○◎

أسماء يُنهىٰ عن التَّسمِّي بها

ذكر أهل العلم أنَّ هناك أسماء يُنهىٰ عن التَّسمِّي بها ؛ ومنها :

١- كلُّ اسم معبَّد لغير ﷲ : كعبد العُزىٰ ، وعبد الحجر ، وعبد الكعبة وما أشبه ذلك .

ــ عن هانىء بن يزيد - رضي ﷲ عنه - قال : وفد علىٰ النَّبي ﷺ قوم فسمعهم يُسمُّون عبد الحجر
فقال له : « ما اسمك ؟ »
فقال : عبد الحجر .
فقال له رسول ﷲ ﷺ : « إنَّما أنت عبد ﷲ » ⑴.

٢- التَّسمي بأسماء الربِّ تبارك وتعالىٰ .

فلا يجوز التَّسمي بالأحد ، والصَّمد ، ولا بالخالق ، وكذلك سائر الأسماء المختصَّة بالله تبارك وتعالىٰ ، مثل : الرَّحمـٰن ، الرَّحيم ؛ ولا يجوز تسمية الملوك : بالقاهر ، والجبَّار ..

ولا يجوز كذلك التَّكني بأسماء الربِّ تعالىٰ : كأبي الحكم ، وأبي الأعلىٰ ..

ــ عن هانىء ـ رضي ﷲ عنه ـ : أنَّه لمَّا وفد إلىٰ رسول ﷲ ﷺ إلىٰ المدينة مع قومه سمعهم يُكنُّونه بأبي الحكم ؛ فدعاه ﷺ فقال : « إنَّ ﷲ هو الحكم وإليه الحكم » ثمَّ كنَّاه بأكبر أبنائه فقال : « أنت أبو شُريح » ⑵.

٣- يَحرُم التَّسمي بملك الملوك ، وسلطان السَّلاطين .

ــ عن أبي هريرة - رضي ﷲ عنه - عن النَّبي ﷺ قال : « إنَّ أخنع اسم عند ﷲ رجل تسمَّىٰ ملك الأملاك » ⑶.

ويقاس عليه : قاضي القضاء ؛ وحاكم الحُكام .

وكذلك يَحرُم التَّسمّي بـ ‹ سيِّد النَّاس › كما يحرُم ‹ سيِّد ولد آدم › فإنَّ هذا ليس لأحد إلا لرسول ﷲ ﷺ وحده ؛ فلا يحلُّ لأحد أن يطلق علىٰ غيره ذلك

٤- التَّسمي بالأسماء الأعجميَّة المولِّدة للكافرين الخَّاصة بهم .

وقد عظمت البليَّة في زماننا هذا ؛ فأصبحنا نسمع من الأسماء فيها من المعاني ما يدعو للميوعة والخنا والرذيلة ممَّا يُلتقط من بلاد الكفار ؛ وﷲ المستعان .

٥- التَّسمي بأسماء الشياطين : كخنزب ، الولهان ، والأعور ، والأجدع .

ــ لما روي عن الشعبي ؛ عن مسروق : لقيت عمر بن الخطَّاب - رضي ﷲ عنه - فقال : من أنت ؟
قلتُ : مسروق بن الأجدع .
فقال عمر رضي ﷲ عنه : سمعت رسول ﷲ ﷺ يقول : « الأجدع شيطان » ⑷.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
⑴. رواه ابن أبي شيبة .
⑵. رواه أبو داوود .
⑶. رواه البخاري .
⑷. رواه أحمد ‹ ٣١/١ › وفي إسناده ضعف .

◎○

ما يُستحبُّ منَ الأسْمَاء

دلَّت نصوص الشَّرع علىٰ أنَّ هناك أسماءً يُستحبُّ التَّسمي بها ؛ ومنها :

١- استحباب التَّسمية بـ عبد ﷲ و عبد الرحمـٰن .

ــ عن عبد ﷲ بن عمر - رضي ﷲ عنهما - قال : قال رسول ﷲ ﷺ : « إنَّ أحبَّ أسمائكم إلىٰ ﷲ : عبد ﷲ وعبد الرحمـٰن » ⑴.

٢- التَّسمي باسم النَّبي ﷺ ‹ محمَّد › .

ــ عن جابر ـ رضي ﷲ عنه ـ ؛ عن النَّبي ﷺ قال : « تسمّوا باسمي ؛ ولا تكتنوا بكنيتي ، فإنِّي أنا أبو القاسم ؛ أقسم بينكم » ⑵.

٣- التَّسمي بـ أسماء الأنبياء .

ــ عن سعيد بن المسيَّب - رحمه ﷲ - قال : أحبُّ الأسماء إلىٰ ﷲ : أسماء الأنبياء ⑶.

٤- التَّسمي بـ اسم الحارث ؛ وهمام .

ــ عن أبي وهب الجشمي - رضي ﷲ عنه - قال : قال رسول ﷲ ﷺ : « أحبُّ الأسماء إلىٰ ﷲ عبد ﷲ وعبد الرحمـٰن ؛ وأصدقها حارثٌ وهمَّامٌ » ⑷.

٥- التَّسمي بأسماء الصَّالحين .

ــ عن المغيرة بن شعبة - رضي ﷲ عنه - قال : لمَّا قدِمتُ نجران سألوني ..
فقالوا : إنَّكم تقرؤون : { يا أخت هارون } ، وموسىٰ قبل عيسىٰ بكذا وكذا ؟
فلمَّا قدمت علىٰ رسول ﷲ ﷺ سألته عن ذلك
فقال : « إنَّهم كانوا يُسمُّون بأنبيائهم والصَّالحين قبلهم » ⑸.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
⑴. رواه مسلم ‹ ٥٦٣٨ › .
⑵. رواه البخاري ‹ ٣٥٣٨ › .
⑶. رواه ابن أبي شيبة ‹ ٥٩٦١ ›
⑷. رواه أحمد ‹ ٣٤٥/٤ › .
⑸. رواه مسلم ‹ ٥٦٤٩ › .

○◎

**تخيَّروا الأسماء لأبنائكم

فإنَّ للأسماء تأثيراً علىٰ مسمَّياتها**

كان رسول ﷲ ﷺ شديد الاعتناء بالأسماء ؛ ومن تأمَّل السُّنَّة وجد معاني في الأسماء مرتبطة بها ، حتَّىٰ كأنَّ معانيها مأخوذة منها ؛ وكأنَّ الأسماء مُشتقة من معانيها ، فتأمَّل قوله ﷺ : « أسلم سالمها ﷲ ، وغِفار غفر ﷲ لها ، وعصيَّة عصت ﷲ » .

ــ وقوله لمَّا جاء سُهيل بن عمرو يوم الصُّلح : « سهُلَ أمرُكم » .

ــ وقوله لبريدة لمَّا سأله عن اسمه ، فقال : بريدة
قال ﷺ : « يا أبا بكر بَرد أمرنا »
ثمَّ قال : « ممن أنت ؟ »
قال : من أسلم .
فقال لأبي بكر : « سلِمنا » .
ثمَّ قال : « مِمن ؟ »
قال : من سهم .
قال : « خرج سهمك » ⑴.

ــ وإذا أردت أن تعرف تأثير الأسماء في مسمياتها ؛ فتأمَّل حديث سعيد بن المسيِّب عن أبيه ، أنَّ أباه جاء إلىٰ النَّبي ﷺ فقال : « ما اسمك ؟ »
قال : حَزْنٌ .
قال : « أنت سهل » .
قال : لا أغيِّر اسماً سمَّانيه أبي .
قال ابن المسيَّب : فما زالت الحزونة فينا بعد ⑵.

وقلَّ أن ترىٰ اسماً قبيحاً إلا وهو علىٰ مسمىٰ قبيح ؛ فإنَّ مسبِّب الأسباب جعل هذه المناسبات مقتضيات لهذا الأثر ؛ وجعل اجتماعها علىٰ هذا الوجه الخاص موجباً له .

ولقد كان العرب صخورًا وجنادل يوم كان من أسمائهم صخر وجندلة ؛ وكانوا غصصًا وسمومًا يوم كان فيهم مرّة وحنظلة ؛ وكانوا أشواكًا وأحساكًا يوم كان فيهم قتادة وعوسجة ، فانظر ما هم اليوم ، وانظر أيّ أثر تتركه الأسماء في المسمَّيات .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
⑴. ذكره أبو عمر في استذكاره .
⑵. رواه البخاري ‹ ٦١٩٣ › .

○◎

**تسمية الصِّبيان

حديث ‹ ١٣ ›**

عن عبد ﷲ بن عمر - رضي ﷲ عنهما - قال : قال رسول ﷲ ﷺ : « إنَّ أحبَّ أسمائكم إلىٰ ﷲ : عبد ﷲ وعبد الرحمـٰن » ⑴.

الأحكام والآداب المتعلِّقة بالحديث :

١- دلَّ الحديث علىٰ استحباب التَّسمية بعبد ﷲ وعبد الرحمـٰن .

٢- أمر النَّبي ﷺ بتحسين الأسماء ؛ وكان ﷺ يعجبه الاسم الحسن ، ويتفاءل به .

ــ عن ابن عباس - رضي ﷲ عنهما - قال : كان رسول ﷲ ﷺ يتفاءل ويُعجبُهُ الاسم الحسن ⑵.

ــ عن أبي الدرداء - رضي ﷲ عنه - قال : قال رسول ﷲ ﷺ : ‹ إنَّكم تُدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم ؛ فأحسنوا أسماءكم » ⑶.

٣- كان ﷺ يكره الأسماء القبيحة ولا تعجبه ؛ بل وكان من هديه ﷺ تغييرها إلىٰ أسماء حسنة .

ــ عن عائشة - رضي ﷲ عنها - : أنَّ النَّبي ﷺ كان يُغيّر الاسم القبيح ⑷.

▪️والأسماء التي غيَّرها النَّبي ﷺ كثيرة جداً ؛ ومنها :

ــ عن ابن عمر - رضي ﷲ عنهما - أنَّ رسول ﷲ ﷺ غيَّر اسم عاصِية ؛ وقال : « أنت جميلة » ⑸.

ــ عن ابن عبَّاس - رضي ﷲ عنهما - قال : كانت جويرية اسمها بَرَّةُ ؛ فحوَّل رسول ﷲ ﷺ اسمها جويرية ؛ وكان يكره أن يُقال : خرج من عند بَرَّة ⑹.

٤- يختار وليُّ الصَّبي الاسم الحسن لأبنائه ؛ لأنَّ للأسماء تأثيراً علىٰ مُسمَّياتها .

ومما يدلُّ علىٰ ذلك قوله ﷺ : « أسلمَ سَالمها ﷲ ؛ وغِفار غفر ﷲ لها ، وعصيَّة عصت ﷲ ورسوله » .

٥- وقت التَّسمية :

١- يوم ولادته .

ــ كما في تسمية النَّبي ﷺ لابنه إبراهيم يوم ولادته ؛ وتسميته ﷺ لبعض أبناء الصَّحابة - رضي ﷲ عنهم - يوم ولادتهم .

٢- تسمية المولود في اليوم الثالث .

ــ قال الخلال - رحمه ﷲ - في جامعه : أخبرني عبد الملك بن عبد الحميد قال : تذاكرنا لكم يُسمَّىٰ الصَّبي ؟
فقال لنا أبو عبد ﷲ - أحمد بن حنبل - أمَّا ثابت ، فروىٰ عن أنس - رضي ﷲ عنه - أنَّه يُسمىٰ لثلاثة ؛ وأمَّا سمُرة - رضي ﷲ عنه - فيُسمىٰ يوم السَّابع .

٣- في اليوم السَّابع .

كما جاء في حديث سمرة رضي ﷲ عنه .

قلت : من عزم علىٰ اسم يوم ولادة المولود فليُسمِّه يوم ولادته ؛ ومن لم يعزم علىٰ اسم ، واحتار في تسميته ؛ فليؤخِّره إلىٰ اليوم الثالث أو اليوم السَّابع حتَّىٰ يُصيب السُّنَّة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
⑴. رواه ابن أبي شيبة .
⑵. رواه أحمد ‹ ٢٥٧/ ١ › .
⑶. رواه أحمد ‹ ١٩٤/٥ › .
⑷. رواه الترمذي ‹ ٢٨٣٩ › .
⑸. رواه مسلم ‹ ٥٦٥٥ › .
⑹. رواه مسلم ‹ ٥٦٥٧ › .

○◎

ما ينبغي العدل فيه بين الأبناء

الأمر بالعدل بين الأولاد يشمل كل شيء يكون فيه العدل ؛ ومن ذلك :

١- العدل بين الصِّبيان في التَّقبيل .

ــ عن أنس ـ رضي ﷲ عنه ـ : أنَّ رجلاً كان جالساً مع النَّبي ﷺ فجاء بُنيٌّ له ؛ فأخذه فقبَّله وأجلسه في حِجْره ، ثمَّ جاءت بُنيَّة له ، فأخذها وأجلسها إلى جنبه ؛ فقال النَّبي ﷺ : « فما عدلت بينهما » ⑴.

٢- في التَّعليم .

ــ قال مجاهد - رحمه ﷲ - : يُؤتى بمعلِّم الكُتَّاب يوم القيامة ، فإن كان عدل بين الغِلمان ؛ وإلا أُقيم مع الظلمة ⑵.

ــ عن الحسن البصري - رحمه ﷲ - في المعلِّم يستوفي الأجر ولا يعدل بين الصِّبيان ؛ قال : يُكتب مع الظلمة ⑶.

٣- في الأكل .

ــ قال السري بن يحيىٰ : حدَّثني من أثق به : أنَّ عمر بن عبد العزيز ضمَّ ابناً له ؛ وكان يُحبُّه
فقال : يا فلان ، وﷲ إنِّي لأحبُّك ؛ وما أستطيع أن أوثرك علىٰ أخيك بلقمةٍ ⑷.

٤- في النوم .

ــ عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال : كان عمر بن عبد العزيز له ابنٌ من امرأة من كعب ، وكان يُحبه ، وينام معه في بيته .
قال : فتعرضتُ له ذات ليلة .
فقال : أعبد العزيز ؟
قلت : نعم .
فقال : شر ما جاء بك ؛ أُدخل .. فدخلتُ
فقال : ما لك ؟
فقلت له : إنَّك لتصنع ابن الحارثية ما لا تصنع بنا ؛ ولست آمن أن يُقال : هذا من شيءٍ يراه عنده ، ولا يراه عندهم .
فقال : أعلَمك هذا أحدٌ ؟
فقلت : لا ؛ فأعاد عليّ ، فأعدتُ عليه .
فقال : ارجع إلى مبيتك ؛ فرجعت .
فكنت أبيت أنا وإبراهيم وعاصم وعبد ﷲ جميعاً ؛ فإذا نحن بفراشٍ يُحمل يتبعه ابن الحارثية .
فقلنا : ما شأنك ؟
قال : شأني الذي صنعتَ بي .
قال نعيم بن ميسرة : كأنَّه خشي أن يكون جوراً ⑸.

٥- في العطيَّة .

ــ عن ابن عبَّاس ـ رضي ﷲ عنهما - قال : قال رسول ﷲ ﷺ : « سوّوا بين أولادكم في العطيَّة ؛ ولو كنت مؤثراً لأحد لآثرت النساء علىٰ الرِّجال » ⑹.

ولأنَّها عطيَّة في الحياة ، فاستوىٰ فيها الذكر والأنثىٰ ، كالنفقة والكسوة … وغيرها .

وإن خصَّ بعض أبنائه لمعنىًٰ يقتضي تخصيصه ؛ مثل اختصاصه بحاجة أو مرض أو نحوه فلا بأس في ذلك .

وإن صرف عطيَّته عن بعض ولده لفسقه أو بدعته ؛ أو لكونه يستعين بما يأخُذُه علىٰ معصية ﷲ ؛ فقد رُوي عن أحمد - رحمه ﷲ - ما يدلُّ علىٰ جواز ذلك ؛ لقوله في تخصيص بعضهم بالوقف : لا بأس به إذا كان لحاجة ، وأكرهه إذا كان علىٰ سبيل الأثرة والعطيَّة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
⑴. رواه البزار ‹ زوائد › .
⑵. رواه الدينوري في المجالسة .
⑶. رواه ابن أبي الدنيا في العيال .
⑷. رواه ابن أبي الدنيا في العيال .
⑸. البر والصلة لابن المبارك .
⑹. سنن الترمذي .

○◎

العدل بين الأبناء

حديث ‹ ١٢ ›

عن النعمان بن بشير قال : قال رسول ﷲ - صلَّىٰ ﷲ عليه وسلَّم - : « اعدِلوا بين أبنائكم ؛ اعدِلوا بين أبنائكم » ⑴.

الأحكام والآداب المتعلِّقة بالحديث :

١- دلَّ الحديث علىٰ الأمر بالعدل بين الأولاد .

٢- دلَّ الحديث علىٰ أنَّ من حقوق الأولاد علىٰ آبائهم العدل بينهم .

كما في رواية أحمد : « إنَّ لبنيك عليك من الحقِّ أن تعدل بينهم .. » ⑵.

٣- سبب الحديث .
ــ عن النعمان بن بشير - رضي ﷲ عنهما - قال : طلبت عَمْرَة بنت رواحة إلىٰ بشير ابن سعد أن ينْحَلَني نُحْلاً من ماله ؛ وإنَّه أبىٰ عليها ، ثمَّ بدا له بعد حولٍ أو حولين أن ينحلنِيه .
فقال لها : الذي سألت لابني كنت منعتُكِ ، وقد بدا لي أن أنحَله إيَّاه .
قالت : لا وﷲ ؛ لا أرضىٰ حتَّىٰ تأخذ بيده ، فتنطلق به إلىٰ رسول ﷲ ﷺ فتُشهِدَه .
قال : فأخذ بيدي ؛ فانطلق بي إلىٰ رسول ﷲ ﷺ فقصَّ عليه القصَّة .
فقال له النَّبي ﷺ : « هل لك معه ولد غيره ؟ »
قال : نعم .
قال : « فهل آتيتَ كلَّ واحد منهم مثل الذي آتيت هذا ؟ » .
قال : لا .
قال : « فإنِّي لا أشهد علىٰ هذا ؛ هذا جَورٌ ، أشهِد هذا غيري ، اعدِلوا بين أولادكم في النُّحل كما تُحبُّون أن يعدلوا بينكم في البرِّ واللُّطف » ⑶.

٤- فضل الذين يعدلون بين أهليهم .
ــ عن عبد ﷲ بن عمرو - رضي ﷲ عنهما - قال : قال النَّبي ﷺ : « إنَّ المقسطين عند ﷲ علىٰ منابر من نور عن يمين الرحمـٰن - عزَّ وجلَّ - ؛ وكِلتا يديه يمين ، الذين يعدلون في حكمهم ، وأهليهم ، وما وَلُوا » ⑷.

٥- إنَّ من أعظم ما يهِبُ الوالد لولده : حسن التَّربية والأدب .

ــ عن أيوب بن موسىٰ بن عمرو بن سعيد بن العاص ، عن أبيه ، عن جده ـ رضي ﷲ عنه ـ قال : قال رسول ﷲ ﷺ : « ما نحلَ والدٌ ولده ، أفضل من أدبٍ حسن » ⑸.

٦- تمييز بعض الأولاد عن بعض في المعاملة والحُبِّ يُسبب العداوة والبغضاء بينهم .

ــ كما قال تعالىٰ عن إخوة يوسف ـ عليه السَّلام ـ : { إذ قالوا ليُوسفُ وأخوهُ أحبُّ إلىٰ أبينا منَّا ونحنُ عصبةٌ إنَّ أبانا لفي ضلالٍ مبين ۞ اقتلوا يوسفَ أو اطرحوهُ أرضاً يَخلُ لكم وجهُ أبيكم وتكونوا من بعدهِ قوماً صالحين } ⑹.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
⑴. رواه البخاري ‹ ٢٦٥٠ ›.
⑵. المسند ‹ ٢٦٩/٤ ›
⑶. رواه البخاري ‹ ٢٦٥٠ › .
⑷. رواه مسلم ‹ ٤٧٤٨ › .
⑸. رواه أحمد ‹ ٢١٤/ ٣ › .
⑹. يوسف ‹ ٨ - ٩ › .

○◎

هذا الأثر برحلة

قال ابن أبي شيبة : حدَّثنا أبو خالِد ، عن أَشعث ؛ عن أبي بُرْدة ، قال :

بعثني أبي ‹ أبو موسى الأشعري - رضي ﷲ عنه - › إِلىٰ المدينة ؛ وقال :
الحق أصحاب رسول ﷲ - صلَّىٰ ﷲ عليه وسلَّم فسائِلْهُم ؛ وَاعْلَمْ أنِّي سائِلُك .
فلَقيت ابن سلام فإذا هو رجلٌ خاشعٌ ⑴.

❐ هذا أثر جليل فيه :

١- الحثُّ علىٰ طلب العلم .
٢- تربية الأبناء علىٰ طلب العلم .
٣- اختيار معلِّمٍ سنِّي ممَّن يُؤتمن علىٰ دين الصِّبيان .
٤- اختبار المتعلِّم فيما حصَّله من علم ؛ والتَّعامل معه بجديَّة وإن كان ابناً .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
⑴. مصنف ابن أبي شيبة ‹ ٣٥٩٧٠ ›.

○◎

تعليم الصِّبيان الأذكار والسُّنَّة

ربط الأبناء بالذِّكر والدُّعاء ؛ جانب تربويٌّ مهمٌّ ؛ قدوتنا فيه رسول ﷲ ﷺ ؛ حيث كان يتعاهد الأطفال بذلك ويحثّهم علىٰ ذكر ﷲ تعالىٰ في كلِّ حين وعلىٰ كلِّ حال .

❐ كما في الحديث حينما كان رسول ﷲ ﷺ علىٰ مائدة طعام ؛ وكان بجواره عمر ابن أبي سلمة فقال : « يا غلام سمِّي ﷲ ، وكُل بيمينك ، وكُلْ ممَّا يليك » ⑴.

❐ قال التَّابعي إبراهيم النَّخعي : كان أصحابُنا يأمرُوننا ونحنُ غلمانٌ إذا أوينا إلىٰ فراشنا ؛ أن نُسبِّح ثلاثًا وثلاثين ، ونحمدَ ثلاثًا وثلاثينَ ؛ ونُكبِّر أربعًا وثلاثينَ ⑵.

❐ قال عبد ﷲ بن الإمام أحمد : حدَّثنا الحسن ، عن ضمرة ، عن علي بن أبي حملة ، عن عبد ﷲ بن عبد الملك قال :

كنَّا نسير مع أبينا في موكبه فيقول لنا : سبِّحوا حتَّىٰ تأتوا ‹ تصلوا › تلك الشَّجرة فنُسبِّح حتَّىٰ نأتي تلك الشَّجرة ؛ فإذا رُفعت لنا شجرة أخرىٰ قال : كبِّروا حتَّىٰ تأتوا تلك الشَّجرة فنُكبِّر ، فكان يصنع ذلك بنا ⑶.

فعلىٰ كلِّ راعٍ مسلم أن يُعلِّم أبناءه ما ورد من الأدعية والأذكار ؛ حتَّىٰ تتعلَّق قلوبهم بذكر ﷲ ؛ ونكون بذلك قد خطونا خطوة عمليَّة بتطبيق سنَّة من سنن النَّبي ﷺ .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
⑴. متَّفق عليه .
⑵. مصنف ابن أبي شيبة ‹ ٢٧٠٦٥ › .
⑶. زوائد الزهد ‹ ١٢٨٠ › .

○◎

**حثُّ الأبناء علىٰ قيام الليل

وترغيبهم بذكر فضل قائم الليل**

❐ كان الصَّحابي قرة بن إياس - رضي ﷲ عنه - يقول لبنيه إذا صلوا العشاء : يا بَنيّ ناموا ؛ لعلَّ ﷲ أن يرزقكم من الليل خيراً ⑴.
أي : ناموا مبكِّراً لعلَّكم تقومون فتصلُّون قِيام الليل .

❐ قال طلحة بن مصرف - رحمه ﷲ - : ‏كان أبي يأمر نساءه وبناته وخدمه بقيام الليل ويقول : صلُّوا ولو ركعتين في جوف الليل ، فإنَّ الصَّلاة في جوف الليل تحطُّ الأوزار وهي أشرف أعمال الصَّالحين ⑵.

❐ قال معتمر بن سليمان - رحمه ﷲ - : كان أبي يوقظُ كلَّ من في الدَّار إذا دخل شهر رمضان ويقول : قوموا فلعلَّكم لا تدركوه بعد عامكم هذا ⑶.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
⑴. الزهد للإمام أحمد ‹ ١٠٤٠ › .
⑵. التهجد وقيام الليل لابن أبي الدنيا .
⑶. موسوعة ابن أبي الدنيا .

◎○

**تعليم الصِّبيان القرآن

حديث ‹ ٤ ›**

عن عبد ﷲ بن عبَّاس رضي ﷲ عنهما قال : توفِّي رسول ﷲ ﷺ وأنا ابن عشر سنين ؛ وقد قرأتُ المحكم .
قال شعبة : قلتُ لأبي بشر : ما المحكم ؟
قال : المفصَّل ⑴.

الأحكام والآداب المتعلِّقة بالحديث :

١- رغَّب النَّبي ﷺ الآباء في تعليم صبيانهم القرآن تلاوة وحِفظاً .

ــ عن بريدة الأسلمي ـ رضي ﷲ عنه ـ قال : قال رسول ﷲ ﷺ : « من قرأ القرآن وتعلَّمه وعمل به ؛ أُلبِس يوم القيامة تاجاً من نور ؛ ضوؤه مثل ضوء الشَّمس ؛ ويُكسىٰ والداه حُلَّتان لا يُقوَّم بهما الدُّنيا .
فيقولان : بمَ كُسينا ؟
فيُقال : بأخذ ولدِكُمَا القرآن » ⑵.

٢ـ اهتمَّ السَّلف الصَّالح بتعليم صبيانهم القرآن ؛ فسارعوا إلىٰ تعليمهم كتاب ﷲ منذ أوَّل نشأتهم ؛ وجعلوه من أوائل العلوم تحصيلاً وتعلُّماً بعد التَّوحيد والإيمان .

ــ قال زيد بن ثابت ـ رضي ﷲ عنه ـ : أُتي بي إلىٰ رسول ﷲ ﷺ فقالوا : غلامٌ من الخزرج قد قرأ ستَ عشرة سورة ⑶.

ــ قال وكيع ـ رحمه ﷲ ـ : كان لإبراهيم الحربي ـ رحمه ﷲ ـ ابنٌ ؛ وكان له إحدىٰ عشرة سنة ، قد حفظ القرآن ؛ ولقَّنه من الفقه شيئاً كثيراً ⑷.

ــ قال أبو محمَّد بن اللبان : حفِظتُ القرآن ولي خمس سنين ⑸.

٣ـ من شدَّة اهتمام علماء السَّلف بالقرآن وحفظه ؛ كانوا يمنعون الصَّبي من حضور مجالس الحديث قبل حفظ كتاب ﷲ تعالىٰ ؛ حتَّىٰ لا ينشغل بالحديث وكتابته وحفظه عن القرآن وضبطه .

ــ قال حفص بن غياث ـ رحمه ﷲ ـ : أتيت الأعمش فقلتُ : حدِّثني .
قال : أتحفظ القرآن ؟
قلت : لا .
قال : اذهب فاحفظ القرآن ؛ ثمَّ هلُمَّ أُحدِّثك .
قال : فذهبتُ فحفظت القرآن ؛ ثمَّ جئته فاستقرأني ، فقرأته ، فحدَّثني ⑹.

ــ عن الوليد بن مسلم قال : كنَّا إذا جالسنا الأوزاعي ـ رحمه ﷲ ـ فرأىٰ فينا حدثاً
قال : يا غلام ؛ قرأتَ القرآن ؟
فإن قال : نعم .
قال : اقرأ { يوصيكم ﷲ في أولادكم }
وإن قال : لا .
قال : اذهب تعلَّم القرآن قبل أن تطلب العلم ⑺.

٤ـ كان من هدي السَّلف الصَّالح - رحمهم ﷲ - في تعليم صبيانهم القرآن :

أن يُعلِّموهم القليل القليل من الآيات ؛ فكان منهم من لا يتجاوز في تعليمه عشر آيات ؛ ومنهم لا يتجاوز في حِفظه خمس آيات ؛ ومنهم من لا يتجاوز آية .

ــ قال أبو العالية رحمه ﷲ : تعلَّموا القرآن خمس آيات ؛ فإنَّه أَحفَظ لكم ⑻.

ــ قال أبو بكر بن عيَّاش ـ رحمه ﷲ ـ : قال لي عاصم ـ ابن أبي النجود ـ : ألا تقرأ عليَّ كما قرأ يحيىٰ علىٰ عبيد بن نضلة كلّ يوم آية ⑼.

٥ـ سبب اقتصار السَّلف الصَّالح علىٰ حفظ القليل من الآيات ؛ ليكون أمكن في الحفظ ؛ وأسهل في العمل ، فإنَّ مقصودهم من حِفظه ؛ هو التدبّر لمعانيه ؛ والعمل بما فيه ؛ وليس مقصودهم حفظ حروفه ، وتضييع حدوده ؛ كحال كثيرٍ من النَّاس اليوم .

ــ قال أبو عبد الرحمـٰن السُّلمي : حدَّثنا الذين يُقرئوننا : أنَّهم كانوا يستقرئون من النَّبي ﷺ ، فكانوا إذا تعلَّموا عشر آيات لم يخلفوها ؛ حتَّىٰ يعملوا بما فيها من العمل ، فتعلَّمنا القرآن والعمل جميعاً ؛ وإنَّه سيرث القرآن بعدنا قومٌ ؛ ليشربوه شرب الماء ، لا يُجاوز تراقيهم ⑽.

٦ـ كان السَّلف ـ رحمهم ﷲ ـ يُكرهون صبيانهم علىٰ تعلُّم القرآن وحفظه ؛ إذا أبىٰ الصَّبي ذلك ورأىٰ وليُّه منه النَّجابة والحفظ .

ــ قال عكرمة : كان ابن عبَّاس ـ رضي ﷲ عنهما ـ يجعل الكِبْل في رجلي علىٰ تعليم القرآن والسُّنَّة ⑾.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
⑴. رواه البخاري .
⑵. رواه ابن أبي شيبة ‹ ١٠٠٩٤ › .
⑶. تاريخ دمشق .
⑷. تاريخ بغداد ‹ ٦/٣٧ › .
⑸. السير ‹ ١٢/١٥٠ › .
⑹. المحدث الفاصل ‹ ٨٦ › .
⑺. الجامع لأخلاق الرَّاوي .
⑻. رواه ابن أبي شيبة ‹ ٩٩٨٠ › .
⑼. غاية النهاية ‹ ٤٩٨/١ › .
⑽. طَّبقات ابن سعد ‹ ٦/١٧٢ › .
⑾. رواه أبو نعيم في الحلية .