- أنا متألم
= لا بأس، المهم أن يُترجم ألمك إلى عمل، وإلا كان مدخلًا من مداخل إبليس ليُعجزك!

كان هذا مختصر حوارٍ دار بيني وبين شيخي منذ سنوات، بعد أن قرأتُ كتابًا عن تاريخ وواقع أمتنا المرير، وهو كتاب رسالة في الطريق إلى ثقافتنا للأستاذ محمود شاكر رحمه الله، وقد اهتممتُ همًا عظيمًا، ولم أستطع أن أنطق أو أبقى في بيتي، فوجدتني أرفع سمّاعة هاتفي ليلًا وأطلب مقابلة شيخي، هرولتُ إليه أشكو صدري الذي يتصدّع ألمًا مما قرأت، فابتسم وقال لي هذه الكلمات التي صارت عندي مذهبًا:
لا بأس، قد مرّ بي ما مرّ بك، وأشعر بك، تقبّل ألمك، لكنّ الأهم، أن يُترجم إلى عمل، وإلا كان علامة على تلاعب إبليس بك!
.
والآن، وبعد مضي سنوات على هذا اللقاء، كلما اشتد ألمي مما أرى وأسمع في واقعي، اشتد نشاطي وعزمي، وزِدت في عملي وقراءتي وتعلّمي وتعليمي، أبذل ما بوسعي فيما أحسن شيئًا منه، في تعليم العربية، هذه اللغة الشريفة التي تربطنا وتربط هذا الجيل الجديد بهذه الأمة الكريمة، وهذا الدين العظيم، وما أشرف أن يسخّر الإنسان وقته وجهده كي يغرس في الناس شيئًا يُقرّبهم إلى أنفسهم، إلى دينهم، إلى لسانهم، وثقافتهم، وهُويتهم، وتاريخهم، وتراثهم، وحضارتهم.. إلى جذورهم التي يرسخون بها في أرضهم فلا يميلون مع كل ريح، ولا يُقتلعون ولو بألف احتلال!
.
هذه فسيلتي، وهذه معركتي، والمعركة إما بالسِنان وإما بالبنان، وكلاهما ضروريّ للآخر، واليوم أجد من بين طلابي من تذاكر النحو وهي جالسة في خيام غزّة! تعتذر لي لو تأخرت في بعض المذاكرة أو الحضور لعدم توفّر الكهرباء أو الإنترنت أحيانًا لأنها تقطع مسافات طويلة لتلتقط شبكة وتصل إلى إنترنت، وطالب غزّاوي آخر يهديني ديوان أخيه الشاعر الذي استُشهد منذ أشهر ويعتذر عن تأخره في بعض التكليفات... أسمع كلامهم وأنا مندهش، أقول في نفسي: أنتم تعتذرون لمثلي؟! لا حول ولا قوة إلا بالله! رضي الله عنكم وأرضاكم،

ثم أعود لنفسي فأقول: أليست هذه الفسيلة أنفع يا أحمد من أيام ظللتَ فيها حبيس غرفتك مع حُزنك الذي أعجزك عن الكلام والحركة؟ بلى والله أنفع.

ثبّت الله قلوبنا، وصبّ السكينة والطمأنينة والجلد والصبر والرضا على قلوب إخواننا، وألهمنا الله رشدنا ورزقنا الإخلاص والقبول والسداد!

أحمد عبد المنصف.

لا تطلب العلم عند شرس الأخلاق طويل اللسان، بل ولا تظهر الاستفادة منه، فليست الاستفادة مقصورة عليه، ولن تجد عنده من الفائدة ما لا تجده عند غيره. ولو كان عنده علم نافع لانتفع به في نفسه قبل أن ينفع غيره. وليته يكون كالأرض الأجادب التي تنفع غيرها ولا تنتفع في نفسها، لهان الخطب، بل إنه يعكّر ما معه من ماء بشراسته وسوء خلقه، وعن قريبٍ تتأثر بهذا ولا تشعر، أو على الأقل تستسيغه وتراه مقبولًا، فتصير مسخًا مثله.
وعامة هؤلاء المتشيطنين المتلبسين بلباس العلم مدَّعون، يتحصنون بهذه البذاءة ليمنعوا الناس من محاققتهم في دعاويهم العريضة، أي أنهم يسوقون الهبل على الشيطنة. وكثير منهم مبتلى بالخمول أصلًا، ولو تُركوا من إثارة الجدل لزاد خمولهم ودُفنوا.

عمرو بسيوني.

التنبيه المهم الذي يصرخ في وجوهنا بما يحصل هذه الأيام هو ضرورة رعاية التوحيد وتعليمه كما كان النبي ﷺ يعلمه لأصحابه، وكما كان أصحابه رضوان الله عليهم يعلمونه لصبيانهم وأهليهم.

لا المقررات الدراسية، ولا المعلومات الأبوية العامة، ولا التشدق بالقضايا الكلامية والمتون العلمية وحدها تعلم التوحيد.

تعظيم الرب جل وعلا، وتعظيم رسله عليهم السلام لا سيما رسولنا صلى الله عليه وسلم، وتعظيم الأمر والنهي، هو الوحيد الكفيل بتجفيف هذه النماذج الضحلة الموغلة في الجهل التي تطفح من وقت لآخر على السطح.

محمد حشمت.

فالحقيقة الأولى: هي قدرة الفرد في بعض حياته على الحياء، وعلى التضحية، وبذلك يستطيع أن يضع تحت أعين الجماعة قدوة حسنة ومثلاً أعلى ينبل ويسمو، ويترفع، ويضيء في الأجواء البعيدة بروح الجمال والحقِّ.
والحقيقة الأخرى: هي سرعة استجابة الجماعة للمثل الأعلى بالاقتناع من ناحية، والتقليد من ناحية أخرى، وبجميع ذلك تستطيع الجماعة أن تجعل نظامها سامياً أبداً، عظيماً دائماً، متماسكاً على مرِّ الزمن.

محمود شاكر.

فهذا المزاج والجو العام عرضة للتقلبات السريعة والهزات العنيفة فلا يليق بمَن يعظَّم كتاب اللَّه وسنة رسوله (صلى اللَّه عليه وسلم) -خاصة من أهل العلم المؤتمنين على بيان الشريعة- أن يكون ضغط هذا المزاج مؤثرًا على تصوراته ومفاهيمه الشرعية.

إنك حين تتحدث عن قضايا شرعية فأنت تتحدث في الدين الذي يريده اللَّه للناس جميعًا، فلا تكن حبيس اللحظة الراهنة التي تعيشها، ولا أسير الفضاء الذي يحيط بك، فلعل من يقرأ كتابك ممن يعيش في أزمنة لاحقة وأمكنة مختلفة هم أضعاف من قرأه وكان متفهمًا لحالة القلق التي عاشها الكاتب، وربما هذا يفسر بعض حالات الشذوذ الفكري والفقهي التي نستنكرها ونتعجب من صدورها.

فهد العجلان.

لا يوجد أي هدف حياتي يعطي المعنى والمغزى الشخصي للحياة، إلا ومساعدة الناس جزء منه.

أشرف الوظائف الإنسانية وأعظمها وأجلها هي (النبوة) وهي في جوهرها: مساعدة الناس.

جوهر معظم أسماء الله الحسنى يتعلق بتجلي الصفات الإلهية على الناس رحمة ورزقًا وعطاء.

وإذا أراد الشيطان صد العبد عن هذا الطريق نفخ له في أذى الناس لمن ساعدهم؛ لأجل ذلك تجد في الوحي بيانًا ظاهرًا متكررًا لأمرين:

الأول: كفران الناس نعمة ربهم وهو خالقهم ورازقهم.
الثاني: أذى الناس لأنبيائهم وما بعثوا إلا رأفة ورحمة بهم.

كأن الله يعظك من تلك النفخة الإبليسية: لا تحجزك خيبة الأمل عن مواصلة المساعدة والعطاء فأنت تفعل ذلك رجاء الأجر من الله ولأن هذا هو ما يليق بك، أراد الله تجلي صفاته ولو شاء لم يسق كافرًا شربة ماء لكنه سبحانه يفعل ما يليق بإحسانه وهو غني عن عباده، فأحسن إلى الناس لا يصرفك عن ذلك كيد الشيطان، أحسن إلى الناس لأن هذا هو ما يليق بك، ولئن يهدي الله بك رجلًا واحدًا= لكفاك ذلك وأغناك.

وأفضلُ الناسِ ما بين الورى رجلٌ
‏تُقضى على يدهِ للناس حاجاتُ

أحمد سالم.

[لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ ..]
معارك النَفَس القصير والثمن اليسير لا يكاد يتخلّف عنها أحد، لكن معارك النَفَس الطويل والثمن الجزيل هي التي يُبتلى بها معدن الإيمان!
ألا ترى أن التمايز قد حصل في أقوامٍ وظهرت حقائق النفوس لما (طال عليهم العهد) و(طال عليهم الأمد)؟!

كريم حلمي.

طبقت شهرة عروج الآفاق عندما استطاع إنقاذ الآلاف من مسلمي الأندلس الذين كانوا يقبعون في سجون تحت الأرض يعانون من ممارسات التعذيب التي تعرضوا لها على يد محاكم الظلم الصورية المسماة كذبًا وتدليسًا" محاكم التفتيش"، حيث قام بنقل سبعين ألف أندلسيّ للجزائر لمداواتهم، وعاقب كل من طالته يده ممن شارك في هذه الجرائم النكراء، وطرد الأسبان من السواحل التي احتلوها؛ فأصبح بطلاً لا نظير له في هذه الحقبة وأطلق عليه أمير البحار.
ادعوا لهذا البطل؛ فقد أنقذ الله به سبعين ألف روحٍ من محاكم الظلم والتعذيب، نالت من المسلمين آلافا بغير حقٍ إلا أنهم قالوا ربنا الله، وهذا حال أعداء الله في كل عصر ومصر لا يحملون من المبادئ إلا شعارات زائفة لا تعكس حقائق ما يُحاك في غرف نفوسهم المظلمة، ولا من الإنسانية إلا ما يزينون به وجه خداعهم القبيح، بل هم وحوش كاسرة لا ترويها إلا الدماء، وأفاعٍ سامة لا ينفعُ معها سِلْم ولا وفاء، بل إن الوحوش والسباع لتأنف أن تأتي بمثل أفعالهم القبيحة!

لكن شاءت حكمة الله ورحمته أن تكون الأرض محل ابتلاء وامتحان، تستخرج من بواطن قلوب ساكنيها معادنهم النفيسة وجواهرهم الثمينة، ومن دفائن النفوس خسيسها وكريمها؛ فجعل سنة التدافع بين الحق والباطل قائمة إلى أن يرث الأرض ومن عليها، ليجازي بعدله المجرمين على إجرامهم، ويثيب برحمته المحسنين على إحسانهم، فكما أن تاريخ هؤلاء المجرمين طافح بفظائع إجرامهم، يسيل بدماء الأبرياء من المسلمين، وبمظالم الضعفاء وقهر المساكين، فإن للمسلمين تاريخًا حافلًا بنماذج عظيمة بلغت الغاية والمنتهى في الشرف والرحمة ومكارم الأخلاق، حملوا همومًا عانقت بشموخ هامات الجبال، همومًا لم تتسع لها أجسادهم ولا قدراتهم إلا أن توفيق الله وإعانته كانت مددهم الذي يعتمدون عليه حال سيرهم نحو المعالي، فحثوا السير فوق جمر النار المشتعل من تحت أرجلهم، وبلغوا به ما استحال على غيرهم بلوغه إلا بقلب ينبض إيمانًا وتوحيدًا، فحدث ملئ فيك عن أمجاد المسلمين الأثيلة، وارفع رأسك زهوًا وفخرًا وتيهًا وأنت تحكي قصص أبطال هذه الأمة، وتتغنى بصنائعهم البيضاء التي نقشوها على صفحات الزمان.
حدث عن عروج وأنت تتغنى بـ" أولئك أبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامعِ، حدث عن هذ المجاهد الأشوس الذي لا ينبغي أن يغيب فعله عن أذهان شباب المسلمين في ظل هذه الأحداث العصيبة التي تمر بها أمتنا، حتى لا يغرقوا في بحور اليأس، عسى أن يسلك نهجه من كان يحمل هم هذه الأمة، ويألم لمصابها، فسيرته تُنعش الأمل في النفس بعدما كاد ينطفئ، وتُحيي الطموح في القلب بعدما كاد يموت، وتؤجج العزم في الروح بعدما كاد يخمد، وأنا أعلم يقينًا أن أمتنا قادرة على إخراج مثل هذا البطل وإنقاذ ما تبقى من شرف الأمة، فلربما قام رجل في الأمة مقام الأمة جميعها، فتطوق الأمة جميل ذاك الفعل في عنقها إلى يوم القيامة

ما فعله عروج أمر صعب عسر برؤانا المادية البئيسة، كيف نقل هذا العدد من المسلمين في عملية إنقاذ تدرس لكل الأجيال، كيف اخترق عُباب البحر، وظلام الليل، ولظى الشمس بلا توقف ولا كلل؛ لينقذ أمته التي يثعب جرحها دما راضيا مطمئنا عاملا لربه
تلك أمور مستحيلة بالمقاييس الأرضية، ولكن ما لعروج وما لها، لعروج سماؤه وهي لها أرضها، فهو في سماء الصبر والتوكل والاستعانة برب العباد، والخروج من كل حول وقوة إلى حول الله وقوته، فلا غرو حينئذ أن نال ما نال، وكن على ذُكر.. أن من امتطى السحاب طال الثريا!

اللهم اغفر لعبدك عروج وارفع درجاته، وأدخله جنتك بغير سابقة حساب ولا عذاب، وارحمه بما حمل في قلبه من رحمة للمسلمين، وابعث في هذه الأمة من يخرجها من ظلمات التيه والضلال إلى نور الهداية والرشاد، ويرفعها من ضعة الذلة والهوان إلى هامات العز والسؤدد.. آمين.

يعرف المؤمن البصير حقيقة هذه الدنيا وما يقع فيها من ابتلاءات ومحن، تفرضها حالة الصراع مع العدو الكافر، وأنه لا مفر من أن تطال تلك الابتلاءات أعز ما يملكه من الأموال والأنفس والممتلكات.

بل ويدرك بوعيه وفطنته الأساليب الخبيثة القذرة التي ينتهجها العدو في محاولات استهداف الحالة النفسية والمعنوية للمجتمع المسلم الذي يحتضن المجاهدين والمقاومين، في محاولة لكسر إرادة الصمود والثبات، ودفعهم للاستسلام.

وأمام تلك الأهوال التي تكاد تعصف بثبات المسلم ورباطة جأشه؛ لن يجد سبيلاً أفضل للحفاظ على دينه وإيمانه وصحته النفسية من التسليم لأمر لله والاطمئنان لحكمه والرضى بقضائه وقدره، مستعيناً بسلاحي الصبر والتقوى، فإن ذلك من الأمور التي يُعزم عليها، وينافس فيها، ولا يوفق لها إلا أهل العزائم والهمم العالية.

َ
"لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" ❤️

أحمد قنيطة.

‏(حياة المؤمن غنيمة)
قالﷺ : " لا يتمن أحدكم الموت، ولا يدع به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله،
وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراً ".
‎#متفق_عليه
قال سعيد بن جبير: "إن بقاء المسلم كل يوم غنيمة" ثم ذكر الفرائض والصلوات وما يرزقه الله من ذكره.

د. عبد العزيز الشايع.