جمعتكم طيبة مباركة لا تنسوننا من دعائكم بالعافية والشفاء

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

مقالتي اليوم 👆👆

ي أثناء كتابتي لمقالة عن "جيش لبنان الجنوبي" الذي أنشأته إسرائيل في جنوب لبنان من جنود وقادة مسيحيين من طائفة المارون الكاثوليك منذ سنة 1976، وكانوا سابقا جزءا من الجيش اللبناني نفسه، وجدتُ أن منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت قد انتقلت إلى لبنان سنة 1971م عقب أحداث أيلول الأسود التي وقعت بين الجيش الأردني ومنظمة التحرير، كان قد انضم إليها عدد كبير من شيعة لبنان، آمنوا بمظلومية القضية الفلسطينية وضرورة الدفاع عنها.

هؤلاء المسلمون الشيعة جاهدوا العدوان الإسرائيلي والطوائف المسيحية أثناء الحرب الأهلية اللبنانية التي اشتعلت عام 1975، واستمر هؤلاء الشيعة منخرطين مع الفلسطينيين في صراعهم حتى أعلنت إسرائيل عن خوضها حرب عام 1982 على لبنان، والتي أسفرت عن طرد منظمة التحرير الفلسطينية إلى تونس في نفس العام.
ما الذي حصل؟ أنشأت إسرائيل في أثناء ذلك "جيش لبنان الجنوبي (الكاثوليكي)" ودعمته بالمال والسلاح والتدريب واللوجستيات وكل شيء، في المقابل أُعلن عن إنشاء حزب الله في نفس عام انسحاب منظمة التحرير سنة 1982.

هذه التفاصيل المجهولة نوعًا ما، تجعلك تفهم أن العلاقات الشيعية اللبنانية تحديدا بالقضية الفلسطينية وتعقيداتها أقدم من الثورة الإيرانية التي قامت سنة 1979، لهذا السبب تفهم سر العداوة بين إسرائيل وحزب الله، وأن مواجهتهم للصهاينة حقيقية وعميقة ومؤثرة على شكل إسرائيل وتموضعها في الشرق الأوسط.

يرون الأمة يتكالب عليها العدو في الداخل والخارج بمظاهر وأشكال مختلفة؛ عسكرية وأخلاقية وفكرية وخطورة هذا التكالب، وحين يُطلب منهم التبيان امتثالا لقول الله (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ) يقولون نحن مشغولون بالتأليف والفكر والتراث لأنه هو الأبقى.

وحين يتكلم الناس دفاعا عن الأعراض والأخلاق يقولون أنتم جهلة ومثاليون، ثم في كل شاردة وواردة ينتقصون من التيارات الإسلامية التي يهرق دمها في غزة وغيرها بحجة انحرافهم؛ وهم الذين هربوا من بلدانهم خوفا من الفقر والقهر والظلم، وأدرى الناس بأحوالها وأوضاعها.

أليست هذه حقارة ووضاعة، أين حق العلم في واقع الناس بل في واقعكم أنتم؟!

الشيخ محمد الغزالي الذي يتمسّحون به رحمه الله كان من أشد الناس وقوفًا عند مثالب مجتمعه فكرًا وأخلاقًا وممارسة وسياسة ينتقدها ويكشفها كأرجل ما يكون، قبل الفكر والكتابة هناك الرجولة والشعور بقضايا الأمة الملتهبة.

سمعتُ مُداخلة قيّمة للشيخ سعيد الكملي حفظه الله يتكلم فيها عن تأمّله الطويل في سقوط الأندلس الذي بدأ منذ القرن الخامس الهجري وما تلاه، وكان في تلك الأثناء ملازما لكتاب "المُفهم لما أُشكِلَ من تلخيص كتاب مسلم" لأبي العباس القُرطبي الأندلسي، وهذا الرجل وُلد في قرطبة وعاش فيها 55 سنة كاملة، فلما سقطت في أيدي الكاثوليك القشتاليين سنة 633هـ/1236م هربَ وهاجر إلى مصر التي عاش فيها سنواته الأخيرة ومات بها سنة 656هـ في زمني الأيوبيين وبدايات المماليك.

المهم أن الشيخ سعيد وجدَ ضالته في كتاب أبي العباس هذا الذي يقول فيه عن أسباب سقوط مدن الأندلس كما رآها: "إنما ذلك لشيوع الفواحش منهم بالإجماع من شبانهم بالفعل، ومن شيوخهم بالإقرار، فلا تأمن الفروج ولا الأموال، فسلَّط الله عليهم عدوهم إلى أن أزالهم بالكلية".

ومن قبل القرطبي كان ابن حزم الأندلسي رحمه الله من أشدّ علماء المسلمين في الأندلس فضحًا لأخلاق ملوك الطوائف في عصره، حتى دعا عليهم باللعن، قائلا: "والله لو علموا أن في عبادة الصلبان تمشية أمورهم لبادروا إليها، فنحن نراهم يستمدُّون النصارى فيمكِّنُونهم من حُرم المسلمين وأبنائهم، وربما أعطوهم المدنَ والقلاع طوعًا، فأخلَوْها من الإسلام وعمّروها بالنواقيس، لعن الله جميعهم وسلط عليهم سيفًا من سيوفه".

ومن الأمور التي رآها الإنسان من طول نظره في كتب التاريخ أن السياسة تكاد تكون أم الاجتماع والأخلاق الجماعية؛ وأن تأثيرها يكاد يكون أسرع شيء في حال الأمم وأخلاقها وأفكارها وبصائرها وحاضرها ومستقبلها.

وإن ما يحدث اليوم في بلاد المسلمين من كوارث أخلاقية وفكرية، وانحلال فكري وحضاري إن سُكت عليه طويلا، ولم يُقاوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو بالكلمة فإن مآله الخسران الكبير، إلا أن يتدارك الله هذه الأمة برحمته.

راجعُ شيئًا عن حياة السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله قبل تقلّده السلطنة، فوقعت أمامي في ترجمته المكتوبة في موسوعة ديانات التركية هذه الجملة بالتركية:

Şehzadeliği oldukça serbest geçen Abdülhamid, Maslak çiftliğinde toprak işleriyle meşgul oldu. Burada koyun besledi, üstübeç madenleri işletti, borsa faaliyetlerine katılarak para kazandı. Tahta çıktığı zaman servetinin 100.000 altını aştığı söylenir

وترجمتها هي:

"كانت فترة شباب عبد الحميد (في فترة الإمارة) حُرة إلى الغاية؛ إذ قَضى أغلب وقته حينئذ في مزرعة ماسلاك مشغولًا بالأعمال الزراعية، وهنالك قام بتربية الأغنام، والعمل في مناجم الرصاص، كما شارك في أعمال البورصة محققًا أرباحًا جيدة، حتى إنه يُقال عندما اعتلى العرش كانت ثروتُه قد تجاوزت 100,000 قطعة ذهبية".

أقول: تخيل حتى مائة سنة مضت كان لدينا خليفة يحكم دولة شاسعة الأطراف، وكان قبل ارتقائه لهذا المنصب الكبير يعمل من كدّ جبينه، ويكسب ماله بنفسه وعرقه!

ما يهمني في نجاح ترامب أن جزءا كبيرا من المجتمع الأمريكي أصبح يكره الأجندة النيوليبرالية الثقافية التي يتبناها الديمقراطيون، مثل تحويل الجنس، والاحترام المبالغ فيه للنسويات، وحرية الإجهاض وخلافه، وهذه هي الكتلة البيضاء البروتستانتية المحافظة التي أنشأت أميركا قبل وبعد الحرب الأهلية.

ولا تزال هذه الكتلة رغم تقلّصها مع مرور الزمن بسبب المهاجرين (لهذا فترامب كاره للمهاجرين مثلهم) تُحافظ على هذه القيم، ولكنها في المقابل الكتلة التي تؤمن بهرمجدون ومعارك آخر الزمان، وضرورة التحالف مع اليهود لتسريع مجيء المسيح المخلص، وترامب كجمهوري واحد من هؤلاء، ومؤمن بما يؤمنون به، لذا هو مخلص للقضية اليهودية ربما أكثر من نتنياهو نفسه.

ومن محددات السياسة الخارجية في هذا الجانب خاصة ضمان قوة وسيطرة إسرائيل، وليس من المستغرب أن نجد إسرائيل تتوسع في جنوب لبنان أو في سوريا مستقبلا إذا وجدتهما لقمة سهلة ..

الشيء الوحيد الذي يحترمه ترامب كتاجر هي الفلوس؛ وطالما وجدناه متهكمًا من بايدن وإداراته ومدى سذاجتهم حين يأتي زيلنسكي رئيس أوكرانيا ليضحك عليهم ويسرق مليارات أمريكا في كل مرة ويرجع لبلده؛ فإذا كلفت المقاومة أمريكا مالا كثيرا فإن ترامب سيتخلى بسهولة عن تسليح إسرائيل وسيضغط عليها، وهنا المفتاح؛ المقاومة وليس الاستسلام.

مش ترامب ده اللي نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس وأرسل إيفانكا وزوجها الصهيوني جاريد كوشنر بتاع صفقة القرن لافتتاحها، وكوشنر هذا هو عدو الإسلام في المنطقة، وعراب تغيير المناهج التعليمية.

الواحد يندهش من المتأملين خيرا من ترامب وهو كاره للإسلام، بل محتقر للعرب وحتى حلفائه منهم كثيرا ما خرج علنا وأهانهم وابتزهم وأخذ منهم المليارات.

لا يحترم ترامب إلا القوي والمستقل؛ لهذا يعرف قدر بوتين وأردوغان، ولو أبدت إيران قوة أكبر في المواجهة فإنه سيجبر على احترامها، وكذا الصين.

ومهما يكن فقدر هذه الأمة أن تموت بالتبعية، أو تحيا بالمقاومة المكلفة.

والله الواحد لما يسمع محللا على العربية أو قناة الحدث الأصغر أو الأكبر بيفور دمه، وهذا أصلا يأتي عرضا؛ إذ كيف لهذا المنافق أو ذاك أن يتماهى مع الصهاينة لهذا الحد من البجاحة مع وجود عشرات الآلاف من الشهداء، فيتألم من كان لديه أدنى شعور من هذا الكذب والضلالة والتزوير، فضلا دورهم في ضياع التاريخ والمستقبل.

لأجل هذا حرم الله على المؤمنين الكذب لأنه يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، ونفى الرسول صلى الله علبه وسلم الكذب عن المؤمن فيكون المسلم جبانا ولا يكون كذابا، ثم حرم تعالى على أهل الجنة سماع اللغو والكذب والآثام وعده من النعيم لهم، كما في سورة الواقعة: (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا).

وفي سورة النبأ :(لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا).

فجعل الله عدم سماع هذه الأكاذيب من النعيم النفسي والحسي الذي يؤثر بالإيجاب في راحة الإنسان واستمتاعه بالجنة، جعلنا الله وإياكم من أهلها.