عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ تعالى:

﴿وأنَّ هَذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فاتَّبِعُوهُ ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ﴾

قالَ: اعْلَمُوا أنَّما السَّبِيلُ سَبِيلٌ واحِدٌ، جَماعَةُ الهُدى، ومَصِيرُهُ الجَنَّةُ، وأنَّ إبْلِيسَ اشْتَرَعَ سُبُلًا مُتَفَرِّقَةً جِماعُها الضَّلالَةُ، ومَصِيرُها النّارُ.

• [تفسير عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ]

رد الاختلاف للحديث والأثر :

**قال الدارمي رحمه الله: «‌فَحِينَ ‌رَأَيْنَا ‌الْمَعْقُولَ ‌اخْتَلَفَ ‌مِنَّا ‌وَمِنْكُمْ ‌وَمِنْ ‌جَمِيعِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، وَلَمْ نَقِفْ لَهُ عَلَى حَدٍّ بَيِّنٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ، رَأَيْنَا أَرْشَدَ الْوُجُوهِ وَأَهْدَاهَا أَنْ نَرُدَّ الْمَعْقُولَاتِ كُلَّهَا إِلَى أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِلَى الْمَعْقُولِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ الْمُسْتَفِيضِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، لِأَنَّ الْوَحْيَ كَانَ يَنْزِلُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَكَانُوا أَعْلَمَ بِتَأْوِيلِهِ مِنَّا وَمِنْكُمْ، وَكَانُوا مُؤْتَلِفِينَ فِي أُصُولِ الدِّينِ، لَمْ يَفْتَرِقُوا فِيهِ، وَلَمْ تَظْهَرْ فِيهِمُ الْبِدَعُ وَالْأَهْوَاءُ الْحَائِدَةُ عَنِ الطَّرِيقِ.

فَالْمَعْقُولُ عِنْدَنَا مَا وَافَقَ هَدْيَهُمْ، وَالْمَجْهُولُ مَا خَالَفَهُمْ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ هَدْيِهِمْ وَطَرِيقَتِهِمْ إِلَّا هَذِهِ الْآثَارُ، وَقَدِ انْسَلَخْتُمْ مِنْهَا، وَانْتَفَيْتُمْ مِنْهَا بِزَعْمِكُمْ، فَأَنَّى تَهْتَدُونَ؟».

«الرد على الجهمية للدارمي» (ص127).**

قوله تعالى: ‏{ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ }

قال مجاهد : البدع والشبهات.

• تفسير ابن أبي حاتم رحمهما الله تعالى ٨١٠٤ ?

❑ أمثلة من الآثار التي يحتج بها أهل الحديث في الصفات :
١/ احتج أئمة السلف على الجهمية بهذا الأثر وردوا عليهم به :

▣ روى عبد الله في السنة (۱۲۲۳) والدارمي في النقض (ص ٢٦٣) حَدَّثَنِي أَبُو السَّرِيِّ هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ مَيْسَرَةَ، قَالَ: " خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِيَدِهِ أَرْبَعَةً: خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ وَكَتَبَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ وَغَرَسَ جَنَّةَ عَدْنٍ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [المؤمنون: ١] وَقَالَ: الرَّابِعَةُ أَغْفَلْتُهَا.

[ وروي هذا الأثر عن عكرمة وعن جابر بن حكيم وكعب أيضا وكان هذا الأثر يحتج به الدارمي ويرد به على المريسي، وعبد الله على الجهمية في السنة ]
٢/ قد أثبت أئمة السنة وأهل الحديث صفة الصدر لله تعالى لأثر عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما :

▣ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمَلَائِكَةَ مِنْ نُورِ الذِّرَاعَيْنِ وَالصَّدْرِ».

[ ورواه عبد الله في السنة (١٠٨٤) والدارمي في النقض (٦٤٨/٢) وابن منده في الرد على الجهمية (ص ۹۲) وأبو الشيخ في العظمة (١٥٣) وأبو يعلى في إيطال التأويلات (۲۲۱/۱) والبيهقي في الأسماء والصفات (۱۷۸/۲) (٧٤٤) وهو أثر صحيح وقد بوب عليه غير واحد في إثبات الصدر لله تعالى: كغلام الخلال وابن المحب وقبلهما عبد الله بن أحمد وابن منده إذ ساقاه ضمن الآثار التي يرد بها على الجهمية ، قال القاضي أبو يعلى في إيطال التأويلات (۲۲۲/۱) : غير ممتنع حمل الخبر على ظاهره في إثبات الذراعين والصدر إذ ليس في ذلك ما يحيل صفاته ، ولا يخرجها عما تستحقه ..... فإن قيل : عبد الله بن عمرو لم يرفعه ، إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو موقوف، فلا يلزم الأخذ به؟ قيل: إثبات الصفات لا يؤخذ إلا توقيفا، لأنه لا مجال للعقل والقياس فيها، فإذا روي عن بعض الصحابة فيه قول علم أنهم قالوه توقيفا) اه‍‍ ]. ٣/ وأثبت أهل الحديث والسنة "البعض" لله تعالى لما ورد عن السلف :

▣ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ الْكِلَابِيُّ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَن عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُخَوِّفَ عِبَادَهُ أَبْدَى عَنْ بَعْضِهِ لِلْأَرْضِ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَزَلْزَلَتْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُدَمْدِمَ عَلَى قَوْمٍ تَجَلَّى لَهَا عَزَّ وَجَلَّ.

[ ذكره في الفتاوى الكبرى (٦/٤٠٩) وقد رواه عبد الله في السنة عن عكرمة (١٠٦٩) ]

▣ وَرَوَى عبد الله في السنة (١١٦٥) والخلال في السنة (۳۲۰) رَوَى الثَّوْرِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ وَبَعْضُهُمْ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ فِي قَوْلِهِ فِي قِصَّةِ دَاوُد: ﴿وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ [ص: ٢٥] قَالَ يُدْنِيهِ حَتَّى يَمَسَّ بَعْضُهُ.

❒ إضافة للبحث: الإحتجاج بآثار الصحابة والتابعين في الصفات وبيان حكم من ردها :

نقل الإجماع على وجوب الإحتجاج بآثار الصحابة في الإعتقاد والسنة والصفات جمع من السلف والكثير من أهل السنة يبدؤون في مقدمة كتبهم بهذا الأصل وينوهون أنه مذهب السلف ، وإليك بعض الأمثلة :
▣ الإمام أحمد رحمه الله فيما قاله : أصُول السّنة عندنَا التَّمَسُّك بِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَاب رَسُول الله ﷺ والاقتداء بهم) اه‍‍.

▣ قال الإمام أبو سعيد الدارمي رحمه الله في النقص (ص ٢٦٣) : " فَشهد بِاتِّبَاع الصَّحَابَةِ، وَاسْتِيجَابِ الرُّضْوَانِ مِنَ الله تَعَالَى بِاتِّبَاعِهِمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ ﷺ.
وَاجْتَمَعَتِ الكَلِمَةُ مِنْ جَمِيعِ المُسْلِمِينَ أَنْ سَمَّوْهُمُ التَّابِعِينَ، وَلَمْ يَزَالُوا يَأْثُرُونَ عَنْهُمْ بِالأَسَانِيدِ كَمَا يَأْثُرُونَ عَنِ الصَّحَابَةِ، وَيَحْتَجُّونَ بِهِمْ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ وَيَرَوْنَ آرَاءَهُمْ ألزَمَ لهم مِنْ آرَاءِ مَنْ بَعْدَهُمْ، لِلِاسْم الذِي اسْتَحَقُّوا مِنَ اللهِ تَعَالَى، ومِنْ جَمَاعَةِ المُسْلِمِينَ) اه‍‍.

▣ قال الآجري - رَحِمَهُ اللّٰهُ - في الشريعة : اعْلَمُوا وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ لِلرَّشَادِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ أَنَّ أَهْلَ الْحَقِّ يَصِفُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ ﷺ، وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ مِمَّنِ اتَّبَعَ وَلَمْ يَبْتَدِعْ...) اه‍‍.

▣ وقال الآجري في الشريعة (۱۹) : عَلَامَةُ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا: سُلُوكُ هَذَا الطَّرِيقِ، كِتَابُ اللَّهِ، وَسُنَنُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَسُنَنُ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُم وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ بَلَدٍ إِلَى آخِرِ مَا كَانَ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِثْلَ الْأَوْزَاعِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَالْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ، وَمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ طَرِيقَتِهِمْ، وَمُجَانَبَةُ كُلِّ مَذْهَبٍ يَذُمُّهُ هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءُ) اه‍‍.

وقال أيضا :ذَكَرْتُ فِي هَذَا الْجُزْءِ مِنَ التَّمَسُّكِ بِشَرِيعَةِ الْحَقِّ، وَالِاسْتِقَامَةِ عَلَى مَا نَدَبَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَنَدَبَهُمْ إِلَيْهِ الرَّسُولُ ﷺ: مَا إِذَا تَدَبَّرَهُ الْعَاقِلُ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ أَلْزَمَهُ التَّمَسُّكَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَبِسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَجَمِيعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَجَمِيعِ مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَتَرْكِ الْجِدَالِ وَالْمِرَاءِ وَالْخُصُومَةِ فِي الدِّينِ، وَلَزِمَ مُجَانَبَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَالِاتِّبَاعُ، وَتَرْكُ الِابْتِدَاعُ، فَقَدْ كَفَانَا عِلْمُ مَنْ مَضَى مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَا يُسْتَوْحَشُ عَنْ ذِكْرِهِمْ، مِنْ مَذَاهِبِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالَاتِ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِكُلِّ رَشَادٍ، وَالْمُعِينُ عَلَيْهِ) اه‍‍.

← ولهم شبهة أخرى أكثر سخافة وهي قديمة موروثة من أجدادهم الجهمية : وهي قولهم كيف تكفر أهل القبلة من يتشهد ويصلي !!.

▣ قَالَ الإمام أبو سَعِيدٍ الدارمي رَحِمَهُ اللهُ في كتابه الرد على الجهمية (٣٥٩) :

نَاظَرَنِي رَجُلٌ بِبَغْدَادَ مُنَافِحًا عَنْ هَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةِ، فَقَالَ لِي: بِأَيَّةِ حُجَّةٍ تُكَفِّرُونَ هَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةَ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْ إِكْفَارِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ؟ بِكِتَابٍ نَاطِقٍ تُكَفِّرُونَهُمْ أَمْ بِأَثَرٍ أَمْ بِإِجْمَاعٍ؟ فَقُلْتُ: مَا الْجَهْمِيَّةُ عِنْدَنَا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَمَا نُكَفِّرُهُمْ إِلَّا بِكِتَابٍ مَسْطُورٍ وَأَثَرٍ مَأْثُورٍ وَكُفْرٍ مَشْهُورٍ " اه‍‍.

(قلت) وهذا السؤال هو لوحده كفر ، لأنه إنكار لحكم الردة والمرتد في الإسلام ولا حاجة لجواب هذه المهازل المضحكة.

◉ تنبيه : ولكن ننبه هنا أن من قال فيه السلف أنه جهمي فهذا يعني أنهم كفروه ، فالجهمي كافر كما بين أحمد وغيره هذا التنبيه.

▣ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَانِئٍ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِالرُّؤْيَةِ فَهُوَ جَهْمِيٌّ، وَالْجَهْمِيُّ كَافِرٌ.[ مسائل ابن هانی (١٨٥٠) ]

▣ وقال الآجري في الشريعة بعد ذكر من قال أن القرآن ليس كلام الله : لَا يُنْكِرُ هَذَا إِلَّا جَهْمِيٌّ خَبِيثٌ، وَالْجَهْمِيُّ فَعِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافِرٌ.