تفترقُ الطُرقات وتتباينُ السُبل ويرحل الرِفاق ويتبدد الوِفاق، يجتاحُ المرء الحَنين؛ لمواضع لا يُجدي الحنين بها، وتهاجمه أشباح الذِكرىٰ وتؤرقه خيالات الرأس، يبحث عن الأُنس في جعبة الأيام، ويدفع نصف عمره لمن يطمئن ارتجافة قلبه ويُجلي ببقائه انقباضة صدره.

كُل جرح نديٍّ يبرأ تاركًا لصاحبه خلفه ندبه تُذكره بما جَرىٰ وما فَسّد وما راح وما كَسَّد.

ولأننا في الدُنيا؛
لابُد أن نتعلم كيف تبرأ الندوب وكيف تُخاط الجروح.

لأننا في الدنيا؛
لابُد أن نعي أن مُفترق الطُرقات التقاء لغيرها واجتماعٌ لغير أهلها.

لأننا في الدنيا؛
لابُد أن نؤمن أن صعوبة الاختبار لا تعني عجز الإجابة، وأن وعورة الطريق لا تعني حتميًا شقاء سالكيه.

لأننا في الدنيا؛
لابُد أن نُكابد ضيمها، فلا يُغوينا ضيق الصُدور ولا هون الأنفُس، وأن نعلم أن ذلك الغَم المُطبق علىٰ الأفئدة وإن أثقلها، فهو زائل، ومأجور من يُكابده.

لأننا في الدنيا؛
لابُد أن نُسلم بأنها دارُ ممرٍ لا مُستقر، وأن القرار هنالك يستحق العناء هُنا.

لأننا في الدنيا؛
لابُد أن نُسلم أن الأُنس بالبشر يزول، وأن المقاصد إن لم تكن خالصةً تَبور، وأن سبيل النجاة في صفاء القلوب لربها؛ فتُضبط بوصلة الاتجاه إليه، فنرفع أنظارنا إلىٰ السماء قائلين: "يا رَبّ!"
هكذا متجردة عما سواها؛ فلا نُحسن بغيرها تضرعًا.

ولأنه في نهاية المطاف يفر المرء للأركان الآمنة؛ فأحمد إليك أنكَ ربي، وأشكو إليكَ ضيقَ الأركان كُلها، السِعة جوارك والأمن والسَكن.

#هجيريات.

في أعماقهِ أسىً لستَ تبصرُهُ
يخفي البكاءَ في لُجَّةِ الضحكِ

يُبدي التبسُّمَ للعابِرين واجهةً
والنفسُ دَاخِلهُ تُطوى عَلى كدرِ

بلانر لتتبع الأوراد اليومية، جاهز للطباعة.
ملون وبلا ألوان، عساه يفيد أحدًا.

لا تنسونا من الدعوات.

عزيزتي هاء!
مر وقتٌ طويل على آخر المرات التي راسلتُكِ فيها، افتقدتُ الدفع بالحديث إليك، وافتقدتُ إصغاءك وإن لم يكن بعده مردود.

أما بعد،
إنني يا هاء يستعصي عليَّ كثيرًا البوح، ولا أعلم بما يجب أن ينفرط عقد لساني لأتخفف مما أحمله في صدري، بل لا أعلم ماهية ما يثقل نفسي.

أتأمل انعقاد اللسان وقلة وعاية الأنام بما يعتري النفس من سِقام وأتساءل عاجزة، هل يفيدُ الكلام بشيء؟ بل هل نَقدرُ عليه؟ أيصف حلاكة الأحوال أم لا يعدو محض سيل جارف من أحرفٍ متدفقة تدفع بعضها بعضًا للخروج من جوف الظلام؟

هممت كثيرًا باللجوء للصحب الكرام وبثِّهم بعض ما أجد، ولكنني لم أقدر لعلمي بعودتي من تلك المحافل خالية الوفاض؛ إذ إنني لا أفهمني، فكيف بغيري؟

هممت أيضًا بالدعاء، ليمتد ساعداه طارقًا أبواب السماء، ولكن صدري يضيق وينعقد لساني.

مر بخاطري قول ربنا جل وعلا: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ..} | {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}.

فوجدت في الآيات تعزية، هناك من يعلم ما يثقل كاهلي، وما يوجع فؤادي، وما يضيق به صدري، هناك من يعلم وإن لم أكن ذاتي أعلم، هناك الله.

الحمد لله على وجود الله، الحمد لله أن لنا ربًا يقبلنا وإن أدبرنا، ويحب تقربنا وإن زهدنا، ويعلم سريرتنا ولو أسررنا.

مجرد الخاطر أيتها العزيزة أسرى ما بي، هناك ربنا لا يترك عبيده سُدى، هناك الله الواسع القادر، قادر على هبتي السعة محل الضيق، وعليم بالقدر الذي لا يعجزه أن يبصرني بتعقيد نفسي، ويخلفني عن ضجيج أعماقي حالًا مُطمئنًا.

هناك الله يعلم يا هاء؛ وإن لم أتحدث أو أبادر بتحريك لساني، هناك الله يتكفل تلك الجبال التي تجثو على صدري، فأسأله أن يقيني سوء نفسي وأن يخرج الدنيا من قلبي ويهبنيها في يدي، وأن يرد عليَّ ضالتي التي فقدتها وأجهل كينونتها، وأن يُحسن إليَّ في جعلي أمة محسنة يرتضي صنيعها، وأن يكفل لي براح السعة من حولي وبين جوارحي وداخل صدري.

والسلام عليكِ،
- مُحبتك التي ودت أن تتخفف إليكِ.

• اليوم العالمي للغة العربية، مرحبًا!

عزيزتي اللغة كثيرًا ما أحمد الله على الكِتابة نعمة -والحق أنه لولاكِ ما كانت- فحق الشكر لله عنكِ أولًا.

كثيرًا ما يسألونني: "من أين لكِ ببليغ هذا القلم، أو كيف ضبطتِ زلل هذا اللسان، ومال لحنك قليل وأثرك بليغ!"
فأقف عاجزة عن الرد، وما عساني في حضرة بهائكِ أقول!
كل ما كنت أجيب به: "أن يا أيها المريدون لما بين يدي، هبوا اللغة أنفسكم تهبكم نفسها، هبوا اللغة أوقاتكم تهبكم سحرها، هبوا اللغة إخلاصكم تستخلص لكم بيانها."

أعلم أنني قد لا أكون تلك الابنة البارة بكِ؛ فأخطيء في حقك كثيرًا، حيث قصوري نحويًا، وأخطيء في الإملائيات ربما قليلًا، حسنًا هي ليست محض أخطاء بل كوارث لغوية أعترف، ولكني أجاهد فيكِ، جهاد المتعلم المريد لسبيل النجاة بكِ.

أيتها الفصيحة العربية!

اعلمي أنني أُحبك حبًا جمًا، والذي أحمله لك في قلبي يفوق ما أحمله لأحد من العالمين، أؤمن حق الإيمان أن النجاة لا تأتي إلا بكِ بالعمل والسعي والإتقان والبذل، وكيف لا تكونين سبيل النجاة، وبك نزل الوحيين، وحث عليك أنبياء الله من قبل، ولا يفهم القرآن إلا بمجامعك ولا تتحصلين لمريد لك إلا به؟

وكما نعلم يا كريمة الخِصال، أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ ولا يتم لمسلم منا ما في كتابه من إتيان فرائضه وفهم مقاصده إلا عن طريقك، فكنتِ غاية كل شريد فيه، وفريضة علينا أن نبحر في أبحرك بالقدر الذي يستقيم لنا به المسير ولا يضرنا إن أكثرنا.

ويزيدنا لكِ حبًا، أن أهل الجنة هم أهلك، وأن رسول الله ﷺ وصانا بك خيرًا، وأن ربنا راضٍ عنك؛ فمن بين كل لغات الأرض اختارك لإيصال رسالاته إلى العالمين.

سلام عليكِ، حتى ييسر الله لي ما تعسر علي فيه من تعلمُكِ، وأعدك أن أظل على وفاء العهد بيننا باقية، رغم ما ألقاه في سبيلك لأُحسنَ زمام أمركِ، وألا يضرني سخرية سامعٍ لنطق لساني لأحرفكِ ولا يقصيني عن غايتي فيكِ تقليل جاهلٍ لعظيم قدركِ في نفسي.

#اليوم_العالمي_للغة_العربية.

جئنا نلتمس فيكم صدق مقصد دعوة الأخ المسلم لأخيه بظهر الغيب، لا تغفلوا عنا يا كرام.

لولا أننا نتعبد لله بالمحاولة لآثرنا الركون للقعود على مشقة ما نكابده!

ولأن من آثر الراحة فاتته الراحة، فإنا نتعزى بكون الهموم مقدماتٍ لنعم مخبوءة، والراحة نعمة نسأل الله أن نحصلها ولا تتفلت منا، فلا نكسل تحت وطأة ما يدفعنا للفتور والقعود.

#بُكائيات.

كأني أريد أن أبكي كما بكى أبا هريرة؛ فالدرب موحش والزاد قليل والرفاق يرحلون تِباعًا والآمال زاهدة فينا والمشقة في أفئدتنا وفي الطريق، ونحن على قلة حيلتنا لولا أن ربنا يرأف بحالنا لهلكنا.

- في مثل هذا اليوم،
وكمثل هذا الشعور!

ربنا يوسع علينا في أنفسنا، ويؤنس وحشة أفئدتنا ويُذهب ضيق صدورنا، ويجعل كل عصيِّ على الفهم يلم بنا زيادة أجر ومحط ذنب، آمين آمين آمين.