على قدرِ إدراك حقيقة وقتيّة الحياة؛ يكون طرح الإنسان للسفاسف والهوامش، ويوجّه غاية قواهُ إلى ما فيهِ عائدٌ له في دينهِ وعاقبة أمره.

الحياة الدُنيا مَحطّة عبورنا، ولكنّنا شربنا حبّها وألفناها وبهذا الامتزاجِ الذي نحن فيه ننجرف نحوَ ملاذّها وزينتها، لذلك نحتاج ما بين غفلةٍ وأختها أن نقصدَ هزّ أنفسنا لتأوب بما يذكّرها بحقيقةِ الوجود وحقيقة الوجهة، فإنها إذا تُركت غرقت حتى أذنها، والنفحات السماوية تعيدها لمصلحتها الأولى.

سردٌ للطائف جنيتها من عالمٍ وشيخٍ جليل، أتته الدنيا ولكنه أباها، وكان باستطاعته أن يتصدر ولكنه آثر الانصراف عن عيش هني عاجل إلى مدخرٍ خالد. . . جلست مع قريبٍ كبير في السن قد نال مرتبة الأستاذية "بروفيسور"وبين جنبات حديثهِ الماتع قال أنني سلّمت مرة على…

حياة السبـهللا.

حياة السبهللا هي حياة عشوائية فوضوية، ليس لدى صاحبها طريقٌ مُحدد ولا وجهة معلومة، يصحو ويقابل أيّ شيء في حياته كيفما أتفق، إن وجد من يدعوه لأي شيء اتبعه، ومن ذلك تقليب مواقع التواصل والتنقّل العشوائي بينهما، أو الخروج دون تخطيط وتضييع الأوقات دون ترتيب ولا تخطيط.

حياة السبهللا مقتبسة من قول عمر رضي الله عنه حين قال "إنّي لأكره الرجل يمشي سبهللاً لا في أمر الدنيا ولا في أمر الآخرة" وهذا يشمل الرجال والنساء جميعًا.

ومن فطنة المؤمن أن يسمو بنفسه عن حياةٍ عبثية كهذهِ، ويقوم وينفض كسله ويحدّد وجهته ويعرف طريقه، وأن يسير كلّ يومٍ بخطواتٍ ثابتة وإن كانت قليله "خير الأعمال أدومه وإن قلّ" حتى لا تغيب شمس سنينه إلا وقد خرج بغنيمة.

والحياة التي يطلبها الإنسان إمّا أن تكون حياةً أخروية نسعى من خلالها للفوزِ الكبير، أو حياة دُنيوية نحقّق مصالحها ونكفي فيها أنفسنا ونسمو بعيشها، وما بين هذه وهذه يحقق المرء المعنى في حياته.

الحياة محدودة، وما يُراد كثير والمشغلات لا تترك أحدًا، لذلك إن لم تحجز لأولوياتك وقتًا، ذهبت الأيامُ تباعًا وانقضى العمر سراعًا والأيدي خالية الوفاض.

تحديد المهمّة القادمة خطوة للإنجاز، وحجز وقتٍ محدد لها قفزةٌ للإنجاز، جرّب ولاحظ الفرق.

بعضُ الأولويّات تلهينا عنها مجريات الحياة، ليزداد مع تقادمِ الأيام خرابها ويصعبَ عمرانها، والفَطِنُ من جلسَ إلى نفسهِ وأصغى لأوائل مُراداتهِ، وعلى رأسِ المطالب دينهُ الذي هو عصمة أمره، ثم صحتهُ فأسرتهُ إلى سائر شأنه، فكم هو مؤلمٌ تصرّم الليالي، ثم اليقظة المفاجئة على تصدّعٍ يحتاج من البذل والجهدِ أضعافَ المطلوب يومِ الرخاء.

اعتلاء السلالم بترويّ هو الطريقة المثلى لبلوغ المجد، أيّ شيء كان ذاك الذي تبتغي وصول قمّته؛ خذه من درجتهِ السفلى وتناول لقمة الرضيع منه، كن صبورًا واستمر في تتابعِ اللقمات وترقّي المدارج، ستجد نفسك مع مرور الأيام وتصرّم الأوقات تبلغُ درجةً فوق أختها وتتسع مهاراتك بالشأنِ الذي ترتادهُ، وهذا سِرُّ الحياة بكافّة أصعدتها، ومهما كانت الغاية المنشودة بالغة في العظمة، فأخذها بطول المعاهدة وزيادة الجرعات رويدًا رويدًا قائدٌ وبلا ريبِ للوصول.

ثغركَ الذي تقوم عليهِ هو أولى الأماكن ببسالتك وجهادك، خذهُ على محْمَلِه اللائق به، واسعَ أن تلبّي مهامّك على وجهها لترفع عن نفسك الملامة وتكون قد حقّقت مقامك وأدّيت واجبك، فالسؤال سيكون دورك ولن تسأل عن دور غيرك.

هَناك من يجد في حديث الفسيلة نبراسًا له، فتجدهُ يضع الخير أينما حلّ وحيث ارتحل، بل تمتد أياديه بالسخاء وهو على بُعد احتمالات هائلة لصاروخٍ يهبط على رأسه من يهوديّ مارق لتصعد روحه ويُغلق ملف حياته، أهل غزة والتلاحم والترابط وهم على أرض الأهوال يضربون مثلاً صريحًا في قيام الساعة وهم يقبلون بكل ما يدّخرونه من إمكانيات وقدرات ليزرعوا أعمالاً طيبة ويمضون غير آبهين بطول الحياة وقصرها.

العلاقاتُ تستوجبُ البذل في سبيلِ نموّها، فما أعجب الإنسان يرصفُ قوائم رغباتٍ من صاحبه وهو متفرجٌ لا يُقْبِلُ تهلّلاً وبِشْرًا ولا يبسط يدَ تودّدٍ ولا محبّة، لا يؤدي حقوقًا ولا يقدّم واجبًا عليه ثم هو بعد كل ذلك ناقمٌ من صاحبه مستوحشٌ من صدوده ..

العلاقات تستلزمُ أطرافًا يشعرون بالمسؤولية تجاهها ويقدمون ما يتطلبهُ سياق علاقتهم "زواج، صداقة، أُبوّه، أُخوّة .. الخ" وهم إن لم يجدوا ما يسدُّ رمقهم، يكونون في مقامِ من أدّى ما عليه ورفع عن نفسه العذر والملامة ولا يضرّه ما فعلهُ صاحبه بعد ذلك، إن شَهِد إحسانًا فنعمّا ما ناله وقطفه من ثمر وهنيئًا لهُ أداء أمانته، وإن شهِد إعراضًا فالعذر قُدّم والحياة تحثّ خطها وتُتجاوز بالسلوى.