https://www.sistani.org/arabic/statement/26912/

بيان مكتب سماحة المرجع الأعلى السيستاني (دام ظلّه) بمناسبة استشهاد العلاّمة حجة الإسلام والمسلمين السيد حسن نصر الله.
٢٨-٩-٢٠٢٤

بسم الله الرحمن الرحيم

(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا).

تلقّينا ببالغ الأسى والأسف نبأ استشهاد العلامة حجة الإسلام والمسلمين السيد حسن نصر الله وكوكبة من إخوانه في المقاومة اللبنانية الشريفة وعشرات المدنيين الأبرياء في المجزرة المفجعة التي اقترفها جيش العدو الإسرائيلي في ضاحية بيروت العزيزة.
لقد كان الشهيد الكبير انموذجاً قيادياً قلّ نظيره في العقود الأخيرة، وقد قام بدور مميز في الانتصار على الاحتلال الإسرائيلي بتحرير الأراضي اللبنانية، وساند العراقيين بكل ما تيسر له في تحرير بلادهم من الإرهابين الدواعش، كما اتخذ مواقف عظيمة في نصرة الشعب الفلسطيني المظلوم حتى دفع حياته الغالية ثمناً لذلك.
وإننا إذ نتقدم بأصدق التعازي وبالغ المواساة للشعب اللبناني الكريم ولسائر الشعوب المظلومة في هذا المصاب الجلل والخسارة الكبرى نتضرع الى الله العلي القدير أن يتغمد الفقيد السعيد بواسع رحمته ورضوانه ويجمعه بأوليائه محمد وآله الطاهرين في أعلى عليين، ويلهم أهله وجميع المفجوعين بفقده الصبر والسلوان. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

(24 / ربيع الأول/ 1446هـ ) الموافق (28/9/2024م)
مكتب السيد السيستاني ـ النجف الأشرف

هل يمكن أن يتعارض الحكم الفقهيّ مع الحكم الأخلاقي؟
أرسل أحد الأصدقاء يسأل عن تعارض بعض الأحكام الفقهية مع تصوّراتنا الأخلاقيّة، وكيف يمكن تصوّر ذلك مع أنّ المفروض أنّ كلا الحكمين مبنيّان على أساس حسن الفعل وعدمه؟
وأقول لأجل أن يتّضح الجواب لابدّ من مقدّمات:
المقدّمة الأولى: إنّ أيّ فعل اختياريّ في حدّ ذاته إمّا أن يكون قبيحاً أو حَسَناً وهذا ما يُعرف بالتحسين والتقبيح الذاتي الذي يتبنّاه علماء الإمامية وبعض المذاهب الأخرى، ولكن ما يجب التنبيه عليه هنا أن القبح والحسن في الأفعال ليسا واضحين عند العقل في جميع الموارد فالأفعال من هذه الناحية على ثلاثة أقسام يمكن التمثيل لها بدائرتين متقاطعتين إذ هناك ما هو واضح الحسن عند العقل كما في حسن العدل، وهناك ما يكون قبحه واضحاً كقبح الظلم ولكن ثمّة منطقة رمادية تكون مشتركة بين الدائرتين في ضوء الإدراك العقلي فلا يمكن للعقل نسبتها إلى دائرة الحسن بنحو القطع كما لا يمكنه القطع بنسبتها إلى دائرة القبح وإن كانت في نفس الأمر والواقع لا تخلو من أحدهما.
المقدّمة الثانية: إنّ المصالح والمفاسد مبنيّة على أساس حسن الأفعال وقبحها وبالتالي هي الأخرى يأتي فيها التقسيم السابق، ولكن الأمر المهمّ الذي أريد التنبيه عليه هنا أنّ القبح الذاتيّ لفعل ليس علّة تامّة للمفسدة كما أنّ حُسنه الذاتيّ ليس علّة تامّة للمصلحة وإنّما هما مقتضي للمفسدة والمصلحة ليس أكثر، فلا يكفي القبح والحسن لوحدهما في الحكم بالمصلحة أو المفسدة ما لم يُنظر في توفّر الشرائط وارتفاع الموانع، فمثلاً الكذب قبيح في ذاته ولكن إذا توقّف عليه حفظ النفس يكون جائزا لا بمعنى أنّ قبحه يزول لأنّه ذاتي وزوال الذاتي يلزم منه انقلاب الماهيّة وهو محال كما موضّح في علم الفلسفة وإنّما الجواز هنا بمعنى غض الطرف عن قبحه وذلك لوجود مصلحة أهمّ في ارتكابه وهي مصلحة حفظ النفس، هذا بالإضافة إلى أنّ عالم المادّة بطبيعته عالم تزاحم فكثيراً ما يقع التزاحم بين المفاسد والمصالح، وطريقة العقلاء في ذلك تقديم ما كان أقلّ ضرراً.
المقدّمة الثالثة: إنّ الأحكام الشرعيّة مبنيّة على المصالح والمفاسد، ولمّا كان الحسن والقبح هما مقتضي المصلحة والمفسدة فهما بالضرورة مقتض للحكم الشرعي أيضا، فإذا كان في الفعل مصلحة تبلغ حدّ الإلزام يحكم الشارع بالوجوب وإن لم تبلغه ولكن كانت راجحة فيحكم بالاستحباب، وأمّا إذا كان فيه مفسدة تبلغ حدّ الإلزام فيحكم بالحرمة وإن لم تبلغه فيحكم بالكراهة وغير هذه الفروض هو المباح والأصل في كلّ شيء الإباحة ما لم يرد فيه دليل.
أمّا القضايا الأخلاقية فلا تتوقّف على جعل حكم من الشارع المقدّس وإنّما هي ناظرة إلى حسن الأشياء وقبحها في نفسها.
إذا اتّضحت هذه المقدّمات يتضح معها الجواب على السؤال والذي يمكن تلخيصه بما يلي:
أوّلاً: إنّ الجواز الشرعيّ أعمّ من الجواز الأخلاقي وعدمه، فقد يجيز الشارع المقدّس أمراً بنحو الإباحة أو حتى بنحو الترجيح غير الملزم فلا يُلزم به ولا بعدمه بينما يكون في نفس المورد ثمّة إلزام أخلاقي، فمثلاً لا يوجب الشارع على الثريّ أن يُخرج من أمواله أكثر من الخمس والزكاة بينما قد تُلزمه الأخلاق بإخراج ما يزيد عليهما في ظروف معيّنة.
ثانياً: إنّ مسرح الحكم العقلي القطعيّ في مجال التقبيح والتحسين ليس له سوى بضعة موارد قليلة يكون فيها القبح أو الحسن واضحاً جلياً يقطع به العقل بل لا يكاد ذلك يتعدى مسألتي قبح الظلم وحسن العدل، وأما سائر الموارد فهي ضمن المنطقة الرمادية التي تتقاسمها دائرتي الحسن والقبح ولا يكاد العقل يجد طريقاً للقطع فيها، وكذلك المصالح والمفاسد حيث ليس في منال العقل الجزم في تشخيصها وتشخيص شرائطها وموانعها والترجيح فيما بينها وبين مزاحماتها، وهذا هو وجه الحاجة إلى الوحي والشرائع، وأيضاً هذا هو أحد مناشئ افتراق الحكم الفقهي عن الرؤية الأخلاقية الإنسانية التي في العادة تُبنى بلحاظ المقتضيات من حسن وقبح فحسب في كثير من الموارد.
وأخيرا أنتهز الفرصة للتذكير بأنّه كثيراً ما يُصوّر بعض الباحثين وجود تعارض صريح بين حكم فقهيّ وآخر أخلاقيّ بسبب تصوّرهم المغلوط للحكم الفقهي، كما يجري في هذه الأيام من الحديث عن وقوع مثل هذا التعارض في مسألة جواز الزواج بسنّ 9 سنين و غيره، فإنّ منشأ تصوّر التعارض هو عدم تصوّر الموقف الشرعي إزاء القضيّة تصوّرا صحيحاً فإنّ الشريعة تجيز مثل هذا الزواج وما يترتّب عليه بشرطين هما: عدم الضرر ووجود المصلحة، وإلّا فسيكون للقضية حكم آخر بحسب تفاصيلها، ولكن لمّا صوّر بعضهم أنّ الشريعة تجيزه بلا قيد ولا شرط انقدح في ذهن بعض المتلقّين وجود مثل هذا التعارض.

توصيات أخلاقية
سماحة السيد محمد باقر السيستاني حفظه الله:

1 - هناك تقصير في الرقابة العامة على أنفسنا واستذكار الله تعالى والدّار الآخرة ، فمن الضروري العناية بتزكية النفس وتربيتها وتعاهد زيارة مشاهد المعصومين(عليهم السلام).

2 - ليس من الصحيح الاهتمام الزائد بشيءٍ ما وإضعاف الاهتمام بغيره وهو أهمّ منه ، ولذا في فترة الفراغ والتعطيل يجب أن يهتم الإنسان بتزكية نفسه.

3 - علينا أن نربّي أنفسنا على دوام الكون على الطهارة والوضوء ودوام ذكر الله سبحانه والتهجّد في الليل ولو لبضعة دقائق معدودة وقراءة القرآن الكريم والانشغال بمراقبة النفس ومحاسبتها.

4 - هذه هي الأمور الأهمّ ، وهذه هي الباقيات الصالحات، فنحتاج إلى أن نتقرّب إلى الله تعالى أزيد - نتأمل في آياته في الكون أزيد ونعيش أجواء حضورنا في محضره سبحانه أزيد.

5 - يجب أن لا تحول بيننا وبين الله تعالى الأسوار الضيقة والمساحة الضيقة في هذه الحياة - ويجب أن نخرج إلى الأفق الأوسع حتى نتأمل علاقتنا مع الله سبحانه واستعدادنا للدار الآخرة.

6- وغداً نخرج من هذه الأجواء والبيئة بيئة الأسرة والأقارب والحياة الدنيا ونذهب إلى عالم البرزخ وإلى عالم لقاء الله جلّ وعلا وعالم الملائكة .
وإذا مات المرء قال الناس ما تركَ؟ وقالت الملائكة ما قدّم؟

7 - إنَّ التقدير والاعتبار في ذلك العالم الذي سنذهب إليه يرتكز على ما قدّمنا من الباقيات الصالحات وعلى المعرفة بالله سبحانه والبصيرة والخصال الفاضلة والأعمال الصالحة وماهي درجة الإخلاص واليقين بالله تعالى - تلك هي الموازين الحقّة.

8 - لا يصح أن تغيب عنّا أجواء وجود الله عزّ وعلا واستحضاره واستحضار الدار الآخرة.

9 - جوهر الأمر وأساسه هي الكرامة عند الله تعالى ومدى التعلّق به ومعرفته سبحانه. 

مِن تذكرة سماحة السيّد الأستاذ محمّد باقر السيستاني(دامت بركاته).
الثلاثاء - 4 ذو الحجة - 1445هجرية.

تدوين : مرتضى علي الحلّي - النجف الأشرف .

بسم الله الرحمن الرحيم

ثبت بالرؤية الشرعية أن غداً الاربعاء هو يوم عيد الفطر السعيد الأول من شهر شوال المكرم عام ١٤٤٥هـ في العراق وعموم هذه المنطقة .
نسأل الله تعالى أن يتقبل من الجميع صيامهم وقيامهم ويعيد عليهم هذه المناسبة السعيدة بالخير والبركات.

مكتب السيد السيستاني - النجف الأشرف