أما مشروعك الدعوي الذي أنت فيه ماضٍ، اعلم رعاك الله ووفقك لطاعته أنه ليس من الضرورة بمكان أن يوتي أُكُلَه لتواظب عليه، بل داوم عليه بنيَّة صادقة و هَامة هِمَّة في الثريا سامقة، واثبت على ثغرك الذي أنت فيه، فمن يدري؟!، لربما نفع الله بنقلك تفسير آية أو شرح حديث أو أثرا أو مقطَعًا لعالم أو داعية فئاما من الناس، فاثبت على ثغرك الذي وفقك الله عز وجل للوقوف عليه وسل ربك دوام التيسير وإصابة الحق، ولا تحد عن ذا السبيل يَمنة ولا يَسرة، ولا يصرفنَّك عنه سخرية ساخر أو رأي سفيه جائر ..

فلقد أحسنَ إليك من خَلَّاكَ وطريقَكَ ولم يَطْرَح شَرَّهُ عليك؛ كما قال القائل:

إِنَّا لفي زَمَنٍ تَرْكُ القبيح
من أكثر الناسِ إحسانٌ وإجمالُ.

- الرّسالة التَّبوكية | ابن القيِّم | الصفحة: ٨٥.

زمانِي زمانٌ لا تطيبُ صداقةٌ
بهِ فالصَّديقُ الحقُّ فيه مُغَيَّبُ

أكادُ لِمَنْ في النّاسِ يزعُمُ وِدَّنا
أقول لهُ: واللّهِ إنَّكَ تكْذِبُ

إذا انْعَزَلَتْ نفسي فذاكَ لِأنَّني
أرى الخيرَ في أنِّي لهُمْ أتَجَنَّبُ

- مهدي أوراوي.

لِلمَوتِ فينا حُكمُه ومَذاهبُهْ
وكُلُّ امرئٍ رَهنٌ بِما هُوَ كاسِبُهْ

لقَد عزَّ مَطلوبًا وأنتَ تُريدُه!
وأعيى جوابًا فانثَنيتَ تُخاطِبُهْ!

أبَى الموتُ إلَّا أن تَكونَ رفيقَهُ
ومِثلُكَ لا يأبى لموتٍ يُصاحبُهْ

- عبد الواحد دراف.

رضا النّاس ليس غاية تطلب، ومقصدًا يقصد، وهدفًا يراد، وحاجةً ترجى، وغرضًا ينال، وأثرًا يُلتمس، ولا حادٍ يحدوه المرء.

فرضا الخلق غاية كلّ أنوك، وبُغية كلّ جاهل ومقصد كلّ سفيه، فالعاقل يتخذ رضا النّاس وراءه ظهريّا، ولا يلتف إلى أحوالهم وما يقولون فيه وما يخطر لهم، ولا يذّل نفسه ويوردها موارد السفل ويرضى لها الدون في سبيل التماس رضاهم وكسب مودتهم، والأمر في ذلك يطول وتعجز الأنفس دونه لمن أراد رضاهم.

فطريق رضاهم صعب المنال، بعيد الإدراك، تنقطع النفس دونه ويصرف المرء جهده وأنفاسه ولا يبلغه، فهو مليئٌ بالتعب والمشقة والذّل والصّغار، وهو ممّا لا يدرك ولا يحصَّل، والعاقل لا يسعى إليه ويطلبه فهو ليس غايةً أصلا.

فهو والله خطرٌ يركب، ومغبّة يسعى إليه المرء بنفسه وهوّة يمشي إليها برجله، وهاوية يُلقى فيها برضاه وإرادته، فإمّا هالك وإمّا مغبون.

- نورالدين ماحية.

تأتي سيارة فاخرة تتوقف عند الخضار، يقول صاحبها - بدون أن ينزل من السيارة - للخضار أعطني من هذه وهذه وزدني قليلا من هذه، يرد البائع بلباقة ولطف وابتسامة عليه ويزن له ما أراد ويذهب إليه ويناوله ما طلب ويستلم الثمن.

حدث هذا وأنا أنظر وأتحدث في نفسي بحديث عسى ربّي أن يغفره لي، ويأتي البائع ويقول لي -مبددًا دهشتي ومأدبًا لي على سوء ظّني - الحمد لله، أتعلم أنّ صاحب هذه السيارة مقطوع الرجلين، ولا يستطيع أن ينزل منها.

لحظتذاك وقفت - وحقّ لأيّ شخص أن يقف - مع نفسي ونظرت فيها وقلت كم نحن أغنياء وكم نحن غارقين في نعم الله التي لا نشعر بها، فكم تساوي تلك الرجلين التي تقلك وتحملك أينما أردت وقصدت مقابل تلك السيارة أو الدّنيا وما حوت، أكيد لا تساوي شيء.

غفر الله لي سوء ظّني.

موقف حدث معي قبل عام من الآن، جعلني أراجع مفهوم الغنى لدي.

"يا وَيلَتِي يومَ نَشرِ صَحيفَتي
إنْ قِيلَ لي خُذْها بغَيرِ يَمينِي"

بمانسبة معرض الكتاب...

لا تقرأ كلَّ كتابٍ قلّ ثمنه، أو جذبك عنوانه أو تناقلته صفحات الفيسبوك وشاع ذكره، أو أنَّ كلَّ النَّاس اشتروه، أو أن الكاتب يعجبك، اطلع على مراجعة للكتاب وابحث عن خلفية الكاتب. تخير وانتخب من الكتب ما ينفعك ويصلحك ولا تضيع جهدك ووقتك ومالك وحتّى عقلك وأنت تنتقل بين الكتب ودور النشر، فالكتب مؤثرة في حياة الإنسان...

فقد تشتري كتابًا وتقرأ محتواه فيودي بك في غياهب الجهل ومزالق الغيِّ وسفوح الرَّدى، ودوامة الثقة بالنفس ومتاهة الضلال وظلام البدع وهوّة الإلحا.د واعوجاج الإعتقاد وذهاب القيم وزوال المبادئ وفساد الفكر ومرض القلب وخطر الشبهات. فقد تقرأ كتابًا تفتح به على نفسك بابًا من الشبهات لا تغلقه إلا بشقّ الأنفس، وتفتح به من المُهلكات ما لا تستطيع ردها على قلبك ونفسك.

أيَّتها العرب!
أيُّها المسلمون!

• إنكم لا تُغلبون اليوم عن قلةٍ، ولئن كتب الله عليكم أن تُغْلَبوا فإنَّما تُغْلَبون بإثمِ ما اقترفت نفوسكم، وما اجترحت أيديكم، وما فرطت عقولكم، وما نسيتْ قلوبكم، وما أضعتم من حقٍ تؤدونه لأنفسكم وأسلافكم وذريتكم.

- محمود شاكر | جمهرة مقالاته، ج١ ص٤٩٧.

لا تستهن بنصيحةٍ تكتبها وبفائدةٍ تنقلها وبتوجيهٍ وإرشادٍ تنشره هنا في المواقع، ولا تستعجز نفسك عن بث العلم النافع ومزاحمة أهل الخنا والتفاهة، فواللَّهِ لأنْ يهْدِيَ اللَّه بِكَ رجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لكَ من حُمْرِ النَّعم، كما قال النّبيّ ﷺ لعليّ رضي الله عنه يوم خيبر.