إنا لله وإنا إليه راجعون

توفي اليوم أحد أعلام السنة الأفاضل، الشيخ علي بن مهدي البهكلي، عن عمرٍ تجاوز المئة عام، قضاها في نشر التوحيد والسنة.

كان الشيخ من تلاميذ العلامة حافظ الحكمي وعبدالله القرعاوي، رحمهما الله تعالى، ومن أبرز تلاميذه: الشيخ ربيع بن هادي المدخلي وزيد المدخلي. كما كان له دور بارز في تأسيس مدرسة صامطة وجيزان في جنوب المملكة.

نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يجزيه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

-
? بدعة صلاة الرغائب في شهر رجب

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

«فأما إنشاء صلاة بعدد مقدر وقراءة مقدرة في وقت معين تصلى جماعة راتبة كهذه الصلوات المسئول عنها: كصلاة الرغائب في أول جمعة من رجب، والألفية في أول رجب، ونصف شعبان وليلة سبع وعشرين من شهر رجب، وأمثال ذلك فهذا غير مشروع باتفاق أئمة الإسلام، كما نص على ذلك العلماء المعتبرون ولا ينشئ مثل هذا إلا جاهل مبتدع، وفتح مثل هذا الباب يوجب تغيير شرائع الإسلام، وأخذ نصيب من حال الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله. انتهى.

الفتاوى الكبرى (2/239) .

قال الحافظ النووي رحمه الله في [شرح مسلم]:

«قاتل الله واضعها ومخترعها، فإنها بدعة منكرة من البدع التي هي ضلالة وجهالة وفيها منكرات ظاهرة. وقد صنف جماعة من الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها وتضليل مصليها ومبتدعها ودلائل قبحها وبطلانها وتضليل فاعلها أكثر من أن تحصر». انتهى.

? أحكام مختصرة في شهر رجب

[١] - سبب تسميته بهذا الاسم؟

سُمّي بذلك لتعظيمهم إياه في الجاهلية عن القتال فيه والترجيب التعظيم.

[٢] - هل لشهر رجب مزية على غيره من الشهور؟

❪أ❫ - لا نخص شهر رجب إلا بما خصه الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم أنه شهر محرَّم يتأكد فيه اجتناب المحرمات.
❪ب❫ - لا مزيد عبادة عن غيره من الشهور بحجة أنه شهر محرم.
❪ج❫ - قال ابن حجر رحمه الله: «لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة» [تبيين العجب | ص 6].

[٣] - حكم العمرة في شهر رجب؟

قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
❪أ❫ - العمرة لا بأس بها في رجب، لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي ﷺ «اعتمر في رجب».
❪ب❫ - كان السلف يعتمرون في رجب، عمر وابنه وعائشة رضي الله عنهم. [مجموع الفتاوى | 11-389].

⛔ البدع المحدثة في شهر رجب

[٤] - حكم تخصيص شهر رجب بالصيام والصلاة؟

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
شهر رجب لم يخص بشيء من العبادات لا بصوم ولا بصلاة، فإذا خص الإنسان هذا الشهر بشيء من العبادات من غير أن يثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كان مبتدعًا. [مجموع الفتاوى | 2-238].

[٥] - حكم تخصيص شهر رجب بالصيام؟
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
❪أ❫ - إفراده بالصوم مكروه.
❪ب❫ - أما صومه مع شعبان ورمضان فهذا لا بأس فيه، وفعله بعض السلف، ولكن مع ذلك لا نراه. [مجموع الفتاوى | 22-274].

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
❪أ❫ - هناك من يخص رجب بالصيام فيصوم رجب كله، وهذا بدعة وليس بسنة، فليس للصوم في رجب فضيلة بل هو كسائر الشهور.
❪ب❫ - من كان يعتاد أن يصوم الاثنين والخميس استمر، ومن كان يعتاد أن يصوم الأيام البيض استمر، وليس له صيام مخصوص. [مجموع الفتاوى | 22-277].

☜ لم تثبت أحاديث خاصة بفضيلة الصوم في شهر رجب. [اللجنة الدائمة | 2-508].
❪أ❫ - صوم رجب مفردا فمكروه.
❪ب❫ - وإذا صام بعضه وأفطر بعضه زالت الكراهة. [اللجنة الدائمة | 10-385].

[٦] - هل ثبتت ليلة الإسراء والمعراج أنها في 27 من رجب؟

قال الشيخ ابن باز رحمه الله: قول من قال: أنها ليلة سبع وعشرين من رجب، قول باطل لا أساس له في الأحاديث الصحيحة. [مجموع الفتاوى | 1-192].
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هذا لم يثبت من الناحية التاريخية وكل شيء لم يثبت فهو باطل، والمبني على الباطل باطل. [مجموع الفتاوى | 2-297].

[٧] - هل يجوز أن نحدث في هذه الليلة شيئًا من شعائر الأعياد أو شيئًا من العبادات؟

قال الشيخ ابن عثيمين: لا يجوز لنا أن نحدث فيها شيئًا من شعائر الأعياد أو شيئًا من العبادات؛ لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. [مجموع الفتاوى | 2-297].

[٨] - حكم صلاة الرغائب؟

قال الشيخ ابن باز رحمه الله: تخصيص رجب بصلاة الرغائب أو الاحتفال بليلة (27) منه يزعمون أنها ليلة الإسراء والمعراج كل ذلك بدعة لا يجوز، وليس له أصل في الشرع. [مجموع الفتاوى | 11-389].
قال الشيخ ابن عثيمين: صلاة في أول ليلة جمعة من رجب بين المغرب والعشاء يسمونها صلاة الرغائب اثنتا عشرة ركعة لا صحة لها، وحديثها موضوع مكذوب. [مجموع الفتاوى | 22-277].

[٩] - حكم الزيارة الرجبية وهي زيارة المدينة النبوية في شهر رجب؟

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
❪أ❫ - يعتقد بعض الناس أن لزيارة المسجد النبوي في رجب مزية ويفدون إليه من كل جانب ويسمون هذه الزيارة (الزيارة الرجبية) وهذه بدعة لا أصل لها، ولم يتكلم فيها السابقون حتى من بعد القرون الثلاثة لم يتكلموا فيها؛ لأن الظاهر إنها حدثت متأخرة جداً فهي بدعة.
❪ب❫ - لكن من زار المدينة في رجب لا لأنه شهر رجب فلا حرج عليه، لكن أن يعتقد أن للزيارة في رجب مزية فقد أخفق وضل، وهو من أهل البدع. [مجموع الفتاوى | 22-278].

[١٠] - حكم العتيرة وهي ذبيحة تذبح في شهر رجب؟

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: العتيرة التي تذبح في رجب فهي منسوخة كانت في الأول مشروعة ثم نسخت فليست مشروعة. [مجموع الفتاوى | 22-274].

? المراجع:

• مجموع فتاوى العلامة ابن باز
• مجموع فتاوى اللجنة الدائمة
• مجموع فتاوى العلامة ابن عثيمين

معشر الأحبة، بما أننا سننشر بشكل مستمر على قناة الأمن الفكري، أرى أنه من المناسب أن نتوازن في عدد المنشورات بين القناتين هذه وتلك، لذلك يمكننا تقليل عدد المنشورات على قناة حراسة التوحيد والعقيدة من ثلاثة إلى منشورين يوميًا، إلا إذا اقتضت الضرورة للزيادة مع…

معشر الأحبة، بما أننا سننشر بشكل مستمر على قناة الأمن الفكري، أرى أنه من المناسب أن نتوازن في عدد المنشورات بين القناتين هذه وتلك، لذلك يمكننا تقليل عدد المنشورات على قناة حراسة التوحيد والعقيدة من ثلاثة إلى منشورين يوميًا، إلا إذا اقتضت الضرورة للزيادة مع الأيام.

هذا سيوفر لكم متسعًا من الوقت لمتابعة محتوى القناتين بشكل أفضل.

كما أن هدفنا من النشر هو: هو مزاحمة أهل الباطل على الإنترنت حتى يتبين للناس الحق، وليس كثرة النشر ورمي المنشورات بالجملة، لذا يجب أن نركز على المحتوى المهم والنافع دون الإكثار من النشر أو الإطالة في الكلام. فالإكثار من النشر يشتت أذهاننا ويسلب أفكارنا ويهدر أوقاتنا ويضيع علينا هذا العمر الشريف. لذا، علينا أن نحفظ وقتنا ونستفيد منه بشكل أفضل.

الشريعة بحر العميق

تُشبه الشريعة البحر، حيث لا يستطيع السباحة فيه إلا من كان نحريرًا وماهرًا. أما الجاهل، فإن مصيره سيكون الغرق إذا حاول الخوض في أعماقه، وستُرمى جثته على أقرب شاطئ، مما يكشف عن جهله ويفضح أمره.

إن البحر، برغم جماله وسعته، يحمل في طياته أسرارًا وخفايا لا يدركها إلا من تدرج في تعلم فنون السباحة. فهو عميق، مليء بالأمواج المتلاطمة والتيارات الجارفة، وكذا هي الشريعة؛ غزيرة بالمفاهيم والأحكام التي تحتاج إلى بصيرة ووعي.

للأسف، هناك من يسبح بعيدًا في أفكاره، متجاهلًا عظمة هذا البحر. هؤلاء الأشخاص يخوضون فيه بلا إدراك لعمقه والمخاطر التي قد تلاحقهم. إنهم كمن يغامر في مياه عميقة دون أن يكون لديه دراية بأساليب النجاة، فيسقط في الفتن ويغرق في الشبهات.

لذا، يجب على العاقل أن يتدرج في طلب العلم، كمن يتعلم السباحة خطوة بخطوة، ولا يتصدر للمسائل قبل أوانه. فكما أن الغوص في أعماق البحر يتطلب مهارة وشجاعة، فإن الغوص في أعماق الشريعة يتطلب فقهًا وفهمًا عميقين.

وينبغي له أن يستقي علمه من الأشياخ الذين درسوا وتبحروا في بحور المعرفة، أولئك الذين أبحروا في أعماق الفقه وأدركوا أبعاد الشريعة وأسرارها. فإنهم كمرشدين في رحلة بحرية، يقودون السفن إلى بر الأمان، ويحمونها من العواصف والرياح العاتية.

فليكن كل طالب علم كمن يضع قدمه على حافة البحر، يراقب الأمواج ويتأمل الأفق، مُدركًا أن كل قطرة من هذا البحر تحمل معها حكمة ومعرفة. وليعلم أن السباحة في بحر الشريعة ليست مجرد مغامرة، بل هي رحلة تستحق الصبر والاجتهاد، حتى يصل إلى شاطئ الفهم والهدى.

إن من يُقبل على هذا البحر بقلوبٍ صادقة وعقولٍ متفتحة سيجد فيه من الكنوز ما لا يُحصى، وسيكون له من النور والهداية ما يُضيء له دروب الحياة. فلنغتنم هذه الفرصة ولنستعد لرحلة العلم، ولنجعل من كل لحظة نغوص فيها في هذا البحر فرصةً للتفقه والنمو العلمي.

السّـنّة والجماعة قد أحكما أمر الدّين كله

قَال الإمام البربهاري رحمه الله:

«وَذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةَ وَالجَمَاعَةَ قَدْ أَحْكَمَا أَمْرَ الدِّينِ كُلَّهُ، وَتَبَيَّنَ لِلنَّاسِ، فَعَلَى النَّاسِ الإِتِّبَاعُ».

- قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
قَالَ -رَحِمَهُ الله-:  ❨ وَذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةَ وَالجَمَاعَةَ قَدْ أَحْكَمَا أَمْرَ الدِّينِ كُلَّهُ ❩ "ذلك" اشارة إلى ما سبق من الحثّ على لزوم طريقه اهل السنه والجماعة.

وقد سبق بأنّ المراد باهل السّنّه المتمسّكون بسنّة الرّسول ﷺ وبطريقته ، هؤلاء هم أهل السنه والجماعة:  هم الذين اجتمعوا على الحقّ، ولم يتفرّقوا ، كما قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ﴾ [ آل عمران: ١٠٣] ، اجتمعوا على الحقّ،  ولم يتفرّقوا عنه، ولم يختلفوا فيه، هؤلاء هم أهل السّنّه والجماعة،  أمّا ﴿الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا﴾ فالله ﷻ يقول لنبيّه ﷺ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٩].

( وَذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةَ وَالجَمَاعَةَ قَدْ أَحْكَمَا ) أي: أتقنا ، فالإحكام معناه: الإتقان، أتقنا أمر الدين كله، فالدين كله محصور في السنّة والجماعة كما قال ﷺ: " فإنّه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنّتي" ، لايقي من شرّ هذا الإختلاف إلّا التّمسك بسنّة الرّسول ﷺ وهي ماكان عليه الرّسولﷺ وأصحابه في العقيدة، والعبادة والمعاملات، والاخلاق، والآداب، وهم الفرقة النّاجية، من بين ثلاث وسبعين فرقة كلها في النّار إلّا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ _ فهذه التي استثنيت من هذه الفرق جماعة متميّزة فمن هي؟ _ قال ﷺ في بيانها: "من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي" ماعليه الرّسولﷺ وأصحابه هو السّنّة، فمن لزمه نجا، ولذلك سمّوا بالفرقة النّاجية.

قوله:  ❨ وَتَبَيَّنَ لِلنَّاسِ، فَعَلَى النَّاسِ الإِتِّبَاعُ ❩  تبيّن للنّاس أنّ أمر الدّين كلّه في لزوم السّنّة و الجماعة، فلن يخالف ماعليه أهل السّنّة والجماعة إلّا أهل الضلال ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ﴾ [يونس: ٣٢]
فمن ترك الحقّ وقع في الضّلال، والحقّ هو ما عليه أهل السّنّة والجماعة دون غيرهم.

شرح السنة للبربهاري للعلامة صالح الفوزان حفظه الله تعالى