قُبيل أيام أسلمت خادمة أقرباءٍ لي ، فسألتها عن سبب إسلامها فضولًا، فقالت لي إنّه كان لها صديقة مسلمة، وكان يعجبها احتشام هذه المسلمة وتستُّرها طول الوقت؛فسترها لمّا تصلّي كسترها في باقي الأوقات، وأنّه على عكس من حولها تراهم يحتشمون في الكنيسة يتعرّون في غيرها، وفهمت منها أنّها أحبّت أن الإسلام ليس دينًا محصورًا في المسجد.

وقالت لي أيضًا أنّه لم يكن يعجبها أن يُمثّل الإله بتماثيل، وأنّها أحبت أنّ الله واحدٌ أحدٌ لا يُمثّل ولا يصوّر.

فاستعجبت من سبب الستر، لأنّي لا أظن من يعيش في تلك المجتمعات يستنكره إلا قلةٌ قليلة ممّن لم تلوّث فطرتهم. وكأنّ كلامها صفعةٌ لي ولكل مسلمٍ، فالتزام تلك بالحجاب جعل أُخرى تسلم!
أنوقن أننّا إما أن نكون قدوة أو فتنةً؟ أفكرّنا في مظهرنا وأفعالنا؟

لمّا قالت لي أنّها أحبت أن الستر دائم، قُبض قلبي لأنّي أعلم أن المقصرّات في الحجاب هداهنّ الله ليسوا بقليل. واستعظمت نفسي وأيقنت لمَ المجاهرة بالذنب أعظمُ من الذنب نفسه!

وهذا سؤالٌ لي ولك؛ والشأن الشأن أكبر من حجابٍ: أفكرنا يومًا ووضعنا نصب أعيننا عبارة ذلك الصحابي رضي الله عنه لمّا قال: "بئس حامل القرآن أنا إذ أُوتي الإسلام من قبلي"؟
أنحب أن نكون فتنة لغيرنا ؟ أم نكون دعاةً بأخلاقنا ومظهرنا وأفعالنا التي أمرنا بها الله تعالى؟

أما الخادمة، فأرى فيها حماسًا وحبًا لما دانت، حتّى أنّها أفضت لي عن حزنها أن ابنتها قد عُمّدت في الكنيسة فهي مسيحية، فصححتُ لها أن كل الأطفال مسلمون وغير مكلّفين حتّى يبلغوا. وأراها تريد لكل من حولها أن يسلموا، فاستعجبت كل العجب من مسلمٍ ولد وعاش مسلمًا ثم يأتي ويقول بأنّه لا داعٍ لأن تدعوا إلى الإسلام، وكُلنّا في الجنة!

فادعوا لها بالثبات، ولنا جميعًا بالهداية والثبات، وليكن شعارنا: لا يؤتى الإسلام من قبلنا!

تأمّلت كلمات هذه الآية وتفكّرت بها كما لم أفعل قبلًا:

{وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا}

انظر لكلمة: "جناح الذُل" اختيرت كلمة ذُل لتعني غاية التواضع واللين والرحمة، وقيل في "واخفض لهما جناح الذل" إن الطائر يخفض جناحه عند صغاره رحمةً، وينصبه عند غيرهم.

وإنّ أول ما خطر لي مجادلة ومعارضة الوالدين وتخطئتهم، فلمَ الجدال وتعكير صفوهم ونحن قادرون على اجتنابه؟ لم لا نخفض لهم جناح الذل من الرحمة؟ فهذا كبيرُ برٍ، وغاية الاحترام.

ثم انظر إلى الآية التي بعدها: {وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرًا} قرن الله الدعاء لهما بتربيتنا صغارًا وما صبروا عليه؛ فهذه منّة عظيمة، لا كما خرج أقوام يقولون: هم من اختارو إنجابنا وهذا واجبهم فلا فضل لهم علينا!

والله يقول وقوله الحق إنه فضلٌ عظيم عليك شكره!

ربنا ارزقنا برّهم أحياءً وأمواتًا، واحفظ حيّهم وارحم ميّتهم.

يقول ابن تيمية: "والله تعالى يبتلي عبده المؤمن بما يتوب منه؛ ليحصل له بذلك تكميل العبودية والتضرع والخشوع لله والإنابة إليه، وكمال الحذر في المستقبل، والاجتهاد في العبادة؛ ما لم يحصل بدون التوبة؛ كمن ذاق الجوع والعطش والمرض والفقر والخوف، ثم ذاق الشبع والري والعافية والغنى والأمن، فإنه يحصل له من المحبة لذلك، وحلاوته ولذته، والرغبة فيه، وشكر نعمة الله عليه، والحذر أن يقع فيما حصل أولًا"

يأتي عرفة فيذكّرني أنّي أعيش دعواتي بفضل الكريم المجيب القريب. وأنت تذكّر كم دعوة دعوتها فأصبحت تعيشها فألِفتها فنسيت؟
تذكّر أيام الله، واشكره، وأسأله، واجتهد في ذلك.

كل يومٍ أتفكّر بمنّة الله علي، وأتذكّر أنّي أحيا ما كُنت أدعوه، أحيا أُمنيةً رغبت بها منذ صغري بسكنى المدينة، وغبطت كلّ من كان من أهلها.
أسير في الشوارع وأنظر إلى جبالها في كل وجهة كأنها تعانقني، وسماؤها من فوقي تظلّني، وكأني أرى الملائكة على أنقابها وأقول: لعلّها تفسير ما أجمع عليه الخلق من سكينة المدينة!
أمرّ بأُحدٍ فأخبره أنّي أُحبه كما يُحبني، وأودّ لو صعدته فخطوت مكان ما خطى النبي ﷺ وأصحابه الكرام، أمر بوادي العقيق المُبارك وأقول ها هُنا صلّى النبي!
ومتى ما أردت جمعت أمري وزرت قباءً؛ أول مسجدٍ في الإسلام، وأتذكر صلاة النبي فيه آمنًا من بعد خوف، ومسجد الرسول مسيرة دقائق، أذهبُ إليه كي تسكن نفسي! هنا الروضة قطعة من الجنّة! وجسده الشريف وبجانبه من كانا منه بمنزلة السمع والبصر! وأقلّب فكري ونظري؛ أين كان الجذع الذي حنّ وأنّ؟
وحوله مسجد أبي بكر، هنا صلى العيد! ومسجد الغمامة؛ هنا صلى النبي آخر صلاة عيد في حياته!
وهنا ها هُنا سقيفة بني ساعدة؛ يخيّل إلي أنّي أرى أياديهم على يدٍ أبي بكرٍ يبايعونه كي يحمي حمى الإسلام!
وهذا جبل الرُماة، وهذا مسجد سيد الشهداء، وهُنا جاهدوا لرفع راية الإسلام!
وهنا كان الأنصار من فتحوا قلوبهم قبل بيوتهم، هنا آووا المهاجرين وكانوا إخوانا!
والأرض حتّى الأرض تحمل في بطنها أطيب رفاث لخير القرون!
وكثيرًا ممّا لم أعد، فكل شبر من المدينة لو عُلّم الكلام لقصّ عليّ ما يُشرّفه وما يعرف من ذكرى النبي وصحبه!
"والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون"
فالحمد لله عدد خلقه.
اللهم محيا ومماتا، وشفاعةً خاصة ربِّ من سيد الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام?

•
كان ابن عباس يقول: حقٌّ على المسلمين إذا نظروا إلى هلال شوال أن يكبرِّوا الله حتى يفرغوا من عيدهم، لأن الله تعالى ذكره يقول: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُم﴾.

الله أكبر، الله أكبر ..
•

عن عائشة رضي الله عنها قالت:” أن النبي ﷺ كان يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيره”
-رواه مسلم

"أَطابَ النَفسَ أَنَّكَ مُتَّ مَوتاً
تَمَنَّتهُ البَواقي وَالخَوالي
وَزُلتِ وَلَم تَرى يَوماً كَريهاً
يُسَرُّ الروحُ فيهِ بِالزَوالِ"