‏وإن أدرتُ قلبي مُتخطّياً فكيف أنزع نفسي من تَبِعات الخيبة، وضعوا الكدَر في ظني، والسوء في توقعي، والرَوْع في خَطوِي، ولطخوا الصفو في نظري حتى إعتدتُ أن أنتظر في كل أمر وجهًا آخر، ومنعطفًا مُفاجئًا، ويظل في حُسباني دائمًا مأزق مُحتمل أتأهب له، ولا أعرف كيف يُمكن أن أُفلِت بقلبي من كل ذلك .‏

أتلحف بالشتات وداخلي إنسان ثاني
‏حايرٍ مثل أجوديّ نابت بوجهه حنينه .

دعني أُؤكد لك، أن الأشياء السيئة تحدث، وأن الأيام الثقيلة لن تكف عن زيارتك كضيفٍ سيءِ السمعة، أن بذاءات الحياة غير قابلة للإنقطاع، وأنهُ لا يُمكنك بأي حالٍ من الأحوال أن تعيش على قوس قزح طوال الوقت، الحياة مليئة بسوء الحظ والإرتباكات الإنسانية القصوى، ولحظات الفشل التي تقصم الظهر والأوغاد الذين يعرفون من أين وكيف يؤلمونك، الحياة مليئة باللوعة والفقد والشكوك الكبرى، والذبول، والضجر، نعم ستعرف كل هذا، ستقع فيه كمصيدة بدائية في اللحظة التي تعبر فيها من الطفولة إلى النضج ولكنك على صعيدٍ آخر لن تود الإنسحاب منها أبداً، وسوف تكون دائمًا جائعًا للمزيد منها ،لأن الحياة ذاتها التي تُعرفك على كل هذا الضياع، تمنحك أيضاً لحظات الفرح العارمة، والشعور العظيم بأنك أخيرًا وجدت طريقك، ستعرف فيها بهاء الحب، ستجرب دهشة الأشياء الأولى، سوف تُشاهد وجهك في المرايا يكبُر ويتشكّل وينضج لتُصبح أنت، وسوف تقع في حب نفسك الجديدة عند كل منعطف، ستعرف طمأنينة الإيمان، ودفء الطيبين، وحماس الوصول إلى أهدافك الصغيرة، وأدرينالين الأخطار ،والكرم الرباني الذي سوف يغمرك في أضعفِ حالاتك وأشدها فقراً، سوف تضحك وتجرب آلاف الضحكات العالية، وستشعر بإمتنان عميق لأنك تعيش هذه الحياة الهائلة التي كنت تلعنها بيأس قبل قليل، دعني أؤكد لك رغم هذا وذاك، رغم كل هذا، ستكون بخير .

على بُعد عشر أوجاع من وطني، ما زلت أزرع على الدرب وجوه الأحبة علامات، كي لا انسى طريق العودة .

‏تُحب الحياة بطريقتها، في مقدورها أن تجلس ساكنة وتشعر بالنهار وهو يتدرّج ببطء وأناقة ليتحوّل إلى ليل، أن تتأمّل النجوم وهي تصنع مهرجانًا من النور، هي المُنتبهة إلى الصمت بينما العالم ينتبه إلى الكلام .

أنا أشعر بإرهاق ما في هذهِ اللحظة لم أعرفه من قبل، أنا أيضاً لديّ أحزان لم أتوقف عندها لأُعطيها حقها من الإنتباه، كانت قفزاتي أوسع مما يجب، لدرجة أنني لم أتوقف لأتأمل ما سقط من جيوبي أثناء الققز، كنتُ ألهثُ دون أن أُعطي شيئاً واحداً في حياتي حقه كاملاً، ومثلما يُسابق الكلارينت صوت الحلاني كنتُ أنا أُسابق الحياة بحثاً عن شيء ما لا أعرفه، الآن تحديداً يوجعني بشدة أنني لا أعرفه .

"عندما تنتهي الحرب سنتزوج، وتُنبت الأرض زهورًا تُشبهك، ورحمك سيحمل أجمل فتاة في الكون، ستُشبهك وتحبني "
‏- رسالة وُجدت في جيب أحد القتلى .

ظلّ مدة طويلة يطوف على غير هدى، تعذّبه فكرة أليمة كاوية لكنّهُ لا يتوصل إلى صياغتها بكلام .

أُحبُّ هذا التعثّر المُسترسل والضياع الوفير، تروقني حالة الإنغماس في حقيقةِ شعوري دون إكتراث لما سيحدث ويُقال، آثرتُ مرافقةَ وجعَ ما أعانيه على مُداراةِ رغباتٍ ليست لي، أُحبُّ حزني لطالما كان دافعًا لمقاومة بلادةِ الحياة .

‏لا أخشى طول الطريق ولا عُرّي أقدامي، ولكنني أخشى بأن الوصول سراب .