هُناك مِن الأُمُور الَّتي يَشتَبِهُ في فَهمِها الكَثِير مِن النَّاس فَيَؤول أَمرُهُم إلى الفَشَل الذَّرِيع، والإحبَاط الفَظِيع، فَلا يَتَخَلَّص الفَرد مِمَّا أَصَابَه مِن إِحبَاط إِلَّا بِشِقِّ الأَنفُس، ورُبَّمَا تَخرُج الأَحوَال عَن السَّيطَرَة، فَلا تَسمَع إِلَّا صَوتًا مُدَوِّيًا لِسُقُوط مِزَاجِهِ مِن شَاهِق الأَمَل والتَّفَاؤُل إلى وَادِي اليَأسِ والإِحبَاط، وعَدَم الحَرَكَة نَحْوَ أَيِّ فِعلٍ مِن شَأنِه إِخرَاج الفَردِ مِمَّا أَصَابَهُ حَتَّى بَلَغَ حَالَتَهُ الَّتِي هُوَ فِيهَا مِن الإِحبَاط وَاليَأسِ.

ومِن هَذِهِ الأُمُور الَّتِي قَد يُصَابُ الإِنْسَان بسَبَبِهَا بِفَقد عَامِل لأَمَل الَّذِي يُضِيء لَهُ طَرِيقَ حَيَاتِه الَّتِي لَا بُدَّ مِن عَيشِهَا، هُوَ انتِظَارُ مَن يُخرِجُه مِن حَالَتِه، وَانتِظَارُه لَن يَعمَلَ عَنه العَمَل الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يَأتِيَ بِهِ هُوَ بِنَفسِهِ، وَيُعَلِّمُنَا الدِّينُ الحَنِيف أَنَّهُ لَا يَعمَلُ عَمَلَكَ أَحَد، وَلَا تَتَحَصَّل عَلَى النَّجَاح بِلا عَمَلِك أَنت، فَعِندَمَا تَرَى حُكمَ الدِّينِ بِعَدَم صِحَّة الوَاجِبَات العَينِيَّة إِلَّا إِذَا أَدَّاهَا المُكَلَّف بِنَفسِهِ، فَهَذَا الحُكم يُمكِن أن نَفهَمَ مِنه: أَنَّ الإِسلَامَ يُعَلِّمُنَا مَا يَجِبُ عَلَينَا أَنْ نَأتِيَ بِهِ، ولا نَنتَظِر مَن يُؤَدِّيه عَنَّا، وهَذَا لَهُ ثَمَرَات لا تُعَدّ ولا تُحصَى، مِنْهَا: أَنَّ المُكَلَّف لا يَنتَظِر أَحَدًا يَصدُرُ مِنهُ هَكَذَا انتظار.

كانَّهُ يَقُول لِلمُكَلَّف: قُمْ وَاعمَل بِنَفسِكَ، وَاحصُد نَجَاحَكَ بِيَدِك، وهَكَذَا الحَال فِي كَثِير مِن أُمُورِ حَيَاتِنَا، يَجِب أَلَّا نَنتَظِرَ مَن يَدرُسُ نِيَابَةً عَنَّا، ولا مَن يَعمَل عَلَى تَطوِيرِ نَفسِه نِيَابَةً عَنَّا، وَلَا نَنتَظِرُ مَن يَبحَث نِيَابَةً عَنَّا، إِنَّمَا الوَاجِب عَلَينَا أَن نَطلُبَ العِلمَ، ونَبذُل الوُسع كُلَّ الوُسع فِي سَبِيل ذَلِك، لا نَنتَظِر مَن يَهتَدِي نِيَابَةً عَنَّا، بَل نَحن نَسعَى ونَعمَل ونَبذُل الجُهد فِي سَبِيلِ رِعَايَة شَجَرَة المَعرِفَة فِي نُفُوسِنَا، وبِهَذَا الفَهم لا يَصِل الإِحبَاطُ سَاحَاتِنَا؛ لِأَنَّ شَجَرَة المَعرِفَة تُثمِرُ السَّعَادَة وَالأَمَل وَالنَّجَاح الدَّائِم.

عن أبي حمزة الثمالي -رض- قال:

رأيتُ عَلي بنَ الحُسَينِ -ع- في فناءِ الكَعبَةِ في اللَّيلِ وهو يُصَلّي، فأطالَ القِيام حَتّى جعلَ مرَّةً يَتَوَكَّأُ عَلى رِجلِهِ اليُمنى ومَرَةً عَلى رِجلِهِ اليُسرى.

ثُمَّ سَمِعتُهُ يَقولُ بِصَوتٍ كَأنَّهُ باكٍ:

‏« يا سَيِّدي تُعَذِّبُني وحُبُّكَ في قَلبي؟، أما وعِزَّتِكَ لَئِن فَعَلتَ لَتَجمَعَنَّ بَيني وبَينَ قَومٍ طالَما عادَيتُهُم فيك. »

📚 | الكَافِي الشَّريف.

يا مَن تشوَّقَ التّرابُ لسُقيا النّور من مَسيل دِمائه، ويا مَن ابتغى الحزنُ كلَّ معناهُ من كُرُباتِه، ويا مَن تمنّى الياقُوتُ لونَ العِشق من وِجدانه، ويا مَن ظمِئَ الزّمانُ لانتصارِ «الحقِّ» في ثوراته، ويا مَن حنَّتْ بُشرى ولادتِه لدمعِ الرَّوْح بلقائه..

︎ ︎ ︎

«يَاحَيُّ يَاقَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ اسْتَغِيثُ فَأَغٖثْنِي وَلَا تَكِلْنِي اِلىٰ نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ اَبَدًا وَاصْلِح ليْ شَأْنِي كُلّهُ»
- حِرزُ الصِّدِّيقَة الزَّهرَاء ‹عَليهَا السَّلام›
- مهج الدّعوات ومهج العبادات، ص: ١٧.

عِبارةٌ لطالَما أُرَدِّدُها لنفسي، وتتركُ أثراً كبيراً في داخِلي عندَ البلاءات والاختبارات الدُّنيويّة: كُلّ شيءٍ قابلٌ للحَل إلّا المَوت، فلماذا تَخاف؟.

قَلبِي عَلَىٰ تِلكَ الوَدَائِعِ فِي العَرَا
مَلقيةً كَإِمَامِهَا فَوقَ الثَّرَىٰ

قَلبِي عَلَيْهَا فِي الشَّمُوسِ وحَرِّهَا
دُونَ القُبُورِ فَلَا تُزَارُ وَلا تُرَىٰ

قَلبِي عَليهَا فِي الصَّقِيعِ وَقُرِّهِ
تَحتَ الرُّكَامِ وعِندَ أَطرَافِ القُرَىٰ

قَلبِي عَلَىٰ المَفقُودِ، لا آثَارُهُ
ظَهَرَت، ولَا رَاوٍ يُحِدِّثُ مَا جَرَىٰ.

خِذوا ما تشاؤون وأترِكوا لِي دَعوةً طيّبَة.