضياعِ أن يُنبذ الما
ضي، فتنسى الأباء والأجدادا
رائدٌ أنتَ قد ندبتَ المعالي
عندما جئت تكرمُ الروّادا
كل إثنين كوكبٌ يتجلى
في نديٍّ يجمّع الأندادا

قد تخيّرتَ بل أجدتَ اختياراً
كلما شمتَ عبقرياً تهادى
ولقد يخطئ الدليل ويكبو
مثلما تُعثر الحصاة الجوادا
مرةً عندما تخيّرتَ شخصي
فتعجبتُ أن أكون المرادا
وتصاممتُ ما أصدّق سمعي
أتراني وليسَ غيري المنادى
صدقوني فما أصدق حتى
ناظري أن يكون غشّ وزادا
نقلتني الأطياف في الحلم يا عـ
ـين فخلّ الأطياف، خلّ الرقادا
هكذا تحلم القلوب وتهفو
وفؤادي ما كان إلا فؤادا

قد تساءلتُ من أكون؟ وماذا؟
والسؤالات حُوَّمٌ تتمادى
ما أنا في عدادكم غير قلبٍ
خلب الحرف لُبَّهُ فانقادا
جئتُ هذا المساء أطلب علماً
مثلما يطلب الصدي ابترادا
فينابيعكم تهدر بالثرّ من الفـ
ـكر وتسقي العطاش والورّادا
كل نبعٍ يفيض نثراً وشعراً
كم سقى نبعه الروي البلادا
أكرموني فقوِّموني بنقدٍ
أنا أشتاق أسمع النقّادا

هذه ليلةٌ من العمر بيضا
ءَ ازدهى ليلها وألقى السوادا
فالعشيات قد تضمخنَ بالور
د، فجاءت أفوافُهُ تتنادى
وزكت زهرُها وقد جاء صفواً
خلع الشوكَ جانباً والقتادا

أتريدونَ أن نعيش صفاءً
ليس يشكو إلى الليالي النفادا
امزجوا فكركم بفيضٍ من الحـ
ـب لنحيا به فلا نتعادى
واجعلوا نقدكم من النور أصفى
ليس ناراً تؤرّثُ الأحقادا
أجدر الناس بالمحبة ناسٌ
عشقوا الحرف صفحةً ومدادا

عبدالعزيز الرفاعي

مرفأ الصمت

ليس إلا مرفأ الصمتِ رجاء
الرياح العُسر أودت بالشراع
وَهَن المجدافُ
شاخت الأهداب منهُ
ألف عامٍ خالها
في عُباب الموج والماء ضياع
شبحٌ ضلّ آثار الأفق
ضاع منه الدربُ
ألوى
ولا كيف كان البدء
لا يدري!
وكيف يكون الانتهاء
وَلِع النجم السديم الأمس
وجفّ الحرف دمعٌ ودماء
تاهَ في عبقر في يومٍ مضى
بين شِعرٍ مرقسيّ والتياع
أنّ كمانٌ بين كفّيهِ
بكى
مزقت أوتارهُ
وحشية الأحزان
تحت جدار من مساء
يا لذاك الأمس
أضحى من سراب الورد
نهباً لصراعٍ وصراع
خطَرت كالحلم في رأد ضحىً
وسَما الشعرُ
يبني من نجيمات الرؤى
شارداتٍ لم تقلها الشعراء
وسراب الورد
في رأد الضحى
خُلّب البرق خُداع
يا شراع الأمس
أيّ بحّارٍ مضى
يحضن بين كفّيه الشراع
عافت الأنجم ليلاً
ليس إلا مرفأ الصمت رجاء.

محمد الفهد العيسى

من جبال الألب

مالت ريحُ الشرق استهواها
ضحكت غمازتها
قالت أهوى الشمسَ
إذا لاحت من خلف
الجبل الأبيض
أتفاءلُ لإشراقها
لسناها
أنتَ أتيتَ مع الشمس
على صهوة شلال أشعتها؟
(أردفني) خلفكَ
خذني لمخدع دارتها
وسّدني عضُداً نجدياً
فوق جناح قصيدةَ
شعرٍ
تروى لي عن شمسكِ
أولاها
وأخراها
أنا بنتُ الثلج أتوقُ
لدفء الصدرِ
ويبض الشعرِ
وغناء البدوي
بصحراء الدهناء
بروض التنهاتِ
بأنجمها وسماها.

خذني ضقتُ
بزلزال التقنيةِ
بضجيج الإنسان الآلةِ
يمشي آلياً
يأكل آلياً
يشرب آلياً
يعشق آلياً
وينامُ
كدمية طفلٍ آلياً.

خذني ضقتُ كرهتُ
حياتي ترسٌ في آلة كونِ
حضاراتٍ
نَسيَت إنسانيتها
وضلّت في صرعتها
مرساها.

خذني
يا ابن الشمسِ
إلى الشمسِ
أعيش بخيمةِ حبكَ
في ظل جناحيكَ
آخر أيامي
آخر أحلامي
وأحلى أحلاها.

محمد الفهد العيسى

نفثة محزون
إليكَ يا أخي عبدالعزيز في الخالدين

أخي كنتَ بالأمس ملء القلوب
وملء المسامع ملء البصر
أخي كنتَ بالأمس لحن الحياة
بك الدهر يشدو لدنيا البشر
أخي كنتَ بالأمس عزماً يدُكُّ
الخطوبَ قوياً أبياً أغر

إلهي تحطّمتِ الأمنيات
وضاعت قلوبٌ لها تنتظر
هوى النجم يا رب عند البزوغ
ولما يدُر حول فلك العمر
وسطّر في الغيب ما قد أراد
فيا رحمة الله فيما قُدِر
أجبتَ النداء: إلى الخالدين
عزيزاً وفياً كريم السيَر

أخي قد تركتَ قلوباً تُمَزّق
حزناً ومن لوعةٍ تستعر
أخي تلك أمكَ بين الأكف
تعاني الأسى وتعاني الكدر
أخي وأبي الشيخ رطب اللسان
يناجي الإله بقلبٍ فُطِر
أخي والأخوة والأصدقاء
عراهم ذهولٌ رهيبٌ أمر
وزُلزلت الأرض من لوعةٍ
ومادت ووجه الحياة اندثر

أخي سوف أبكيك حتى تشيبَ
الدموعُ فقلبي عليك انفطر
أخي سوف أبكيك دهراً طويلاً
سأبكي وتبكي عليك العُصُر
أخي قد رضينا بحكم الإلهِ
رضينا القضاء رضينا القدر

محمد الفهد العيسى